Abu Taqi
16-07-2022, 03:14 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
متابعة سياسية
زيارة بايدن للشرق الأوسط
وصل الرئيس بايدن عصر يوم الجمعة 15 تموز/يوليو إلى مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية قادمًا من "إسرائيل". وفي بيان للبيت الأبيض، قال بايدن: إنه سيكون أول رئيس للولايات المتحدة يطير من "إسرائيل" إلى جدة بالمملكة العربية السعودية، واصفًا قرار السعودية بفتح مجالها الجوي لجميع الطائرات المدنية بالتاريخي، ولا سيما تلك التي تحلق من "إسرائيل" وإليها.
وسبق الزيارة إعلان هيئة الطيران المدني السعودي فتح أجواء المملكة أمام جميع الناقلات الجوية التي تستوفي متطلبات العبور. كما وصف بايدن قرار السعودية بفتح مجالها الجوي بأنه يمكن "أن يساعد في بناء الزخم نحو مزيد من اندماج "إسرائيل" في المنطقة، بما في ذلك مع السعودية". بينما قال رئيس الوزراء الإسرائيلي لبيد في تغريدة على تويتر "إن ذلك جاء بعد طريق طويل وسري ودبلوماسية مكثفة مع المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة". وتجدر الإشارة هنا إلى أن خروج الرؤساء الأميركيين من الولايات المتحدة يرتبط عُرفًا بأمر يتعلق بالأمن القومي. وكما هو معلوم فإن أمن "إسرائيل" والنفط وطرق الملاحة التي تعبر منها سلاسل التوريد في الشرق الأوسط تقع في صلب المصالح والأمن القومي الأميركي؛ ولذلك لم تكن أهداف الزيارة وتصريحات بايدن خافية في هذا الخصوص.
فأما ما يتعلق بأمن "إسرائيل" فقد سبق الزيارة ترتيبات تتمحور حول إدماجها في المنطقة في الجانب الأمني والعسكري بذريعة التهديد الإيراني، وإعادة إنتاج الدور "الإسرائيلي" في مواجهة التحديات المقبلة والمتعلقة بالصين وروسيا، وهو الدور الذي لعبته "إسرائيل" إبَّانَ الحرب الباردة؛ أي تفعيل الموقع الجيوسياسي "الإسرائيلي" كقاعدة عسكرية متقدمة تمكن الولايات المتحدة من حماية مصالحها في الشرق الأوسط، تحوطًا لتبعات استراتيجية المواجهة العسكرية بالوكالة مع روسيا، وربما مع الصين لاحقًا، بهدف إضعافهما وابتزازهما، واحتواء تطلعاتهما، وإحكام السيطرة على أوروبا من خلال مصالحها وأمنها الطاقي الذي تسعى الولايات المتحدة لتأمين إمداده من الشرق الأوسط، وتخفيف اعتماد أوروبا عليه من روسيا، وهو الأمر الذي قد يُعجِّل بالاتفاق النووي الإيراني، وإعادة ضبط الوضع الأمني الليبي الذي ظهر حاليًّا بتشكيل مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط برئاسة فرحات بن قدارة وفتح جميع الحقول والمواني النفطية. بالإضافة إلى تخفيف العقوبات عن فنزويلا لزيادة الإنتاج النفطي وكبح ارتفاع الأسعار في الولايات المتحدة لاستمالة الناخبين الأميركيين في الانتخابات النصفية المقبلة.
ومن هذا المنطلق فإن حرص الرؤساء الأميركيين على زيارة السعودية ليس تكريمًا لحكامها بقدر ما هي رسالة للدول المنافسة بعدم الاقتراب من الخليج، ورسالة تخويف وتحذير لأهل المنطقة بعدم المساس بمصالح الولايات المتحدة فيما يتعلق بأمن الخليج و"إسرائيل"، ومن أجل طمأنة الأوروبيين أيضًا بخصوص الطاقة وهو الأمر الذي استجاب له ابن سلمان بإيعازه اليوم برفع إنتاج النفط دعمًا لجهود أميركا في الحفاظ على استمرار التحالف ضد روسيا، سيما وأن الخلاف بشأن العقوبات الأوروبية على روسيا لا يزال محتدمًا بين دول الاتحاد، حيث صرَّح رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان بشأن جدوى العقوبات يوم الجمعة 15 تموز/يوليو إن الاتحاد الأوروبي "أطلق النار على نفسه" بفرض عقوبات اقتصادية غير مدروسة على روسيا، محذرًا من أنه "ما لم يتم التراجع عنها فإنها تهدد بتدمير الاقتصاد الأوروبي".
