Abu Taqi
02-08-2022, 10:54 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
متابعة سياسية
تأزم الموقف السياسي في العراق
وصف زعيم التيار الصدري في العراق مقتدى الصدر اقتحام أنصاره لمبنى مجلس النواب الأحد 31 تموز/يوليو بأنه فرصة لتغيير جذري للنظام السياسي في البلاد. حيث اقتحم أنصار الصدر مقر المجلس في المنطقة الخضراء شديدة التحصين في بغداد السبت 30 تموز/يوليو، للمرة الثانية خلال أيام، وأعلنوا اعتصامًا مفتوحًا داخله احتجاجًا على ترشيح القيادي السابق في حزب الدعوة محمد شياع السوداني لمنصب رئيس الوزراء. وخاطب مقتدى الصدر العراقيين قائلًا: "يا أيها الشعب الأبي الحر المحب للإصلاح والديمقراطية والمواطنة والقانون والاستقلال والسيادة والهيبة وحصر السلاح بيد دولة قوية أبوية تفرض القانون على نفسها قبل الفقراء ولا تستثني المتنفذين والميليشيات وما شاكل ذلك، إنكم جميعًا مسؤولون وكلكم على المحك". وختم بقوله: "إما عراق شامخ بين الأمم أو عراق تبعي يتحكم فيه الفاسدون والتبعيون وذوو الأطماع الدنيوية بل وتحركه أيادي الخارج شرقًا وغربًا".
والحقيقة أن العراق لا يزال يعاني تبعات الاحتلال الأميركي وتداعياته التي نجمت عن استعانة أميركا بإيران والقوى "الشيعية"؛ لإسقاط نظام البعث سنة 2003، ضمن مخطط إعادة صياغة الشرق الأوسط، واستحقاق الحل الإقليمي، الذي فرض تفكيك المنطقة، وإضعافها وترويع أنظمتها، وإرغامهم على التحالف والتطبيع مع الكيان الصهيوني، وتقليم أظافر إيران بعد أن أمعنت في تغولها على أهل سوريا والعراق ولبنان واليمن، وبعد أن استعملتها أميركا في إذكاء الفتنة المذهبية، وإظهارها بمظهر العدو الأشد ضراوة والأخطر على أهل المنطقة من الكيان الصهيوني، ضمن أجندة وظيفية توفر الذريعة للأنظمة العربية للقفز عن "المبادرة العربية" التي تشترط الحل مع السلطة الفلسطينية قبل التحالف والتطبيع الكامل والاندماج الإقليمي.
وما يحدث في العراق هو صراع بين أدوات اللعبة السياسية بشأن الوصاية على المصالح الأميركية؛ أي هو أشبه بنزاع الضرائر على الحظوة لدى الراعي الأميركي، فالصدر يعمل لإعادة العراق إلى محيطه العربي، بينما يعمل الإطار التنسيقي بزعامة نوري المالكي على تحقيق مصالح الولايات المتحدة من بوابة ايران التي أمكنها دورها في خدمة الولايات المتحدة من تنفيع أزلامها على حساب خصومهم وتسخيرهم في أجندتها القومية والمذهبية والسياسية، وبخاصة أنها تولت المواجهة مع تنظيم الدولة بالوكالة عن أميركا، وكانت الراعيَ الرسميَ لقوى المعارضة "الشيعية" منذ الحرب العراقية الإيرانية، وحرب الخليج الثانية سنة 1991، واحتضانها لـ"حزب الدعوة العراقي"، الذي شكلت إيران ملاذه الآمن طوال الوقت، وكان أقرب إليها من التيار الصدري والقوى الشيعية المتحفظة على المرجعيات الشيعية ذات الميول الفارسية.
