Abu Taqi
17-02-2022, 09:48 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
متابعة سياسية
زيارة أردوغان إلى الإمارات والعلاقة مع "إسرائيل"
تأتي زيارة الرئيس رجب أردوغان إلى الإمارات يومي 14-15 شباط/فبراير الجاري ردًا على الزيارة التي قام بها ولي عهد أبو ظبي والحاكم الفعلي للإمارات محمد بن زايد إلى تركيا في 24 تشرين ثاني/نوفمبر 2021. وهي زيارة تأتي استجابة للتغييرات التي تسير عليها أميركا في ظل حكم الديمقراطيين فيما له علاقة بإيران ودول الخليج. حيث وقعت تركيا والإمارات في هذه الزيارة 12 اتفاقية ثنائية في مجالات مختلفة وأهمها الصناعة الدفاعية التي تسعى أميركا إلى إدخال شركاء من الخارج مثل أوكرانيا والإمارات لمنع استقلال تركيا بشأنها.
ويبدو أن حكام الإمارات أدركوا أنه لا بد من اللحاق بركب مصر والسعودية اللتين أبديتا رغبة في التقارب مع تركيا، واستئناف السباق مع قطر في خدمة أميركا وتفعيل حضورها في المنطقة، عقب الدور اللافت الذي لعبته قطر في أفغانستان، وأخيرًا في الشراكة القطرية مع الحلف الأطلسي.
فبعد نزاع طويل بين تركيا والإمارات التي دعمت كل خصوم تركيا لقيَ الرئيس أردوغان حفاوة بالغة في زيارته للإمارات والتي وصفت بالتاريخية، ويأتي ذلك في إطار جلب تركيا وتسخيرها في تأمين التوازن الاستراتيجي في الشرق الأوسط وأمن الخليج، عقب سياسة تحجيم إيران ودفع مسار الحل الإقليمي إلى الأمام وفي سياق احتواء القيادة التركية التي استعصى إعادتها إلى حظيرة التبعية حتى اللحظة.
ولا يخفى أن تحول موقف الإمارات المتطرف في عدائه لتركيا وحزب العدالة والتنمية وكل ما يُنسب إلى الإسلام لا يخرج عن توجيه الولايات المتحدة ومقتضيات التحولات التي أعقبت انسحاب أميركا من أفغانستان والتحديات المقبلة مع الصين وروسيا، وهو وإن كان هذا التقارب يمثل جزرة لأردوغان الذي لا يمانع من التقاطع مع أميركا وسياساتها وعملائها على قاعدة المصحلة والبراغماتية، إلا أن تقارب الإمارات مع تركيا في هذا الوقت الذي يعاني فيه الاقتصاد التركي ويقترب فيه أردوغان من الموسم الانتخابي العام المقبل وحاجته إلى تحسين المؤشرات الاقتصادية ولجم التذمر الداخلي وكف التدخلات الخارجية، بالإضافة إلى استدارته في العلاقة مع السعودية ومصر وتعزيز أميركا لموقفه في شرق المتوسط على حساب اليونان وفرنسا، كل ذلك ينطوي على مطالب أميركية بشأن تفاهمات أردوغان مع روسيا التي تتعرض لحملة أطلسية في الساحة الأوكرانية لتوهين علاقتها بألمانيا، وإرباك علاقتها بفرنسا والصين. وينطوي كذلك على مطالب بشأن مواصلة تأثير أردوغان على سياسات أميركا في الملف التركي الداخلي وتضييقه على العملاء، وبشأن الملف السوري والأكراد، والعلاقة مع "إسرائيل" وتوفير غطاء للدول المطبعة والمتحالفة معها، وهو ما يُفسر تحريك ملف العلاقة بين تركيا والكيان الغاصب مؤخرًا.
ولذلك فإن ما يجري من انفتاح لسياسة أردوغان الخارجية في ظل الضغوطات الاقتصادية الأميركية ونشاط المعارضة التركية، نحو اللقاء الذي جمع بين السفير البريطاني ورئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، ولقاء الأخير بالسفير الأميركي، إنما يندرج تحت استدراج أردوغان وفرض الوصاية على علاقاته الخارجية وإعادة بنائها وصياغتها بما يتفق مع الرؤية الأميركية، وبما لا يتعارض مع مصلحة أردوغان. وذلك خارج سياق التبعية وفي محاولة لاستعادة تركيا إلى حظيرة الطاعة بعد محاولة الانقلاب الفاشلة للإطاحة بأردوغان سنة 2016.
