Abu Taqi
14-11-2021, 05:26 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
زيف "التطبيع والسلام" وأوهام وعود الحكام
بفعل رعاية حكومية لا تخلو من التواطؤ على إلحاق مصالح الشعب الحيوية وربط مصيره ببقاء الكيان المجرم والصلح معه، جفت ستة سدود من أصل ثمانية عشر سدًا في الأردن، وذلك في أسوأ ظروف جفاف تمر بها المنطقة، وفي الوقت الذي تُستنزف فيه موارد الأردن المائية، وتسرق حقوقه جهارًا نهارًا من كيان يهود، وتهدر ثرواته لصالح متنفذين يصرون على تجفيف إرادة الشعب وتجويعه وتركيعه لعدوه، حتى وصلنا إلى الحد الذي ارتهن فيه أمننا المائي بيد عدونا الذي بات يتحكم بالغاز أيضًا، فضلًا عن تسييسه لمبيعاته المائية في تعاطيه مع الأردن كما فعل قبل بضعة شهور عندما خفّض من كمية ضخ المياه إلينا، فيما لا تزال الأنظمة العربية النفطية الجبانة ترفض تسييس النفط واستخدامه كسلاحٍ لردع المعتدين على الأمة ودينها وقدسية نبيها.
لم يعد يخفى أن ما يجري هو ربط لمصالح البلاد الحيوية ومصيرها بكيان يهود، فبعد اتفاقية الغاز المسروق من فلسطين، والذي استولت عليه إسرائيل بالقوة والقهر، وتبيعه لنا بأسعار عالمية، لا تزال الحكومة الأردنية تدرس معالجة شح المياه الذي جرى التخطيط لإدامته بغرض بقاء البلاد معتمدة في مياهها على الكيان الغاصب، لتبرير المعاهدات الخيانية وتكميم أفواه الداعين إلى القطع معه واستئصاله.
فالواقع على الأرض يبرهن على أن سياسات الأنظمة العربية لم تبارح مربع التآمر على دمج كيان يهود في المنطقة من خلال العلاقات السرية القديمة مع الصهاينة، وعبر سلسلة من الحروب الوهمية والتأسيس لمرحلة "السلام والتطبيع والتحالف" وتصفية القضية، ومن ذلك إنشاء منظمة التحرير لتقزيم القضية وفصلها عن بعدها العقدي وظهيرها الإسلامي، وجهود السعودية والبحرين والإمارات في العقدين الماضيين لرعاية ما يسمى بـ "حوار الأديان"، وتغيير المناهج التعليمية ضمن استراتيجية لإعادة صياغة الثقافة وتزوير التاريخ، فضلًا عن مشاركة الإمارات والبحرين مؤخرًا في المناورات العسكرية المشتركة مع أميركا و"إسرائيل" في البحر الأحمر. وهذا علاوة على تمرير إملاءات صندوق النقد والبنك الدوليين وسياسة الخصخصة في الأردن التي أوصلت الدولة والشعب إلى حالة شديدة من الفقر والعوز استجابة لمقتضيات "السلام الاقتصادي" الذي يدمج كيان يهود في المنطقة عبر توسيع دائرة المصالح المشتركة والعلاقات العربية مع "إسرائيل" في كل الجوانب، لا سيما الجانب الاقتصادي، كسبيل لطي صفحة "الصراع" وتأمين بقاء الكيان الصهيوني قاعدة عسكرية استعمارية متقدمة لحماية الأنظمة العميلة والمصالح الغربية من خطر الشعوب؛ إذ إن تشابك المصالح التي تمس عيش الأفراد عبر اتفاقيات المياه والطاقة والأمن والسياحة والتجارة والزراعة والصناعة والنقل والثقافة والبحث العلمي هو الضمان الأكيد للتحالف والتعايش، وهو السد المنيع للجم الشعوب عن التفكير باقتلاع الورم الإسرائيلي.