ولا يخفى أنه نتيجة للمساندة الإيرانية للمشاريع الأميركية في المنطقة، وبخاصة في الحروب الأميركية في أفغانستان والعراق، بات لإيران وأذرعها مصالح نفعية ومذهبية وقومية، وغدا الاحتفاظ بمكتسباتها تلك مطلبًا نشازًا ومتعارضًا مع السياسة الأميركية حيال طبيعة المرحلة الإقليمية والدولية، وهو سبب تضييق الولايات المتحدة عليها، واستهدافها من قبل "إسرائيل"، وهو سبب أيضًا في محاولات بوتين استمالتها والتمدد في شقوق علاقتها بالولايات المتحدة وعلاقتها بالدول العربية. وأما الوسط السياسي العراقي المنقسم فقد جاء أغلب رجاله على ظهر الدبابات الأميركية، بعد أن شكل الحاكم العسكري الأميركي بول بريمر مجلس الحكم الانتقالي، والذي اجترح دستور المحاصصة الطائفية الحالي، وانبعثت بموجبه الرئاسات الثلاث، رئاسة الدولة لـ"الأكراد"، ورئاسة الوزراء لـ"الشيعة"، ورئاسة مجلس النواب لـ"السنة".
ومنذ بدء العملية السياسية في العراق ظهر الخلاف بين مقتدى الصدر وخصومه السياسيين، وتطور الخلاف إلى مواجهة عسكرية بين التيار الصدري، والحكومة مدعومة بالجيش الأميركي، انتهت بقرار مقتدى الصدر حل جيش المهدي، وهي الميليشيا التابعة له. أما خصومه فقد تعزز حضورهم، وتزايدت قوتهم، وبخاصة بعد ظهور تنظيم الدولة وتشكيل الحشد الشعبي المرتبط بإيران، وهو الميليشيا الأضخم على مستوى العراق منذ غزوه من قبل الأميركان، والذي شكل لاحقًا عبئًا على الحكومة العراقية، واضطرها إلى دمجه في القوات العراقية في محاولة لاحتوائه ومنع إيران من التأثير عن طريقه إلى درجة أن اضطرت أميركا لتهديده بالقوة من خلال اغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس في 3 يناير/كانون الثاني 2020. غير أن التيار الصدري بقيادة مقتدى الصدر بدأ انعطافة باتجاه محيط العراق العربي منذ 2017 بالتناغم مع سياسة تقليم أذرع إيران في المنطقة. حيث دشن مرحلة جديدة من الخطاب التوفيقي بين "السنة" و"الشيعة" والترضي على أبي بكر وعمر، والتقرب من السعودية والإمارات، واللتين وجهتا له دعوة رسمية لزيارتهما، وقدمت السعودية في تلك الزيارة ملايين الدولارات لإغاثة النازحين بحجة الحرب على تنظيم "الدولة الإسلامية" على أن تتسلم الحكومة العراقية المبلغ، وهو دعم مَكّن حكومة الكاظمي (رجل المخابرات الأميركية) لاحقًا من مواصلة العمل على إضعاف قبضة إيران وتقويض نفوذها، مما استفزها واستدعاها لردود أفعال عنيفة وإظهارها بمظهر العدو للعراقيين الذين انحازوا للتيار الصدري في الانتخابات الأخيرة، وعزز رصيد المعسكر المؤيد للتصالح مع الدول العربية والحل الإقليمي والاندماج الصهيوني في المنطقة. ففي 30 تشرين ثاني/نوفمبر أعلنت مفوضية الانتخابات العراقية فوز التيار الصدري بـ 73 مقعدًا؛ ليصبح أكبر الكتل النيابية في مجلس النواب العراقي، وبناءً على ذلك حاول تشكيل "حكومة أغلبية" مع "الأحزاب السنية" بقيادة رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي والحزب الديمقراطي الكردستاني لتهميش "الفصائل الشيعية" المدعومة من إيران والذين تكتلوا تحت لافتة الإطار التنسيقي، لكن هذا التكتل "إطار