المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : متابعة سياسية الرباعية The Quad : أداة أميركية لتقنين منظومة القواعد والنظم العالمية



Abu Taqi
10-03-2022, 11:45 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

متابعة سياسية
الرباعية The Quad :
أداة أميركية لتقنين منظومة القواعد والنظم العالمية
تتطلب الرؤية الأميركية لقيادة العالم في القرن الحادي والعشرين تفرد النموذج الرأسمالي الأميركي القائم على تقليص دور الدولة، وليبرالية الأسواق، وتحرير التجارة، والذي يمثل بحسب زعمهم "أفضل نموذج للحكم الذي يُطلق العنان للتطلعات الإنسانية ويضبط العلاقات بين جميع دول العالم وشعوبه"!
ولتنفيذ ذلك تُسخّر الولايات المتحدة إمكاناتها لحماية نموذجها الرأسمالي، وتُروِّج له وتُذلل العقبات في وجهه. إذ إن القضية بالنسبة لها مصيرية، ومرتبطة بالمبدأ الذي تقوم عليه، وتتحكم من خلاله طبقة الرأسماليين والشركات الكبرى وقوى الضغط (اللوبيات) بمصير العالم وموارده وثرواته، بالقوة الناعمة تارة والقوة الصلبة تارة أخرى؛ لإرغام الدول على الخضوع لإرادتهم.
ويتضح ذلك من نهج الإدارات الأميركية المتعاقبة، ومن نهج بايدن الذي اتخذ من "الضرورة الدبلوماسية" أداة لـ"إعادة ترميم وتطوير المنظمات الدولية لتمكينهم من الوفاء من غرض وجودهم"، باعتبار أن تعزيز أمن أميركا وازدهارها مرتبط بتفردها بالموقف الدولي، ونفوذها في المؤسسات الدولية، وصياغتها لمنظومة القيم وقواعد النظام العالمي.
ورغم أن وضع أميركا الخارجي مستقر، ولا يوجد من ينازعها الموقف الدولي، حيث إن روسيا والصين ليس لهما نزعات عسكرية أو سياسية خارج مجالهما الحيوي الإقليمي تهدد التفرد الأميركي، لكن علاقة أميركا بالصين يشوبها النزاع بسبب سعي أميركا إلى السيطرة الاقتصادية المطلقة، وهو الأمر الذي فرض أن تكون الصين ذات الطموح الاقتصادي العابر تحديًا للولايات المتحدة في القرن الراهن، بل وتضخيم حجمها وطموحها، إلى الحد من التحذير من سلوكها السياسي والاقتصادي، كما جاء في استراتيجية الأمن القومي الأميركي بشأن "عهد جديد من تنافس استراتيجي للقوى الدولية"، والتي لفتت إلى أن بعض الدول "بدأت تفرض نفوذها إقليميًّا وعالميًّا"، وتعمل جادة "لمنازعة المزايا والمكتسبات الجيوسياسية الأميركية ومحاولة تغيير النظام الدولي لصالحها"! مشيرةً إلى أن الصين وحزبها الشيوعي يمثلان "التحدي الأساسي اليوم للعالم الحر"، وكل ذلك لتبرير الخطوات السياسية والاقتصادية التي ستقوم بهما الإدارة الأميركية تجاه الصين. وهو ما أكده تصريح بايدن عشية قمة الدول السبع في حزيران/يونيو ٢٠٢١ بقوله إن "الديمقراطيات تواجه حربًا وجودية ضد الأوتوقراطيات"، ويقصد بها "الأنظمة الاستبدادية" في كل من الصين وروسيا بوجه خاص، كما يتضح من قراءة "ميثاق الأطلسي" المجدد ومحاوره التسعة، والتي ترمي إلى محاصرة الصين بدرجة أولى وروسيا بدرجة ثانية، وتحقق مساعي أميركا لحشد "الديمقراطيات" خلف رؤية بايدن لـ"حرب النماذج". بينما أنكر وزير الدفاع الصيني رغبة بلاده في السيطرة الإقليمية أو المنافسة السياسية قائلًا إن الذين يدّعون بنظرية الصين الراغبة في المنافسة السياسية نقول لهم إننا نرغب فقط في توسيع قنوات التجارة الحرة والتبادل التجاري بين الدول وإحلال السلام العالمي.

