المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : متابعة سياسية تجدد النزاع في إثيوبيا



Abu Taqi
13-09-2022, 04:23 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

متابعة سياسية
تجدد النزاع في إثيوبيا
بعد مضي شهرين على إعلان الحكومة الإثيوبية استعدادها للتفاوض مع جبهة تحرير تيغراي من دون شروط مسبقة، وإعلانها عن تأسيس "لجنة السلام" للتفاوض مع الجبهة، تَجدد الاشتباك في 24 آب/أغسطس الماضي بين قوات دفاع تيغراي وبين بعض القوات الخاصة والميلشيات المحلية الموالية للحكومة المركزية في بعض المناطق حول بلدة كوبو Kobo جنوبي إقليم تيغراي، وذلك على إثر فشل المحادثات السرية وتصلب مواقف الطرفين وبخاصة موقف جبهة تحرير تيغراي حيال المفاوضات، ووسط اتهامات متبادلة بينها وبين الحكومة الفدرالية بخرق الهدنة الإنسانية في شمال البلاد منذ آذار/مارس 2022. إذ تصر جبهة تيغراي على استعادة منطقة الغرب الواقعة تحت سيطرة أمهرة منذ اندلاع الصراع في تشرين أول/نوفمبر 2020، قبل البدء في مفاوضات السلام؛ لضمان خطوط الإمداد العسكري من السودان، وهو الأمر الذي حرص آبي أحمد على الحيلولة دونه. كما وتصر الجبهة على فك الحصار المفروض عليها من قبل الحكومة الإثيوبية وإخراج القوات الإريترية من شمال إثيوبيا، وكل ذلك من شأنه أن يقوض استراتيجية آبي أحمد الرامية إلى إقصاء الجبهة، أو سحقها وإعادة الاستقرار والتعافي الاقتصادي الذي يعتبر مطلب الصين وسبب دعمها للحكومة، وبخاصة وأن استثماراتها سنة 2019؛ أي بعد أقل من عامين لحكم آبي أحمد قد مثلت زهاء 60% من التمويل الرئيسي للمشاريع، وهو الأمر الذي شرعت الولايات المتحدة بعرقلته سنة 2020 عبر الحرب الأهلية وتمزيق الدولة وتهديدها بالتفكك، في إطار سياستها الرامية إلى تحجيم الدبلوماسية الاقتصادية الصينية ومصالحها في إثيوبيا وإفريقيا برمتها، ولذلك لم يكن تموضع ما يُسمى بالحركات "الإرهابية" المُسخرة أميركيًّا على طول خط "الحزام والطريق" في إفريقيا بريئًا.
وفي هذا السياق لا بد من الإشارة إلى أن النزاع في إثيوبيا لا ينفصل عن الصدام الأميركي الصيني، ومحاولات أميركا لاحتواء الصين وإدماجها في النظام الدولي والتحكم بمصالحها ومنعها من المنافسة في المستقبل. فمن قراءة المعلومات المتعلقة بحجم الاستثمارات الصينية في إثيوبيا والتي تناهز 14 مليار دولار، وقروضها لإثيوبيا والبالغة حوالي 13.729 مليار دولار في الفترة بين عامي 2000 و2019، واستحواذها على أكثر من 50% من الديون الخارجية لإثيوبيا، وإنشائها لمئات المشاريع ومن أبرزها "المجمع الصناعي" في جنوب العاصمة أديس أبابا، بالإضافة إلى أهمية إثيوبيا الاستراتيجية كمركز تصنيع، وأهميتها الدبلوماسية كمقر للاتحاد الأفريقي، وبوصفها أنموذجًا للنمو الاقتصادي الذي ارتفع خلال العقد الماضي إلى 10%، وجعل إثيوبيا واحدة من أسرع الاقتصادات نموًّا على مستوى العالم. كل ذلك يشي بأن الولايات المتحدة والتي تملك استثمارات مماثلة في إثيوبيا لا سيما في مجال التكنولوجيا والاتصالات قد وضعت المصالح الصينية على صفيح ساخن. ذلك أن جبهة تحرير تيغراي هي التي تضع العصا في دواليب التحرك باتجاه المصالحة الوطنية والاستقرار، وتدعو "المجتمع الدولي" إلى التدخل وفق البند السابع لمجلس الأمن؛ لردع آبي أحمد عن تدمير قدراتها الدفاعية وفك الحصار عنها، بينما يحاول آبي أحمد التوصل إلى صيغة تمكنه من الحفاظ على سلطاته على كامل التراب الإثيوبي، وتحقيق طموحاته القومية والشخصية، عبر التوازن في تحقيق المصالح الأميركية والصينية، وهو الأمر الذي لم يعد يسعفه في ظل التصعيد الأميركي مع الصين وروسيا.
