المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حديث الصيام



Abu Taqi
01-04-2022, 09:20 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

حديث الصيام
للسنةِ الثامنة والتسعين يعيشُ المسلمونَ من دونِ إمام يحكم بشرع الله الذي ارتضاه لنا دينًا، ومن دون دولة ترعى شؤونهم وتطبق أحكامه عليهم. ويستغلُ الغرب الكافر الرُويبضات الذين نَصَّبهم رؤساءَ وملوكًا وأمراءَ على بلاد المسلمينَ؛ لحراسة حدود سايكس بيكو، وتقسيم المسلمين تحت أعلام ورايات الوطنية الجاهلية التي نبذها الإسلام، فصارت كل بلد تقرر يوم الصوم ويوم العيد منفردة لمصالح سياسية آنية، فبعضها يعتمد على الحسابات الفلكية المتعلقة بوقت تولد الهلال، وهو مخالف لحديث رسول الله صلىالله عليه وسلم : "صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته"، وبعضها يعتمد الرؤية في إثبات الشهر. والاختلاف في بدء الصوم والعيد بين هذه الدول هدفه عادة سياسي لإفساد دين المسلمين وعقيدتهم، التي تقتضي وحدة الصوم والفطر، ووحدة دولتهم، وخليفتهم ورايتهم. فالمسلمون بين خيارين لا ثالث لهما، إما طاعة المخلوق، وإما طاعة الخالق، ولا سبيل لنيل الرضى إلا بطاعة الخالق والوقوف عند أمره ونهيه. فالله تعالى يقول ﴿اليَومَ أَكمَلتُ لَكُم دينَكُم وَأَتمَمتُ عَلَيكُم نِعمَتى وَرَضيتُ لَكُمُ الإِسلٰمَ دينًا﴾ وأمر تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بالتبليغ ﴿يٰأَيُّهَا الرَّسولُ بَلِّغ ما أُنزِلَ إِلَيكَ مِن رَبِّكَ وَإِن لَم تَفعَل فَما بَلَّغتَ رِسالَتَهُ﴾ وأمرنا تعالى بالطاعة ﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤمِنونَ حَتّىٰ يُحَكِّموكَ فيما شَجَرَ بَينَهُم ثُمَّ لا يَجِدوا فى أَنفُسِهِم حَرَجًا مِمّا قَضَيتَ وَيُسَلِّموا تَسليمًا﴾ وكذلك في قوله تعالى: ﴿وَما كانَ لِمُؤمِنٍ وَلا مُؤمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسولُهُ أَمرًا أَن يَكونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِن أَمرِهِم وَمَن يَعصِ اللَّهَ وَرَسولَهُ فَقَد ضَلَّ ضَلٰلًا مُبينًا﴾ وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية" وقال عليه الصلاة والسلام: "لو أن موسى صلى الله عليه وسلم كان حيًّا ما وسعه إلا أن يتبعني". فبيّن عليه الصلاة والسلام للأمة جميع أمور دينها بنص الآيات والحديث، وترك الأمة على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ﴿وَمَن يَعصِ اللَّهَ وَرَسولَهُ فَقَد ضَلَّ ضَلٰلًا مُبينًا﴾، ومن جملة ما بيّنه لهم أن بيّن لهم متى يصومون ومتى يفطرون وربط ذلك بالرؤية الصحيحة لهلال شهر رمضان أو شوال. كما بين لهم كيف يحسبون الشهور والأعوام ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلا بِالْحَقِّ﴾، وكيف يعرفون دخول الشهر وخروجه ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهورِ عِندَ اللَّهِ اثنا عَشَرَ شَهرًا فى كِتٰبِ اللَّهِ يَومَ خَلَقَ السَّمٰوٰتِ وَالأَرضَ مِنها أَربَعَةٌ حُرُمٌ ذٰلِكَ الدّينُ القَيِّمُ﴾ وقوله تعالى ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِى مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ﴾، فاستغنى المسلمون ببيانه صلى الله عليه وسلم عن غيره، فلم يترك موضع نقص ولا خلل في دينهم، بل أكمله لهم وأتم عليهم النعمة ﴿اليَومَ أَكمَلتُ لَكُم دينَكُم﴾، ﴿وَأَنزَلنا إِلَيكَ الذِّكرَ لِتُبَيِّنَ لِلنّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيهِم وَلَعَلَّهُم يَتَفَكَّرونَ﴾، فبيّن لهم أمور دينهم على أكمل وجه، فلا يحتاجون بعد ذلك إلا فهم نصوصه واستنباط الأحكام منها لكل مشاكل الحياة.
