المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : متابعة سياسية تشنج الموقف الأميركي والبريطاني حول البروتكول الخاص بإيرلندا الشمالية



Abu Taqi
13-06-2022, 06:19 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

متابعة سياسية
تشنج الموقف الأميركي والبريطاني
حول البروتكول الخاص بإيرلندا الشمالية
بعد مفاوضات شاقة مع الاتحاد الأوروبي دامت 3 سنين، وأدت إلى استقالة رئيسي وزراء بريطانييْن، صرَّح جونسون آنذاك مفاخرًا: "استعدنا السيطرة على مصيرنا وقوانيننا وسيادتنا من خلال الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي". إلا أن الحزب الديمقراطي الوحدوي، وهو حزب يميني بروتستانتي محافظ أسس عام ١٩٧١ في إيرلندا الشمالية، وهو مناهض للوطنية الإيرلندية ومساند للاتحاد البريطاني ولـ"بريكست"، اعترض وبشدة على ركيزة أساسية في الاتفاق تخص علاقة إقليم إيرلندا الشمالية (التابع للتاج البريطاني) مع الاتحاد الأوروبي والتي أصبحت تُعرف باسم "بروتوكول إيرلندا الشمالية"، قائلًا "هذه المقترحات، في نظرنا، ليست مفيدة للاقتصاد الإيرلندي الشمالي وتضعضع سلامة الاتحاد" ويقصد الاتحاد البريطاني الذي يشمل إنجلترا وويلز واسكتلندا وإيرلندا الشمالية، مضيفًا أن "هذا ليس مقبولًا داخل حدود المملكة المتحدة". ولهذا السبب سحب الحزب الديمقراطي تعاونه مع حزب المحافظين في البرلمان، وأفشل مساعي جونسون لإقرار الاتفاقية في شهر تشرين أول/أكتوبر ٢٠١٩، مما اضطر جونسون لخوض انتخابات جديدة تفوَّقَ فيها بأغلبية ساحقة تحت الشعار السياسي "دعونا نستكمل بريكست" مما جعله يتمكن من إقرار الاتفاق وتنفيذ "بريكست" في عام ٢٠٢٠.
وأما "البرتوكول الخاص بإيرلندا الشمالية" فيتلخص في الإبقاء على الإقليم داخل السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي، واعتبار إيرلندا الشمالية "نقطة دخول للاتحاد الأوروبي"، مما يتطلب وضع حدود جمركية مع باقي مقاطعات بريطانيا وبذلك تخضع إيرلندا الشمالية للمنظومة الجمركية للاتحاد الأوروبي، علمًا أن الاتفاق يمنح البرلمان الإقليمي لإيرلندا الشمالية حق التصويت كل أربعة أعوام على البروتوكول. وترتكز الحاجة لهذا البروتوكول على ضرورة استمرارية المعاهدة الدولية المعروفة بـ"اتفاق بلفاست" أو "اتفاق الجمعة المباركة"، والذي توصلت إليه حكومة بلير في عام ١٩٩٨، وأنهت بموجبه الصراع الدامي والنزاع الطائفي في إيرلندا الشمالية، ومن أهم ما جاء فيه عدم وجود أي حدود مادية بين الشمال والجنوب. ومن المعلوم أن الولايات المتحدة دعمت الحزب الجمهوري الإيرلندي "شين فين" (شمال)، والداعي إلى الوحدة مع دولة إيرلندا (جنوب)، وجناحها العسكري "الجيش الجمهوري الإيرلندي" وذلك كوسيلة لزعزعة أمن بريطانيا وابتزازها وتحجيمها.
ولا يخفى أن خروج بريطانيا من الاتحاد كان نتيجة لمركزية "مبدأ السيادة"، وهو مركز تنبه البريطانيين وإرثهم التاريخي، فبريطانيا ترى أن برلمانها يملك السلطة والسيادة، وهذا هو سبب مشكلتها مع قوانين الاتحاد الأوروبي وخضوعها لأحكام المحاكم الأوروبية، وكان خروجها من الاتحاد أيضًا نتيجة لانحياز بريطانيا لمواقف الولايات المتحدة في أغلب القضايا القارية والدولية، وعلى رأسها مسألة الأمن الأوروبي وحلف الناتو والقضايا الاقتصادية.
