Abu Taqi
13-08-2022, 06:11 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
متابعة سياسية
زيارة نانسي بيلوسي لتايوان
جاءت زيارة نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب الأميركي لتايوان في مطلع هذا الشهر لترفع حدة التوتر بين الولايات المتحدة والصين لأعلى درجة منذ زيارة نيوت جينجرش الرئيس الأسبق لمجلس النواب الأميركي عام ١٩٩٧، على إثر محاصرة الصين لتايوان إبان الانتخابات الرئاسية في الجزيرة عام ١٩٩٦، والتي سعت فيها الصين إلى التأثير على أصوات الناخبين التايوانيين، وإفشال فرص لي تينج وي في الفوز بسبب "ميوله الانفصالية". وهذه الزيارة ليست منعزلة عن الفخاخ والمناورات السياسية التي تقوم بها أميركا منذ إطلاق الإدارة السابقة لسياستها الرامية لتصوير الصين دولة خارقة للأعراف والنظم والقواعد الدولية، حيث سلطت الضوء على ثغراتها الحقوقية (هونج كونج والإيجور)، ونددت بسياساتها الخارجية التي وصفتها بـ"المشينة". فخلال الأشهر السبعة الماضية أرسلت عددًا من الوفود في زيارات رسمية لتايوان شملت ممثلين من الكونجرس أبرزهم بوب مينديز وليندزي جراهام، وهم أعضاء في اللجنة التي تقوم حاليًّا بدراسة "قانون تايوان ٢٠٢٢"، والذي يدعو لدعم تايوان عسكريًّا ومنحها منزلة حليف رئيسي خارج الناتو، ورفع مكتب تايوان إلى "مكتب ممثل تايوان" في واشنطن.
ويتضح النهج الاستفزازي من التصريحات المتكررة لبايدن منذ الغزو الروسي لأوكرانيا بخصوص استعداده للدفاع عن تايوان إذا واجهت هجومًا عسكريًّا من الصين، وإيفاده مجموعة من كبار المسؤولين في مجال الدفاع والأمن السابقين في شهر آذار/مارس ٢٠٢٢ لزيارة تايوان. وتأكيدًا لهذا النهج صرَّحت بيلوسي أن تضامن الولايات المتحدة مع تايوان يأتي في وقت "يواجه العالم خيارًا بين الاستبداد (الأوتوقراطية) والديمقراطية". إلا أن أكثر ما هو لافت في السياسة الأميركية تجاه الصين وروسيا منذ مجيء إدارة بايدن، أن ثمة تناقضًا بين ما تعلنه الولايات المتحدة وبين ما يجري على أرض الواقع، من تثبيت لانفصال تايوان عن الصين، وهذا ما أشارت إليه الصين في تعقيبها على زيارة بيلوسي حيث وصفت الزيارة بـ"الانتهاك الخطير لسيادة الصين وسلامة أراضيها".
وكانت إدارة بايدن قد قامت بتعزيز التحالفات والشراكات لمواجهة الصين، ومنها اتفاق أوكس وتعزيز دور الرباعية، وتشجيع اليابان خفية على تغيير البند التاسع من الدستور من أجل العودة إلى تعزيز قدراتها العسكرية والتي تثير قلق الصين، ولذلك لم تفوت الأخيرة فرصة تحذير اليابان عبر الصواريخ البالستية التي أطلقتها في مناوراتها الواسعة باتجاه المياه الإقليمية اليابانية ردًا على زيارة بيلوسي. وبالتالي فإن أقوال أميركا بشأن التزامها بوحدة أراضي الصين تتناقض مع اعتراضها على ضم الصين لجزيرة تايوان. وأما الزيارة ذاتها فتُعدُّ خروجًا عن "قانون علاقة تايوان ١٩٧٩"، والداعي لسياسة "الغموض الاستراتيجي"، واستفزازًا للصين وللرئيس الصيني والحزب الشيوعي الذي سيعقد مؤتمره السنوي في شهر تشرين ثاني/نوفمبر. حيث يسعى الرئيس الصيني من خلاله إلى توطيد حكمه بإعادة انتخابه لفترة ثالثة غير مسبوقة، بعد قيامه بتعديل الدستور ليتماشى مع رؤيته التجديدية للأمة الصينية، والتي يسعى من خلالها إلى تأهيل "الصين كقوة عظمى". وقد بلغ الاستفزاز الأميركي للصين أنها فجرت الأزمة في الوقت الذي تحاول فيه الصين اتباع سياسة "ضبط النفس" في علاقاتها مع الهند وكوريا الجنوبية واليابان ودول بحر الصين الجنوبي، وذلك في محاولة منها لإنهاء إجراءات تنصيب شي لولاية ثالثة تاريخية دون مؤثرات خارجية، وإعادة بناء الداخل اقتصاديًّا واجتماعيًّا بعد تداعيات سياسة كوفيد زيرو.
