Abu Taqi
10-11-2021, 09:42 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
أزمة تونس.. تضييع البلاد بين التبعية لفرنسا واسترضاء أميركا
وموقف الإسلام من ذلك
لا تزال القرارات (الاستثنائية) في تونس معززة بالأوامر الرئاسية سارية منذ 25 تموز/يوليو إلى اليوم، ولا يزال رئيس الجمهورية قيس سعيد يماطل القوى الدولية التي تطالبه بسرعة إعادة مؤسسات الدولة، والعمل بدستور ٢٠١٤، وتنفيذ مطالب صندوق النقد الدولي، الذي يشترط عودة المؤسسات لإتمام أقساط المساعدات كي تتخطى البلاد أزمتها الاقتصادية، مما يوحي بإصرار هذه القوى على عودة البرلمان الذي يضفي الشرعية على القوانين ويُحصّن الاتفاقيات المبرمة. حيث أدت إجراءات الرئيس سعيد إلى شل البرلمان وتعليق الدستور، وتمديد الإجراءات (الاستثنائية) من دون سقف زمني، وأسندت الإشراف على كل مؤسسات الدولة التنفيذية والتشريعية والقضائية إلى مجلس الوزراء الذي يخضع لرئيس الجمهورية.
وبالرغم من تقاطر الوفود الدولية على تونس، والضغوط المتكررة والتصريحات المتنوعة داخليًّا من طرف الأحزاب والشخصيات السياسية والاتحاد العام التونسي للشغل، وخارجيًّا من طرف البرلمان الأوروبي والكونجرس الأميركي وبعض الدول لتوجيه الرئيس التونسي المرتبك في تنفيذ الإملاءات الخارجية واستحقاقات الداخل، غير أنه اتبع سياسة كسب الوقت لتحقيق عدة أهداف بحسب الرؤية المنسجمة أكثر مع المصالح الفرنسية من أجل ضمان بقائه في السلطة، والعمل على تطهير الدوائر القضائية والأمنية وغيرها من القيادات، واستبدال قيادات ومدراء موالين له من ذوي التوجهات الفرنكفونية بها.
فمن خلال رصد التفاعل الدولي مع المشهد التونسي بعد المرسوم الرئاسي 117 الصادر يوم 22 سبتمبر (أيلول) الماضي، والذي عزز كثيرًا من صلاحيات رئيس الجمهورية، يتضح أن ثمة ضغوط أميركية على الرئيس سعيد لكي يعدل عن مساره الذي انحرف بفعل اعتماده على فرنسا والقوى الفرنكفونية في الداخل، وبفعل نرجسيته ورغبته في الاستئثار بالسلطة، وبسبب قلة خبرته السياسية، ومحاولته الجلوس على كرسيين (الفرنسي والأميركي). وهو الأمر الذي أغضب أميركا وأثار حفيظة عملائها في الحزب الدستوري الحر الذي انقلب على إجراءات الرئيس بعد أن كان مؤيدًا لها، حيث أعلنت رئيسة الحزب أنها هي من هيأت الوضع لإجراءات رئيس الجمهورية، وذلك في إشارة منها ومن أميركا لتذكيره بتبعيته السياسية.
وقد ظهرت مؤشرات الغضب الأميركي على الرئيس سعيد من خلال زيارة ستيفن تاونسند، قائد القيادة العسكرية في إفريقيا (أفريكوم) للمنطقة حيث التقى الرئيس عبد المجيد تبون، ورئيس الحكومة الليبية عبد الحميد الدبيبة، بينما اقتصر لقاؤه في تونس مع أركان الجيش في المطار بحضور السفير الأميركي دونالد بلوم الذي قرر الرئيس بايدن نقله إلى الباكستان من دون أن يعين خلفًا له. كما ظهر التوتر في علاقة سعيد بأميركا من خلال الاحتجاج الذي قدمه للسفير دونالد بلوم بشأن التدخل الأميركي في الشأن التونسي الداخلي.