وعلى الجانب الآخر يحاول بوتين من خلال لقائه بأردوغان وإبراهيم رئيسي استمالة تركيا وإيران من بوابة مصالحهما في سوريا، وعرقلة مساعي أميركا في فك ارتباط بشار بإيران وجذبه عن طريق الدول العربية، وإعادة هيكلة الإئتلاف الوطني وهيئة التفاوض السورية التي ألمح رئيسها الجديد وبعض قوى المعارضة إلى إمكانية اللحاق بقطار "السلام"، سيما وأن الرئيسين التركي والإيراني يحاولان تحقيق مكاسب شخصية في لجة النزاع الأميركي الروسي. ومن ذلك مغازلة وزير النفط الإيراني لأميركا مؤخرًا في مؤتمر النفط والغاز في أذربيجان وقوله بأن طهران "من شأنها أن تضاعف كمية نفطها 3 أضعاف في الأسواق العالمية"، فيما يحاول أردوغان تصفير مشاكله مع الدول العربية، وتعزيز تواجده العسكري في سوريا، وإضعاف قوات سوريا الديمقراطية، في الوقت الذي سهلت فيه روسيا تفاهمات بشار والقوى الكردية لمواجهة التهديد الذي لوح به النظام التركي.
وأما بشأن قضية فلسطين فما يزال قادة السلطة والزعماء العرب يبيعون الوهم لأهل المنطقة بلا خجل، فكل التصريحات التي تناولت قضية فلسطين على لسان بايدن وعباس تؤكد أن حل الدولتين مجرد عنوان يجري تحت ستاره تمرير الحل الإقليمي، وهو إدماج "إسرائيل" في المنطقة، وإرجاء الصيغة النهائية للحل ،ورهنه بتبدل الرأي العام "الإسرائيلي" اليميني، وقبوله لسلطة فلسطينية مرسومة على الورق تدير بمعية الأردن السكان مع احتفاظ "إسرائيل" بالأرض.
وهذا ما يؤكده قول عباس بأن حل الدولتين ربما لن يكون متاحًا في المستقبل، كما يؤكده كلام بايدن بأنه يعلم أن حل "الدولتين قد يكون بعيد المنال"؛ ذلك أن ما يجري على الأرض نحو بقاء الاحتلال، وزيادة الاستيطان، وتهميش القضية لصالح الحل الإقليمي، وما يجري من إعادة هيكلة على الجانب الأردني لاستيعاب اللاجئين عبر مخرجات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية ومنها ابتداع مصطلح "الهوية الوطنية الجامعة" لا يصب في حل الدولتين؛ أي لا يُنشئ دولة فلسطينية متصلة جغرافيًا وقابلة للبقاء بقدر ما يمهد لإذابة القضية في صيغة أردنية فلسطينية مشتركة.
