المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التطورات الأخيرة في المشهد الأردني الداخلي وأثره على تصفية قضية فلسطين



Abu Taqi
04-01-2022, 01:12 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

التطورات الأخيرة في المشهد الأردني الداخلي وأثره على تصفية قضية فلسطين
يحتدم النقاش في الأردن حول التعديلات الدستورية المطروحة على مجلس النواب، والتي لا تنفك أبدًا عن "الحل الإقليمي" الذي شرع بتنفيذه الرئيس جورج بوش الإبن سنة 2004 في إطار مشروع الشرق الأوسط الكبير، الذي يضمن سيطرة أميركا على المنطقة ويحفظ مصالحها لقرن قادم. ويتلخص هذا المشروع بدمج "إسرائيل" في المنطقة بإسناد من القادة العرب عبر التطبيع والتحالف والتشبيك العسكري والاقتصادي والثقافي، وتحويل المنطقة إلى سوق إسرائيلي، وتحويل أهلها إلى باعة متجولين لشركاتها.
ومن مقتضياته تمهيد الطريق لتصفية قضية فلسطين عبر إعادة هيكلة النظام الأردني من أجل استيعاب "اللاجئين الفلسطينيين"، وإشراكهم في "الحكم"، من خلال التعديلات على قوانين الأحزاب والانتخابات النيابية، وتفكيك الهوية "الوطنية" التقليدية لصالح هوية "جامعة" تُغلف "الوطن البديل"، وتوسع تمثيل ما يُسمى بالمكون "الفلسطيني" في البرلمان والحكومة البرلمانية القادمة. وكل ذلك في إطار مرحلة مؤقتة على طريق "الملكية الدستورية"، والتي سيتم تحويلها إلى مرحلة دائمة تُذيب ما يسمى بـ"الهويات الفرعية" وتدمج سكان الضفتين ضمن هيكلة جديدة وسلطة تستوعب مخرجات تصفية القضية.
ومن ذلك أيضًا إعادة هيكلة السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير وإدماج حركة حماس التي قبلت بحل الدولتين، ودمج فصائل "المقاومة" في أجندة "الحل الإقليمي" الذي يحرف بوصلة العداء نحو إيران، ويُشكّل بمعية المشاريع العسكرية، والمشاريع الاقتصادية المفخخة مثل (الماء والكهرباء والغاز) حافزًا لأهل الأردن، وحافزًا لليمين الإسرائيلي المتطرف، مقابل عصا "الملف النووي الإيراني" وعصا "المقاومة الفلسطينية واللبنانية" وعصا الشيطنة الإعلامية الغربية لـ"إسرائيل" بسبب تغولها على سكان القدس والضفة الغربية.
وفي سياق "الحل الإقليمي" والربط الاقتصادي بين الأردن و"إسرائيل" روج السفير الأميركي في عمان بصورة تستبطن تهديد الشعب تحت طائلة الاتفاقية العسكرية مع النظام لدمج المصالح وتشبيك العلاقات مع "إسرائيل"، من خلال ربطه لمعالجة المعضلة المائية واستقرار الأردن ب"النهج الابراهيمي" والتعاون مع اسرائيل.