ونظرًا للضغوط الممارسة عليه، أعلن سعيد الخميس ٤ تشرين ثاني/نوفمبر إصداره قرارًا لوزير الاتصالات لتحضير استفتاء إليكتروني يشمل التنقيحات التي يعتزم إجراءها على الدستور الذي ما فتئ يردد أنه ملتزم به ولم يبطله، رغم إصداره قرارات تقوضه، وتحصر الصلاحيات بيده، وهو رهان فرنسا للحفاظ على مصالحها الاقتصادية والفرنكفونية في تونس. وهذا ما يفسر تعيين مسؤولين فرنكفونيين على رأسهم رئيسة الوزراء نجلاء بودن ذات الميول الثقافية الفرنكفونية شديدة العداء للإسلام، ويفسر أيضًا ملاحقة سعيد لنواب ائتلاف الكرامة الذي بنى حملته الانتخابية سنة ٢٠١٩ على ضرب المصالح الفرنسية.
ولا يخفى أن عدم اعتراض عملاء أميركا في الجيش التونسي على إجراءات الرئيس، وتوفير الغطاء الإقليمي له من طرف عملاء أميركا في مصر والإمارات، إنما هو لاحتوائه وكبح ميوله الفرنسية وتركه لتصفية خيار الإسلاميين وتحجيم دورهم، وإعادة ضبط القوى السياسية التي أثارت امتعاضًا شعبيًّا واسعًا بسبب ممارسات النواب في البرلمان قبل إعلان تجميده.
ومن خلال هذه الآلية تستفيد الولايات المتحدة من تنفيس احتقان الشعب وتُلجئ الرئيس على قطع تواصله المشبوه مع فرنسا، كما تُرغم الأحزاب على التكيف مع دورها الوظيفي الذي يحتم عليها ترسيخ النهج العلماني الليبرالي، وحمل الشعب على تقبل انقلاب موازين القوى، وإعادة الهيكلة والسير على أساسها.
وقد أسهمت هذه الإجراءات التي تمت بوسوسة فرنسية، وضوء أخضر أميركيٍّ في تشظي الحزب الأكبر والمحسوب على "الإسلام السياسي"؛ وهو حركة النهضة، التي استقال من قياداتها أكثر من مائة وثلاثين شخصية، وهو الأمر الذي من شأنه أن ينعكس على المشروع الإسلامي الكامن في القلوب والعقول، ويضعف نموه في المشهد السياسي والحياة العامة، ويُهمش دعاته لصالح الوسط السياسي العلماني العميل، ولصالح المشاريع الغربية الاستعمارية في بلاد المسلمين، وبخاصة وأن تونس قد مثلت الأنموذج والمثال لأهل المنطقة في "الربيع العربي".
ومن هنا يتوجب على أهلنا في تونس وبقية بلاد المسلمين اليقظة التامة على ما يحاك لهم في دوائر القرار الغربي، والحذر كل الحذر من الوسط السياسي الذي ملأ البلاد عفونة وخيانة، حتى لو تعلق شياطينه بأستار الكعبة.
ولا بد أن يحذر الأهل في تونس من الانحياز لأي طرف من أطراف النزاع الداخلي؛ لأنهم مجرد دمى تحركها القوى الاستعمارية، إذ لا يتنازعون إلا على خدمة مصالح المستعمر، ولا يتنافسون إلا على من يكون عبدًا في الحقل وعبدًا في المنزل، تمامًا كما كان يتنازع عبيد الحقول وعبيد المنازل على رضى السيد الأميركي.
ولذا لا يُرتجى منهم الخير والخلاص، ولا بد من إهالة التراب على كل ما يصدر عنهم، إذ لا يمكن تفصيل رداء مختلف من نفس القماشة، فملاذ أمتنا الوحيد هو الاستمساك بكتاب الله وهدي نبينا والعمل لاستئناف الحياة الإسلامية التي تطهر الوسط لسياسي وتلفظ من يحاول إفساده. فلا تغيير يرتجى سوى التغيير الحقيقي الذي يثمر في بناء دولة منيعة قوية تمثل عقيدتنا وشريعتنا التي تحظر الولاء للكافرين وتوجب الاعتصام بحبل الله المتين.
{ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار}
5/ربيع الثاني/1443هـ حزب التحرير
10/11/ 2021 اللجنة المسؤولة في تونس
أزمة تونس.. تضييع البلاد بين التبعية لفرنسا واسترضاء أميركا
وموقف الإسلام من ذلك
لا تزال القرارات (الاستثنائية) في تونس معززة بالأوامر الرئاسية سارية منذ 25 تموز/يوليو إلى اليوم، ولا يزال رئيس الجمهورية قيس سعيد يماطل القوى الدولية التي تطالبه بسرعة إعادة مؤسسات الدولة، والعمل بدستور ٢٠١٤، وتنفيذ مطالب صندوق النقد الدولي، الذي يشترط عودة المؤسسات لإتمام أقساط المساعدات كي تتخطى البلاد أزمتها الاقتصادية، مما يوحي بإصرار هذه القوى على عودة البرلمان الذي يضفي الشرعية على القوانين ويُحصّن الاتفاقيات المبرمة. حيث أدت إجراءات الرئيس سعيد إلى شل البرلمان وتعليق الدستور، وتمديد الإجراءات (الاستثنائية) من دون سقف زمني، وأسندت الإشراف على كل مؤسسات الدولة التنفيذية والتشريعية والقضائية إلى مجلس الوزراء الذي يخضع لرئيس الجمهورية.
وبالرغم من تقاطر الوفود الدولية على تونس، والضغوط المتكررة والتصريحات المتنوعة داخليًّا من طرف الأحزاب والشخصيات السياسية والاتحاد العام التونسي للشغل، وخارجيًّا من طرف البرلمان الأوروبي والكونجرس الأميركي وبعض الدول لتوجيه الرئيس التونسي المرتبك في تنفيذ الإملاءات الخارجية واستحقاقات الداخل، غير أنه اتبع سياسة كسب الوقت لتحقيق عدة أهداف بحسب الرؤية المنسجمة أكثر مع المصالح الفرنسية من أجل ضمان بقائه في السلطة، والعمل على تطهير الدوائر القضائية والأمنية وغيرها من القيادات، واستبدال قيادات ومدراء موالين له من ذوي التوجهات الفرنكفونية بها.
فمن خلال رصد التفاعل الدولي مع المشهد التونسي بعد المرسوم الرئاسي 117 الصادر يوم 22 سبتمبر (أيلول) الماضي، والذي عزز كثيرًا من صلاحيات رئيس الجمهورية، يتضح أن ثمة ضغوط أميركية على الرئيس سعيد لكي يعدل عن مساره الذي انحرف بفعل اعتماده على فرنسا والقوى الفرنكفونية في الداخل، وبفعل نرجسيته ورغبته في الاستئثار بالسلطة، وبسبب قلة خبرته السياسية، ومحاولته الجلوس على كرسيين (الفرنسي والأميركي). وهو الأمر الذي أغضب أميركا وأثار حفيظة عملائها في الحزب الدستوري الحر الذي انقلب على إجراءات الرئيس بعد أن كان مؤيدًا لها، حيث أعلنت رئيسة الحزب أنها هي من هيأت الوضع لإجراءات رئيس الجمهورية، وذلك في إشارة منها ومن أميركا لتذكيره بتبعيته السياسية.
وقد ظهرت مؤشرات الغضب الأميركي على الرئيس سعيد من خلال زيارة ستيفن تاونسند، قائد القيادة العسكرية في إفريقيا (أفريكوم) للمنطقة حيث التقى الرئيس عبد المجيد تبون، ورئيس الحكومة الليبية عبد الحميد الدبيبة، بينما اقتصر لقاؤه في تونس مع أركان الجيش في المطار بحضور السفير الأميركي دونالد بلوم الذي قرر الرئيس بايدن نقله إلى الباكستان من دون أن يعين خلفًا له. كما ظهر التوتر في علاقة سعيد بأميركا من خلال الاحتجاج الذي قدمه للسفير دونالد بلوم بشأن التدخل الأميركي في الشأن التونسي الداخلي.