ومن هذا المنطلق فإن أهداف زيارة بايدن للمنطقة تتلخص في معالجة تداعيات استراتيجيته الدولية المتعلقة بروسيا والصين وأهمها تأمين موارد نفطية تغطي نقص الطاقة الروسية، حيث شرعت هولندا برفع سقف الطاقة من الفحم وأعادت النمسا تأهيل محطة فحم مغلقة، وقامت فرنسا بتجهيز محطة فحم احتياطيًّا. وفي سياق أزمة الطاقة نقلت بي بي سي عن عضو الكونغرس الأميركي، الديمقراطي براد شيرمان قوله: "إن زيادة المملكة العربية السعودية إمداداتها من النفط إلى السوق من شأنه أن ينقذ الأرواح". مضيفًا أن "سعر النفط يعني موت الناس في الدول الفقيرة. إنه يرفع أسعار الغذاء والأسمدة ويعني أن الناس يموتون بمئات الآلاف، ليس فقط من الجوع، ولكن أيضًا من مرض سوء التغذية الذي يصابون به". كما تهدف الزيارة إلى مواصلة ما بدأه ترمب بشأن الحل الإقليمي والتحالف العربي "الإسرائيلي" بحجة الخطر الإيراني، حيث قال بايدن "إن خبراء المخابرات والجيش الأميركيين سبق أن حذروا من أن منطقة الشرق الأوسط تتعرض لضغوط خطيرة"، وأنه "علينا أن نتصدى للعدوان الروسي، وأن نضع أنفسنا في أفضل وضع ممكن للتفوق على الصين، وأن نعمل من أجل مزيد من الاستقرار في منطقة يترتب عليها استقرار العالم". كما سبق هذه الزيارة التي يلتقي فيها بدول التحالف والدفاع المشترك المزمع إنشاؤه (الأردن ومصر والعراق ودول الخليج) اجتماع ممثلي قيادات القوات المسلحة "الإسرائيلية" والمصرية والأردنية والسعودية والقطرية في شرم الشيخ؛ لمناقشة استراتيجية مكافحة التهديدات المشتركة للأمن القومي برعاية أميركية، وتصريح وزير الأمن "الإسرائيلي" بيني غانتس بشأن التحضير لإنشاء تحالف الدفاع الجوي في الشرق الأوسط (mead)، برعاية واشنطن. بالإضافة إلى دعم مصطفى الكاظمي رئيس وزراء العراق في تحجيم أذرع إيران في العراق، وتشجيع الملك عبدالله على مواصلة هيكلة النظام بما يتفق مع تصفية ملف اللاجئين، وتشجيع ابن سلمان على اتخاذ خطوات نحو التطبيع والتحالف مع "إسرائيل". ولعل إعلان بايدن عن عزمه سحب قوات حفظ السلام الأميركية من جزيرتي تيران وصنافير اليوم إنما يخدم فتح قناة تفاوض مباشرة بين السعودية وإسرائيل.
ومن أهداف الزيارة أيضًا تشجيع ابن سلمان على مواصلة اجتثاث الإسلام من بلاد الحرمين وضبط سلوكه وتوجيه علاقاته مع دول المنطقة والخارج، وإعطائه مهمة الإشراف على "المعارضة السورية"، وإنهاء الملف اليمني، بالتوازي مع تقدم الملف النووي الإيراني، وإعادة إيران إلى مربعها الوظيفي. وفي هذا الصدد قال بايدن في مقال ينطوي على رسائل تحذير لحكام المنطقة قبيل زيارته: "قمنا بإلغاء سياسة الشيك الأبيض الذي ورثناه"، وأنه خلال زيارته (للسعودية) سيقوم بـ"تعزيز شراكة استراتيجية تقوم على المصالح والمسؤوليات المتبادلة وتتمسك أيضًا بالقيم الأميركية الأساسية". كما أظهر في هذه الزيارة دعمًا لافتًا لرئيس الوزراء الإسرائيلي لابيد بصفته أكثر براغماتية وعلمانية وتصويره بحمامة سلام، بالإضافة إلى مبادرة i2u2 التي تعبر عن الشرق الاوسط الكبير، وإغراء رجال الأعمال اليهود بالآفاق الاقتصادية المنتظرة ضمن محاولات تشجيع الرأي العام الإسرائيلي لإبداء المرونة اللازمة بخصوص العملية "السلمية".
ولا شك أن ذلك كله يعيد توجيه السياسة الأميركية في المنطقة، ويضبطها بحسب الأولويات الأميركية الدولية في ظل النزاع مع روسيا والصين، وإحكام القبضة على أوروبا، ويخدم إدارة بايدن في معالجة ارتفاع الأسعار والركود الاقتصادي المتوقع، في ظل اقتراب موعد الانتخابات النصفية.
وأما أهل المنطقة فلن يتمكنوا من تغيير سياسة الولايات المتحدة أو التأثير عليها إلا بتهديد المصالح الأميركية؛ ذلك أن أميركا والغرب لن يغيروا سياستهم الاستعمارية ما لم يكن الثمن والتكلفة باهظة عليهم. وهذا لن يتحقق إلا بإزالة الأنظمة الوظيفية والحكام العملاء الذين باعوا المنطقة لأعدائها لقاء بقائهم في الحكم.