ولذلك كان قد جرى التمهيد للتطبيع مسبقًا بكسر المحرمات والحواجز النفسية لأهل المنطقة من خلال المشاركات الإعلامية للصهاينة على شاشات القنوات العربية، والمشاركات الرياضية لليهود في الدول الخليجية، وصولًا إلى اتفاقيات "أبراهام" للتطبيع والتحالف التي أُبرمت مؤخرًا بين الكيان الغاصب والإمارات والبحرين والمغرب والسودان، والتي طالت كافة الجوانب والعلاقات لدمج "إسرائيل" في النسيج الجغرافي والثقافي والاقتصادي للمنطقة.
ولعل المجزرة الاقتصادية التي ارتكبتها الحكومات الأردنية المتعاقبة تمثل نموذجًا صارخًا في التآمر على قوت أهل الأردن من أجل تركيعهم لمخرجات الحلول الاستسلامية. والمجزرة المائية في التفريط بحقوق الأردن المائية والتي ارتكبتها الحكومات الأردنية المتعاقبة والتي تمثل نموذجًا صارخًا في التآمر على أهل الأردن، من أجل تركيعهم وربط مصالحهم قسريًّا بالكيان الغاصب.
فطبقا لما كشفت عنه ورقة "المتقاعدين العسكريين الاقتصادية" فقد أجرت الحكومة التعديلات التشريعية اللازمة والضرورية لفتح الطريق أمام الخصخصة والاستثمار الأجنبي، الذي جرد الدولة من موارد الموازنة مثل الاتصالات والفوسفات والبوتاس والمياه والكهرباء وغيرها، وأحال مصادر الموازنة إلى جيوب الناس ليزدادوا فقرًا وعَوزًا أردى بقيمهم ورفع معدلات الجريمة وأسهم في تفشي الفساد وهدر المال العام والرِّشوة والمحسوبية في دوائر الدولة، ومن أشهر قضايا الفساد هي قضية محطة الطاقة النووية التي أُهدرت فيها مئات الملايين من الدولارات بلا طائل، واتفاقية الغاز التي تربط أهم سلعة استراتيجية تمس حياة الناس بيد الكيان اليهودي الغاصب، واتفاقيات المياه، والتي وإن لم تعلن، لكن تنفيذها يشي بربط مصير الأردن المائي بالكيان الغاصب.
أما شركة توزيع الكهرباء (edco) فقد بيعت حصة الحكومة فيها كاملة بمبلغ (52 مليون) دينار لشركة دبي كابيتال مع أن ممتلكات هذه الشركة من مباني ومعدات تقدر بأكثر من مليار دينار. وعلى إثر بيعها ارتفعت فاتورة الكهرباء على الناس بشكل جنوني.
كما بيعت حصة الحكومة في شركة الفوسفات بمبلغ (88 مليون دينار) بينما حققت الشركة ربحًا مقداره (238 مليون دينار) خلال عام 2008 وحده. وبيعت أيضًا حصة الحكومة للمستثمر الكندي بمبلغ (126مليون دينار) بينما وصلت أرباحها عام 2008 إلى (311.4)!! أي أن أرباح الشركة لعام واحد قد قاربت ثلاثة أضعاف المبلغ الذي بيعت به.
ورغم أن الأردن يملك موارد اقتصادية مذهلة وقادرة على سد عجز الموازنة ورفع مستوى معيشة السكان إلا أن ثمة من يمنع استغلالها عن قصد، كتلك الموارد الطبيعية الموثقة رسميًّا والتي تساءلت حولها النائبة السابقة الدكتورة ديما طهبوب كخام الرمل البلوري في الأردن والمُقدّر ب 13 مليار طن، حيث أغلق المصنع الوحيد لإنتاج الزجاج في مدينة معان؛ لتقوم شركتان محليتان على إنتاج الرمل وتصديره إلى الكيان اليهودي بسعر بخس مقداره 3 دولارات للطن الواحد، في حين يوفر الطن الواحد بعد التصنيع عوائد قدرها 20 ألف دولار؟!
