المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : متابعة سياسية الانفتاح التركي على دول الخليج



Abu Taqi
09-12-2021, 12:18 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

متابعة سياسية
الانفتاح التركي على دول الخليج
إن انفتاح النظام التركي على دول الخليج بعد خطوات التقارب مع مصر، وصولًا إلى التقارب مع الإمارات الأشد خصومة مع نظام أردوغان بوصفه "إسلاميًّا"، هو بحث في أهداف التقارب بالنسبة لتركيا التي ابتعدت كثيرًا في النأي بسياساتها الخارجية عن الإرادة الدولية إلا في حالات قهرية، أو مصلحية، حيث ذهبت إلى تكييف سياساته بما يتوافق مع مصالحها القومية التي توفر المتاجرة بها للقوى السياسية المتنافسة في الداخل التركي مواردَ انتخابية تغذي أرصدتهم الشعبية.
والتقارب الإماراتي التركي يندرج في بحث الأهداف الإماراتية في ضوء سياسة الولايات المتحدة نحو تركيا في هذه المرحلة التي تستوجب احتواءها، ومحاصرة روسيا في مجالها الحيوي، وعزل الصين وإخضاعها للإرادة الأميركية وضبطها وفق النظام الدولي، باعتبار أن الإمارات هي أداة أميركية لاستقطاب الدول والتأثير على سياساتها الداخلية والخارجية بسلطة المال بما يخدم المشاريع الأميركية، نحو تمويلاتها المالية لخليفة حفتر ودعمها لمشاريع الطاقة والمياه المزمع إنشاؤها للكيان الصهيوني وللأردن.
ومن ذلك أيضًا ما ينطوي عليه الاستثمار الإماراتي في الصناعات الدفاعية التركية ومنع استقلالها، وإبقاء القروض والاستثمارات الخارجية مصدرًا لبنيتها التحتية، وهذه القروض تستحق السداد بالعملة الصعبة مما يبقيها في قفص النظام المالي العالمي الذي يتحكم باقتصادها. وسياسة الإمارات الوظيفية التي تَنْفذُ إلى الدول وتؤثر فيها عبر الأموال ومن خلال شركات تابعة للدولة، يمكن قراءتها في تعليق الوزير الإماراتي سلطان الجابر بشأن التقارب الإماراتي التركي، حيث قال: "عليكم أن تعرفوا أن فن الشراكة هو جزءٌ لا يتجزأ من نهج الإمارات العربية المتحدة، وهذه الشراكة كانت العامل الأساس وراء تحقيقنا نجاحات عدة خلال السنوات الماضية". ولا يخفى أن الاقتصاد التركي لم يتعرض للاستهداف مثلما تعرض له في السنوات التي أعقبت تخلي أميركا عن خيار "الإنموذج الإسلامي" في المنطقة، واستهدافها لأردوغان وحزب العدالة والتنمية، وعرقلة أردوغان لبعض الأجندات الأميركية في سوريا والعراق.
وقد جاء هذا التقارب التركي الإماراتي وزيارة محمد بن زايد وتأسيس صندوق بقيمة 10 مليارات دولار لدعم الاستثمارات في تركيا، في لجة مقاومة أردوغان لهجمات المضاربة على الليرة التركية وتداعيات انخفاض سعرها على مستوردات تركيا في قطاع الطاقة، وأثره على ارتفاع الأسعار على الشعب رغم أثره الإيجابي التنافسي في التصدير، كما أن التقارب التركي الإماراتي في ظل سعي أردوغان للانفتاح على السعودية والبحرين ومصر، واستعداده لترميم العلاقة مع "إسرائيل"، قد جاء لسد ذرائع المعارضة الداعية إلى معالجة العلاقات الخارجية، ولتخفيف حدة المواجهة مع الدول الداعمة لخصومه في الانتخابات لا سيما دولة الإمارات، وجاء وسط حاجة أردوغان أيضًا لتخفيف الضغط عن الاقتصاد التركي وتداعياته على مستقبل حزب العدالة والتنمية السياسي، سيما وأن سياسته الخارجية تقوم أساسًا على تحقيق المنافع وتعزيز الاقتصاد التركي، وسد الثغور التي تهدد الأمن القومي التركي كقضية الأكراد في شمال سوريا والعراق، وهو الأمر الذي يمثل رهان الفوز في الانتخابات.