17/ذي الحجة/1443هـ
16/7/2022م
متابعة سياسية
زيارة بايدن للشرق الأوسط
وصل الرئيس بايدن عصر يوم الجمعة 15 تموز/يوليو إلى مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية قادمًا من "إسرائيل". وفي بيان للبيت الأبيض، قال بايدن: إنه سيكون أول رئيس للولايات المتحدة يطير من "إسرائيل" إلى جدة بالمملكة العربية السعودية، واصفًا قرار السعودية بفتح مجالها الجوي لجميع الطائرات المدنية بالتاريخي، ولا سيما تلك التي تحلق من "إسرائيل" وإليها.
وسبق الزيارة إعلان هيئة الطيران المدني السعودي فتح أجواء المملكة أمام جميع الناقلات الجوية التي تستوفي متطلبات العبور. كما وصف بايدن قرار السعودية بفتح مجالها الجوي بأنه يمكن "أن يساعد في بناء الزخم نحو مزيد من اندماج "إسرائيل" في المنطقة، بما في ذلك مع السعودية". بينما قال رئيس الوزراء الإسرائيلي لبيد في تغريدة على تويتر "إن ذلك جاء بعد طريق طويل وسري ودبلوماسية مكثفة مع المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة". وتجدر الإشارة هنا إلى أن خروج الرؤساء الأميركيين من الولايات المتحدة يرتبط عُرفًا بأمر يتعلق بالأمن القومي. وكما هو معلوم فإن أمن "إسرائيل" والنفط وطرق الملاحة التي تعبر منها سلاسل التوريد في الشرق الأوسط تقع في صلب المصالح والأمن القومي الأميركي؛ ولذلك لم تكن أهداف الزيارة وتصريحات بايدن خافية في هذا الخصوص.
فأما ما يتعلق بأمن "إسرائيل" فقد سبق الزيارة ترتيبات تتمحور حول إدماجها في المنطقة في الجانب الأمني والعسكري بذريعة التهديد الإيراني، وإعادة إنتاج الدور "الإسرائيلي" في مواجهة التحديات المقبلة والمتعلقة بالصين وروسيا، وهو الدور الذي لعبته "إسرائيل" إبَّانَ الحرب الباردة؛ أي تفعيل الموقع الجيوسياسي "الإسرائيلي" كقاعدة عسكرية متقدمة تمكن الولايات المتحدة من حماية مصالحها في الشرق الأوسط، تحوطًا لتبعات استراتيجية المواجهة العسكرية بالوكالة مع روسيا، وربما مع الصين لاحقًا، بهدف إضعافهما وابتزازهما، واحتواء تطلعاتهما، وإحكام السيطرة على أوروبا من خلال مصالحها وأمنها الطاقي الذي تسعى الولايات المتحدة لتأمين إمداده من الشرق الأوسط، وتخفيف اعتماد أوروبا عليه من روسيا، وهو الأمر الذي قد يُعجِّل بالاتفاق النووي الإيراني، وإعادة ضبط الوضع الأمني الليبي الذي ظهر حاليًّا بتشكيل مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط برئاسة فرحات بن قدارة وفتح جميع الحقول والمواني النفطية. بالإضافة إلى تخفيف العقوبات عن فنزويلا لزيادة الإنتاج النفطي وكبح ارتفاع الأسعار في الولايات المتحدة لاستمالة الناخبين الأميركيين في الانتخابات النصفية المقبلة.
ومن هذا المنطلق فإن حرص الرؤساء الأميركيين على زيارة السعودية ليس تكريمًا لحكامها بقدر ما هي رسالة للدول المنافسة بعدم الاقتراب من الخليج، ورسالة تخويف وتحذير لأهل المنطقة بعدم المساس بمصالح الولايات المتحدة فيما يتعلق بأمن الخليج و"إسرائيل"، ومن أجل طمأنة الأوروبيين أيضًا بخصوص الطاقة وهو الأمر الذي استجاب له ابن سلمان بإيعازه اليوم برفع إنتاج النفط دعمًا لجهود أميركا في الحفاظ على استمرار التحالف ضد روسيا، سيما وأن الخلاف بشأن العقوبات الأوروبية على روسيا لا يزال محتدمًا بين دول الاتحاد، حيث صرَّح رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان بشأن جدوى العقوبات يوم الجمعة 15 تموز/يوليو إن الاتحاد الأوروبي "أطلق النار على نفسه" بفرض عقوبات اقتصادية غير مدروسة على روسيا، محذرًا من أنه "ما لم يتم التراجع عنها فإنها تهدد بتدمير الاقتصاد الأوروبي".