وهذا التصعيد والتوتر الدولي الذي تقف الولايات المتحدة خلفه في أوكرانيا وتايوان بالإضافة إلى الترتيبات الأمنية في الشرق الأوسط سيما في منطقة الخليج، لا يمكن قراءته في إطار الأعمال التقليدية أو النزاعات الإقليمية ذات الطابع الميداني، بل يشير إلى عملية إعادة رسم للخرائط الجيوستراتيجية والجيواقتصادية والأمنية، تحقيقًا لسياسة بايدن التي أعلنها فور تسلمه الحكم، وتقوم على إعادة بناء الشراكات والأحلاف والتكتلات على أسس قيمية (حرب النماذج)، وفرز العالم إلى معسكرين: (أوتوقراطي) استبدادي شمولي، وآخر هو (العالم الحر) ويضم الغرب وحلفاءه.
وأما القضايا المُثارة مثل حرب أوكرانيا وأزمة تايوان وتحالف الدفاع الجوي في الخليج والاستقطاب السياسي لتركيا وتهديد إيران، فهي مجرد آليات لإعادة رسم الخرائط الجيوستراتيجية والأمنية وبناء التحالفات. ومن خلال ذلك تقوم الولايات المتحدة بإعادة هيكلة العلاقات الدولية، وجرِّ أوروبا لمواجهة الأخطار المحتملة التي تهدد مصالحها ومركزيتها في الموقف الدولي. ولذلك عقَّب البيت الأبيض على ردود فعل الصين حول زيارة بيلوسي لتايوان أنه "لا يبحث عن أزمة مع الصين لكن لن يتم منعنا من استخدام بحار وأجواء منطقة شرق المحيط الهادي". ومن ذلك يظهر أن ثمة مخططًا لمحاصرة الصين عسكريًّا من قبل الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي و QUAD و AUKUS من أجل احتوائها ومنعها من الهيمنة على منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وإبقائها في مواجهة تحديات قيمية تُفضي إلى تقويضها من الداخل، وترغمها على السير وفق المنظومة الدولية. ويتضح ذلك أكثر من وصف قائد عمليات حماية حقوق الإبحار (Freedom of Navigation Operations) لهدف العمليات التي ينفذونها بأنها لـ"معرفة من هو السيد" ، ومن ذلك إبحار مجموعة حاملة الطائرات رونالد ريغان، وقيام المدمرة بينفولد بعمليات مواجهة للبحرية الصينية في جزر سبراتلي وبارسيلز الاستراتيجية.
وهذا التوتر الذي صنعته أميركا والذي وصفه لافروف بـ"الاستفزازي" والـ"المتعمد" يندرج في محاولة إبراز "القومية الصينية" في بلد يشمل ٥٥ أقلية تحكمهم فصيلة "الهان"، وضمن مساعي أميركا لتسليط الضوء على قضايا الصين "الحقوقية" في هونج كونج، واضطهاد الإيجور، و"أعمالها المشينة" بإقراض الدول لتنفيذ مشاريع "غير ذات جدوى اقتصادية"؛ نحو الاستثمارات الصينية في سيرلانكا، التي جعلتها أميركا مثالًا على فشل وخطورة المشاريع الصينية. ومن ذلك أيضًا مبادرة الحزام والطريق وسرقة المعلومات والاختراقات السبرانية. كما تحاول الولايات المتحدة تفعيل بؤر التوتر للصين ومحيطها الإقليمي نحو نزاعها الحدودي مع الهند ومشاركتها في المناورات العسكرية على حدودها لتحذير الصين، وتوفير ذريعة للتدخل والتواجد في المنطقة وحشد دول الباسفيك خلفها، ولصرف نظر القيادة الصينية عن الوضع الداخلي وتقويض محاولاتها لتحصيل نتائج ملموسة تمنحها رصيدًا سياسيًّا يدعم موقفها في مؤتمر الحزب الشيوعي الذي من خلاله سيبدأ تقاليد حكم جديدة للصين، وهذا علاوة على سياسة "شيطنة الصين" وجعلها فزاعة لجيرانها وشعوبهم في آسيا، من خلال تسليط الضوء على نظامها القومي القمعي الممالئ لنظام بوتين.