ومن هنا تُعد التعديلات الدستورية الحالية وتوقيتها عملية نصب واحتيال واسع على أهل الضفتين، وبخاصة تلك التعديلات المتعلقة بقوانين الانتخابات والأحزاب السياسية والتي ستقضم من "النصيب العشائري" في البرلمان لصالح كتل سكانية ممن يوصفون بـ"المكون الفلسطيني" ولصالح "كوتات النساء والأقليات" ولحساب أحزاب وهمية وظيفتها تخدير الشعب عبر تشكيل الحكومة البرلمانية المزعومة مستقبلًا، وهو الأمر الذي أشارت إليه اللجنة الملكية بشأن تحديث المنظومة الانتخابية بقولها: "تعزيز الهوية الوطنية الجامعة... والتمثيل العادل لفئات المجتمع الأردني ومناطقه كافة". مما سيفضي بالضرورة إلى إنهاء حق العودة لـ"اللاجئين الفلسطينيين" ودمجهم في "الهوية الجامعة" التي تمثل جوهر المشروع السياسي الجديد، والذي جاء مضمونه في مقترحات "اللجنة الملكية للإصلاح السياسي"، وأشار إليه رئيس الوزراء بشر الخصاونة وعبد المنعم العودات مقرر اللجنة القانونية بمجلس النواب في جلسة التصويت على التعديلات أول أمس بوضوح. وأما تأكيد التعديلات المقترحة على صلاحيات الملك في المادة 40، وتحصينها للاستبداد والفساد، وتناقضها مع (الحكومات البرلمانية) المرجوة؛ فإنما يتعلق بهذه المرحلة التي تؤسس لامتصاص مخرجات تصفية "القضية الفلسطينية" وتقتضي بقاء الاستبداد وقمع المعترضين، وتستوجب التدجين وإلهاء الشعب بقضايا جانبية نحو التضييق الاقتصادي، واستمرار قوانين الدفاع بذريعة وباء كورونا، وافتعال الحوادث أو تضخيمها.
وبناء عليه فإنه من غير المتوقع أن يجري التعديل الفعلي على صلاحيات الملك لصالح "حكومة برلمانية" ونظام "ملكي دستوري" وإظهاره استجابة لمطالب الشعب ونصر لـ"المعارضة" إلا في الفصول الأخيرة من تصفية "القضية الفلسطينية" وإخضاع أهل الضفتين للحلول التآمرية.
أما التعديلات الدستورية والتي طالت الجانب القيمي من بوابة "تمكين المرأة" منذ سنة 2008 و2016 فهي الأخطر على الحاضر وعلى المدى البعيد؛ لأن النهج السياسي الخياني لا يمكنه المرور والمضي قُدمًا إلا في أجواء قيمية مجتمعية فاسدة، ومنظومة تشريعية منفصلة عن الدين.
فتقويض القيم وتفكيكها عبر تقنين المساواة بين الرجل والمرأة تحت لافتة "العدل والإنصاف" و"تمكين المرأة" و"عدم التمييز والعنف بحقها" وعبر برامج "إدماج النوع الاجتماعي في التعليم والبيئة المدرسية" التي تنفذها وزارة التربية والتعليم بدعم من اليونسكو وبتمويل من الحكومة الكندية لتصحيح مفهوم النوع الاجتماعي (Gender) يؤدي ذلك كله إلى التدخل الخارجي، وإلى هدم مرجعيات الأمة الشرعية، وترسيخ المنظومة التشريعية الليبرالية التي تنتج الفساد السياسي والإداري والاقتصادي والفجور المجتمعي، وتحمي اللصوص والجواسيس، وتستبد بالقيم والدين وتقمع المصلحين، مما يُسهّل مهمة النظام في تمرير المشاريع والأجندات السياسية الخيانية ورعاية مصالح الغرب دون اعتراض شعبي من قبل الأجيال القادمة، وهو الأمر الذي ينسجم مع مضمون "الحل الإقليمي" و"النهج الإبراهيمي" المزعوم.
ومن تلك التعديلات الدستورية التي تشجع على الانفلات القيمي وتقويض الدين وتنفيذًا للتوجه الليبرالي الذي يقوده اليسار الملحد، والمنظمات النسوية و"حقوق الشواذ" عالميًّا، موافقة مجلس النواب على المادة الأولى والمتضمنة إضافة كلمة "الأردنيات" لعنوان الفصل الثاني من الدستور. والتي يترتب عليها تقسيم المجتمع إلى فئتين (ذكور وإناث)، من أجل "تمكين المرأة" عبر المساواة التامة بينهما تحت عنوان (العدالة والإنصاف) و(عدم التمييز والعنف بحقها)؛ لأن المساواة النسبية تكون ضمن الفئة الواحدة فقط. وبالتالي فإن إضافة "الأردنيات" لعنوان الفصل الثاني من الدستور ليست بريئة مطلقًا؛ لأن القاعدة القانونية تنص بأن "أي إضافة في المبنى تفيد زيادة في المعنى"، علمًا بأن "العنف" المقصود هنا يشمل اضطهاد الشواذ وتقييد حرية الأشخاص.
