Abu Taqi
20-06-2022, 09:48 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
متابعة سياسية
الحراك السياسي الإقليمي في المنطقة
وقع في الشهر الماضي مجموعة من الأحداث ذات الأبعاد السياسية المختلفة، غير أنها تتقاطع بمجملها مع قضية مركزية وهي ترتيب أوراق دمج "إسرائيل" في المنطقة في الجانب الأمني والعسكري بعد انطلاق قطار دمجها اقتصاديًّا وثقافيًّا من بوابة الإمارات واندماجها سياسيًّا عبر اتفاقيات التطبيع مع البحرين والمغرب والسودان، وما يجري التمهيد له من تطبيع مع السعودية عبر سماح السعودية المرتقب لشركات الطيران الإسرائيلية بالتحليق في سماء المملكة باتجاه الإمارات، وربما نقل حجاج المسلمين من مناطق (1948) إلى السعودية، وعبر ملف جزيرتي تيران وصنافير اللتين من المتوقع أن تفتحا قناة اتصال مباشرة بين السعودية و"إسرائيل". وبخاصة أن ملف الجزيرتين يندرج في صعيد الترتيبات الأمنية للمنطقة برمتها في إطار مواجهة التهديد الإيراني المزعوم والذي يتطلب معالجته تكتلًا عسكريًّا أمنيًّا بين "إسرائيل" ودول الخليج ومصر والأردن.
ففي حديثه له مع الجنرال المتقاعد هربرت ماكماستر، ضمن برنامج "باتل غراوندز" في معهد هوفر/جامعة ستانفورد، حذّر الملك عبد الله الثاني من نشوء فراغ روسي" في سوريا، تسعى إيران لملئه، وما قد يفضي إليه من تأجيج "حرب المخدرات" ويفتح الباب لعودة "تهديد الإرهاب"، وخلال الأسبوعين الماضيين كثفت "إسرائيل" هجماتها واستفزازاتها لإيران، فاغتالت عددًا من المسؤولين الإيرانيين من بينهم ضباط في الحرس الثوري، وقصفت مطار دمشق وأخرجته من الخدمة بدعوى استعماله من قِبل إيران والنظام السوري لنقل أسلحة لحزب الله، وفي خطوة لافتة ومتقدمة نشرت "إسرائيل" منظومة رادارات في الإمارات والبحرين، أعقبها تهديد من قِبل قائد القوات الجوية الإيراني علي رضا صباحي وتحذيره من تبعات ذلك على أمن دول الخليج. وتأتي الخطوة الإسرائيلية متناغمة مع سحب أميركا لمنظومات دفاع جوي من السعودية رغم الهجمات المتكررة من قبل مليشيا الحوثي على السعودية والإمارات و"حرب السفن"، ما يوحي بترتيب أميركي إسرائيلي خليجي مسبق لتغطية "إسرائيل للفراغ الأمني ودمجها في الأمن الإقليمي وتبرير التطبيع والتحالف العربي الإسرائيلي، وهو الملف الذي يحمله بايدن في زيارته للسعودية للقاء قادة مصر والأردن والعراق ودول الخليج. والملاحظ أن كل ذلك يجري في ظل تضخيم خطر إيران، وتعثر مسار المفاوضات حول الملف النووي الإيراني في فينا، والذي يجري إدارته على إيقاع تقدم مسار التطبيع والتحالف العربي الإسرائيلي المرتكز على ذريعة الخطر الإيراني، ويجري ذلك أيضًا في ظل الاتفاقيات الأردنية الإسرائيلية "الماء مقابل الكهرباء" والربط الكهربائي وممر الغاز من مصر عبر الأردن وسوريا إلى لبنان. والحديث في الأيام الأخيرة عن رؤية أردنية اقتصادية لعشر سنوات من ضمنها إنشاء شبكة مواصلات إقليمية، وتوقيع اتفاقيات اقتصادية كبيرة بين الإمارات وإسرائيل، وانسداد الأفق السياسي في العراق ولبنان بسبب التضييق على القوى السياسية المرتبطة بإيران. واتفاق الحزبين الأميركيين قبل أيام على ضرورة دمج شبكة الدفاعات الجوية بين مصر وإسرائيل والأردن ودول الخليج.