وأما الفوسفات المكتشف شمال شرق الأردن بحجم 200 مليون طن تقدر قيمتها بحوالي 30 مليار دولار، وذلك بحسب نقيب الجيولوجيين بهجت العدوان. أما النحاس في وادي عربة وضانا، وبحسب وزير الطاقة والثروة المعدنية السابق ابراهيم سيف، فتبلغ ثروته بمقدار 50 مليون طن، وفي وادي ضانا يوجد احتياطي منغنيز بمقدار 5 ملايين طن!
وأما احتياطي الصخر الزيتي فيبلغ مقداره 40 مليار طن، واحتياطي آخر يبلغ من 70-80 مليار طن، ويمتاز بجودة عالية وسهولة الاستخراج والتعدين تمامًا كسهولة استخراج وتعدين الرمل البلوري والفوسفات، ولكن الذي منع من استخراجه والاستثمار فيه هم الأميركان عبر سفارتهم في عمان، وبشهادة أحد النواب السابقين في مجلس النواب الأردني.
وهكذا قامت الحكومة الأردنية بذبح اقتصاد الأردن وإفقار الشعب وتركيعه وتهيئته لتقبل مخرجات الحلول الاستسلامية وتصفية قضية فلسطين.
ومن هنا لم تكن فكرة تحرير فلسطين على أجندة الحكام أبدًا، فقد خدعوا أهل المنطقة عقودًا طوالًا وبرروا استبدادهم وظلمهم وقهرهم ونهبهم لمقدرات البلاد والعباد بها، ولم يكتفوا بذلك بل سعوا إلى تصوير التحرير ضربًا من الخيال، بل صنفًا من "الإرهاب". صحيح أن بريطانيا المجرمة هي التي أقامت دولة "إسرائيل" واحتضنتها من بعدُ أميركا، لكن الذين ثبّتوا وجودها وحرسوا حدودها، وكرسوا جيوشهم وأجهزتهم الأمنية لحمايتها إنما هم هؤلاء الحكام الذين ورثوا الخيانة والذلة والمسكنة من المستعمرين، وجعلوا من الاستخذاء لهؤلاء القطعان الذين لم يسجل التاريخ لهم بطلًا، سياسة رسمية لهم، يعملون بصمت لجعلها سياسة شعبية ظنًا منهم أن الأمة التي أنجبت صلاح الدين ومحمد الفاتح وعز الدين القسام قد تبيع دينها وشرفها في سوق النخاسة والتطبيع الذي أقاموه على جماجم المسلمين وتضحياتهم التاريخية.
إن الأمة الإسلامية التي تؤمن بكتاب ربها الذي قال: {قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين}، وتتخذ منه نبراسًا في هذه الحياة، تعرف عدوها على حقيقته، ولا تغريها أوهام السلام المزعوم، ولا ترهبها تبعات رفض الاستسلام، وهي تدرك أيضًا أن معاهدات السلام التي أبرمتها دول المنطقة منذ نهاية السبعينات وحتى منتصف التسعينات، لم تحقق لهم وعود الرفاه الاقتصادي، الذي لا يرتفع على قيمة الدين وقدسية الجهاد وتحرير فلسطين، مهما زينته الأنظمة الخائنة في عيونهم، بل وتلاحظ الأمة أن تلك الاتفاقيات الخيانية لم تزدهم إلا فقرًا إلى فقرهم، وخوفًا إلى خوفهم، فعلاوة على ما خسرته الدول العربية المطبعة مع إسرائيل في الجانب السياسي، وبالإضعاف والتهميش والإذلال هاهي مصر شاهدة على هذا الدور الرخيص والهزيل سياسيًّا، والمتراجع إقليميًّا، والذي جعل دولة كإثيوبيا تفرض الأمر الواقع على مصر، تساندها في ذلك "إسرائيل" وخيانة الرئيس المصري في أكثر موضوع حيوي يتعلق بمصير مصر وأهلها، وهو ماء النيل، بل إن دمار زراعة القطن المصرية تقف خلفه "إسرائيل"، وهي أول الدول المطبعة وأقواها عسكريًّا وسياسيًّا، فماذا تنتظر الأنظمة الهشّة من مثل هذه العلاقات والتطبيع الذي لم يعصم أكثر الحكام خيانة وتآمرًا من غدر يهود ومن خلفهم الولايات المتحدة؟!