فهذا التقارب وإن كان يحظى بمباركة أميركية رغم مواصلة أردوغان لسياساته الخارجية المنفلتة من العقال الأميركي، لكنه يُعدُّ محاولة لاجتذاب أردوغان واحتوائه من بوابة المنافع الاقتصادية. حيث زار تركيا بشكل متزامن مع زيارة محمد بن زايد؛ كل من وزير خارجية البحرين ووزير التجارة السعودي، بالإضافة إلى الخطوات التي اتخذها أردوغان للتقارب مع مصر، مع تأكيده في زيارته لقطر على أن "الخطوات القوية التي قامت بها بلاده مع (أبو ظبي) سيكون مثلُها قريبًا مع كل من القاهرة وتل أبيب". كما جاء هذا التقارب بين تركيا والإمارات في ظل هجمات المعارضة التركية التي تسعى إلى الإطاحة بحزب العدالة والتنمية، وإعادة تركيا إلى دورها الوظيفي كجسر لحلف الناتو في الشرق الأوسط ودول وسط آسيا، وفق استراتيجية الولايات المتحدة. ففي محاولة لتوهين علاقة أردوغان بروسيا وإنذارها بعدم الرهان عليه وحثها على التخلي عنه، قال أشدُّ منافسي أردوغان، رئيس بلدية اسطنبول أكرم إمام أوغلو لصحيفة كوميرسانت الروسية: "أريد أن أذكر كلمات رئيس تركيا الحالي، الذي قال ذات مرة إن فقدان السلطة في اسطنبول يعني فقدان السلطة في البلاد. لقد أدركوا أنهم يفقدون سلطتهم ولم يتبق لديهم سوى القليل من الوقت. ولدينا ما يكفي من الصبر لانتظار رحيل هذه الحكومة"، متهمًا سياسة أردوغان الخارجية "بالمغامرات الدموية التي باتت تهدد أمن تركيا واستقرارها ومستقبلها بالكامل"، بالإضافة إلى هجوم المعارضة العلمانية والرئيس التركي السابق عبدالله غول، ورئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو، على أردوغان بشأن طرد سفراء كل من كندا وفرنسا وفنلندا والدنمارك وألمانيا وهولندا ونيوزيلندا والنرويج والسويد والولايات المتحدة. متهمين سلوكه بالطائش وأنه "سيخلق لتركيا كثيرًا من المشاكل في علاقاتها الدولية"، رابطين تردي الأوضاع الداخلية لتركيا بمواقف أردوغان في السياسة الخارجية، وهي إشارة واضحة على سياق المشاكل التي تعترض أردوغان داخليًا وخارجيًا، والغرض من ورائها .
وبالتالي فإن الولايات المتحدة تتبع سياسة العصا والجزرة مع أردوغان، بأدوات سياسية واقتصادية، إذ إنها تقف وراء المعارضة التركية، وتفكيك حزب العدالة والتنمية، ووراء المضاربات التي تضعف الليرة التركية وتُفزع أردوغان وتُؤثر على شعبيته، فيما تقدم له جزرة المنافع الاقتصادية مع دول الخليج لاحتوائه، وتسعى في نفس الوقت لدق الأسافين في العلاقة الروسية التركية، والعلاقات التركية الفرنسية والأوروبية، عبر ملفات شرق المتوسط، وسوريا وليبيا وأذربيجان وأوكرانيا. ورغم الخطوت الإيجابية المتبادلة بين أميركا وتركيا عبر التسهيلات الخليجية لأردوغان، إلا أن علاقة أردوغان مع أميركا ستبقى في حالة حذر شديد بسبب انعدام ثقته بها، بعد محاولة الانقلاب الفاشلة، وبسبب إسناد أميركا الواضح لخصومه في المعارضة التركية، وستبقى العلاقات التركية - الأميركية مشوبة بالفتور ومحكومة بتقاطع المصالح، بسبب استمرار الدعم الأميركي الكبير لقوت "قسد" والكُرد، وبسبب علاقات أردوغان بالرئيس بوتين. حيث يستفيد أردوغان من هذه الحالة في التوازن في علاقاته مع روسيا وأميركا.
وفي حين تستفيد روسيا في العلاقة مع أردوغان بتوسيع الفجوة بين دول الناتو، وإضعاف منصات الحلف الجيوسياسية في وسط آسيا وجنوب شرق روسيا، فإن الولايات المتحدة لا تزال تتعامل مع تركيا كذخر استراتيجي في مناطق النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط ودول وسط آسيا والمجال الحيوي الروسي، ما دامت لاعبًا مركزيًا ضمن قواعد اللعبة السياسية الأميركية في حدودها المشتركة مع تركيا، من دون أن يعني ذلك حذرها من تنامي قوة تركيا ودورها الإقليمي، والذي تعمل على تطويقه من كافة الاتجاهات من خلال تأزيم الموقف في البحر الأسود وفي شرق المتوسط لتعزيز تواجدها العسكري وقوة الردع كزيادة حشودها العسكرية في اليونان مؤخرًا. بينما تتعاطى أوروبا وفرنسا تحديدًا مع تركيا كتحدٍ سياسي، وتهديد أمني وديمغرافي من جهة، ومجال حيوي اقتصادي كبير للدول الأوروبية من جهة أخرى. ولذا سيستمر الشغل والعناية الأميركية لاحتواء سلوك أردوغان بالعصا والجزرة، والعمل على استعادة تركيا من حزب العدالة والتنمية، عن طريق المعارضة التركية، باعتبار أهمية تركيا الجيوستراتيجية في المشاريع الغربية.
4/جمادى الأولى/1443هـ
9/12/2021م