وقد بدت ملامح تضخيم الخطر الإيراني والتصعيد من قبل الحكومة الإسرائيلية في تصريحات رئيس الوزراء نفتالي بينيت، والذي قال: "إن إحياء المعاهدة النووية مع إيران لا يمنع إسرائيل من اتخاذ التحرك ضدها وبنفسها"، بينما أكد وزير أمن الاحتلال، ييني غانتس، أن "إيران لا تتوقف عن محاولتها إنتاج بنى تحتية متطورة للنار ترمي لبناء قدرات لمواجهة واسعة مع إسرائيل؛ حيث تحاول توسيع نفوذها في المنطقة من خلال تسليح منظمات في المنطقة"، زاعمًا أن "إيران توجد على مسافة أسابيع قليلة من جمع مادة مشعة تكفي أول قنبلة". ومن جانبه دعا وزير الدفاع الإسرائيلي إلى تشكيل قوة إقليمية بقيادة الولايات المتحدة لمواجهة إيران. وهذا هو لب القصيد، والمحور الذي تدور مجمل الحراكات السياسية الأخيرة في فلكه، رغم الأبعاد الدعائية للائتلاف الحكومي والتي يتوخاها رئيس الوزراء الإسرائيلي من تصعيده مع إيران، ورغم أن تضخيم الخطر الإيراني يهدف أيضًا إلى احتواء "إسرائيل" والتأثير في سياستها وضبطها من قبِل الولايات المتحدة. وفي هذا الصدد ذكرت صحيفة "مدل إيست آي" بتاريخ 17 حزيران/يونيو أن مسؤولين أميركيين قالوا لـ"وول ستريت جورنال" إن "العمليات الإسرائيلية في سوريا تتطلب آلية تنسيق سرية تقدم إسرائيل بموجبها تفاصيل المهام المخطط لها إلى القيادة المركزية مقدمًا، مع قيام القيادة بعد ذلك بإجراء مراجعة وإحاطة وزير الدفاع الأميركي ورئيس هيئة الأركان المشتركة الذين يقومون بإجراء تقييماتهم الخاصة".
وفي ضوء هذه المعطيات جميعها يجري الحديث عن حرب مقبلة في المنطقة، تكون إسرائيل والمتحالفون معها من الدول العربية في جهة وإيران وميليشياتها من جهة أخرى. ويرسم بعضهم سيناريوهات لهذه الحرب، من شن ضربات قاتلة على بنك من الأهداف في إيران، بينما تشن أدوات إيران في المنطقة كحزب الله وميليشياتها في سورية هجمات على أهداف إسرائيلية. بل إن هناك جهات إسرائيلية تحذر الإسرائيليين من سقوط آلاف الصواريخ من حزب الله على إسرائيل، تقابله "إسرائيل" بضربة ساحقة تطال البنية التحتية في لبنان، غير أن اندلاع حرب محدودة مع إيران لتأكيد التحالف العربي الإسرائيلي وتبريره، ولتقويض الرأي العام والأحزاب السياسية اليمينية المتطرفة لصالح ائتلافات جديدة أكثر ملاءمة للمصالح الأميركية، هو أمر غير مستبعد لكنه غير مرجح في ظل الأوضاع الدولية والحرب الروسية على أوكرانيا، والأزمات الاقتصادية وارتفاع أسعار الطاقة والمواد الغذائية عالميًّا.
وبالتالي لم يعد خافيًا أن التلويح بهذه الحرب إنما يهدف إلى تحجيم إيران إلى الحد الذي يبقيها فزاعة لدول المنطقة وبخاصة دول الخليج ريثما يصبح اندماج "إسرائيل" في المنطقة واقعًا مفروضًا عبر اتفاقات دفاعية، تسمح لإسرائيل بالإشراف المباشر على قدرات وإمكانات دول المنطقة بما يضمن وجودها ومصالحها الأمنية والعسكرية والاقتصادية.
أما إيران فهي دولة محورية في السياسة الأميركية في منطقة الشرق الأوسط، ولطالما استعملتها أميركا فزاعة وبديلًا عن نظام صدام حسين، بل وأسندت إليها مهام تتسق وطموحاتها في المنطقة؛ لتكريس فكرة الاختلاف المذهبي، وتحويله إلى نزاع مسلح بين المسلمين أنفسهم، وتفكيك الأمة وإغراق المنطقة في حروب دموية على أسس مذهبية كلما اقتضت الضرورة إلى ذلك.
وكما يجري التعامل مع كل عميل، عندما تنتهي الحاجة إلى العمل الذي وظف له، يجري إعادته إلى ما كان عليه، ونزع ما حصل عليه من مكاسب. فهي تسير في تقليم أظافر إيران بموازاة تقدم مسار الحل الإقليمي ودمج الكيان الصهـ يوني في المنطقة. وما الضغوط الاقتصادية والضربات العسكرية الإسرا ئيلية للجنود الإيرانيين في سوريا إلا مقدمة لإعادتها إلى مربعها الوظيفي.