وعلى الجانب الآخر يحاول بوتين من خلال لقائه بأردوغان وإبراهيم رئيسي استمالة تركيا وإيران من بوابة مصالحهما في سوريا، وعرقلة مساعي أميركا في فك ارتباط بشار بإيران وجذبه عن طريق الدول العربية، وإعادة هيكلة الإئتلاف الوطني وهيئة التفاوض السورية التي ألمح رئيسها الجديد وبعض قوى المعارضة إلى إمكانية اللحاق بقطار "السلام"، سيما وأن الرئيسين التركي والإيراني يحاولان تحقيق مكاسب شخصية في لجة النزاع الأميركي الروسي. ومن ذلك مغازلة وزير النفط الإيراني لأميركا مؤخرًا في مؤتمر النفط والغاز في أذربيجان وقوله بأن طهران "من شأنها أن تضاعف كمية نفطها 3 أضعاف في الأسواق العالمية"، فيما يحاول أردوغان تصفير مشاكله مع الدول العربية، وتعزيز تواجده العسكري في سوريا، وإضعاف قوات سوريا الديمقراطية، في الوقت الذي سهلت فيه روسيا تفاهمات بشار والقوى الكردية لمواجهة التهديد الذي لوح به النظام التركي.
وأما بشأن قضية فلسطين فما يزال قادة السلطة والزعماء العرب يبيعون الوهم لأهل المنطقة بلا خجل، فكل التصريحات التي تناولت قضية فلسطين على لسان بايدن وعباس تؤكد أن حل الدولتين مجرد عنوان يجري تحت ستاره تمرير الحل الإقليمي، وهو إدماج "إسرائيل" في المنطقة، وإرجاء الصيغة النهائية للحل ،ورهنه بتبدل الرأي العام "الإسرائيلي" اليميني، وقبوله لسلطة فلسطينية مرسومة على الورق تدير بمعية الأردن السكان مع احتفاظ "إسرائيل" بالأرض.
وهذا ما يؤكده قول عباس بأن حل الدولتين ربما لن يكون متاحًا في المستقبل، كما يؤكده كلام بايدن بأنه يعلم أن حل "الدولتين قد يكون بعيد المنال"؛ ذلك أن ما يجري على الأرض نحو بقاء الاحتلال، وزيادة الاستيطان، وتهميش القضية لصالح الحل الإقليمي، وما يجري من إعادة هيكلة على الجانب الأردني لاستيعاب اللاجئين عبر مخرجات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية ومنها ابتداع مصطلح "الهوية الوطنية الجامعة" لا يصب في حل الدولتين؛ أي لا يُنشئ دولة فلسطينية متصلة جغرافيًا وقابلة للبقاء بقدر ما يمهد لإذابة القضية في صيغة أردنية فلسطينية مشتركة.
