المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : متابعة سياسية جدل الدستور في تونس



Abu Taqi
11-07-2022, 08:11 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

متابعة سياسية
جدل الدستور في تونس
في خطوة أشبه بتبادل الأدوار بين الرئيس قيس سعيد ومن يُسمون بالمعارضة أصدر الرئيس التونسي مساء الجمعة 8 تموز/يوليو نسخة معدلة من مشروع الدستور الذي سيعرض للاستفتاء الشعبي في الخامس والعشرين من هذا الشهر، وذلك إثر انتقادات وجهتها منظمات وأحزاب سياسية بسبب الصلاحيات الواسعة التي منحها قيس سعيد لنفسه، مما عُد بأنه مخالف للنظام البرلماني القائم. بينما أكدت أحزاب "المعارضة" أن هذا التعديل يُتيح للسلطات مجالًا كبيرًا للحد من الحريات، دون رقابة.
فعلى إثر مطالبة "المعارضة" وقوى إقليمية ودولية لقيس سعيد بخارطة طريق لإنهاء الأزمة التي أحدثها بتشجيع غربي، شرع سعيد بترتيب جدول زمني لإدخال إصلاحات على النظام السياسي يؤول إلى تشتيت انتباه الشعب عن مؤامرة القوى السياسية على هوية المجتمع، وتأطير تطلعاته بدعوى عدم مشروعية وصلاحية دستور سنة 2014 بحسب تعبير سعيد يوم 9 كانون أول/ديسمبر 2021، وخلافًا لتعهداته التي أطلقها يوم 11 أيلول/سبتمبر 2021، والتي أكد خلالها على احترام دستور 2014، مع إمكانية تعديل بعض فصوله المتعلقة بالحقوق والحريات.
وفي شريط مسجل نشرته الرئاسة قبل صدور التعديل الجديد، قال سعيّد إنه "وجب إضافة جملة من التوضيحات، درءًا لأي التباس ولأي تأويل". ومن ذلك إضافته في النص الجديد عبارة "في ظل نظام ديمقراطي" إلى الفصل الخامس؛ ليُصبح "تونس جزء من الأمة الإسلامية، وعلى الدولة وحدها أن تعمل، في ظل نظام ديمقراطي، على تحقيق مقاصد الإسلام الحنيف في الحفاظ على النفس والعرض والمال والدين والحرية"، وذلك عوضًا عن المادة الأولى التي تنص على أن "الإسلام دين الدولة"، والتي جرى حذفها من الدستور الجديد.
ولا يخفى أن إدراج بند "الإسلام دين الدولة" في دساتير الدول العربية ليس إلا لذر للرماد في العيون، واستغفال المسلمين وفصل دينهم عن الحياة، وتمرير الأنظمة العلمانية ودسترتها وحمايتها. ولا بد في هذا الصدد من الإشارة إلى أن القضية ليست بصلاحيات الرئيس ولا بالبند المتعلق بـ"دين الدولة" كما أوهموا الناس ووجهوا إليه عنايتهم، بل القضية هي بالأساس الذي تقوم عليه الحياة والدولة والمجتمع، والذي تنبثق عنه كافة القوانين، وترعى بحسبه الشؤون الداخلية والخارجية، وهو بالنسبة للمسلمين العقيدة الإسلامية التي تجعل السيادة للشرع والسلطان للأمة، وتخضع الحاكم لشريعة الله رغم تفرده بالحكم وحقه في تبني الأحكام الناظمة للعلاقات، بموجب ما أسنده الشرع للحاكم، وبموجب مفهوم القيادة الذي يقتضي الفردية في اتخاذ القرار، والشورى فيما أتاح الشرع فيه الشورى كالأمور الفنية التي يطلب فيها الرأي من أصحاب الاختصاص، والأعمال التي من نوع المشورة ويؤخذ فيها برأي الأغلبية. فالقضية مع قيس سعيد ودستوره ليست بتحويله النظام إلى ما هو أسوأ من النظام الرئاسي فحسب، بل في تضليله وتآمره بمعية القوى السياسية على إرادة أهل تونس، وفي تحصينه للعلمانية وتفرد العملاء في الحكم؛ إذ إن رعاية شؤون الأمة والقيام على إصلاح أمرها، إنما هو محصور في الحاكم، ما دام مخلصًا لدينه وأمته، مطبقًا عليهم شرع الله وحده، وما كانت الأمة يقظة مدركة لواجب المحاسبة ومشروعية عزل الحاكم إذا خرج عن رعاية مصالحها وفق نظرتها إلى المصالح.
