المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : متابعة سياسية خطاب حالة الاتحاد لبايدن



Abu Taqi
03-03-2022, 10:13 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

متابعة سياسية
خطاب حالة الاتحاد لبايدن
منذ أقل من شهر كان بايدن يواجه انتقادات كبيرة أساسها عدم قدرته على توحيد صفوف الحزب الديمقراطي، وأجندته الإصلاحية، وارتفاع التضخم لأعلى مستوى له منذ ثلاثين عامًا في أميركا، وفشله في مد جسور التعاون مع الجمهوريين، كما وعد في خطاب التنصيب قبل عام، وارتفاع معدل الجريمة. بالإضافة إلى احتمال خسارة الحزب الديمقراطي لقيادة مجلس النواب في الانتخابات النصفية القادمة في تشرين أول/نوفمبر ٢٠٢٢. إلا أنه تمكن من خلال الأزمة الأوكرانية، وما تبع ذلك من غزو روسي، من استعادة الزخم السياسي لصالحه، وإعادة توجيه الخطاب نحو روسيا، التي تمثل العدو المشترك للشعب والطبقة السياسية الأميركية، وبخاصة وأن ثمة توافقًا بين الحزبين (الديموقراطي والجمهوري) حيال روسيا، وثمة اتهامات لبايدن بالضعف في التعامل مع بوتين، وكذلك إعادة تسليطه الضوء على أجندته الأساسية والتي تتمحور حول موضوع (حرب النماذج) بين الديمقراطية والأوتوقراطية، بين "دولة المؤسسات ومفاهيم الحرية والعدالة وحكم القانون"، وبين "المنظومة الاستبدادية وطغيان الدكتاتورية"، وهذه النبرة (الأخلاقية والقيمية) في خطاب بايدن ليست موجهة للداخل الأميركي فقط، بل مرتبطة بالحدث المرافق في أوكرانيا والتعامل المقبل مع الصين. وهو ما يجعل خطابه موجهًا لأوروبا للجم النزعة المادية النفعية التي طالما أعاقت تفكيك العلاقة مع روسيا، والتردد بشأن العلاقة الاقتصادية مع الصين وشركاتها مثل هواوي.
ومن جهة أخرى وفي محاولة لشيطنة ترمب وأتباعه في الحزب الجمهوري، والتخفيف من وطأة طعون الحزب الجمهوري، وبخاصة في مسألة الانسحاب من أفغانستان، قال: "لقد حاول بوتين تقسيمنا في بلدنا لكننا وقفنا صفًا واحدًا ونحن مستعدون له"، وذلك في إشارة ساوى فيها بين ما فعله ترمب عقب خسارته للانتخابات، وما راهن عليه بوتين في حربه على أوكرانيا، مستغلًا الحالة المشاعرية التي تجتاح الرأي العام، والمعادية لروسيا، ومعقبًا على اتهامه بالفشل في مد جسور التعاون مع الجمهوريين، بقوله: "وإن كان يبدو أننا لا نتفق، فذلك ليس صحيحًا فلقد صادقت على ٨٠ قانونًا مشتركًا في العام الماضي".
ومن الواضح أن بايدن قد صمم خطابه وافتتحه بالمسألة الأوكرانية لتؤدي هذا الغرض بشأن توحيد مجلسي الشيوخ والنواب "بالوقوف معًا كولايات متحدة أميركية بجانب الشعب الاوكراني"، مسخِّرًا الأزمة للتذكير بـ"أننا" من منطلق "واجبنا تجاه الشعب الأميركي والدستور"، و"من عزم لا يتزعزع أن الحرية ستنتصر دومًا على الاستبداد"، مُركزًا على بوتين شخصيًا، باعتباره من أشد المناوئين لليبرالية التي ينتهجها النظام السياسي الأميركي بمختلف أطيافه وقواه السياسية. وكان ذلك واضحًا من وقوف الحضور مصفقين له شخصيًّا أكثر من مرة؛ لإظهار وحدة صف نادرة جدًا في البرلمان الأميركي الذي غالبًا ما يشهد خلافات حادة. وفي ذلك إشارة إلى إنجازه الكبير في إعادة الوحدة للشعب الأميركي، بعد الانقسامات الحادة التي تركها ترمب في الشعب الأميركي.
كما أوضح بايدن الدور الريادي الذي قام به من أجل توحيد صف الائتلاف الغربي ذاكرًا أنه يشمل ليس فقط دولًا أوروبية بل "شركاء من آسيا وأفريقيا"، مؤكدًا أنه "سيدافع عن كل بوصة من أراضي الدول الأعضاء في حلف الناتو". وأن تشدده مع بوتين جعل أوروبا أكثر توحدًا وانسجامًا، وأدى إلى عودة التماسك إلى حلف الناتو والاتحاد الأوروبي تحت القيادة الأميركية. كما تماهى مع مطالب المعارضة الروسية الداخلية في محاسبة الفاسدين في إشارة تأييد لمطالبهم، فقد أعلن أن الخزينة الأميركية أنشأت فريقًا خاصًّا لتتبع وتقصي كافة الأولغارش الروس ومصادرة أموالهم واستثماراتهم وأصولهم ومحاسبتهم على جرائمهم، حيث قال: "أقول للأولغارش الروس والقادة الفاسدين الذين استحلوا مليارات الدولارات لقد انتهى ذلك". ولم تُخفِ إدارته الغرض من تقويض الاقتصاد الروسي بالعقوبات، وهو تجفيف روافد الميزانية الدفاعية الروسية، والضغط على الشعب الروسي للانتفاض في وجه بوتين وحاشيته.