20/ذي القعدة/1443هـ
20/6/2022م
متابعة سياسية
الحراك السياسي الإقليمي في المنطقة
وقع في الشهر الماضي مجموعة من الأحداث ذات الأبعاد السياسية المختلفة، غير أنها تتقاطع بمجملها مع قضية مركزية وهي ترتيب أوراق دمج "إسرائيل" في المنطقة في الجانب الأمني والعسكري بعد انطلاق قطار دمجها اقتصاديًّا وثقافيًّا من بوابة الإمارات واندماجها سياسيًّا عبر اتفاقيات التطبيع مع البحرين والمغرب والسودان، وما يجري التمهيد له من تطبيع مع السعودية عبر سماح السعودية المرتقب لشركات الطيران الإسرائيلية بالتحليق في سماء المملكة باتجاه الإمارات، وربما نقل حجاج المسلمين من مناطق (1948) إلى السعودية، وعبر ملف جزيرتي تيران وصنافير اللتين من المتوقع أن تفتحا قناة اتصال مباشرة بين السعودية و"إسرائيل". وبخاصة أن ملف الجزيرتين يندرج في صعيد الترتيبات الأمنية للمنطقة برمتها في إطار مواجهة التهديد الإيراني المزعوم والذي يتطلب معالجته تكتلًا عسكريًّا أمنيًّا بين "إسرائيل" ودول الخليج ومصر والأردن.
ففي حديثه له مع الجنرال المتقاعد هربرت ماكماستر، ضمن برنامج "باتل غراوندز" في معهد هوفر/جامعة ستانفورد، حذّر الملك عبد الله الثاني من نشوء فراغ روسي" في سوريا، تسعى إيران لملئه، وما قد يفضي إليه من تأجيج "حرب المخدرات" ويفتح الباب لعودة "تهديد الإرهاب"، وخلال الأسبوعين الماضيين كثفت "إسرائيل" هجماتها واستفزازاتها لإيران، فاغتالت عددًا من المسؤولين الإيرانيين من بينهم ضباط في الحرس الثوري، وقصفت مطار دمشق وأخرجته من الخدمة بدعوى استعماله من قِبل إيران والنظام السوري لنقل أسلحة لحزب الله، وفي خطوة لافتة ومتقدمة نشرت "إسرائيل" منظومة رادارات في الإمارات والبحرين، أعقبها تهديد من قِبل قائد القوات الجوية الإيراني علي رضا صباحي وتحذيره من تبعات ذلك على أمن دول الخليج. وتأتي الخطوة الإسرائيلية متناغمة مع سحب أميركا لمنظومات دفاع جوي من السعودية رغم الهجمات المتكررة من قبل مليشيا الحوثي على السعودية والإمارات و"حرب السفن"، ما يوحي بترتيب أميركي إسرائيلي خليجي مسبق لتغطية "إسرائيل للفراغ الأمني ودمجها في الأمن الإقليمي وتبرير التطبيع والتحالف العربي الإسرائيلي، وهو الملف الذي يحمله بايدن في زيارته للسعودية للقاء قادة مصر والأردن والعراق ودول الخليج. والملاحظ أن كل ذلك يجري في ظل تضخيم خطر إيران، وتعثر مسار المفاوضات حول الملف النووي الإيراني في فينا، والذي يجري إدارته على إيقاع تقدم مسار التطبيع والتحالف العربي الإسرائيلي المرتكز على ذريعة الخطر الإيراني، ويجري ذلك أيضًا في ظل الاتفاقيات الأردنية الإسرائيلية "الماء مقابل الكهرباء" والربط الكهربائي وممر الغاز من مصر عبر الأردن وسوريا إلى لبنان. والحديث في الأيام الأخيرة عن رؤية أردنية اقتصادية لعشر سنوات من ضمنها إنشاء شبكة مواصلات إقليمية، وتوقيع اتفاقيات اقتصادية كبيرة بين الإمارات وإسرائيل، وانسداد الأفق السياسي في العراق ولبنان بسبب التضييق على القوى السياسية المرتبطة بإيران. واتفاق الحزبين الأميركيين قبل أيام على ضرورة دمج شبكة الدفاعات الجوية بين مصر وإسرائيل والأردن ودول الخليج.