التنسيق" الذي خشي من فقدان نفوذ أحزابه ومكاسبه المالية والاقتصادية، نجح في تشكيل "ثلث معطل" من النواب وحال دون اكتمال النصاب البرلماني للتصويت على رئيس جديد، ورشح محمد شياع السوداني لرئاسة الوزراء، مما استفز التيار الصدري ودعاه للانسحاب من المجلس لعرقلة الإطار التنسيقي من تشكيل الحكومة ونقل المواجهة إلى الشارع، وهو ما أدى إلى تفاقم الأمور واستعراض القوة من كلا الطرفين، سيما بعد تسريب تسجيلات لرئيس الوزراء الأسبق وزعيم الإطار التنسيقي نوري المالكي، والتي عَرّض فيها بمقتدى الصدر، ولوح بصدام دموي عبر عنه المالكي بظهوره قبل يومين مسلحًا في المنطقة الخضراء، عقب اقتحام جماعة الصدر للبرلمان، وعقب تهديد التيار الصدري باعتصام مفتوح؛ احتجاجًا على ترشيح السوداني. وقد رد الإطار التنسيقي متهمًا التيار الصدري باختطاف الدولة، ودعا إلى تظاهرات للدفاع عن الدولة ومؤسساتها التي يُمسك "إطار التنسيق" بمفاصلها. وأضاف في بيان له إن "التطورات الأخيرة تنذر بالتخطيط لانقلاب مشبوه واختطاف للدولة وإلغاء شرعيتها وإهانة مؤسساتها الدستورية وإلغاء العملية الديمقراطية فيها". كما استنفر قواعده الشعبية بقوله: "كونوا على العهد والوعد، وهيهات منا الذلة الموعد غدًا (الإثنين) الساعة الخامسة عصراً على أسوار الخضراء". ومن ذلك كله يتبين أن التيار الصدري دخل في معركة كسر عظم لإعادة هيكلة النظام ارتكازًا إلى "مواطنة" تُقوّض الأساس المذهبي الذي مكن إيران من النفوذ والتأثير في قرار الدولة العراقية، وهو الأمر الذي ينسجم مع الأعمال التي تقوم بها أميركا في ضبط الحياة السياسية في العراق بما يضع حدًا للنفوذ الإيراني الناشز عن دورها الوظيفي في العراق والمنطقة بأسرها. ومن المحتمل أن يستمر التوتر والتصعيد ليس في العراق وحده بل وفي لبنان وسوريا نظرًا لتداعيات السياسة الأميركية الدولية المتعلقة بالصين وروسيا، واللتين قد توفران أسبابًا وظهيرًا للعناد الإيراني على قاعدة المصالح المشتركية بشأن قضايا المنطقة، ونظرًا للأوضاع الإقليمية المحتقنة على الجانب اللبناني الإسرائيلي بشأن مناطق الغاز المتنازع عليها وارتباطها بمصير لبنان وأزمته الاقتصادية والسياسية، والحاجة الأوروبية الماسة لبدائل الطاقة، وتنافس دول شرق المتوسط على مخزون الغاز وطرق إمداداته وما سينجم عن ذلك من تصعيد بين "إسرائيل" وحزب الله ورعاته في سوريا وإيران.
فهل يظن قادة العراق ممن كانوا أدوات بيد أميركا في زيادة تخريب العراق وزرع الفتنة بين أهله؛ لتحقيق مآرب آنية، أو بذريعة المظلومية، هل يظنون أن أميركا ستتركهم يفعلون ما يريدون؟! إنهم واهمون فلم يخرج من تعامل مع أميركا إلا بسواد الوجه، بعد أن تكون قد استنفدته في خدمتها وتحقيق مصالحها، ثم تلقي به إلى المزابل عندما ينتهي الدور الوظيفي له.
أما آن للعراقيين "سنة" و"شيعة" أن ينبذوا الفرقة بينهم ويفوتوا الفرصة على الأميركان وإيران، ويستنقذوا البلاد والعباد من مخططات فاجرة تريد بالعراق وأهله الخراب والدمار، ويسيروا معًا سيرة أجدادهم الذين لقنوا الإنجليز دروسًا قاسية عندما أرادوا احتلال العراق القرن الماضي؟!