أما ما يخص الداخل، فلم يفوّت الفرصة للتخفيف من وطأة العقوبات على روسيا وتداعياتها على الاقتصاد الأميركي، والترويج لإنجازاته لأغراض انتخابية، حيث أوضح أن كافة العقوبات سيكون لها مردود عكسي ومكلف على الداخل الأميركي؛ إلا أن ذلك ثمن الوقوف مع الحرية، وأنه اتخذ خطوات لأجل تخفيض التكلفة عبر الإفراج عن ٣٠ مليون برميل من الاحتياطي الاستراتيجي الأميركي، من ضمن خطوة للإفراج عن ٦٠ مليون برميل من عدة دول. كما حاول إيضاح أهمية القرارات المالية التي اتخذها، مُذكرًا أن الاقتصاد الأميركي سجل نموًا 5.7٪ في عام ٢٠٢١، وسجل 5.6 مليون وظيفة جديدة، مستنكرًا ما قام به الرئيس السابق من إنفاق ٢ تريليون دولار عبر تخفيض الضرائب التي "استفاد منها ١٪ من الأكثر ثراءً، ولم تحقق الوعود التي برر بها هذا التخفيض، بل أدت لنمو اقتصادي ضعيف وأجور متدنية وعجز اقتصادي كبير، وسجلت أكبر فجوة منذ قرن بين من هم في أعلى سلم (الثراء) وباقي الشعب"، مؤكدًا أنه "عندما نستثمر في أميركا سيكون بمواد أميركية لتحقيق فرص عمل أميركية".
وأما بخصوص التضخم وفي محاولة منه لتخدير الشعب بشأن تضييق الفوارق الطبقية، والخلل في توزيع الثروة، وفي محاولة لتسويق نفسه، وإعطاء فسحة لإنقاذ رئاسته ورصيد حزبه في الانتخابات النصفية والرئاسية المقبلتين، ذكر أن "الخبراء الاقتصاديين يركزون على الأجور، أما أنا فأقول خفضوا تكاليفكم عبر التصنيع في أميركا"، وهو ما يُعرف بـ"رفع مستوى القدرة التصنيعية للاقتصاد". ومن الأمثلة التي ذكرها أنْ طالب شركات الأدوية بتخفيض أسعار البيع، متسائلًا لماذا يتم بيع الأنسولين بقرابة ٣٠ ضعف تكلفته.
كما أشار بايدن في خطابه إلى الحقبة القادمة وهي مواجهة الصين، ساعيًا من وراء ذلك إلى اختطاف خطاب الحزب الجمهوري والمزايدة عليه، وقال: "لقد قلت لشي جين بينغ (الرئيس الصيني) إنه ليس من الجيد المراهنة ضد الشعب الأميركي". مضيفًا أنه قدم للمجلس (الشيوخ والنواب) مشروع قانون الابتكار، والذي سيستثمر ثروة قياسية في التقنية الناشئة والصناعة الأميركية، معلنًا أن شركة إنتل للشرائح ستنشئ مصنعًا حديثًا بقيمة ٢٠ مليار دولار، ذاكرًا أن رئيس الشركة وعده باستثمار ١٠٠ مليار دولار لتنفيذ خطة شركته، وذلك لطمأنة الأميركيين حول تداعيات المواجهة المقبلة مع الصين، وأضاف أن شركة فورد ستنشئ مصنعًا للسيارات الكهربائية بقيمة ١١ مليار دولار وستنشئ شركة جنرال موتورز مصنعًا بقيمة ٧ مليار دولار.
ويُعدُّ هذا الإعلان ذو أهمية بالغة حيث أنه أول استثمار أميركي، بعد تسليط الضوء على خطورة سلاسل التوريد الاستراتيجية، والتي ظهر للعلن تمركز دور الصين فيها من خلال الجائحة.
وكما يبدو فإن بايدن قد نجح في استثمار الأزمة الأوكرانية بصورة تمكنه من تلافي ما جرى وصفه بالقصور في أدائه السياسي، وبخاصة في مسألة الانسحاب من أفغانستان، والتي ركزت عليها المتحدثة باسم الحزب الجمهوري، بالإضافة إلى سوء معالجته لتداعيات أزمة كورونا، ما أدى إلى هبوط رصيده الشعبي بدرجة وصلت مؤخرًا إلى 37%؛ وهي الأدنى من بين أسلافه الـ12 - بعد السنة الأولى.
لقد جعل بايدن خطاب حالة الاتحاد أداة لتلميع نفسه، ورفع رصيد حزبه، وتعزيز فرص فوز حزبه في الانتخابات النصفية القادمة، من خلال إظهار وحدة الكونغرس، ومدى التأييد الذي تلقاه سياساته الداخلية والخارجية، وبخاصة فيما يتعلق بالأزمة الأوكرانية، والتصدي لروسيا المعتدية. فقد حرص بايدن على إظهار التأييد الكامل لأوكرانيا، من خلال استضافة أوكسانا ماركاروفا السفيرة الأوكرانية في واشنطن، والتي جلست إلى يمين زوجة الرئيس الأميركي، وكانت من ضيوف شرف جو بايدن، ومن خلال رفع كثير من أعضاء الكونغرس ألوان أوكرانيا الصفراء والزرقاء.
30/رجب/1443هـ
3/3/2022م