المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : متابعة سياسية تحريك الملف النووي الإيراني



Abu Taqi
01-12-2021, 04:29 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

متابعة سياسية
تحريك الملف النووي الإيراني
استؤنفت يوم الإثنين في فينا ظ¢ظ©/ظ،ظ،/ظ¢ظ*ظ¢ظ، جولة جديدة من محادثات الاتفاق النووي الإيراني في ظل وعود أميركية وأوروبية للكيان الغاصب برفضهم إمكانية حصول إيران على سلاح نووي، فيما صرح بينيت في مؤتمر أمني في تل أبيب أن بلاده ليست طرفًا في المفاوضات وبذلك فليست ملزمة به. بينما تعمدت إيران الإفصاح عن زيادة درجة تخصيب مخزونها وحوزتها على ظ£ظ* كغم من اليورانيوم المخصَّب لدرجة ظ¦ظ*ظھ وهو ما فُسّر بانه "قلص مرحلة الانطلاق"؛ أي المدة التي تحتاجها إيران لإنتاج يورانيوم مخصب لدرجة السلاح النووي وبكمية كافية "من ظ،ظ¢ شهرًا تحت الاتفاق النووي الى ظ،ظ، شهرًا الآن"، حسب تصريح لمنظمة الحد من التسلح.
والتحريك الدبلوماسي لهذه المفاوضات والتي توقفت لستة أشهر يهدف بحسب ما هو معلن إلى قياس استعداد إيران "للتفاوض بحسن نية"، فلقد صدرعن قيادتها الجديدة تصريحات متشددة بخصوص ضرورة رفع العقوبات التي وقعتها الإدارة الأميركية السابقة، والتي شلت الاقتصاد الإيراني وحظرت أي تعاملات تجارية ومالية مع إيران، إلا أنه وبرغم توجه إدارة بايدن لإبرام اتفاقية مع إيران تشجعها على تلبية المطالب الإسرائيلية واليمين الإنجيلي في الولايات المتحدة وتُكسب الحزب الديموقراطي إنجازًا لاستثماره في الانتخابات النصفية القادمة مع الجمهوريين في شهر تشرين ثاني/نوفمبر ظ¢ظ*ظ¢ظ¢ إلا أنها ترفض منح إيران "أية حوافز لقاء حضور المفاوضات" وترغب فقط برفع بعض العقوبات عنها، وهو ما تبين من فحوى رسائل التطمين التي أعطيت لشركائها الخمسة في المفاوضات، وإقدام عبيدها في الخليج على التصريح بضرورة العودة للاتفاق النووي، وذلك من خلال عدة لقاءات في "عملية دبلوماسية مكثفة"، حيث أكد روب مالي المبعوث الأميركي الخاص لإيران في تغريدة في ظ،ظ¨/ظ،ظ،/ظ¢ظ*ظ¢ظ، إن "أمام إيران خياران، إما الاستمرار في التصعيد النووي والأزمة، أو العودة لتنفيذ بنود الاتفاق النووي وتأسيس فرص لعلاقات دبلوماسية واقتصادية إقليمية"، حاثًّا القيادة الإيرانية على تلبية متطلبات الاتفاق بقوله: إن "فرصة الخيارات قصيرة". وهو ما تشير إليه تصريحات بريت ماكغورك، منسق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجلس الأمن الوطني من خلال مؤتمر المنامة للحوار، وتأكيده على توجه أميركا لـ"حلول أخرى" اذا ما لم تسفر المفاوضات عن وقف أعمال التخصيب، والتي حسب قوله "إذا استمرت ستجعل من أي اتفاق للعودة للاتفاقية السابقة أمرًا غير مجدٍ".
وفي رسالة تطمين للكيان الغاصب وداعميه في الداخل الأميركي، أضاف ماكغورك "عندما يتعلق الأمر بالقوة العسكرية لمنع أي بلد من الحصول على سلاح نووي، فهذا هدف قابل للتحقيق للغاية".
ومن تتبع تطورات الملف النووي الإيراني نجد أن الولايات المتحدة قد أبرمته مع إيران في ظل "الربيع العربي"، وفي سياق الضغط على ابن سلمان لتسريع عملية الانفتاح الليبرالي، والضغط كذلك على الأنظمة العربية وتهيئتها للانخراط في الحل الإقليمي الذي يستوجب تحويل بوصلة العداء من الكيان الغاصب إلى التهديد الإيراني للمنطقة، كما يستوجب احتواء نتنياهو المتحفز لضرب إيران لاعتبارات شخصية وحزبية آنذاك، مما دعا الرئيس الأميركي أوباما إلى التعهد لـ"إسرائيل" بأنه إذا استُنفذت كافة الخيارات فإن القيادة المركزية ستهاجم إيران، وحينها عرض وزير الدفاع الأميركي على وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك، فيديو لقنابل خارقة للتحصينات طُوّرت بشكلٍ خاص ضد إيران.
ومع شروع إدارة ترمب بـ"صفقة القرن" وكسر الحواجز أمام التطبيع والتحالف مع "إسرائيل" ألغت إدارة ترمب الاتفاقية النووية، وفعلت التهديد الإيراني للدول العربية عبر أذرعها في العراق واليمن ولبنان وسوريا، ودفعت الإمارات والمغرب والسودان والبحرين لإبرام اتفاقيات مباشرة مع الكيان الإسرائيلي، كما وصعدت مع إيران بالذخيرة الخطابية واغتيال قاسم سليماني، وضم "إسرائيل" إلى القيادة المركزية من أجل احتواء اليمين الإسرائيلي ونتنياهو المحكوم بهواجسه الانتخابية، وكذلك من أجل ترويع السعودية التي تعرضت إلى هجمات مكثفة من قبل الحوثيين.