إن هذه الأنظمة الخائنة والمجرمة، لم تكتف بنسج علاقات دافئة، مع كيان يهود، بل وقدمت لهم تنازلات لم يحلموا بها ولم يتخيلوها في يوم من الأيام. وفوق ذلك رهن الحكام اقتصاد بلادهم وحاجات شعوبهم الأساسية من غاز وماء وكهرباء بكيان يهود حتى يصبح الفرد العربي المسلم أسيرًا لـ"إسرائيل" في أخطر حاجاته ومصالحه، وبالتالي تحقق إسرائيل ما تصبوا إليه من سيطرة على البلاد العربية رسميًّا وشعبيًّا.
إننا ندعو المسلمين أن يكونوا يقظين ورافضين لهذه الخيانات الفظيعة التي تُقدم عليها الأنظمة باسم "السلام والتطبيع"، وأن يدركوا أن لا سبيل لإنقاذ أنفسهم وبلادهم وثرواتهم إلا بتصحيح الأوضاع والعمل الجاد والمنتج لإزالة هذه الأنظمة وإقامة نظام الإسلام الذي يحفظ المسلمين ومقدراتهم من الخيانة والبيع في سوق "السلام والتطبيع".
9/ربيع الثاني/1443هـ حزب التحرير
14/11/2021م ولاية الأردن
زيف "التطبيع والسلام" وأوهام وعود الحكام
بفعل رعاية حكومية لا تخلو من التواطؤ على إلحاق مصالح الشعب الحيوية وربط مصيره ببقاء الكيان المجرم والصلح معه، جفت ستة سدود من أصل ثمانية عشر سدًا في الأردن، وذلك في أسوأ ظروف جفاف تمر بها المنطقة، وفي الوقت الذي تُستنزف فيه موارد الأردن المائية، وتسرق حقوقه جهارًا نهارًا من كيان يهود، وتهدر ثرواته لصالح متنفذين يصرون على تجفيف إرادة الشعب وتجويعه وتركيعه لعدوه، حتى وصلنا إلى الحد الذي ارتهن فيه أمننا المائي بيد عدونا الذي بات يتحكم بالغاز أيضًا، فضلًا عن تسييسه لمبيعاته المائية في تعاطيه مع الأردن كما فعل قبل بضعة شهور عندما خفّض من كمية ضخ المياه إلينا، فيما لا تزال الأنظمة العربية النفطية الجبانة ترفض تسييس النفط واستخدامه كسلاحٍ لردع المعتدين على الأمة ودينها وقدسية نبيها.
لم يعد يخفى أن ما يجري هو ربط لمصالح البلاد الحيوية ومصيرها بكيان يهود، فبعد اتفاقية الغاز المسروق من فلسطين، والذي استولت عليه إسرائيل بالقوة والقهر، وتبيعه لنا بأسعار عالمية، لا تزال الحكومة الأردنية تدرس معالجة شح المياه الذي جرى التخطيط لإدامته بغرض بقاء البلاد معتمدة في مياهها على الكيان الغاصب، لتبرير المعاهدات الخيانية وتكميم أفواه الداعين إلى القطع معه واستئصاله.