وفي هذا السياق يتطلع أردوغان إلى استثمار العلاقة مع الإمارات وزيارة رئيس دولة الاحتلال إسحاق هرتسوغ إلى تركيا في عدد من القضايا ذات العلاقة بالسياسة الداخلية وبالنزاع على نفط شرق البحر المتوسط، وترطيب العلاقة المثقلة بالخلافات مع إدارة بايدن. وكان أردوغان قد أعلن عن هذه الزيارة منذ 27 كانون الثاني/يناير 2022 في تصريحات نقلتها وكالة الأناضول في معرض تعليقه على طبيعة العلاقات بين تركيا و"إسرائيل"، جاء فيها: "إن مرحلة جديدة في علاقات تركيا وإسرائيل ستبدأ مع زيارة الرئيس الإسرائيلي".
ويبدو أن عملاء أميركا قد استوعبوا هذه التغييرات إن لم يكن قد جاءتهم الأوامر من البيت الأبيض فبدأوا بتحسين علاقاتهم مع قطر، ثم توجهوا نحو تركيا التي ناصبوها العداء ليفتحوا معها هي أيضًا صفحة جديدة لما لها من وزن في ملفات كثيرة في المنطقة، وبخاصة سوريا والعراق وليبيا وشرق أفريقيا.
وما كان لأردوغان أن يعلن عن زيارة هرتسوغ إلا بعد أن أجرى تفاهمات سرية وغير معلنة مع أميركا بخصوص تقاسم نفط شرق المتوسط. فقد أفادت مصادر لصحيفة "جيروزاليم بوست" بأن إدارة الرئيس جو بايدن أخطرت إسرائيل وقبرص واليونان خلال الأسابيع الماضية عن سحب دعمها لخط الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا. من جانبه علق أردوغان على هذا الإعلان الأميركي قائلًا: "هذا المشروع لم يكن قابلًا للتنفيذ، لقد أجروا جميع الحسابات المالية له، ورأوا أنه لا يوجد شيء إيجابي في هذا المشروع"؛ مضيفًا أن مثل هذه المشاريع لا يمكن أن تنجح بمعزل عن تركيا. كما أكد صراحة على هذا الهدف في تصريح نقلته وكالة الأناضول يوم 27/1/2022 بمناسبة إعلانه عن زيارة هرتسوغ بالقول: " عقدنا اجتماعات في الماضي مع الأطراف الإسرائيلية، وأكدنا على التعاون المشترك لنقل الغاز إلى أوروبا، وتركيا لا تزال مستعدة للعمل المشترك".
بالإضافة إلى التحركات التي قام بها رئيس جمعية الصناعة والأعمال (توسياد) اليهودي الإيطالي سيمون، ولقائه بعدد من زعماء المعارضة، حيث أصدرت جمعيته بيانًا تدعو فيه أردوغان صراحة إلى التراجع عن تخفيض قيمة الفائدة؛ وطالبت بإجراء "انتخابات مبكرة".
وأمام هذه التحركات العلنية اضطر أردوغان إلى توجيه رسالة تحذير مباشرة إلى رئيس جمعية توسياد بالكف عن التدخل في كيفية إدارة شؤون البلاد السياسية، وبأن يركز جهده على الصناعة والتجارة، مذكرًا إياه بأن "تركيا اليوم ليست تلك التي كانت في الماضي"؛ وفي هذا إشارة إلى تغلغل الجمعية بمفاصل الدورة المالية.
وبناءً عليه فإن تقارب أردوغان وجماعته مع الإمارات و"إسرائيل" يراد منه إخماد الجبهات المشتعلة في الخارج من أجل توفير شروط الفوز بانتخابات 2023، عبر اضعاف أدوات الدعم الخارجي والداخلي للمعارضة التركية، وبخاصة وأن أردوغان كثيرًا ما صرَّح أن تركيا تواجه حربًا اقتصادية بعد فشل محاولة انقلاب تموز/يوليو 2016.
