المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : متابعة سياسية ما وراء قمة بايدن الديمقراطية



Abu Taqi
12-12-2021, 11:39 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

متابعة سياسية
ما وراء قمة بايدن الديمقراطية
نظم الرئيس الأميركي جو بايدن يومي الخميس والجمعة 9 و10 كانون أول/ديسمبر "قمة من أجل الديمقراطية" عبر الفيديو، تجمع "ممثلين عن حوالي مئة دولة ومنظمة غير حكومية وشركات ومنظمات خيرية". وبحسب قناة فرانس 24، فقد أثارت لائحة المدعوين توترًا شديدًا إذ نددت الصين وروسيا اللتان يعتبرهما بايدن أبرز "الدول السلطوية"، باستبعادهما من القمة، واعتبراها "عودة غير مبررة لعقلية الحرب الباردة وتقسيم العالم". كما أغضبت دعوة تايوان إلى القمة بكين التي تعتبرها مقاطعة صينية. وتهدف القمة إلى التأكيد على "تعزير قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان" بحسب ما وعد الرئيس بايدن في حملته الانتخابية.
ولا يخفى أن الصين وروسيا هما المستهدفتان سياسيًّا من تقسيم العالم إلى معسكرين، أحدهما: "ديمقراطي ليبرالي"، والآخر: "استبدادي شمولي"، وذلك لاعتبارات جيواقتصادية في الحالة الصينية، وجيواستراتيجية في الحالة الروسية. بالإضافة إلى استهداف الأمة الإسلامية في هذا التقسيم لاعتبارات إيديولوجية عقدية في إطار الحرب الوقائية.
فمن قراءة برنامج الحزب الديمقراطي لانتخابات ٢٠٢٠ نجد من أولوياته ضرورة معالجة "موقف الولايات المتحدة في العالم"، وأن ذلك سيكون عبر إعادة تعزيز فكرة "الغرب" كمجموعة دول ديمقراطية، ذات مفاهيم وقيم مشتركة، وليس تحالفات تاريخية فقط، كحلف الأطلسي أو دول جنوب شرق آسيا، وإنما عبر إنشاء "مجتمع الديمقراطيات" المبني حول فكرة الديمقراطية نفسها.
وفي هذا الصدد قال وزير الخارجية الأميركي آنذاك أمام لجنة العلاقات الخارجية في جلسة الاستماع لإقرار ترشيحه، أنه سيعتمد على "تسليط الضوء" على تلك الدول التي لا تتوافق مع القيم الأميركية، كأداة من أدوات السياسة الخارجية الأميركية لإدارة بايدن. فالحزب الديمقراطي يدعو لإعادة هيكلة التحالفات والشراكات لمواجهة التحديات عبر القيم الأميركية واتخاذها وسيلة لـ "تعزيز أمن أميركا وازدهارها"، مدركًا أن حرب النماذج الذي جعلته أميركا معيارًا للعلاقة الغربية مع الصين وروسيا، وذريعة للتدخل في بلاد المسلمين، هو صعيد حرب قيم ومفاهيم مع البديل الحضاري للمنظومة الغربية الشاملة التي أسستها أميركا.
ومن ذلك دفع شعوب الشرق الأوسط للمطالبة بالحرية والديموقراطية في "الربيع العربي" وتسليط الحكام المستبدين عليهم، وتكليفهم ثمنًا باهظًا لقاء اختيارهم "الإسلاميين" والتفافهم حول شعارات "الدولة الإسلامية والجهاد"، وذلك لتعميق حاجتهم إلى الحرية والديمقراطية، وإلجائهم إلى التصالح مع العلمانية والقيم الغربية!
وبالنظر إلى معطيات القمة وما سبقها من تغييرات في الداخل الأميركي، نرى أهدافها بوضوح شديد. حيث أن وعد بايدن في حملته الانتخابية بـ"جمع قادة العالم لقمة تواجه انتشار الاستبداد حول العالم"، يؤكد المغزى من هذه القمة وهو حشد الرأي العام الأميركي حوله وحول قيم الحزب الديموقراطي وحشد التأييد لسياساته، وتعزيز حظوظ الحزب الديموقراطي في الانتخابات القادمة، بعدما بات الرئيس بايدن وإدارته خيار الدولة العميقة في تنفيذ سياساتهم الداخلية والخارجية في هذه المرحلة، وبخاصة بعد شيطنة ترمب والحزب الجمهوري في أحداث "الكابيتول". بالإضافة إلى تأكيد زعامة الولايات المتحدة على العالم الرأسمالي "الحر"، بالاستناد إلى فزاعة "الإرهاب الإسلامي" والنماذج الصينية والروسية في الحكم والرعاية.