وقد أوضح مستشار الأمن الوطني الأميركي جيك سوليفان مسار الدبلوماسية والأحلاف بتصريحه إن "ما سعى الرئيس إلى القيام به هو جمع كل ذلك معًا في صورة مشتركة لما نحتاج إلى القيام به بشكل جماعي كديمقراطيات للرد على الصين"، ويقصد أن بايدن جمع الشكوك والتحديات لدى الحلفاء، ومن ضمنها اتهام بومبيو للصين بـ"سرقة البيانات والأسرار الصناعية والتجارية، وعسكرة منطقة بحر الصين الجنوبي، وإقراض الدول الفقيرة والمحتاجة مما يؤدي إلى تفاقم ديونها وتسخير قدراتها المالية والتجارية لأغراض السيطرة السياسية"، وكذلك إثارتها لقضية المسلمين الإيغور وقضية هونج كونج وقضية هواوي ثم "الفايروس الصيني"، وصولًا إلى إعادة إنتاج صورة الصين لتصبح "التحدي الأساسي اليوم للعالم الحر". وكل ذلك لأن الصين أصبحت تبني علاقاتها خارج أطر "منظومة القواعد الدولية" وذلك "بربط جيرانها وآخرين في نظامها الاقتصادي القيادي"، والمبني على استثمار الدولة في الصناعات الأساسية والاستراتيجية والقدرات المدنية والعسكرية، والتي منحت الصين نجاحات في مجال التقنية وسلاسل التوريد والسيطرة على قنوات وأدوات التحكم والتواصل والمعلومات، وبخاصة في تقنية الحاسبات الكمية، والتي تستطيع عمل حسابات معقدة في أجزاء من الثانية، وتشفير البيانات والتعليمات العسكرية والمالية.
من المعلوم أن أميركا هي الراعي الرسمي لإخراج الصين من عزلتها، حيث أدمجت الصين في المجتمع الدولي الرأسمالي، ومنحتها مقعدًا في مجلس الدول الاقتصادية الكبرى، وعضوية منظمة التجارة العالمية ومنظمة آسيان، ومنحتها مركزًا مميزًا لدى صندوق النقد والبنك الدوليين، وبنك التنمية الآسيوي، وغيرها من المنظمات العالمية، بالإضافة إلى استثمارات بمئات المليارات (أميركية وأوروبية ويابانية وخليجية)، إلا أن ذلك كان مشروطًا بتعهد الصين بالإصلاحات السوقية والتزامهم بقواعد المنظمات والمؤسسات الدولية؛ أي بالتحول إلى (السوق الحر). ولأن الصين ليست دولة تابعة لأميركا، بل هي دولة مستقلة، فإنه من الطبيعي ومراعاة لمصالحها أن لا يكون التزامها بهذه الشروط حرفيًّا، إذ من المتوقع أن تخرج عن الأطر المرسومة والحدود السياسية والاقتصادية وهامش التحرك. ما دعا بومبيو أن يحذر الصين بقوله: "أميركا لن تقف مكتوفة الأيدي بل ستواجه الصين"، وطالبها "الالتزام والتقيد بأنظمة وقوانين النظام الدولي".
وبناءً على مخرجات وثيقة استراتيجية الأمن القومي الأميركي، واستراتيجية الإندوباسيفيك الأميركية، والتي أكدت أن آسيا هي "الإقليم ذو الأهمية القصوى"، وضعت الولايات المتحدة الإطار الذي يحقق رؤيتها الاستراتيجية للصين، وهي: "الالتزام بالأعراف والقوانين والنظم الدولية"، وشرعت باحتوائها عبر "الاستعداد العسكري والأحلاف وتعزيز الترابط عبر شبكة إقليمية". وأوجدت لذلك مجموعة الرباعية (Quad) والتي تضم أميركا واليابان والهند وأستراليا؛ لتكون تحالفًا ديمقراطيًا جديدًا لمواجهة الصين ومحاصرتها، ومنعها من مواصة "ضبط أسس التقارب" مع الجوار ومناطق تمددها الاقتصادي. ولقد استخدمت أميركا أساليب التوبيخ والإهانة والابتزاز وإخضاع الدول لمطالبها، حيث شجب بومبيو سياسة أستراليا في خطاب علني في سيدني قائلًا "يمكنكم بيع أنفسكم لأجل حفنة من الصويا أو يمكنكم حماية شعبكم".
ورغم أن الصين وفي خطاب وزير دفاعها وي فينجهي في مؤتمر شانغريلا في حزيران/يونيو من العام الماضي أكدت على "ضرورة احترام مصالح الصين الأساسية فلا يمكن لأي دولة أن تظن أن الصين ستسمح لسيادتها وأمنها ومصالحها التنموية أن تمس" ذاكرًا الخطوط الحمراء ومنها تايوان وهونج كونج، وأن أي تصور لأمن المنطقة يجب أن يأخذ بعين الاعتبار المصالح الأمنية المشتركة لدول المنطقة، ولا يمكن اللجوء للتكتلات الأمنية كوسيلة حل للقضايا الإقليمية.