16/رجب/1443هـ
17/2/2022م
متابعة سياسية
زيارة أردوغان إلى الإمارات والعلاقة مع "إسرائيل"
تأتي زيارة الرئيس رجب أردوغان إلى الإمارات يومي 14-15 شباط/فبراير الجاري ردًا على الزيارة التي قام بها ولي عهد أبو ظبي والحاكم الفعلي للإمارات محمد بن زايد إلى تركيا في 24 تشرين ثاني/نوفمبر 2021. وهي زيارة تأتي استجابة للتغييرات التي تسير عليها أميركا في ظل حكم الديمقراطيين فيما له علاقة بإيران ودول الخليج. حيث وقعت تركيا والإمارات في هذه الزيارة 12 اتفاقية ثنائية في مجالات مختلفة وأهمها الصناعة الدفاعية التي تسعى أميركا إلى إدخال شركاء من الخارج مثل أوكرانيا والإمارات لمنع استقلال تركيا بشأنها.
ويبدو أن حكام الإمارات أدركوا أنه لا بد من اللحاق بركب مصر والسعودية اللتين أبديتا رغبة في التقارب مع تركيا، واستئناف السباق مع قطر في خدمة أميركا وتفعيل حضورها في المنطقة، عقب الدور اللافت الذي لعبته قطر في أفغانستان، وأخيرًا في الشراكة القطرية مع الحلف الأطلسي.
فبعد نزاع طويل بين تركيا والإمارات التي دعمت كل خصوم تركيا لقيَ الرئيس أردوغان حفاوة بالغة في زيارته للإمارات والتي وصفت بالتاريخية، ويأتي ذلك في إطار جلب تركيا وتسخيرها في تأمين التوازن الاستراتيجي في الشرق الأوسط وأمن الخليج، عقب سياسة تحجيم إيران ودفع مسار الحل الإقليمي إلى الأمام وفي سياق احتواء القيادة التركية التي استعصى إعادتها إلى حظيرة التبعية حتى اللحظة.
ولا يخفى أن تحول موقف الإمارات المتطرف في عدائه لتركيا وحزب العدالة والتنمية وكل ما يُنسب إلى الإسلام لا يخرج عن توجيه الولايات المتحدة ومقتضيات التحولات التي أعقبت انسحاب أميركا من أفغانستان والتحديات المقبلة مع الصين وروسيا، وهو وإن كان هذا التقارب يمثل جزرة لأردوغان الذي لا يمانع من التقاطع مع أميركا وسياساتها وعملائها على قاعدة المصحلة والبراغماتية، إلا أن تقارب الإمارات مع تركيا في هذا الوقت الذي يعاني فيه الاقتصاد التركي ويقترب فيه أردوغان من الموسم الانتخابي العام المقبل وحاجته إلى تحسين المؤشرات الاقتصادية ولجم التذمر الداخلي وكف التدخلات الخارجية، بالإضافة إلى استدارته في العلاقة مع السعودية ومصر وتعزيز أميركا لموقفه في شرق المتوسط على حساب اليونان وفرنسا، كل ذلك ينطوي على مطالب أميركية بشأن تفاهمات أردوغان مع روسيا التي تتعرض لحملة أطلسية في الساحة الأوكرانية لتوهين علاقتها بألمانيا، وإرباك علاقتها بفرنسا والصين. وينطوي كذلك على مطالب بشأن مواصلة تأثير أردوغان على سياسات أميركا في الملف التركي الداخلي وتضييقه على العملاء، وبشأن الملف السوري والأكراد، والعلاقة مع "إسرائيل" وتوفير غطاء للدول المطبعة والمتحالفة معها، وهو ما يُفسر تحريك ملف العلاقة بين تركيا والكيان الغاصب مؤخرًا.
ولذلك فإن ما يجري من انفتاح لسياسة أردوغان الخارجية في ظل الضغوطات الاقتصادية الأميركية ونشاط المعارضة التركية، نحو اللقاء الذي جمع بين السفير البريطاني ورئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، ولقاء الأخير بالسفير الأميركي، إنما يندرج تحت استدراج أردوغان وفرض الوصاية على علاقاته الخارجية وإعادة بنائها وصياغتها بما يتفق مع الرؤية الأميركية، وبما لا يتعارض مع مصلحة أردوغان. وذلك خارج سياق التبعية وفي محاولة لاستعادة تركيا إلى حظيرة الطاعة بعد محاولة الانقلاب الفاشلة للإطاحة بأردوغان سنة 2016.