4/محرم/1444هـ
2/8/2022م
متابعة سياسية
تأزم الموقف السياسي في العراق
وصف زعيم التيار الصدري في العراق مقتدى الصدر اقتحام أنصاره لمبنى مجلس النواب الأحد 31 تموز/يوليو بأنه فرصة لتغيير جذري للنظام السياسي في البلاد. حيث اقتحم أنصار الصدر مقر المجلس في المنطقة الخضراء شديدة التحصين في بغداد السبت 30 تموز/يوليو، للمرة الثانية خلال أيام، وأعلنوا اعتصامًا مفتوحًا داخله احتجاجًا على ترشيح القيادي السابق في حزب الدعوة محمد شياع السوداني لمنصب رئيس الوزراء. وخاطب مقتدى الصدر العراقيين قائلًا: "يا أيها الشعب الأبي الحر المحب للإصلاح والديمقراطية والمواطنة والقانون والاستقلال والسيادة والهيبة وحصر السلاح بيد دولة قوية أبوية تفرض القانون على نفسها قبل الفقراء ولا تستثني المتنفذين والميليشيات وما شاكل ذلك، إنكم جميعًا مسؤولون وكلكم على المحك". وختم بقوله: "إما عراق شامخ بين الأمم أو عراق تبعي يتحكم فيه الفاسدون والتبعيون وذوو الأطماع الدنيوية بل وتحركه أيادي الخارج شرقًا وغربًا".
والحقيقة أن العراق لا يزال يعاني تبعات الاحتلال الأميركي وتداعياته التي نجمت عن استعانة أميركا بإيران والقوى "الشيعية"؛ لإسقاط نظام البعث سنة 2003، ضمن مخطط إعادة صياغة الشرق الأوسط، واستحقاق الحل الإقليمي، الذي فرض تفكيك المنطقة، وإضعافها وترويع أنظمتها، وإرغامهم على التحالف والتطبيع مع الكيان الصهيوني، وتقليم أظافر إيران بعد أن أمعنت في تغولها على أهل سوريا والعراق ولبنان واليمن، وبعد أن استعملتها أميركا في إذكاء الفتنة المذهبية، وإظهارها بمظهر العدو الأشد ضراوة والأخطر على أهل المنطقة من الكيان الصهيوني، ضمن أجندة وظيفية توفر الذريعة للأنظمة العربية للقفز عن "المبادرة العربية" التي تشترط الحل مع السلطة الفلسطينية قبل التحالف والتطبيع الكامل والاندماج الإقليمي.
وما يحدث في العراق هو صراع بين أدوات اللعبة السياسية بشأن الوصاية على المصالح الأميركية؛ أي هو أشبه بنزاع الضرائر على الحظوة لدى الراعي الأميركي، فالصدر يعمل لإعادة العراق إلى محيطه العربي، بينما يعمل الإطار التنسيقي بزعامة نوري المالكي على تحقيق مصالح الولايات المتحدة من بوابة ايران التي أمكنها دورها في خدمة الولايات المتحدة من تنفيع أزلامها على حساب خصومهم وتسخيرهم في أجندتها القومية والمذهبية والسياسية، وبخاصة أنها تولت المواجهة مع تنظيم الدولة بالوكالة عن أميركا، وكانت الراعيَ الرسميَ لقوى المعارضة "الشيعية" منذ الحرب العراقية الإيرانية، وحرب الخليج الثانية سنة 1991، واحتضانها لـ"حزب الدعوة العراقي"، الذي شكلت إيران ملاذه الآمن طوال الوقت، وكان أقرب إليها من التيار الصدري والقوى الشيعية المتحفظة على المرجعيات الشيعية ذات الميول الفارسية.