ونظرًا للضغوط الممارسة عليه، أعلن سعيد الخميس ٤ تشرين ثاني/نوفمبر إصداره قرارًا لوزير الاتصالات لتحضير استفتاء إليكتروني يشمل التنقيحات التي يعتزم إجراءها على الدستور الذي ما فتئ يردد أنه ملتزم به ولم يبطله، رغم إصداره قرارات تقوضه، وتحصر الصلاحيات بيده، وهو رهان فرنسا للحفاظ على مصالحها الاقتصادية والفرنكفونية في تونس. وهذا ما يفسر تعيين مسؤولين فرنكفونيين على رأسهم رئيسة الوزراء نجلاء بودن ذات الميول الثقافية الفرنكفونية شديدة العداء للإسلام، ويفسر أيضًا ملاحقة سعيد لنواب ائتلاف الكرامة الذي بنى حملته الانتخابية سنة ٢٠١٩ على ضرب المصالح الفرنسية.
ولا يخفى أن عدم اعتراض عملاء أميركا في الجيش التونسي على إجراءات الرئيس، وتوفير الغطاء الإقليمي له من طرف عملاء أميركا في مصر والإمارات، إنما هو لاحتوائه وكبح ميوله الفرنسية وتركه لتصفية خيار الإسلاميين وتحجيم دورهم، وإعادة ضبط القوى السياسية التي أثارت امتعاضًا شعبيًّا واسعًا بسبب ممارسات النواب في البرلمان قبل إعلان تجميده.
ومن خلال هذه الآلية تستفيد الولايات المتحدة من تنفيس احتقان الشعب وتُلجئ الرئيس على قطع تواصله المشبوه مع فرنسا، كما تُرغم الأحزاب على التكيف مع دورها الوظيفي الذي يحتم عليها ترسيخ النهج العلماني الليبرالي، وحمل الشعب على تقبل انقلاب موازين القوى، وإعادة الهيكلة والسير على أساسها.
وقد أسهمت هذه الإجراءات التي تمت بوسوسة فرنسية، وضوء أخضر أميركيٍّ في تشظي الحزب الأكبر والمحسوب على "الإسلام السياسي"؛ وهو حركة النهضة، التي استقال من قياداتها أكثر من مائة وثلاثين شخصية، وهو الأمر الذي من شأنه أن ينعكس على المشروع الإسلامي الكامن في القلوب والعقول، ويضعف نموه في المشهد السياسي والحياة العامة، ويُهمش دعاته لصالح الوسط السياسي العلماني العميل، ولصالح المشاريع الغربية الاستعمارية في بلاد المسلمين، وبخاصة وأن تونس قد مثلت الأنموذج والمثال لأهل المنطقة في "الربيع العربي".
ومن هنا يتوجب على أهلنا في تونس وبقية بلاد المسلمين اليقظة التامة على ما يحاك لهم في دوائر القرار الغربي، والحذر كل الحذر من الوسط السياسي الذي ملأ البلاد عفونة وخيانة، حتى لو تعلق شياطينه بأستار الكعبة.
ولا بد أن يحذر الأهل في تونس من الانحياز لأي طرف من أطراف النزاع الداخلي؛ لأنهم مجرد دمى تحركها القوى الاستعمارية، إذ لا يتنازعون إلا على خدمة مصالح المستعمر، ولا يتنافسون إلا على من يكون عبدًا في الحقل وعبدًا في المنزل، تمامًا كما كان يتنازع عبيد الحقول وعبيد المنازل على رضى السيد الأميركي.
ولذا لا يُرتجى منهم الخير والخلاص، ولا بد من إهالة التراب على كل ما يصدر عنهم، إذ لا يمكن تفصيل رداء مختلف من نفس القماشة، فملاذ أمتنا الوحيد هو الاستمساك بكتاب الله وهدي نبينا والعمل لاستئناف الحياة الإسلامية التي تطهر الوسط لسياسي وتلفظ من يحاول إفساده. فلا تغيير يرتجى سوى التغيير الحقيقي الذي يثمر في بناء دولة منيعة قوية تمثل عقيدتنا وشريعتنا التي تحظر الولاء للكافرين وتوجب الاعتصام بحبل الله المتين.
{ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار}
5/ربيع الثاني/1443هـ حزب التحرير
10/11/ 2021 اللجنة المسؤولة في تونس