ويتضح الوضع السياسي في الشأن الإثيوبي من مواقف الدول الكبرى الداعمة لحكومة آبي أحمد كروسيا والصين بالإضافة إلى تركيا، كما يتضح أيضًا من مواقف القوى الضاغطة عليه وعلى رأسها الولايات المتحدة، التي ما انفكت تنتقد سياساته حيال معالجته للنزاع الدائر في البلاد، كما فرضت قيودًا واسعة النطاق على المساعدات الاقتصادية والأمنية التي تقدمها لإثيوبيا. ولا يخفى أن الصين قد انحازت للحكومة الإثيوبية في مجلس الأمن بدعم روسي فضلًا عن الدعم العسكري الصيني الذي أشارت إليه بعض التقارير.
وسبق أن أعلن وزير الخارجية الصيني دعم الصين للرئيس آبي أحمد وقال بأنَّ "الصين تقف ضد أي محاولة للتدخل في الشؤون الداخلية لإثيوبيا؛ لأنَّ الإثيوبيين لديهم الحكمة في حل مشاكلهم وتحقيق الاستقرار في الأوضاع بأنفسهم"، وهذا بخلاف ما تطالب به جبهة تيغراي وهو تدويل القضية.
ومن تتبع الوقائع نجد أن أميركا التي احتضنت عاصمتها تحالف المعارضة، تسعى إلى إفشال "الحوار الوطني"، وإبقاء حالة النزاع لإعاقة نمو الاستثمارات الصينية في إثيوبيا، ومن ثم تهديد استثماراتها في أفريقيا، ويجري ذلك بتواطؤ أوباسانجو، مبعوث الاتحاد الأفريقي لدى إثيوبيا، من خلال اقتراحه بإشراك إريتيريا في المفاوضات، وهو ما ترفضه جبهة تحرير تيغراي وتصر على رعاية كينيا للمحادثات، سيما وأن الانتخابات الكينية الأخيرة قد أسفرت عن فوز أعداء الاستثمارات الصينية في البلاد.
ويتضح التأزيم المُوجه من خلال دعوة الحكومة الإثيوبية للحشد والتعبئة للدفاع عن سيادة البلاد ووحدة أراضيها، ومن خلال إعلان جبهة تحرير تيغراي استعدادها لصد هجوم القوات الحكومية، وتحرير أراضي تيغراي في غرب الإقليم وإعادة النازحين إليها.
وخلاصة الأمر أن تجدد الاشتباكات وتأزيم الموقف يخدم عرقلة المفاوضات والمصالحة التي تتظاهر أميركا بالدعوة إليها، ويُشير كذلك إلى إعادة الأمور للمربع الأول، والذي يهدد بانهيار الوضع، ويعزز حالة عدم الاستقرار في الداخل الإثيوبي، وما له من تداعيات على المصالح الصينية في إفريقيا برمتها، ويوفر فرصة لليابان التي دفعت بها الولايات المتحدة للتنافس مع الصين في القارة الإفريقية، عبر مؤتمر طوكيو الدولي للتنمية (تيكاد)، والذي عُقد قبل أسبوعين في تونس، حيث تعهدت اليابان من خلاله بضخ 30 مليار دولار للتنمية في أفريقيا على مدار السنوات الثلاث المقبلة. في حين أشغلت الولايات المتحدة أوروبا بماضيها الاستعماري وجعلته عائقًا أمام ترميم علاقتها بالدول الأفريقية كالجزائر وهو ما أشهره الرئيس الجزائري في وجه ماكرون أثناء زيارته الأخيرة وأعاده إلى فرنسا بخفي حنين، كما وأفزعت أميركا الأوروبيين بخطر الهجرة و"الإرهاب" والحرب الأوكرانية والتمدد الروسي والتركي والصيني في إفريقيا؛ كي تُحكم قبضتها على مصالحهم جميعًا وتُخضعهم لإرادتها.
ما تجدر الإشارة إليه في ظل الصراعات المندلعة في شتى مناطق العالم هو تغوّل الرأسمالية وعقيدتها العلمانية، التي تُغذي الحروب والنزاعات وتُقيم الحياة على المادية النفعية، وتفرض منطق القوة والمغالبة في العلاقات الدولية وتحط من قيمة الإنسان دمه وماله وعرضه، وتخلق بين البشر العداوة والتباعد، وتوسع الفجوة بين الفقراء والأثرياء بدل أن تردمها. وكل ذلك مؤذن بقرب اندثارها إلى الأبد بعون الله، وعلى يد خير البرية أمة محمد صلى الله عليه وسلم التي تُلجم أتباع الشيطان وتحقن الدم الحرام حين تعود إلى رشدها ودورها الرسالي، وتقيم دولتها وتستأنف الدعوة إلى الإسلام لإخراج العباد من ظلم العباد وضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة.
17/صفر/1444هـ
13/9/2022م