ولا يخفى أنه نتيجة للمساندة الإيرانية للمشاريع الأميركية في المنطقة، وبخاصة في الحروب الأميركية في أفغانستان والعراق، بات لإيران وأذرعها مصالح نفعية ومذهبية وقومية، وغدا الاحتفاظ بمكتسباتها تلك مطلبًا نشازًا ومتعارضًا مع السياسة الأميركية حيال طبيعة المرحلة الإقليمية والدولية، وهو سبب تضييق الولايات المتحدة عليها، واستهدافها من قبل "إسرائيل"، وهو سبب أيضًا في محاولات بوتين استمالتها والتمدد في شقوق علاقتها بالولايات المتحدة وعلاقتها بالدول العربية. وأما الوسط السياسي العراقي المنقسم فقد جاء أغلب رجاله على ظهر الدبابات الأميركية، بعد أن شكل الحاكم العسكري الأميركي بول بريمر مجلس الحكم الانتقالي، والذي اجترح دستور المحاصصة الطائفية الحالي، وانبعثت بموجبه الرئاسات الثلاث، رئاسة الدولة لـ"الأكراد"، ورئاسة الوزراء لـ"الشيعة"، ورئاسة مجلس النواب لـ"السنة".
ومنذ بدء العملية السياسية في العراق ظهر الخلاف بين مقتدى الصدر وخصومه السياسيين، وتطور الخلاف إلى مواجهة عسكرية بين التيار الصدري، والحكومة مدعومة بالجيش الأميركي، انتهت بقرار مقتدى الصدر حل جيش المهدي، وهي الميليشيا التابعة له. أما خصومه فقد تعزز حضورهم، وتزايدت قوتهم، وبخاصة بعد ظهور تنظيم الدولة وتشكيل الحشد الشعبي المرتبط بإيران، وهو الميليشيا الأضخم على مستوى العراق منذ غزوه من قبل الأميركان، والذي شكل لاحقًا عبئًا على الحكومة العراقية، واضطرها إلى دمجه في القوات العراقية في محاولة لاحتوائه ومنع إيران من التأثير عن طريقه إلى درجة أن اضطرت أميركا لتهديده بالقوة من خلال اغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس في 3 يناير/كانون الثاني 2020. غير أن التيار الصدري بقيادة مقتدى الصدر بدأ انعطافة باتجاه محيط العراق العربي منذ 2017 بالتناغم مع سياسة تقليم أذرع إيران في المنطقة. حيث دشن مرحلة جديدة من الخطاب التوفيقي بين "السنة" و"الشيعة" والترضي على أبي بكر وعمر، والتقرب من السعودية والإمارات، واللتين وجهتا له دعوة رسمية لزيارتهما، وقدمت السعودية في تلك الزيارة ملايين الدولارات لإغاثة النازحين بحجة الحرب على تنظيم "الدولة الإسلامية" على أن تتسلم الحكومة العراقية المبلغ، وهو دعم مَكّن حكومة الكاظمي (رجل المخابرات الأميركية) لاحقًا من مواصلة العمل على إضعاف قبضة إيران وتقويض نفوذها، مما استفزها واستدعاها لردود أفعال عنيفة وإظهارها بمظهر العدو للعراقيين الذين انحازوا للتيار الصدري في الانتخابات الأخيرة، وعزز رصيد المعسكر المؤيد للتصالح مع الدول العربية والحل الإقليمي والاندماج الصهيوني في المنطقة. ففي 30 تشرين ثاني/نوفمبر أعلنت مفوضية الانتخابات العراقية فوز التيار الصدري بـ 73 مقعدًا؛ ليصبح أكبر الكتل النيابية في مجلس النواب العراقي، وبناءً على ذلك حاول تشكيل "حكومة أغلبية" مع "الأحزاب السنية" بقيادة رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي والحزب الديمقراطي الكردستاني لتهميش "الفصائل الشيعية" المدعومة من إيران والذين تكتلوا تحت لافتة الإطار التنسيقي، لكن هذا التكتل "إطار التنسيق" الذي خشي