وإزاء هذه الحالة الخيانية الاستثنائية للنظام ومجلس النواب فإننا ندعو شرفاء الأردن وفلسطين إلى نبذ الوطنية الإقليمية البغيضة، وإلى تشكيل قوة موحدة تُطيح بالعملاء وتُجبرهم على الرحيل أو تُجبرهم على العدول عن غيهم وتغولهم وتآمرهم على الأمة، عوضًا عن الصراخ والصيحات الإعلامية الفردية لرفع العتب، أو الخطابات الرنانة التي لم تُشعِل شمعة في نهج النظام المظلم، أو المظاهرات التي لم تسهم تعبئتها إلا في مداعبة عواطف الناس والاستثمار الدعائي لبعض الحركات وتفريغ نقمة الشعب. كما نذكر جماعة الإخوان المسلمين بمسؤوليتها الدينية والتاريخية وندعوها إلى الكف عن مجاملة النظام أو عقد الصفقات معه ومواصلة البحث عن الغنائم الباردة، وندعوها إلى التحول من "المعارضة" الديمقرطية المبتدعة إلى المحاسبة الفعلية والمنتجة للنظام. ونخص كذلك النواب الذين اعترضوا على التعديلات الدستورية، وندعوهم للاستقالة من المجلس المزوّر والمأجور وكشف دوره الخياني الخسيس، والعمل من خارجه عبر قيادة قواعدهم الانتخابية ورصيدهم الشعبي لإفشال المخططات الخيانية الرخيصة. ونحث أيضًا على التخندق في معسكر مواجهة النظام كل الشرفاء من الشخصيات السياسية والعسكرية والأمنية والإعلامية والأكاديميين والمفتين وخطباء المساجد، ونذكرهم بواجب الذب عن حِياض الدين والأمة حتى يبرأوا إلى الله من وحل الخيانة، ولا ينطبق عليهم قوله تعالى {إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين}. كما إننا ندعوهم أن يرفعوا الصوت عاليًا برفض النظام برمته، والتمرد على قراراته الفاسدة ويمتنعوا عن تنفيذها، وأن يقوموا بواجبهم الشرعي في محاسبة الذين شاركوا في المؤامرة على دينهم ومقدساتهم وعِرضهم وقوتهم ومستقبل أبنائهم. وعلى قوى "المعارضة" الذين ينازعون النظام تعديلاته الدستورية لدواعي "وطنية" مهترئة تُعلي رابطة "الوطن" النتنة على رابطة العقيدة، أن يُدركوا بأن القضية ليست بمن يحكم بل بماذا يحكم؟! فالحكم بغير ما أنزل الله ليس غنيمة سواء كان الثقل البرلماني والحكومي من شرق النهر أم من غربه. فعلى أهل الضفتين أن يجعلوا العقيدة الإسلامية أساس العلاقة بينهم وليتقوا الله ويستجيبوا لقوله: {إنما المؤمنون إخوة} وليحذروا الفتنة التي تُذكيها النعرات القومية والوطنية وليعملوا بهدي نبيهم الذي قال: (لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانًا، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره..). وليعلم كل الذين تواطؤواعلى الباطل وخذلوا الأمة أن الأمة لن تنسى مواقفهم ومواقف الذين خانوا البلاد والعباد، وسيأتي اليوم الذي تحاسبهم فيه على غدرهم وجرائمهم.
{يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم}
غرة جمادى الآخرة/1443هـ حزب التحرير
4/1/2022م ولاية الأردن