من المكن القول إن من أسباب قلق أميركا من الصين ومواصلة استفزازها تكمن في محاولة تفلت الصين من النظام الدولي الذي تفرضه أميركا على العالم، ولذلك تسعى أميركا لإيجاد الذرائع لإبقاء التوتر مع الصين حتى لا تتحرك بشكل يهدد مصالح الولايات المتحدة سواء على المستوى الدولي أو الإقليمي، أو الدخول في تحالفات تتعارض مع مصلحة أميركا. وهو الأمر الذي أشار إليه تصريح الوفد الصيني للاتحاد الأوروبي بقوله: "ما يسمى بالنظام الدولي القائم على القواعد، هو منطق أعوج يسمح لهم بارتكاب الشر بينما يمنع الآخرين من الرد". فأميركا عمدت إلى تصوير الصين وحزبها الشيوعي بـ "التحدي الأساسي اليوم للعالم الحر"، ولهذا يتم وصف المناورات الصينية بـ"العمليات العسكرية الشيوعية"، كما صاغت أميركا استراتيجية الأمن القومي في (كانون أول/ديسمبر ٢٠١٧) لمواجهة الدول التي "تفرض نفوذها إقليميًّا وعالميًّا"، وتعمل جادة "لمنازعة المزايا والمكتسبات الجيوسياسية الأميركية ومحاولة تغيير النظام الدولي لصالحها" وهو ما رسخته في استراتيجية حلف الناتو في قمته الأخيرة في مدريد. وهذا التوجه يحظى بتوافق من صناع القرار الأميركي (جمهوريين وديموقراطيين)، وخلاصته أن السياسة الأميركية الهادفة الى استغلال ازدهار الصين "على حساب المفاهيم الأميركية والديمقراطية الغربية والمصالح الأمنية...بشرط تعهدهم قبول الإصلاحات"، قد باءت بالفشل، ولم تؤدِّ الغرض منها فوجب "إحداث التغيير". إلا أن أميركا كدولة رأسمالية ونظامها الجشع تحاول التوفيق بين حاجتها لمنافس أو عدو أيديولوجي تستغله لتنفيذ سياساتها وتغطية عيوب مبدئها، وبين رغبتها في فتح أسواق الصين التي تشمل أكثر من مليار مستهلك ممن ارتفعت قدرتهم الإنفاقية بعد ٤٠ عامًا من الازدهار الاقتصادي وبخاصة في مجالات الخدمات المالية والتأمين وملكية الشركات.
>>
متابعة سياسية
زيارة نانسي بيلوسي لتايوان
جاءت زيارة نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب الأميركي لتايوان في مطلع هذا الشهر لترفع حدة التوتر بين الولايات المتحدة والصين لأعلى درجة منذ زيارة نيوت جينجرش الرئيس الأسبق لمجلس النواب الأميركي عام ١٩٩٧، على إثر محاصرة الصين لتايوان إبان الانتخابات الرئاسية في الجزيرة عام ١٩٩٦، والتي سعت فيها الصين إلى التأثير على أصوات الناخبين التايوانيين، وإفشال فرص لي تينج وي في الفوز بسبب "ميوله الانفصالية". وهذه الزيارة ليست منعزلة عن الفخاخ والمناورات السياسية التي تقوم بها أميركا منذ إطلاق الإدارة السابقة لسياستها الرامية لتصوير الصين دولة خارقة للأعراف والنظم والقواعد الدولية، حيث سلطت الضوء على ثغراتها الحقوقية (هونج كونج والإيجور)، ونددت بسياساتها الخارجية التي وصفتها بـ"المشينة". فخلال الأشهر السبعة الماضية أرسلت عددًا من الوفود في زيارات رسمية لتايوان شملت ممثلين من الكونجرس أبرزهم بوب مينديز وليندزي جراهام، وهم أعضاء في اللجنة التي تقوم حاليًّا بدراسة "قانون تايوان ٢٠٢٢"، والذي يدعو لدعم تايوان عسكريًّا ومنحها منزلة حليف رئيسي خارج الناتو، ورفع مكتب تايوان إلى "مكتب ممثل تايوان" في واشنطن.
ويتضح النهج الاستفزازي من التصريحات المتكررة لبايدن منذ الغزو الروسي لأوكرانيا بخصوص استعداده للدفاع عن تايوان إذا واجهت هجومًا عسكريًّا من الصين، وإيفاده مجموعة من كبار المسؤولين في مجال الدفاع والأمن السابقين في شهر آذار/مارس ٢٠٢٢ لزيارة تايوان. وتأكيدًا لهذا النهج صرَّحت بيلوسي أن تضامن الولايات المتحدة مع تايوان يأتي في وقت "يواجه العالم خيارًا بين الاستبداد (الأوتوقراطية) والديمقراطية". إلا أن أكثر ما هو لافت في السياسة الأميركية تجاه الصين وروسيا منذ مجيء إدارة بايدن، أن ثمة تناقضًا بين ما تعلنه الولايات المتحدة وبين ما يجري على أرض الواقع، من تثبيت لانفصال تايوان عن الصين، وهذا ما أشارت إليه الصين في تعقيبها على زيارة بيلوسي حيث وصفت الزيارة بـ"الانتهاك الخطير لسيادة الصين وسلامة أراضيها".
