المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : متابعة سياسية أحداث المسجد الأقصى وما سبقها من حراك سياسي



Abu Taqi
23-04-2022, 03:27 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

متابعة سياسية
أحداث المسجد الأقصى وما سبقها من حراك سياسي
قتلت القوات الإسرائيلية الشهر الماضي ما لا يقل عن 16 فلسطينيًّا ارتقوا شهداء بعمليات عسكرية متفرقة، بينما قتل 14 إسرائيليًّا في أربع هجمات فردية نفذها فلسطينيون. ومع دخول شهر رمضان وانطلاق عيد الفصح اليهودي تصاعدت التوترات واعتداءات الشرطة الإسرائيلية على المصلين في المسجد الأقصى لحماية المستوطنين الإسرائيليين و"جماعات الهيكل" اليهودية. ولقد سطر الفلسطينيون والمقدسيون بالذات أروع صور البطولة في التصدي لقوات الاحتلال وقطعان المستوطنين بصدورهم العارية، وبقلوبهم العامرة بأن الله يتولاهم عندما يعز النصير.
ولا شك أن هذه الأحداث ليست معزولة عما سبقها من حراك سياسي أجراه عدد من وكلاء أميركا في المنطقة، بهدف المحافظة على مسار التطبيع والتحالف مع الكيان الصهيوني وضخ الدماء في عروق حكومة الاحتلال المتداعية والهشة بفعل المزايدات والتنافس الحزبي الحاد والانقسامات الإسرائيلية. حيث احتضن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قبل شهر لقاءً لم يُعلن عنه مسبقًا في شرم الشيخ، ضم رئيس وزراء الاحتلال نفتالي بينيت وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، بحثوا خلاله تداعيات الاتفاق النووي الإيراني الذي يمثل فزاعة لـ"إسرائيل" بغرض التأسيس لمنظومة أمنية تضم الأخيرة، وتضبط سلوك الحكومات الإسرائيلية اليمينية على إيقاع المشروع الأميركي الشرق أوسطي، ولعل إشاعة اقتراب اتفاق أميركا وإيران، ومطلب شطب الحرس الثوري الإيراني من لائحة "الإرهاب" يصب في هذا الغرض. كما بحثوا سبل احتواء رد الفعل الفلسطيني بشأن استفزازات المتطرفين اليهود في شهر رمضان، وعيد الفصح اليهودي، الذي ستستغله المعارضة الإسرائيلية لإضعاف حكومة بينيت وتفكيك تحالفاتها. وقد أعقب قمة شرم الشيخ قمة العقبة التي شاركَت فيها الأردن إلى جانب السعودية والإمارات ومصر والعراق، بالإضافة لقمة ثنائية جمعت الملك عبد الله الثاني بالرئيس محمود عباس، لنفس الغرض وهو دعم حكومة بينيت واحتواء كتلة النار والتصعيد الذي خطط له اليمين الأكثر تطرفًا في إسرائيل.
وقد رافق ذلك ما أسمته إسرائيل بقمة الأمل في النقب الذي جمع كلًا من وزراء خارجية الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، ومصر والإمارات والبحرين والمغرب. حيث أكدت تصريحاتهم وزيارتهم المستفزة لمشاعر المسلمين لضريح بن غوريون دعمهم لحكومة بينيت وليبيد المهددة بالسقوط، ودعم المسار "الإبراهيمي" برعاية أميركية وعربية رسمية رغمًا عن أهل المنطقة الرافضين له، حيث صرَّح وزير خارجية البحرين بأنه ثمة حاجة إلى تحويل "الاتفاقيات الإبراهيمية إلى أعمال وممارسات ضد قوى إرهابية مثل حزب الله والحوثيين والعدوان الإيراني"، فيما قال وزير الخارجية الإماراتي: "إنّ مصر وإسرائيل وقعتا اتفاق سلام قبل 43 عامًا، ونحن نأسف لعدم الانضمام إليهما في ذلك الوقت". وكل ذلك في سبيل دعم حكومة الاحتلال اليمينية وتوفير البيئة الأمنية والاقتصادية والسياسية والتي يراد لها أن تؤثر في الرأي العام الإسرائيلي وتقنعه بجدوى المسار "السلمي" كأساس لوجود الكيان الصهيوني وبقائه وأمنه، عوضًا عن الحلول العسكرية والأمنية التي أثبتت العمليات الأخيرة في الداخل الفلسطيني فشلها. وهذا بالإضافة إلى ما يوفره مناخ التحالف العربي الإسرائيلي والمسار "الإبراهيمي" و"الحل الإقليمي" من بيئة تفرض الكيان الغاصب على أهل المنطقة وتُقوِّض مقاومتهم وتطلعاتهم. وهو ما بشر به السيسي سنة 2016 عندما ربط ما وصفه بـ"السلام الأكثر دفئًا" بحل قضية "الفلسطينيين"، ويقصد بذلك أن على الإسرائيليين أن ينتهزوا الفرصة ويقبلوا صيغة تصفية القضية من خلال معالجة ذيول الاحتلال وإعطاء الفلسطينيين جزءًا من أرضهم.