ومن هذا المنطلق فإن أهداف زيارة بايدن للمنطقة تتلخص في معالجة تداعيات استراتيجيته الدولية المتعلقة بروسيا والصين وأهمها تأمين موارد نفطية تغطي نقص الطاقة الروسية، حيث شرعت هولندا برفع سقف الطاقة من الفحم وأعادت النمسا تأهيل محطة فحم مغلقة، وقامت فرنسا بتجهيز محطة فحم احتياطيًّا. وفي سياق أزمة الطاقة نقلت بي بي سي عن عضو الكونغرس الأميركي، الديمقراطي براد شيرمان قوله: "إن زيادة المملكة العربية السعودية إمداداتها من النفط إلى السوق من شأنه أن ينقذ الأرواح". مضيفًا أن "سعر النفط يعني موت الناس في الدول الفقيرة. إنه يرفع أسعار الغذاء والأسمدة ويعني أن الناس يموتون بمئات الآلاف، ليس فقط من الجوع، ولكن أيضًا من مرض سوء التغذية الذي يصابون به". كما تهدف الزيارة إلى مواصلة ما بدأه ترمب بشأن الحل الإقليمي والتحالف العربي "الإسرائيلي" بحجة الخطر الإيراني، حيث قال بايدن "إن خبراء المخابرات والجيش الأميركيين سبق أن حذروا من أن منطقة الشرق الأوسط تتعرض لضغوط خطيرة"، وأنه "علينا أن نتصدى للعدوان الروسي، وأن نضع أنفسنا في أفضل وضع ممكن للتفوق على الصين، وأن نعمل من أجل مزيد من الاستقرار في منطقة يترتب عليها استقرار العالم". كما سبق هذه الزيارة التي يلتقي فيها بدول التحالف والدفاع المشترك المزمع إنشاؤه (الأردن ومصر والعراق ودول الخليج) اجتماع ممثلي قيادات القوات المسلحة "الإسرائيلية" والمصرية والأردنية والسعودية والقطرية في شرم الشيخ؛ لمناقشة استراتيجية مكافحة التهديدات المشتركة للأمن القومي برعاية أميركية، وتصريح وزير الأمن "الإسرائيلي" بيني غانتس بشأن التحضير لإنشاء تحالف الدفاع الجوي في الشرق الأوسط (mead)، برعاية واشنطن. بالإضافة إلى دعم مصطفى الكاظمي رئيس وزراء العراق في تحجيم أذرع إيران في العراق، وتشجيع الملك عبدالله على مواصلة هيكلة النظام بما يتفق مع تصفية ملف اللاجئين، وتشجيع ابن سلمان على اتخاذ خطوات نحو التطبيع والتحالف مع "إسرائيل". ولعل إعلان بايدن عن عزمه سحب قوات حفظ السلام الأميركية من جزيرتي تيران وصنافير اليوم إنما يخدم فتح قناة تفاوض مباشرة بين السعودية وإسرائيل.
ومن أهداف الزيارة أيضًا تشجيع ابن سلمان على مواصلة اجتثاث الإسلام من بلاد الحرمين وضبط سلوكه وتوجيه علاقاته مع دول المنطقة والخارج، وإعطائه مهمة الإشراف على "المعارضة السورية"، وإنهاء الملف اليمني، بالتوازي مع تقدم الملف النووي الإيراني، وإعادة إيران إلى مربعها الوظيفي. وفي هذا الصدد قال بايدن في مقال ينطوي على رسائل تحذير لحكام المنطقة قبيل زيارته: "قمنا بإلغاء سياسة الشيك الأبيض الذي ورثناه"، وأنه خلال زيارته (للسعودية) سيقوم بـ"تعزيز شراكة استراتيجية تقوم على المصالح والمسؤوليات المتبادلة وتتمسك أيضًا بالقيم الأميركية الأساسية". كما أظهر في هذه الزيارة دعمًا لافتًا لرئيس الوزراء الإسرائيلي لابيد بصفته أكثر براغماتية وعلمانية وتصويره بحمامة سلام، بالإضافة إلى مبادرة i2u2 التي تعبر عن الشرق الاوسط الكبير، وإغراء رجال الأعمال اليهود بالآفاق الاقتصادية المنتظرة ضمن محاولات تشجيع الرأي العام الإسرائيلي لإبداء المرونة اللازمة بخصوص العملية "السلمية".
ولا شك أن ذلك كله يعيد توجيه السياسة الأميركية في المنطقة، ويضبطها بحسب الأولويات الأميركية الدولية في ظل النزاع مع روسيا والصين، وإحكام القبضة على أوروبا، ويخدم إدارة بايدن في معالجة ارتفاع الأسعار والركود الاقتصادي المتوقع، في ظل اقتراب موعد الانتخابات النصفية.
وأما أهل المنطقة فلن يتمكنوا من تغيير سياسة الولايات المتحدة أو التأثير عليها إلا بتهديد المصالح الأميركية؛ ذلك أن أميركا والغرب لن يغيروا سياستهم الاستعمارية ما لم يكن الثمن والتكلفة باهظة عليهم. وهذا لن يتحقق إلا بإزالة الأنظمة الوظيفية والحكام العملاء الذين باعوا المنطقة لأعدائها لقاء بقائهم في الحكم.
17/ذي الحجة/1443هـ
16/7/2022م