وفي هذا السياق يتطلع أردوغان إلى استثمار العلاقة مع الإمارات وزيارة رئيس دولة الاحتلال إسحاق هرتسوغ إلى تركيا في عدد من القضايا ذات العلاقة بالسياسة الداخلية وبالنزاع على نفط شرق البحر المتوسط، وترطيب العلاقة المثقلة بالخلافات مع إدارة بايدن. وكان أردوغان قد أعلن عن هذه الزيارة منذ 27 كانون الثاني/يناير 2022 في تصريحات نقلتها وكالة الأناضول في معرض تعليقه على طبيعة العلاقات بين تركيا و"إسرائيل"، جاء فيها: "إن مرحلة جديدة في علاقات تركيا وإسرائيل ستبدأ مع زيارة الرئيس الإسرائيلي".
ويبدو أن عملاء أميركا قد استوعبوا هذه التغييرات إن لم يكن قد جاءتهم الأوامر من البيت الأبيض فبدأوا بتحسين علاقاتهم مع قطر، ثم توجهوا نحو تركيا التي ناصبوها العداء ليفتحوا معها هي أيضًا صفحة جديدة لما لها من وزن في ملفات كثيرة في المنطقة، وبخاصة سوريا والعراق وليبيا وشرق أفريقيا.
وما كان لأردوغان أن يعلن عن زيارة هرتسوغ إلا بعد أن أجرى تفاهمات سرية وغير معلنة مع أميركا بخصوص تقاسم نفط شرق المتوسط. فقد أفادت مصادر لصحيفة "جيروزاليم بوست" بأن إدارة الرئيس جو بايدن أخطرت إسرائيل وقبرص واليونان خلال الأسابيع الماضية عن سحب دعمها لخط الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا. من جانبه علق أردوغان على هذا الإعلان الأميركي قائلًا: "هذا المشروع لم يكن قابلًا للتنفيذ، لقد أجروا جميع الحسابات المالية له، ورأوا أنه لا يوجد شيء إيجابي في هذا المشروع"؛ مضيفًا أن مثل هذه المشاريع لا يمكن أن تنجح بمعزل عن تركيا. كما أكد صراحة على هذا الهدف في تصريح نقلته وكالة الأناضول يوم 27/1/2022 بمناسبة إعلانه عن زيارة هرتسوغ بالقول: " عقدنا اجتماعات في الماضي مع الأطراف الإسرائيلية، وأكدنا على التعاون المشترك لنقل الغاز إلى أوروبا، وتركيا لا تزال مستعدة للعمل المشترك".
بالإضافة إلى التحركات التي قام بها رئيس جمعية الصناعة والأعمال (توسياد) اليهودي الإيطالي سيمون، ولقائه بعدد من زعماء المعارضة، حيث أصدرت جمعيته بيانًا تدعو فيه أردوغان صراحة إلى التراجع عن تخفيض قيمة الفائدة؛ وطالبت بإجراء "انتخابات مبكرة".
وأمام هذه التحركات العلنية اضطر أردوغان إلى توجيه رسالة تحذير مباشرة إلى رئيس جمعية توسياد بالكف عن التدخل في كيفية إدارة شؤون البلاد السياسية، وبأن يركز جهده على الصناعة والتجارة، مذكرًا إياه بأن "تركيا اليوم ليست تلك التي كانت في الماضي"؛ وفي هذا إشارة إلى تغلغل الجمعية بمفاصل الدورة المالية.
وبناءً عليه فإن تقارب أردوغان وجماعته مع الإمارات و"إسرائيل" يراد منه إخماد الجبهات المشتعلة في الخارج من أجل توفير شروط الفوز بانتخابات 2023، عبر اضعاف أدوات الدعم الخارجي والداخلي للمعارضة التركية، وبخاصة وأن أردوغان كثيرًا ما صرَّح أن تركيا تواجه حربًا اقتصادية بعد فشل محاولة انقلاب تموز/يوليو 2016.
16/رجب/1443هـ
17/2/2022م