وعليه فإن التصعيد "الإسرائيلي" المندلع في الأقصى يندرج في سياق التنافس والمزايدات الحزبية الإسرائيلية بين التيار العلماني واليمين كحكومة بينيت، وأحزاب أقصى اليمين مثل الليكود الذي استغل الحدث لإضعاف الحكومة، وحزب يمينا الذي انقلب أحد قيادييه (سيلمان) بتحريض وإغراءات من طرف نتنياهو على بينيت، وقلص الفارق البرلماني بين المعارضة والحكومة بنسبة (60-60) لكل منهما.
وأما الحكومة الإسرائيلية فلم تجد مع أحداث الأقصى سبيلًا لتفويت فرصة استثمار الحدث من قِبل المعارضة سوى قمع الفلسطينيين وحماية المستوطنين والمتدينين المتطرفين حفاظًا على تماسك ائتلافها ورصيدها الانتخابي، مع محاولة لضبط قطيع الصهاينة ومنع حدة التصعيد لاعتبارات خارجية تمليها رغبة الولايات المتحدة بعدم انفجار الموقف وصرف الأنظار عن الحرب الروسية الأوكرانية الأهم في هذه المرحلة، وهو الأمر الذي أفصح عنه وزير الخارجية الأميركي، حيث شدد على "حفظ التهدئة" في المنطقة.
ومن هذا المنطلق تحرص حكومة بينيت على منع تفاقم الموقف تماهيًا مع الموقف الأميركي، فقد ذكرت صحيفة هيوم الإسرائيلية أنه اعتبارًا من يوم الجمعة ، ستمنع "إسرائيل" اليهود من دخول الأقصى حتى نهاية رمضان. وفي نفس السياق تحركت اللجنة الوزارية العربية المتواطئة مع الاحتلال لاحتواء الموقف. حيث أظهر بيانها من عمان قبل يومين تنصلها من مسؤولية ردع الكيان الصهيوني وقطعانه، وإحالتها مسؤولية حماية الأقصى والفلسطينيين إلى "المجتمع الدولي".
كما تلقت حركة حماس (بحسب صحيفة مديل إيست آي) 150 مكالمة خلال 48 ساعة من جهات مختلفة في إطار "جهود الوساطة" لمنع الحرب في قطاع غزة على إثر الوضع المتدهور في الضفة الغربية والقدس.
ومن جهتها فإن حركة حماس ومنذ إعلان خالد مشعل عن تعديل ميثاقها واختيار إسماعيل هنية رئيسًا للمكتب السياسي لحماس؛ لتمرير هذا التعديل، وتصريحات مشعل في الحرب الأخيرة على غزة السنة الماضية والتي تفيد بقبول حل الدولتين، وهي تضبط سياستها ونشاطها وفق المسار الذي جرى التفاهم عليه في القاهرة، حيث أظهرت اتصالاتها السريعة مع مصر وإبلاغها بأنها غير مسؤولة عن الهجوم الصاروخي على الكيان الصهيوني يوم الإثنين الماضي بأن لغة التهديد التي أطلقتها وسط عدوان الصهاينة على الأقصى إنما تندرج في الاستثمار الدعائي.
فبحسب صحيفة مديل إيست آي، تقول مصادر في حماس، إنها تحاول "احتواء أنشطة حركة الجهاد الإسلامي الفلسطيني باستخدام (لغة حادة) محذرة من التصعيد أحادي الجانب بعد التهديدات الموجهة لإسرائيل من قبل الأمين العام لحركة الجهاد زياد النخالة". حيث كان المؤمل في حماس أن تحافظ على ما حققه رجالها من أعمال بطولية رغم فرق الإمكانيات على جميع الصعد مع العدو، وأن تجمع شمل المقاومة وتوحد هدفها في النيل من العدو الصهيوني، وردعه عن مواصلة اعتداءاته على الأقصى وسائر مدن الضفة وغزة.
إن وتيرة السير لتنفيذ صيغة صفقة القرن بما تتضمنه من تعديلات بايدن، تسير بسرعة كبيرة، وبخاصة بعد أن أصبح ملف القدس والمقدسات هو الملف الساخن منذ سنوات، وبشكل شبه يومي، للوصول إلى صيغة توافقية يقبل بها الطرفان الإسرائيلي والفلسطيني، وسط مناخ سياسي يميل عربيا باتجاه التحالف مع إسرائيل وتطبيع العلاقات معها.
وإزاء هذه المواقف التآمرية الخسيسة الذي دأبت عليها الأنظمة العربية العميلة، والموقف الضعيف الذي ما برح يسربل المسلمين بالعار كلما انتهكت أعراضهم ودُنست مقدساتهم، نهيب بكل من عظم في قلبه الإيمان ويرجو جنة الرحمن ممن بيدهم القوة أن يهبوا لنصرة أقصاهم والأرض المباركة حوله، وأن يتقربوا إلى الله في هذا الشهر الكريم شهر النصر بتطهير الأرض المباركة من دنس يهود ومن تحالف معهم.
فما يزال في أمة الإسلام اليوم أمثال خالد بن الوليد الذي حطّـم الفرس والروم في بضع سنين فقط. وما يزال في الأمة أيضًا أمثال صلاح الدين الذي حرر القدس من الصليبيين الأشد قوة وبأسًا من يهود. وفي الأمة أمثال أَلب أرسلان الذي واجه 200 ألف جندي صليبي بـ 20 ألفًا وانتصر عليهم وأسر الإمبراطور الروماني . ولا يعوز هذه الأمة سوى القائد الذي يكشف عن رصيدها النضالي وثرائها المعرفي ومخزونها الغني بالرجال والعتاد، ويُسخر ذلك كله في نهضتها وتحررها
{قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين}

22/رمضان/1443هـ
23/4/2022م