وكانت إدارة بايدن قد قامت بتعزيز التحالفات والشراكات لمواجهة الصين، ومنها اتفاق أوكس وتعزيز دور الرباعية، وتشجيع اليابان خفية على تغيير البند التاسع من الدستور من أجل العودة إلى تعزيز قدراتها العسكرية والتي تثير قلق الصين، ولذلك لم تفوت الأخيرة فرصة تحذير اليابان عبر الصواريخ البالستية التي أطلقتها في مناوراتها الواسعة باتجاه المياه الإقليمية اليابانية ردًا على زيارة بيلوسي. وبالتالي فإن أقوال أميركا بشأن التزامها بوحدة أراضي الصين تتناقض مع اعتراضها على ضم الصين لجزيرة تايوان. وأما الزيارة ذاتها فتُعدُّ خروجًا عن "قانون علاقة تايوان ١٩٧٩"، والداعي لسياسة "الغموض الاستراتيجي"، واستفزازًا للصين وللرئيس الصيني والحزب الشيوعي الذي سيعقد مؤتمره السنوي في شهر تشرين ثاني/نوفمبر. حيث يسعى الرئيس الصيني من خلاله إلى توطيد حكمه بإعادة انتخابه لفترة ثالثة غير مسبوقة، بعد قيامه بتعديل الدستور ليتماشى مع رؤيته التجديدية للأمة الصينية، والتي يسعى من خلالها إلى تأهيل "الصين كقوة عظمى". وقد بلغ الاستفزاز الأميركي للصين أنها فجرت الأزمة في الوقت الذي تحاول فيه الصين اتباع سياسة "ضبط النفس" في علاقاتها مع الهند وكوريا الجنوبية واليابان ودول بحر الصين الجنوبي، وذلك في محاولة منها لإنهاء إجراءات تنصيب شي لولاية ثالثة تاريخية دون مؤثرات خارجية، وإعادة بناء الداخل اقتصاديًّا واجتماعيًّا بعد تداعيات سياسة كوفيد زيرو.
وهذا التصعيد والتوتر الدولي الذي تقف الولايات المتحدة خلفه في أوكرانيا وتايوان بالإضافة إلى الترتيبات الأمنية في الشرق الأوسط سيما في منطقة الخليج، لا يمكن قراءته في إطار الأعمال التقليدية أو النزاعات الإقليمية ذات الطابع الميداني، بل يشير إلى عملية إعادة رسم للخرائط الجيوستراتيجية والجيواقتصادية والأمنية، تحقيقًا لسياسة بايدن التي أعلنها فور تسلمه الحكم، وتقوم على إعادة بناء الشراكات والأحلاف والتكتلات على أسس قيمية (حرب النماذج)، وفرز العالم إلى معسكرين: (أوتوقراطي) استبدادي شمولي، وآخر هو (العالم الحر) ويضم الغرب وحلفاءه.
وأما القضايا المُثارة مثل حرب أوكرانيا وأزمة تايوان وتحالف الدفاع الجوي في الخليج والاستقطاب السياسي لتركيا وتهديد إيران، فهي مجرد آليات لإعادة رسم الخرائط الجيوستراتيجية والأمنية وبناء التحالفات. ومن خلال ذلك تقوم الولايات المتحدة بإعادة هيكلة العلاقات الدولية، وجرِّ أوروبا لمواجهة الأخطار المحتملة التي تهدد مصالحها ومركزيتها في الموقف الدولي. ولذلك عقَّب البيت الأبيض على ردود فعل الصين حول زيارة بيلوسي لتايوان أنه "لا يبحث عن أزمة مع الصين لكن لن يتم منعنا من استخدام بحار وأجواء منطقة شرق المحيط الهادي". ومن ذلك يظهر أن ثمة مخططًا لمحاصرة الصين عسكريًّا من قبل الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي و QUAD و AUKUS من أجل احتوائها ومنعها من الهيمنة على منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وإبقائها في مواجهة تحديات قيمية تُفضي إلى تقويضها من الداخل، وترغمها على السير وفق المنظومة الدولية. ويتضح ذلك أكثر من وصف قائد عمليات حماية حقوق الإبحار (Freedom of Navigation Operations) لهدف العمليات التي ينفذونها بأنها لـ"معرفة من هو السيد" ، ومن ذلك إبحار مجموعة حاملة الطائرات رونالد ريغان، وقيام المدمرة بينفولد بعمليات مواجهة للبحرية الصينية في جزر سبراتلي وبارسيلز الاستراتيجية.