ومنذ أيار/مايو ٢٠٢١ ارتفعت بعض الأصوات البريطانية التي تهدد بإلغاء البرتوكول المتعلق بإيرلندا الشمالية، أو إيقاف العمل به عبر تفعيل المادة ١٦ منه، والتي تمنح بريطانيا تعليق بعض من الأحكام، وبخاصة في حال مواجهة الأخيرة لصعوبات اقتصادية كبيرة. في حين حذرت إيرلندا والاتحاد الأوروبي من "العواقب الوخيمة" و"عدم الاستقرار" الذي قد ينجم عن إلغاء العمل بالبروتوكول. فيما أكدت المفوضية الأوروبية في شهر تموز/يوليو ٢٠٢١ أن البروتوكول هو "الحل المشترك الذي توصل إليه الاتحاد الأوروبي مع رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون وصدق عليه برلمان المملكة المتحدة، لمواجهة التحديات الفريدة التي فرضها خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي".
إلا أنه ومنذ أن واجه جونسون المُساءلات الأخلاقية حيال خروقاته وبعض وزرائه لقوانين كوفيد، وحيال قضايا الفساد بين أعضاء حزب المحافظين، ومنذ خسارة حزبه لعدد من أعضائه، وخسارته في الانتخابات المحلية مطلع الشهر الماضي، زاد جونسون ووزيرة خارجيته ووزير (بريكست) من حدة التهديد بخصوص البرتوكول، والتي انتهت بقرار جونسون طرح مشروع قانون يضيف "تعديلات على بروتوكول إيرلندا الشمالية"، وإدراجه في خطاب الملكة في افتتاح الدورة الجديدة للبرلمان. وفي أثناء حثّ الاتحاد الأوروبي جونسون على الوفاء بالتزاماته بشأن "المعاهدات الدولية الموقعة" صدرت تصريحات من واشنطن تعبر عن استيائها من محاولة لندن تعطيل البروتوكول، ابتدأت بتصريح رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي من منبر تشاتام هاوس في لندن، بخصوص خطط لندن "لإدخال تشريعات من شأنها أن تخلق استثناءات من البروتوكول، دون الاتفاق عليها مع الاتحاد الأوروبي، محذرة أنه "إذا اختارت المملكة المتحدة تقويض اتفاقيات الجمعة المباركة، فلن يتمكن الكونجرس من دعم اتفاقية التجارة الحرة الثنائية". ولمَّا قوبل تصريحها باستخفاف من قِبل أعضاء في حزب المحافظين والحزب الديمقراطي وسفير بريطانيا لدى واشنطن، أرسل الكونجرس وفدًا بقيادة ريتشارد نيل عضو مجلس النواب الأميركي المقرب من بايدن، والذي التقى بالشخصيات المؤثرة في كل من لندن وباريس ودبلن وبلفاست. والتقى كذلك بوزيرة الخارجية البريطانية ليز ترس، والمعروفة بإثارة القاعدة الشعبية المساندة لـ(بريكست)، والتي صرحت بأنها "رفضت مقترحاتهم وأصرت أنها لن تسمح للأزمة أن تستمر". إلا أن تغريدة ترس بعد الاجتماع كشفت عن عمق المشكلة الدبلوماسية التي تواجه لندن؛ إذ أن تغريدتها حاولت استجداء أميركا بذكر دور بريطانيا في "التحالف ضد غزو أوكرانيا"، فيما تجاهل المبعوث الأميركي تصريحها ولم يعلق سوى على مسألة إيرلندا. مما يؤكد دعم واشنطن لوجهة نظر الاتحاد الأوروبي، وهو ما عبر عنه الإعلان الأوروبي الأميركي المشترك، عقب اجتماع باريس الذي جمع ممثلين من البرلمان الأوروبي مع أعضاء من الكونجرس الأميركي، وأومأ إلى أن إعادة المفاوضات بخصوص البروتوكول ليس خيارًا. وإزاء تكرار وزيرة الخارجية البريطانية ترس واللورد فروست وزير (بريكست) التهديدات، بعث البيت الأبيض برسالة دبلوماسية واضحة على لسان كبير مستشاري وزير الخارجية الأميركي قال فيها: "يجب أن لا تؤدي المسألة الإيرلندية الشمالية لأي انقسام داخل الحلف الأطلسي حتى لا نسمح لبوتين بإيجاد ذريعة لخلخلة التحالف الذي قضينا أشهر في بنائه"، مضيفًا أن "لا يتم استخدام أي تصريحات سلبية أو اتخاذ أية قرارات أحادية" وهو ما يعد تحذيرًا مبطّنًا لجونسون ووزيرة خارجيته ووزير (بريكست) البريطاني.