وقد بدت ملامح تضخيم الخطر الإيراني والتصعيد من قبل الحكومة الإسرائيلية في تصريحات رئيس الوزراء نفتالي بينيت، والذي قال: "إن إحياء المعاهدة النووية مع إيران لا يمنع إسرائيل من اتخاذ التحرك ضدها وبنفسها"، بينما أكد وزير أمن الاحتلال، ييني غانتس، أن "إيران لا تتوقف عن محاولتها إنتاج بنى تحتية متطورة للنار ترمي لبناء قدرات لمواجهة واسعة مع إسرائيل؛ حيث تحاول توسيع نفوذها في المنطقة من خلال تسليح منظمات في المنطقة"، زاعمًا أن "إيران توجد على مسافة أسابيع قليلة من جمع مادة مشعة تكفي أول قنبلة". ومن جانبه دعا وزير الدفاع الإسرائيلي إلى تشكيل قوة إقليمية بقيادة الولايات المتحدة لمواجهة إيران. وهذا هو لب القصيد، والمحور الذي تدور مجمل الحراكات السياسية الأخيرة في فلكه، رغم الأبعاد الدعائية للائتلاف الحكومي والتي يتوخاها رئيس الوزراء الإسرائيلي من تصعيده مع إيران، ورغم أن تضخيم الخطر الإيراني يهدف أيضًا إلى احتواء "إسرائيل" والتأثير في سياستها وضبطها من قبِل الولايات المتحدة. وفي هذا الصدد ذكرت صحيفة "مدل إيست آي" بتاريخ 17 حزيران/يونيو أن مسؤولين أميركيين قالوا لـ"وول ستريت جورنال" إن "العمليات الإسرائيلية في سوريا تتطلب آلية تنسيق سرية تقدم إسرائيل بموجبها تفاصيل المهام المخطط لها إلى القيادة المركزية مقدمًا، مع قيام القيادة بعد ذلك بإجراء مراجعة وإحاطة وزير الدفاع الأميركي ورئيس هيئة الأركان المشتركة الذين يقومون بإجراء تقييماتهم الخاصة".
وفي ضوء هذه المعطيات جميعها يجري الحديث عن حرب مقبلة في المنطقة، تكون إسرائيل والمتحالفون معها من الدول العربية في جهة وإيران وميليشياتها من جهة أخرى. ويرسم بعضهم سيناريوهات لهذه الحرب، من شن ضربات قاتلة على بنك من الأهداف في إيران، بينما تشن أدوات إيران في المنطقة كحزب الله وميليشياتها في سورية هجمات على أهداف إسرائيلية. بل إن هناك جهات إسرائيلية تحذر الإسرائيليين من سقوط آلاف الصواريخ من حزب الله على إسرائيل، تقابله "إسرائيل" بضربة ساحقة تطال البنية التحتية في لبنان، غير أن اندلاع حرب محدودة مع إيران لتأكيد التحالف العربي الإسرائيلي وتبريره، ولتقويض الرأي العام والأحزاب السياسية اليمينية المتطرفة لصالح ائتلافات جديدة أكثر ملاءمة للمصالح الأميركية، هو أمر غير مستبعد لكنه غير مرجح في ظل الأوضاع الدولية والحرب الروسية على أوكرانيا، والأزمات الاقتصادية وارتفاع أسعار الطاقة والمواد الغذائية عالميًّا.
وبالتالي لم يعد خافيًا أن التلويح بهذه الحرب إنما يهدف إلى تحجيم إيران إلى الحد الذي يبقيها فزاعة لدول المنطقة وبخاصة دول الخليج ريثما يصبح اندماج "إسرائيل" في المنطقة واقعًا مفروضًا عبر اتفاقات دفاعية، تسمح لإسرائيل بالإشراف المباشر على قدرات وإمكانات دول المنطقة بما يضمن وجودها ومصالحها الأمنية والعسكرية والاقتصادية.
أما إيران فهي دولة محورية في السياسة الأميركية في منطقة الشرق الأوسط، ولطالما استعملتها أميركا فزاعة وبديلًا عن نظام صدام حسين، بل وأسندت إليها مهام تتسق وطموحاتها في المنطقة؛ لتكريس فكرة الاختلاف المذهبي، وتحويله إلى نزاع مسلح بين المسلمين أنفسهم، وتفكيك الأمة وإغراق المنطقة في حروب دموية على أسس مذهبية كلما اقتضت الضرورة إلى ذلك.
وكما يجري التعامل مع كل عميل، عندما تنتهي الحاجة إلى العمل الذي وظف له، يجري إعادته إلى ما كان عليه، ونزع ما حصل عليه من مكاسب. فهي تسير في تقليم أظافر إيران بموازاة تقدم مسار الحل الإقليمي ودمج الكيان الصهـ يوني في المنطقة. وما الضغوط الاقتصادية والضربات العسكرية الإسرا ئيلية للجنود الإيرانيين في سوريا إلا مقدمة لإعادتها إلى مربعها الوظيفي.
20/ذي القعدة/1443هـ
20/6/2022م