من فقدان نفوذ أحزابه ومكاسبه المالية والاقتصادية، نجح في تشكيل "ثلث معطل" من النواب وحال دون اكتمال النصاب البرلماني للتصويت على رئيس جديد، ورشح محمد شياع السوداني لرئاسة الوزراء، مما استفز التيار الصدري ودعاه للانسحاب من المجلس لعرقلة الإطار التنسيقي من تشكيل الحكومة ونقل المواجهة إلى الشارع، وهو ما أدى إلى تفاقم الأمور واستعراض القوة من كلا الطرفين، سيما بعد تسريب تسجيلات لرئيس الوزراء الأسبق وزعيم الإطار التنسيقي نوري المالكي، والتي عَرّض فيها بمقتدى الصدر، ولوح بصدام دموي عبر عنه المالكي بظهوره قبل يومين مسلحًا في المنطقة الخضراء، عقب اقتحام جماعة الصدر للبرلمان، وعقب تهديد التيار الصدري باعتصام مفتوح؛ احتجاجًا على ترشيح السوداني. وقد رد الإطار التنسيقي متهمًا التيار الصدري باختطاف الدولة، ودعا إلى تظاهرات للدفاع عن الدولة ومؤسساتها التي يُمسك "إطار التنسيق" بمفاصلها. وأضاف في بيان له إن "التطورات الأخيرة تنذر بالتخطيط لانقلاب مشبوه واختطاف للدولة وإلغاء شرعيتها وإهانة مؤسساتها الدستورية وإلغاء العملية الديمقراطية فيها". كما استنفر قواعده الشعبية بقوله: "كونوا على العهد والوعد، وهيهات منا الذلة الموعد غدًا (الإثنين) الساعة الخامسة عصراً على أسوار الخضراء". ومن ذلك كله يتبين أن التيار الصدري دخل في معركة كسر عظم لإعادة هيكلة النظام ارتكازًا إلى "مواطنة" تُقوّض الأساس المذهبي الذي مكن إيران من النفوذ والتأثير في قرار الدولة العراقية، وهو الأمر الذي ينسجم مع الأعمال التي تقوم بها أميركا في ضبط الحياة السياسية في العراق بما يضع حدًا للنفوذ الإيراني الناشز عن دورها الوظيفي في العراق والمنطقة بأسرها. ومن المحتمل أن يستمر التوتر والتصعيد ليس في العراق وحده بل وفي لبنان وسوريا نظرًا لتداعيات السياسة الأميركية الدولية المتعلقة بالصين وروسيا، واللتين قد توفران أسبابًا وظهيرًا للعناد الإيراني على قاعدة المصالح المشتركية بشأن قضايا المنطقة، ونظرًا للأوضاع الإقليمية المحتقنة على الجانب اللبناني الإسرائيلي بشأن مناطق الغاز المتنازع عليها وارتباطها بمصير لبنان وأزمته الاقتصادية والسياسية، والحاجة الأوروبية الماسة لبدائل الطاقة، وتنافس دول شرق المتوسط على مخزون الغاز وطرق إمداداته وما سينجم عن ذلك من تصعيد بين "إسرائيل" وحزب الله ورعاته في سوريا وإيران.
فهل يظن قادة العراق ممن كانوا أدوات بيد أميركا في زيادة تخريب العراق وزرع الفتنة بين أهله؛ لتحقيق مآرب آنية، أو بذريعة المظلومية، هل يظنون أن أميركا ستتركهم يفعلون ما يريدون؟! إنهم واهمون فلم يخرج من تعامل مع أميركا إلا بسواد الوجه، بعد أن تكون قد استنفدته في خدمتها وتحقيق مصالحها، ثم تلقي به إلى المزابل عندما ينتهي الدور الوظيفي له.
أما آن للعراقيين "سنة" و"شيعة" أن ينبذوا الفرقة بينهم ويفوتوا الفرصة على الأميركان وإيران، ويستنقذوا البلاد والعباد من مخططات فاجرة تريد بالعراق وأهله الخراب والدمار، ويسيروا معًا سيرة أجدادهم الذين لقنوا الإنجليز دروسًا قاسية عندما أرادوا احتلال العراق القرن الماضي؟!
4/محرم/1444هـ
2/8/2022م