ومع مجيء بايدن وطاقمه السياسي الذي أبرم الاتفاق النووي مع إيران، تواطأت الولايات المتحدة على فوز الجناح الإيراني المحافظ من أجل تدجين قواعده الحزبية والشعبية بالعقوبات وإرغامه على الإذعان للمشروع الأميركي في الشرق الأوسط برمته، والتقدم نحو اتفاق يلبي حاجة إيران في الخروج مع عزلتها ومعالجة اقتصادها المتردي، ويلبي رغبة الدول الغربية وحاجة بايدن والحزب الديموقراطي لإنجاز سياسي يرفع رصيدهم الانتخابي، ويُلجم طموح المحافظين الإيرانيين، ويُضعف قواعدهم الشعبية وأذرعهم في المنطقة. لا سيما وأن الاتفاق السابق قد جمّد المشروع النووي ولم يفككه بالكامل، وترك فراغًا يتطلب الملء في وقت لاحق نحو آلية الرقابة وعدم تدمير الأعتدة.
فالقضية والحالة هذه ليست بالمشروع النووي الإيراني ذاته، بل في الدور الإيراني في مشروع الشرق الأوسط وإعادة تموضعه على إيقاع السياسة الأميركية تجاه المنطقة بعد فكها وتركيبها بما يضمن الأمن القومي الأميركي، المتمثل بالنفط والقاعدة العسكرية المتقدمة في قلب العالم الإسلامي؛ وهي الكيان الغاصب.
وأما التفاصيل والتكتيكات والتوقيت فتمليها الوقائع على الأرض، ومعالجة التداعيات التي خلفها المشروع الأميركي للشرق الأوسط، ومن ذلك عدول الولايات المتحدة عن تقويض الأنظمة الحاكمة بعد كسرها للمحرمات، واستعدادها لفرض اندماج الكيان الإسرائيلي على شعوب المنطقة. وهو الأمر الذي أفصح عنه مبعوث مجلس الأمن القومي بريت ماكغورك في المنامة، بالقول إن أميركا تخلت عن سياسة "بناء الأمم" و"تغيير الأنظمة" التي ظهرت في الشرق الأوسط بعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001.
وعليه فإن جولة المحادثات الحالية ستؤول إما لانفراجة تتطلب رضوخًا من قبل إيران لمطالب وكالة الطاقة الذرية، ومنها إعادة المفتشين وتشغيل كاميرات المراقبة وحق زيارة معمل خراج النووي الذي يعد أهم مركز لتخصيب اليورانيوم في برنامج إيران النووي، أو تؤول إلى قرار من الوكالة يشجب السلوك الإيراني، كوسيلة لكسب مزيد من الوقت لإدارة بايدن من أجل استكمال هيكلة الأنظمة في اليمن ولبنان وسوريا، وتسريع عمليات التحول السياسي في السعودية وتكييف الرأي العام الإسرائيلي وحكومة بينيت مع متطلبات التسوية الإقليمية. وقد يُمهد التحريك السياسي الأخير الطريق لحل يضع القيادة الإيرانية المحافظة على طريق العودة إلى المربع الأول، والانطلاق نحو حل الأزمة بالتوازي مع تقدم الحلول في ملفات المنطقة، كما حصل في العراق التي قطع الكاظمي شوطًا كبيرًا في إعادة ضبط موازينها السياسية وتحجيم الدور الإيراني فيها، بالإضافة إلى سوريا التي يجري إعادة تأهيل نظامها على قدم وساق. وهذا ما يفسر قول البعثة الأميركية للمفاوضات بانه "لن يكون أمام المجلس أي خيار سوى الاجتماع مرة أخرى في جلسة استثنائية قبل نهاية هذا العام من أجل معالجة الأزمة".
على أن بوادر استجابة إيران قد بدت فيما نقله التلفزيون الإيراني على لسان علي باغري كبير المفاوضين الايرانيين وقوله "نطالب بضمانات أميركية بعدم إيقاع عقوبات جديدة أو إعادة تنفيذ العقوبات". وفي واقع الأمر فإن الإدارات الأميركية المتعاقبة قد حافظت على الاستراتيجية العامة في التعاطي مع الملف الإيراني رغم تبدل التكتيكات ومنها إلغاء الاتفاقية في زمن الرئيس ترمب، وذلك لتحقيق إعادة هيكلة أوسع لدول المنطقة من خلال وجود عدو يسمى إيران. وقد استفادت من العقوبات على إيران في الملف السوري والعراقي واليمني واللبناني، وكذلك تسخر البرنامج النووي الإيراني بعد غياب نتنياهو عن المشهد لتحفيز الكيان الغاصب ودول المنطقة نحو تسريع عملية الاندماج العسكري والدبلوماسي والاقتصادي. وبالتالي لن تعدم أميركا الوسيلة في إخراج الحل على صورة توقف البرنامج النووي الإيراني العسكري، والاستعاضة عنه ببرنامج مدني سلمي للطاقة، وربطه بمعطيات السياسة البيئية. ومن المحتمل أن يحصل ذلك في وقت قريب بسبب انشغال الإدارة الأميركية بالانتخابات النصفية، وبخاصة وأن الإدارة الأميركية تواجه انتقادات شديدة من الجمهوريين لإقدامها على خفض وتيرة عمليات الضغط على إيران مثل توجيه ضربات عسكرية وأمنية واستخباراتية وتشديد العقوبات المالية والتجارية لضرب مصالح النظام الإيراني.

26/ربيع الآخر/1443هـ
1/12/2021م