كما وصفت الصين مجموعة الرباعية "بغثاء البحر"، إلا أن إدارة بايدن قامت بتفعيل (الرباعية) ومن ذلك قمة واشنطن في شهر أيلول/سبتمبر الفائت، والتي أكدت فيها على أسس التعاون بين الدول الأعضاء لتعزيز الأمن والازدهار في منطقة الاندوباسيفيك وخارجها. وبالتالي جعلت من المجموعة الرباعية "مكونًا أساسيًا ومؤسساتيًّا" في توجهها الجيوسياسي للمنطقة، وهو الأمر الذي أكده مستشار الأمن الوطني الأميركي جيك سوليفان ومؤسسة راند ومفاده استغلال "مجموعة إقليمية ذات نفوذ قادرة على تأييد ودعم القيم الأميركية". ولقد عمدت لعدد من الخطوات والأعمال السياسية الرامية لتأكيد هذا الدور، ومن ذلك إيعازها للاتحاد الأوروبي إعلان سياسة مماثلة والتعاون المباشر مع دول المنطقة؛ لاستكمال اتفاقيات التجارة الحرة مع أستراليا ونيوزلندا والهند؛ لتقليص ارتباطهم واعتمادهم على الاقتصاد الصيني.
ومن أمثلة الأعمال التي تقوم الرباعية بصياغتها لتعديل الأنظمة والقوانين هو ما يخص نقل التقنية المتقدمة والناشئة في مجال الشرائح الذكية والحاسبات الكمية والتي نصت عليه وثيقة "أسس الرباعية لتصميم وتطوير وحوكمة واستخدام التقنية" Quad Principles on Technology, Design, Development, Governance and Use . ونتج عن ذلك وضع آليات وضوابط جمركية وأحكام التصدير لتتفق مع القيم والمصالح المشتركة؛ لمنع تصدير التقنيات إلى الصين أو أيّ من مؤسساتها العسكرية، وذلك لغرض "إنشاء سلسلة توريد آمنة لأشباه الموصلات" والتي تسيطر على ٧٥٪ من إنتاجها دول شرق آسيا بالرغم من أن أميركا تملك أكبر ٦ شركات عالمية في مجال التصميم. ومن ذلك أيضًا تفعيل "معارضتها الشديدة للمحاولات الأحادية وبالقوة لتغيير الوضع الراهن في بحر الصين الشرقي والجنوبي"، والذي نتج عنه تبني معاهدة قانون البحار، وذلك لـ"مواجهة التحديات لمنظومة القواعد البحرية" وبخاصة بحر الصين الجنوبي والشرقي، وزيادة وتيرة ومجال "دوريات الحرية البحرية" وتقوية التواجد البحري العسكري عبر المناورات والتي شملت أستراليا ونيوزيلندا واليابان.
كما وأوجدت اتفاقًا على إطلاق "مبادرة مشتركة لرسم خريطة القدرات وتعيين نقاط الضعف واحتياجات الدعم لسلاسل الإمداد الاستراتيجية"، والتي تنطوي على أكثر المخاطر الاقتصادية والمالية لاعتمادها الكبير على الاقتصاد الصيني في المنتجات ذات الطابع أو التأثير على الأمن القومي. حيث تقدر خسائر قطاع السيارات العالمي فقط بأكثر من ٦٠ مليار دولار بسبب عجز توريد أشباه الموصلات، الذي تسيطر عليه دول شرق آسيا وعلى رأسها الصين وتايوان. وهذا ما يُفسر إعلان بايدن في خطابه عن حالة الاتحاد قبل بضعة أيام عن استثمار شركة أنتل.
إن ابتكار الوسائل والأساليب لتفعيل الرؤى السياسية، وتحقيق الأهداف المرجوة منها، ووضع الاستراتيجيات حيز التنفيذ، هي من فنون القيادة السياسية، ومن لوازم الوعي ورجال الدولة المدركين أن السياسة هي رعاية شؤون الناس، ونقل الفكر السياسي إلى الواقع المحسوس والعلاقات الداخلية والخارجية. ويجب أن تكون القيادة التي ينزع إليها العاملون للنهضة قيادة فكرية في المقام الأول حتى يكون لها سلطان. ولن يكون سلطانها مؤثرًا وفاعلًا على الدوام إلا إذا كان المبدأ الذي تقوم عليه يستند إلى أساس روحي؛ أي يستند إلى عقيدة عقلية سياسية تقوم على الإيمان بالله الخالق المدبر، ينبثق عنها نظام. وهذا ما تفتقر إليه أميركا والدول التقليدية الكبرى، ما يجعل معينهم الفكري قد اقترب نضوبه، وبريقهم الحضاري قد أوشك أفوله، وسيادتهم على العالم قد اقترب زوالها، فها هو المبدأ الرأسمالي قد عاد ليأكل أهله في حرب طاحنة بين روسيا والغرب. وبات أمل الأمة الإسلامية، بل والعالم كله، معقودًا على الإسلام العظيم، لا يعوز عودته إلى الحياة وإظهار ألقه وعدله ونعمائه سوى رجال يرتفع ولاؤهم لله على كل ولاء.
7/شعبان/1443هـ
10/3/2022م