فالواقع على الأرض يبرهن على أن سياسات الأنظمة العربية لم تبارح مربع التآمر على دمج كيان يهود في المنطقة من خلال العلاقات السرية القديمة مع الصهاينة، وعبر سلسلة من الحروب الوهمية والتأسيس لمرحلة "السلام والتطبيع والتحالف" وتصفية القضية، ومن ذلك إنشاء منظمة التحرير لتقزيم القضية وفصلها عن بعدها العقدي وظهيرها الإسلامي، وجهود السعودية والبحرين والإمارات في العقدين الماضيين لرعاية ما يسمى بـ "حوار الأديان"، وتغيير المناهج التعليمية ضمن استراتيجية لإعادة صياغة الثقافة وتزوير التاريخ، فضلًا عن مشاركة الإمارات والبحرين مؤخرًا في المناورات العسكرية المشتركة مع أميركا و"إسرائيل" في البحر الأحمر. وهذا علاوة على تمرير إملاءات صندوق النقد والبنك الدوليين وسياسة الخصخصة في الأردن التي أوصلت الدولة والشعب إلى حالة شديدة من الفقر والعوز استجابة لمقتضيات "السلام الاقتصادي" الذي يدمج كيان يهود في المنطقة عبر توسيع دائرة المصالح المشتركة والعلاقات العربية مع "إسرائيل" في كل الجوانب، لا سيما الجانب الاقتصادي، كسبيل لطي صفحة "الصراع" وتأمين بقاء الكيان الصهيوني قاعدة عسكرية استعمارية متقدمة لحماية الأنظمة العميلة والمصالح الغربية من خطر الشعوب؛ إذ إن تشابك المصالح التي تمس عيش الأفراد عبر اتفاقيات المياه والطاقة والأمن والسياحة والتجارة والزراعة والصناعة والنقل والثقافة والبحث العلمي هو الضمان الأكيد للتحالف والتعايش، وهو السد المنيع للجم الشعوب عن التفكير باقتلاع الورم الإسرائيلي.
ولذلك كان قد جرى التمهيد للتطبيع مسبقًا بكسر المحرمات والحواجز النفسية لأهل المنطقة من خلال المشاركات الإعلامية للصهاينة على شاشات القنوات العربية، والمشاركات الرياضية لليهود في الدول الخليجية، وصولًا إلى اتفاقيات "أبراهام" للتطبيع والتحالف التي أُبرمت مؤخرًا بين الكيان الغاصب والإمارات والبحرين والمغرب والسودان، والتي طالت كافة الجوانب والعلاقات لدمج "إسرائيل" في النسيج الجغرافي والثقافي والاقتصادي للمنطقة.
ولعل المجزرة الاقتصادية التي ارتكبتها الحكومات الأردنية المتعاقبة تمثل نموذجًا صارخًا في التآمر على قوت أهل الأردن من أجل تركيعهم لمخرجات الحلول الاستسلامية. والمجزرة المائية في التفريط بحقوق الأردن المائية والتي ارتكبتها الحكومات الأردنية المتعاقبة والتي تمثل نموذجًا صارخًا في التآمر على أهل الأردن، من أجل تركيعهم وربط مصالحهم قسريًّا بالكيان الغاصب.
فطبقا لما كشفت عنه ورقة "المتقاعدين العسكريين الاقتصادية" فقد أجرت الحكومة التعديلات التشريعية اللازمة والضرورية لفتح الطريق أمام الخصخصة والاستثمار الأجنبي، الذي جرد الدولة من موارد الموازنة مثل الاتصالات والفوسفات والبوتاس والمياه والكهرباء وغيرها، وأحال مصادر الموازنة إلى جيوب الناس ليزدادوا فقرًا وعَوزًا أردى بقيمهم ورفع معدلات الجريمة وأسهم في تفشي الفساد وهدر المال العام والرِّشوة والمحسوبية في دوائر الدولة، ومن أشهر قضايا الفساد هي قضية محطة الطاقة النووية التي أُهدرت فيها مئات الملايين من الدولارات بلا طائل، واتفاقية الغاز التي تربط أهم سلعة استراتيجية تمس حياة الناس بيد الكيان اليهودي الغاصب، واتفاقيات المياه، والتي وإن لم تعلن، لكن تنفيذها يشي بربط مصير الأردن المائي بالكيان الغاصب.