لذلك كان الأصل اتباع الحكم الشرعي في الصوم والفطر، والقاعدة أن العبادات توقيفية. والرسول صلى الله عليه وسلم أرشدنا لتحديد بدء الصوم برؤية هلال رمضان. وبدء الفطر، برؤية هلال شوال. ولم يطلب من المسلمين أن يستعملوا الحساب لمعرفة وقت تولد الهلال، رغم تيسر ذلك لهم على مر العصور والدهور، وإنما أمرهم بالصوم لرؤيته، والفطر لرؤيته.
وحتى ندرك المطلب الشرعي منا وجب علينا تحديد مفاهيم اللغة والشرع فيما يخص الهلال والرؤية. فالشهر في اللغة، كما جاء في معجم مقاييس اللغة لابن فارس، "وضوح في الأمر وإضاءة، من ذلك الشهر، وهو في كلام العرب الهلال، ثم سمي كل ثلاثين يومًا باسم الهلال، فقيل شهر". وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "مجموع الفتاوى" "الهلال مأخوذ من الظهور، ورفع الصوت واسمه مشتق من فعل الآدميين يقال: أهللنا الهلال، واستهللناه، فلا هلال إلا ما استهل". والهلال هو "غرة القمر"، قال ابن منظور "الهلال غرة القمر حين يهله الناس في غرة الشهر، وقيل: يسمى هلالًا لليلتين من الشهر، ثم لا يسمى به إلى أن يعود في الشهر الثاني". وأما في الشرع فيراد بالشهر عند الإطلاق "الشهر الهلالي".
وأما الرؤية فهي "النظر والإبصار، بعين أو بصيرة". والرؤية المعتبرة شرعًا عند الأئمة الأربعة هي الرؤية بعد غروب الشمس لا الرؤية النهارية حيث لا أثر لها عند الجمهور. والرؤية لا تتطلب جموع المسلمين أو عددًا محددًا منهم فقول الرسول: "رأيتموه" إنما يفيد مطلق الرؤية وقوله: "صوموا" وقوله: "أفطروا" عام يشمل عموم الناس في كافة أقطار الأرض، لا فرق بين بلد وبلد، ولا بين مسلم ومسلم.
فالحكم الشرعي قد جعل طلوع هلال رمضان سببًا للصوم؛ أي أمارة معرفة لوجود صوم رمضان؛ أي أنه إذا رأى الهلال أهلُ بلد فقد رآه المسلمون جميعًا، ومن رأى حجة على من لم يرَ.
فقد أخرج البخاري عن ابن عمر "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر رمضان فقال: لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم فاقدروا له ". وعنه أيضًا: "الشهر تسع وعشرون ليلة فلا تصوموا حتى تروه فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين" وعنه أيضًا: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا رأيتموه فأفطروا فإن غم عليكم فاقدروا له"، وأخرج عن أبي هريرة أيضًا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غُبِّي عليكم فأكملوا عدة شعبان"، فأوجب الصوم حين الرؤية في اليوم المُسْتَقْبَل، وعلق الصوم برؤية الهلال فإن خفيت رؤيته أمر بإكمال العدة ثلاثين، ولم يعلقه بتولد الهلال ولا تعرض له، فالشارع نصب رؤية الهلال سببًا للصوم، فإذا لم يُرَ طالعا لم يحصل السبب الشرعي، فلا يثبت الحكم بالحساب أو غيره ولو كان منضبطًا أو قطعيًّا؛ لأن الشارع لم ينصبه سببًا فلم يوجب به الصوم، ويؤكد هذا ما أخرجه البخاري عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا، يعني مرة تسعة وعشرين ومرة ثلاثين".