ولهذا فإن الوقوف في وجه قيس سعيد يجب أن ينطلق من كونه حاكمًا يحكم بالكفر، مرتبطًا بالغرب الكافر، يرسخ عقيدة فصل الدين عن الحياة، ويرعى مصالح الدول الغربية هو ومن يُسموْن بالمعارضة، وليس من منطلق حصره للصلاحيات في يده. ذلك أن الظلم كل الظلم يكمن في النظام السياسي المطبق سواء كان رئاسيًّا أو برلمانيًّا أو ملكيًّا، وسواء كان علمانيًّا ديمقراطيًّا ليبراليًّا؛ أي كان نظامًا استبداديًّا ناعمًا، أو كان علمانيًّا شموليًّا؛ أي استبداديًّا صلبًا. وهذا كله بخلاف نظام الإسلام الذي يجعل السلطان للأمة على الحقيقة، عبر إنابة من يحكم الناس بحسب عقيدتهم ونظرتهم إلى المصالح، ويجعل صلاح المجتمع متوقفًا على التزام الحاكم والمحكوم بشريعة الله، ويجعل استقامة الحاكم والمجتمع وضمان حسن أداء النظام مرتبطًا بدافع تقوى الله وسلطة القوانين والأحكام الشرعية. ويكفي أن ندرك بأن إسناد صياغة الدستور إلى العميد الصادق بلعيد وترؤسه للجنة الاستشارية المكلفة بصياغته بمعية أمين محفوظ، والمعروفان بعدائهما للإسلام، رغم إنكارهما المشاركة بصياغة الدستور، دليلٌ واضحٌ على تلاعب قيس سعيد والوسط السياسي بهوية الشعب وحرصهم على إبعاد الإسلام عن واقع الحياة والدولة والمجتمع. فبعد نشر النسخة من الرئاسة في الجريدة الرسمية أعلن بلعيد أن المسودة التي سلمها للرئيس لا علاقة لها بالنسخة التي نشرتها الرئاسة بالرائد الرسمي. حيث اعترض رئيس اللجنة الاستشارية على النسخة الرسمية مبررًا ذلك بجمع كل الصلاحيات بيد الرئيس وتجريد باقي السلط من صلاحياتها.
ومهما قيل عن خلافات الأحزاب مع قيس سعيد حول الدستور، فإنه لا يعدو عن كونه تضليلًا للشعب، وصرف أنظاره عن حقيقة ما يجري من تغريب للمجتمع.
والخلاصة أن كل الدساتير التي صدرت في تونس منذ الاحتلال لم تقم وزنًا لأهل البلد ولا لدينهم؛ لأنها مستمدة من الثقافة الغربية التي تكرس التبعية السياسية والثقافية للغرب الكافر. فجميع الدساتير التي أقرت في تونس وفي سائر بلاد المسلمين قبل "الربيع العربي" وبعده لا تختلف عما سبقها، من حيث مصدريتها وتركيزها لمفاهيم الغرب وقيمه في وعي المسلمين وحياتهم، وسلخهم عن دينهم وهويتهم العقدية، وتسهيل تحكم الغرب في بلاد المسلمين عسكريًّا وثقافيًّا واقتصاديًّا.
وعليه يجب على المسلمين في تونس نبذ قيس سعيد والوسط السياسي العميل، ورفض كل ما يصدر عنهم من مخرجات أوصلت الدولة إلى أن يجعل الرئيس فوق السلطات، ولا يخضع للمحاسبة. كما يجدر التنبيه على أنه يحرم على أهل تونس التوجه للاستفتاء على دستور لا يجعل الكتاب والسنة وما أرشدا إليه مصدر التشريع الوحيد، ولا يُمكن الشعب من ممارسة حقه في إنفاذ إرادته. والواجب يملي على أهل تونس اقتلاع النظام الفاسد والعميل وصياغة دستور يرضي الله تعالى ويغيظ الكفار المستعمرين وأعوانهم العلمانيين والمضبوعين بالثقافة الغربية.
{إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه}
11/ذي الحجة/1443هـ
10/7/2023