أما شركة توزيع الكهرباء (edco) فقد بيعت حصة الحكومة فيها كاملة بمبلغ (52 مليون) دينار لشركة دبي كابيتال مع أن ممتلكات هذه الشركة من مباني ومعدات تقدر بأكثر من مليار دينار. وعلى إثر بيعها ارتفعت فاتورة الكهرباء على الناس بشكل جنوني.
كما بيعت حصة الحكومة في شركة الفوسفات بمبلغ (88 مليون دينار) بينما حققت الشركة ربحًا مقداره (238 مليون دينار) خلال عام 2008 وحده. وبيعت أيضًا حصة الحكومة للمستثمر الكندي بمبلغ (126مليون دينار) بينما وصلت أرباحها عام 2008 إلى (311.4)!! أي أن أرباح الشركة لعام واحد قد قاربت ثلاثة أضعاف المبلغ الذي بيعت به.
ورغم أن الأردن يملك موارد اقتصادية مذهلة وقادرة على سد عجز الموازنة ورفع مستوى معيشة السكان إلا أن ثمة من يمنع استغلالها عن قصد، كتلك الموارد الطبيعية الموثقة رسميًّا والتي تساءلت حولها النائبة السابقة الدكتورة ديما طهبوب كخام الرمل البلوري في الأردن والمُقدّر ب 13 مليار طن، حيث أغلق المصنع الوحيد لإنتاج الزجاج في مدينة معان؛ لتقوم شركتان محليتان على إنتاج الرمل وتصديره إلى الكيان اليهودي بسعر بخس مقداره 3 دولارات للطن الواحد، في حين يوفر الطن الواحد بعد التصنيع عوائد قدرها 20 ألف دولار؟!
وأما الفوسفات المكتشف شمال شرق الأردن بحجم 200 مليون طن تقدر قيمتها بحوالي 30 مليار دولار، وذلك بحسب نقيب الجيولوجيين بهجت العدوان. أما النحاس في وادي عربة وضانا، وبحسب وزير الطاقة والثروة المعدنية السابق ابراهيم سيف، فتبلغ ثروته بمقدار 50 مليون طن، وفي وادي ضانا يوجد احتياطي منغنيز بمقدار 5 ملايين طن!
وأما احتياطي الصخر الزيتي فيبلغ مقداره 40 مليار طن، واحتياطي آخر يبلغ من 70-80 مليار طن، ويمتاز بجودة عالية وسهولة الاستخراج والتعدين تمامًا كسهولة استخراج وتعدين الرمل البلوري والفوسفات، ولكن الذي منع من استخراجه والاستثمار فيه هم الأميركان عبر سفارتهم في عمان، وبشهادة أحد النواب السابقين في مجلس النواب الأردني.
وهكذا قامت الحكومة الأردنية بذبح اقتصاد الأردن وإفقار الشعب وتركيعه وتهيئته لتقبل مخرجات الحلول الاستسلامية وتصفية قضية فلسطين.