وفي هذا السياق يندرج إعادة إنتاج الديمقراطية كوعاء أيديولوجي لإدارة العلاقات الدولية بصورة انتقائية، وفي إطار حرب النماذج والتنافس الجيوستراتيجي مع روسيا والجيواقتصادي مع الصين، واللتين توفران بمعية "الإسلاموفوبيا" روافد منفرة لنماذج الحكم وطريقة العيش، وهو الأمر الذي من شأنه أن يجعل تلك النماذج المنفرة تشاطر الأنموذج الرأسمالي الليبرالي المتوحش فساده وتستر عورته، وتؤنسه في وحشته وظلمه وظلامه، وتجدد له بيعة المتذمرين من تغوله وتُخمد زفيرهم. وهذا ما يؤكده اعتقاد الرئيس بايدن الذي يقضي بأن الطريقة المثلى لتسويق الديمقراطية وحشد العالم خلف الولايات المتحدة هي إظهار أن المجتمعات الديمقراطية يمكنها أن تتفوق على البدائل الاستبدادية. ليصل من ذلك إلى اقتياد الدول الأوربية والتي دعاها للتوحد والعمل معه في مواجهة التحديات الدولية وما تصفه الولايات المتحدة بـ"قوى معسكر الاستبداد بزعامة الصين وروسيا"، بالإضافة إلى مواجهة ما يصفونه بـ"الإرهاب الإسلامي".
ومن أهداف القمة أيضًا والذي بدا في مشاركة "لوبيات حقوق الإنسان" والمنظمات التي تسعى لاستغلال القمة كوسيلة لجمع الأموال للإنفاق على برامجها المشبوهة، هو تعزيز دور مؤسسات المجتمع المدني في تنفيذ أجندات الولايات المتحدة، تمامًا كما فعلوا في الثورات الملونة شرق أوروبا وفي "الربيع العربي".
وبالتالي فإن القمة ستوفر الغطاء الدولي لعمل منظمات الديمقراطية العابرة، ومنظمات حقوق الإنسان، ومؤسسات المجتمع المدني الجاسوسية، المدعومة من الولايات المتحدة، والناشطة في أغلب دول العالم، وتمكينها من تنفيذ أجندات المخابرات الأميركية مثلما فعلت حركة 6 إبريل في مصر إبان "الربيع العربي".
وعليه فإن هذه القمة التي وعدت إدارة بايدن بتكرارها سنويًّا إنما تندرج في سياق الحفاظ على الهيمنة الأميركية، وفي إطار الذخيرة الدبلوماسية، والأداتية السياسية والتمويه القيمي، لكنها تعبر في ذات الوقت عن جفاف حضاري. ذلك أن الديمقراطية الليبرالية معطوبة في حواضرها الغربية التي تعاظمت فيها الميول الشعبوية والعنصرية، وجلبت الأحزاب اليمينية إلى الحكم في السنوات الأخيرة. ولا أدل على ذلك من أحداث الشغب العنصري في السادس من يناير/كانون الثاني الماضي حين هاجم آلاف اليمينيين الشعبويين من أنصار الرئيس السابق ترامب مبنى الكابيتول لوقف التصديق على نتائج الانتخابات الأميركية، وحادث مقتل جورج فلويد، وحملة القادة اليمينيين في النمسا والتشيك وبولندا والمجر بمعية الرئيس الفرنسي ماكرون على المهاجرين وعلى الإسلام والمسلمين في بلادهم. وهذا فضلًا عن دعم تلك الدول الديمقراطية وعلى رأسها الولايات المتحدة لأعتى فراعنة الاستبداد في العالم مثل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ومحمد بن سلمان، وباقي الطواغيت من حكام العرب، الذين لم يكونوا ليجرؤوا على الاستبداد ويصمدوا في وجه شعوبهم ويبقوا في الحكم، لولا الحماية الأميركية والدعم الأوروبي.
ولعل أبرز ما يضع هذه القمة في خانة الأداتية السياسية هو إدرج الولايات المتحدة للقمة في سياق المبارزة الاقتصادية والنزاع الجيواستراتيجي مع الصين وروسيا على المسرح الدولي، ما يجعل الطابع القيمي للقمة هامشيًا بالمقارنة مع عوائدها على صعيد الحرب على "هواوي" الصينية و"نورد ستريم2" الأوروبي الروسي، والالتفاف على "مبادرة الطريق والحزام" بهدف خنق الصين في أزقة مبادرتها إذا لم تعد بالنفع على الشركات الأميركية. وهذا بالأضافة إلى تسخير القمة كأداة ضغط وعزل سياسي لبعض الأنظمة من خلال الانتقائية في اختيار المدعوين. حيث دعت الولايات المتحدة الباكستان والفلبين، والبرازيل التي يرأسها اليميني المتطرف جايير بولسونارو ، فيما تجاهلت تركيا الأكثر ديمقراطية من تلك الدول المدعوة.
ومهما يكن من أمر، فإن إعادة تدوير الغرب للديمقراطية وتسخيرها لأهداف نفعية في العلاقات الدولية، يعكس إفلاس منظومة القيم والحضارة الغربية وهشاشة النظام الدولي واضطرابه، وهو الأمر الذي يمهد الطريق لتقبل الأمم والشعوب لنظام الإسلام ويُعمق الحاجة إليه والتمسك به، وهي الحالة التي كانت عليها الشعوب قبل الفتوحات الإسلامية وأتاحت للمسلمين فتوحاتهم، وإخراج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومكنتهم من التفرد بقيادة العالم لأكثر 13 قرنًا.
8/جمادى الأولى/1443هـ
12/12/2021م