وهذا التوتر الذي صنعته أميركا والذي وصفه لافروف بـ"الاستفزازي" والـ"المتعمد" يندرج في محاولة إبراز "القومية الصينية" في بلد يشمل ٥٥ أقلية تحكمهم فصيلة "الهان"، وضمن مساعي أميركا لتسليط الضوء على قضايا الصين "الحقوقية" في هونج كونج، واضطهاد الإيجور، و"أعمالها المشينة" بإقراض الدول لتنفيذ مشاريع "غير ذات جدوى اقتصادية"؛ نحو الاستثمارات الصينية في سيرلانكا، التي جعلتها أميركا مثالًا على فشل وخطورة المشاريع الصينية. ومن ذلك أيضًا مبادرة الحزام والطريق وسرقة المعلومات والاختراقات السبرانية. كما تحاول الولايات المتحدة تفعيل بؤر التوتر للصين ومحيطها الإقليمي نحو نزاعها الحدودي مع الهند ومشاركتها في المناورات العسكرية على حدودها لتحذير الصين، وتوفير ذريعة للتدخل والتواجد في المنطقة وحشد دول الباسفيك خلفها، ولصرف نظر القيادة الصينية عن الوضع الداخلي وتقويض محاولاتها لتحصيل نتائج ملموسة تمنحها رصيدًا سياسيًّا يدعم موقفها في مؤتمر الحزب الشيوعي الذي من خلاله سيبدأ تقاليد حكم جديدة للصين، وهذا علاوة على سياسة "شيطنة الصين" وجعلها فزاعة لجيرانها وشعوبهم في آسيا، من خلال تسليط الضوء على نظامها القومي القمعي الممالئ لنظام بوتين.
من المكن القول إن من أسباب قلق أميركا من الصين ومواصلة استفزازها تكمن في محاولة تفلت الصين من النظام الدولي الذي تفرضه أميركا على العالم، ولذلك تسعى أميركا لإيجاد الذرائع لإبقاء التوتر مع الصين حتى لا تتحرك بشكل يهدد مصالح الولايات المتحدة سواء على المستوى الدولي أو الإقليمي، أو الدخول في تحالفات تتعارض مع مصلحة أميركا. وهو الأمر الذي أشار إليه تصريح الوفد الصيني للاتحاد الأوروبي بقوله: "ما يسمى بالنظام الدولي القائم على القواعد، هو منطق أعوج يسمح لهم بارتكاب الشر بينما يمنع الآخرين من الرد". فأميركا عمدت إلى تصوير الصين وحزبها الشيوعي بـ "التحدي الأساسي اليوم للعالم الحر"، ولهذا يتم وصف المناورات الصينية بـ"العمليات العسكرية الشيوعية"، كما صاغت أميركا استراتيجية الأمن القومي في (كانون أول/ديسمبر ٢٠١٧) لمواجهة الدول التي "تفرض نفوذها إقليميًّا وعالميًّا"، وتعمل جادة "لمنازعة المزايا والمكتسبات الجيوسياسية الأميركية ومحاولة تغيير النظام الدولي لصالحها" وهو ما رسخته في استراتيجية حلف الناتو في قمته الأخيرة في مدريد. وهذا التوجه يحظى بتوافق من صناع القرار الأميركي (جمهوريين وديموقراطيين)، وخلاصته أن السياسة الأميركية الهادفة الى استغلال ازدهار الصين "على حساب المفاهيم الأميركية والديمقراطية الغربية والمصالح الأمنية...بشرط تعهدهم قبول الإصلاحات"، قد باءت بالفشل، ولم تؤدِّ الغرض منها فوجب "إحداث التغيير". إلا أن أميركا كدولة رأسمالية ونظامها الجشع تحاول التوفيق بين حاجتها لمنافس أو عدو أيديولوجي تستغله لتنفيذ سياساتها وتغطية عيوب مبدئها، وبين رغبتها في فتح أسواق الصين التي تشمل أكثر من مليار مستهلك ممن ارتفعت قدرتهم الإنفاقية بعد ٤٠ عامًا من الازدهار الاقتصادي وبخاصة في مجالات الخدمات المالية والتأمين وملكية الشركات.
>>