ومن هنا لم تكن فكرة تحرير فلسطين على أجندة الحكام أبدًا، فقد خدعوا أهل المنطقة عقودًا طوالًا وبرروا استبدادهم وظلمهم وقهرهم ونهبهم لمقدرات البلاد والعباد بها، ولم يكتفوا بذلك بل سعوا إلى تصوير التحرير ضربًا من الخيال، بل صنفًا من "الإرهاب". صحيح أن بريطانيا المجرمة هي التي أقامت دولة "إسرائيل" واحتضنتها من بعدُ أميركا، لكن الذين ثبّتوا وجودها وحرسوا حدودها، وكرسوا جيوشهم وأجهزتهم الأمنية لحمايتها إنما هم هؤلاء الحكام الذين ورثوا الخيانة والذلة والمسكنة من المستعمرين، وجعلوا من الاستخذاء لهؤلاء القطعان الذين لم يسجل التاريخ لهم بطلًا، سياسة رسمية لهم، يعملون بصمت لجعلها سياسة شعبية ظنًا منهم أن الأمة التي أنجبت صلاح الدين ومحمد الفاتح وعز الدين القسام قد تبيع دينها وشرفها في سوق النخاسة والتطبيع الذي أقاموه على جماجم المسلمين وتضحياتهم التاريخية.
إن الأمة الإسلامية التي تؤمن بكتاب ربها الذي قال: {قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين}، وتتخذ منه نبراسًا في هذه الحياة، تعرف عدوها على حقيقته، ولا تغريها أوهام السلام المزعوم، ولا ترهبها تبعات رفض الاستسلام، وهي تدرك أيضًا أن معاهدات السلام التي أبرمتها دول المنطقة منذ نهاية السبعينات وحتى منتصف التسعينات، لم تحقق لهم وعود الرفاه الاقتصادي، الذي لا يرتفع على قيمة الدين وقدسية الجهاد وتحرير فلسطين، مهما زينته الأنظمة الخائنة في عيونهم، بل وتلاحظ الأمة أن تلك الاتفاقيات الخيانية لم تزدهم إلا فقرًا إلى فقرهم، وخوفًا إلى خوفهم، فعلاوة على ما خسرته الدول العربية المطبعة مع إسرائيل في الجانب السياسي، وبالإضعاف والتهميش والإذلال هاهي مصر شاهدة على هذا الدور الرخيص والهزيل سياسيًّا، والمتراجع إقليميًّا، والذي جعل دولة كإثيوبيا تفرض الأمر الواقع على مصر، تساندها في ذلك "إسرائيل" وخيانة الرئيس المصري في أكثر موضوع حيوي يتعلق بمصير مصر وأهلها، وهو ماء النيل، بل إن دمار زراعة القطن المصرية تقف خلفه "إسرائيل"، وهي أول الدول المطبعة وأقواها عسكريًّا وسياسيًّا، فماذا تنتظر الأنظمة الهشّة من مثل هذه العلاقات والتطبيع الذي لم يعصم أكثر الحكام خيانة وتآمرًا من غدر يهود ومن خلفهم الولايات المتحدة؟!
إن هذه الأنظمة الخائنة والمجرمة، لم تكتف بنسج علاقات دافئة، مع كيان يهود، بل وقدمت لهم تنازلات لم يحلموا بها ولم يتخيلوها في يوم من الأيام. وفوق ذلك رهن الحكام اقتصاد بلادهم وحاجات شعوبهم الأساسية من غاز وماء وكهرباء بكيان يهود حتى يصبح الفرد العربي المسلم أسيرًا لـ"إسرائيل" في أخطر حاجاته ومصالحه، وبالتالي تحقق إسرائيل ما تصبوا إليه من سيطرة على البلاد العربية رسميًّا وشعبيًّا.
إننا ندعو المسلمين أن يكونوا يقظين ورافضين لهذه الخيانات الفظيعة التي تُقدم عليها الأنظمة باسم "السلام والتطبيع"، وأن يدركوا أن لا سبيل لإنقاذ أنفسهم وبلادهم وثرواتهم إلا بتصحيح الأوضاع والعمل الجاد والمنتج لإزالة هذه الأنظمة وإقامة نظام الإسلام الذي يحفظ المسلمين ومقدراتهم من الخيانة والبيع في سوق "السلام والتطبيع".
9/ربيع الثاني/1443هـ حزب التحرير
14/11/2021م ولاية الأردن