أما الحساب فالمراد به هو حساب حركة الأرض والقمر حول الشمس، وحركة القمر حول الأرض، كما يشمل حساب النجوم وتسييرها، وظاهر السياق يشعر بنفي تعليق الحكم بالحساب أصلًا. ولقد قال الإمام النووي رحمة الله عليه في (قوله صلى الله عليه وسلم: "صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته"؛ المراد: رؤية بعض المسلمين، ولا يشترط رؤية كل إنسان، بل يكفي جميع الناس؛ رؤية عدلين)، وهذا ثابت عن ابن عُمَرَ رضي الله عنهما قال: "تَرَاءَى الناس الْهِلَالَ فَأَخْبَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنِّي رَأَيْتُهُ فَصَامَهُ وَأَمَرَ الناس بِصِيَامِهِ"، وثابت من جهة بن عَبَّاسٍ رضي الله عنه قال جاء أَعْرَابِيُّ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أَبْصَرْتُ الْهِلَالَ اللَّيْلَةَ فقال: "أَتَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلا الله وَأَنَّ مُحَمَّدًا رسول اللَّهِ؟ قال: نعم، قال: قُمْ يا بِلَالُ، فَأَذِّنْ في الناس أَنْ يَصُومُوا غَدًا". وقال ابن تيمية (فطلوعه في السماء إن لم يظهر في الأرض فلا حكم له، لا باطنًا ولا ظاهرًا، فإذا استهله الواحد والاثنان فلم يخبرا به فلم يكن ذاك هلالًا، فلا يثبت به حكم حتى يخبرا به فيكون خبرهما هو الإهلال الذي هو رفع الصوت بالأخبار به، ولأن التكليف يتبع العلم، فإذا لم يمكن علمه؛ لم يجب صومه) فهذا اليقين بالرؤية أكده ابن عبد البر في "التمهيد" قائلًا: (لا يصام رمضان إلا بيقين من خروج شعبان، واليقين في ذلك رؤية الهلال، أو بإكمال شعبان ثلاثين يومًا(.
وعلى ذلك لا يصح أن يلتفت في الصوم والإفطار لغير الرؤية الشرعية، وهي الرؤية التي يشهد بها مسلم عدل عالم بما يشهد. ولا يصح أن يكون لهذه الحدود أي أثر على اختلاف الصوم والإفطار بين المسلمين مهما اختلفت أقطارهم أو تباعدت.
أيها المسلمون..
شهر رمضان هو شهر الإسلام، فيه بدأت الدعوة، وفيه استقرت الدولة، وفيه انتصر المسلمون، وفيه تحطمت هجمات الكفار على بلاد المسلمين. هذا الشهر هو عز الإسلام والمسلمين في الدنيا والآخرة، التقرب فيه إلى الله عظيم وفعل الخير فيه كبير، صيامه جُنّة وقيامه سنّة، كرّمه الله بليلة القدر واختصه بعظيم الأجر، كل عمل ابن آدم يضاعَف الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعماية ضعف، قال الله عز وجل: "إلاّ الصوم فإنه لي وأنا أجزي به".

كان الرسول صلى الله عليه وسلم خلال هذا الشهر الكريم يجدّ في العبادة والصدقة وكل أعمال الخير زيادة على الشهور الأخرى، وقد اقتدى به الصحابة رضوان الله عليهم فكانوا في رمضان يجتهدون في التقرب إلى الله بأكثر ما كانوا يتقربون في الأشهر الأخرى. ولنا في رسول الله أسوة حسنة. فنحن وإن كنا نحرص على الدوام أن نعمل مخلصين لاستئناف الحياة الإسلامية في الأرض، إلا أنه حري بنا خلال شهر الصوم أن نجدّ في التقرب إلى الله ونضاعف الجهد في حمل الدعوة وتبليغها، (فوالله لئن يهدي الله رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم)، كما قال الرسول صلوات الله وسلامه عليه، فكيف إن كان هذا في رمضان؟
سائلين المولى عز وجل أن يأخذ بأيدي المسلمين للعمل لرفعة دينهم واستئناف حياتهم الإسلامية، بتطبيق شرع ربهم، وحمله رسالة إلى العالم أجمع.
والله الهادي والموفق لسواء السبيل
29/شعبان/1443هـ
1/4/2022م