ويستخلص من ذلك أن أميركا ترغب بالحفاظ على الوضع القائم في إيرلندا الشمالية، ولجم جونسون عن خلط الأمور والتشويش على أهدافها الاستراتيجية وخططها الدولية، من خلال استغلاله للأزمة الروسية الأوروبية وخدماته الكبيرة لواشنطن في الملف الأوكراني لتحقيق اختراق في الملف الإيرلندي وتحصيل مكاسب نفعية وسياسية على الصعيد الداخلي. ويتضح تباين الموقف الأميركي البريطاني في هذا الخصوص من إيفاد لندن المبعوث الخاص لبروتوكول إيرلندا الشمالية كونر برنز إلى واشنطن لعرض وجهة نظر لندن، حيث أوضح أن البروتوكول "غذى الإحساس داخل أجزاء من المجتمع بأن البروتوكول يميزهم بطريقة ما عن بقية المملكة المتحدة"، سيما وأن لندن ليس لديها أية حلول تقدمها سوى الامتعاض من البرتوكول لأنه يمس سيادتها، وهو ما عبر عنه اعتراف جونسون في مقابلة تلفزيونية أنه "وقع البروتوكول معتقدًا بأن الاتحاد الأوروبي لن يطبقه". وأن كل ما لدى لندن من شكاوي ينحصر في البيروقراطية التي تضطر الشركات البريطانية عبورها لأجل دخول بضائعها إلى إيرلندا الشمالية، وهو الأمر الذي أساسه سوء استعداد الحكومة البريطانية لـ"بريكست" وعدم تنفيذها لمنظومة جمركية إليكترونية تسهل عمل الشركات.
والحقيقة أن ما يؤرق جونسون ويدعوه إلى المغامرة بعلاقته مع الولايات المتحدة هو عدم تمكنه من الوفاء بوعوده السياسية والاقتصادية الانتخابية المتعلقة بـ(بريكست)، والذي عاد على جونسون بتعقيدات وفشل سياسي كتفوق "شين فين" لأول مرة بأغلبية الأصوات، وهو الحزب الذي يعارض أي تحرك يصدر من لندن بشأن البروتوكول. وللعلم فإن حكومة إيرلندا شرعت منذ بدء عملية الاستفتاء لـ(بريكست) في ٢٠١٦ لشن عملية دبلوماسية واسعة النطاق في أميركا عبر الجالية الإيرلندية، والتي لها تواجد سياسي كبير في الولايات المتحدة، ومنها الرئيس الحالي بايدن وعدد من كبار النواب والشيوخ، ما جعل الولايات المتحدة توعز بدورها للمفوضية الأوروبية بضرورة إبراز المسألة والحفاظ على مبادئ معاهدة السلام الإيرلندية والمعروفة باتفاق "الجمعة المباركة"، ومنها عدم وضع أي حدود مادية بين الشمال والجنوب. والذي سخرته أميركا لتحقيق أهدافها من (بريكست) باعتباره أحد أدواتها لإعادة هيكلة الاتحاد الأوروبي ومؤسساته في إطار تكتل اقتصادي قاري مشتت الكلمة ويُضعف الاتحاد وبريطانيا معا ويبقيهم في حاجة الولايات المتحدة بشكل دائم.
13/ذو القعدة/1443هـ
13/6/2022م