المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : متابعة سياسية المحاولة الانقلابية المزعومة في السودان



Abu Taqi
21-09-2021, 11:43 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

متابعة سياسية
المحاولة الانقلابية المزعومة في السودان
أعلنت وسائل إعلام رسمية سودانية صباح اليوم الثلاثاء 21/9/2021م عن "محاولة انقلابية فاشلة" شهدها السودان. وقال الناطق الرسمي باسم مجلس السيادة الانتقالي السوداني، محمد الفكي سليمان، في منشور له على موقع فيسبوك: "هبوا للدفاع عن بلادكم وحماية الانتقال". ولم يمض ساعة على منشوره حتى كتب "الأمور تحت السيطرة والثورة منتصرة"؛ لإيهام الناس بأن الانقلاب المزعوم موجه ضد إرادة الشعب.
وبعد اجتماع مشترك لقوى الحرية والتغيير المتآمرة مع مجلس الوزراء صرّح حمزة بلول وزير الإعلام السوداني أن "محاولة الانقلاب كانت تهدف إلى إعادة عقارب الساعة إلى الوراء... وقد تم القبض على الانقلابيين العسكريين والمدنيين وهم من الضباط الموالين للنظام البائد". في حين أعلن الجيش السوداني أنه "تمت السيطرة على محاولة انقلابية فاشلة".
ومن جانبه، قال رئيس الوزراء السوداني، عبد الله حمدوك: "ستصدر قرارات عاجلة حقيقية لتحصين الانتقال"، مشددًا على أنه "يجب تعزيز الشراكة الحالية". وأضاف أن "لجنة خاصة ستصدر قرارات سريعة لتفكيك نظام الثلاثين من يونيو". ويقصد بذلك تفكيك "دولة التمكين" التي ترمز إلى "النظام الإسلامي المنحل" في حكم البشير.
ومن خلال التدقيق في التصريحات الرسمية والأخبار التي تحتكر الحكومة مصدرها، ومن خلال تحليل الملابسات الهزلية نحو انتشار معلومات عن "انقلاب مرتقب" قبل وقوعه بأيام، والظروف المحيطة بالمحاولة الانقلابية المزعومة، وبخاصة الظروف التي شهدتها العاصمة وبعض مدن البلاد خلال الشهور الماضية من تظاهرات واحتجاجات على تدهور الأوضاع الاقتصادية، وارتفاع أسعار المحروقات والمواد الغذائية، ونهب المال العام وانعدام الأمن بالإضافة إلى التذمر في صفوف المؤسسة العسكرية، وضرورة معالجته وقائياً، وتطهير المؤسسات العسكرية والأمنية، وبعض القوى السياسية المناوئة للنظام، من خلال ذلك كله يتضح أن المحاولة الانقلابية المزعومة التي رغم علم الحكومة بها مسبقًا وعدم اتخاذها تدابير بمستواها وعدم التحرك لمنع انطلاقها الرخو، مجرد لعبة سياسية جرى التغرير ببعض المنخرطين بها وهندستها من قِبل المجلس الرئاسي بشقيه العسكري والسياسي، بهدف تمرير مخرجات المرحلة الانتقالية التي ستنتهي بعد شهرين أي في تشرين ثاني/نوفمبر من هذا العام، وهو الأمر الذي يؤكده تصريح محمد الفكي سليمان قبل يومين "إنّ المرحلة الانتقاليّة أصبحت مُهَدَّدةً من خِلال النّشاط المُتزايِد لفُلول الحزب المَحلول من داخِل وخارج الدّولة".
ولعل أخطر ما جرى الاتفاق عليه بين القوى السياسية والعسكرية ويُراد تثبيته هو فدرلة الدولة وإقامة النظام والمجتمع على العقيدة العلمانية رسمياً. فمنذ الإطاحة بنظام البشير والسودان يسير نحو التفكك الفدرالي والحكم اللامركزي الذي نص عليه الاتفاق بين الحكومة والحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة عبد العزيز الحلو، والذي يؤسس نصًّا ودستورًا لدولة علمانية فدرالية، ويدعو إلى دمج حركات التمرد و"توحيد" القوات المسلحة، بعد أن تواطأ مجلس السيادة السوداني على تحويل قطاعات الجيش إلى ميليشيات وترويع الشعب من خلال تحويل الخرطوم ودارفور إلى ثكنة عسكرية تعج بالحركات المسلحة التي فرضت نص (علمانية الدولة) في الدستور. وبالتالي فقد جرى إعادة هيكلة الدولة ونظامها بعد استهلاك المنظومة السياسية المنسوبة إلى الإسلام بقيادة عمر البشير تحت وطأة الانفلات الأمني والتردي الاقتصادي، وبعد تطهير الجيش والقوى الأمنية من الموالين للنظام السابق، وبعد تفريغ احتقان الشعب بانتفاضات موجهة، وانتصارات وهمية.
ولا شك أن هذه المحاولة الانقلابية المزعومة ستؤول إلى جني الحكومة جملة من الأهداف المتعلقة بصياغة النظام وهيكلته؛ نحو إنهاء "التشظي" داخل المؤسسة العسكرية، وهو الأمر الذي حذر منه سابقًا رئيس الحكومة عبدالله حمدوك بقوله: إن "التشظي العسكري وداخل المؤسسة العسكرية أمر مقلق جدًا"، ولفتت إليه مديرة الوكالة الاميركية للتنمية سمانثا باور والتي أعلنت خلال زيارة أجرتها إلى الخرطوم في آب/أغسطس الماضي أن "الولايات المتحدة تؤكد أن السودان يجب أن يكون لديه جيش واحد وتحت قيادة واحدة". وأضافت "سندعم جهود المدنيين لإصلاح المنظومة الأمنية ودمج قوات الدعم السريع والمجموعات المسلحة للمعارضين السابقين"، وكل ذلك من أجل توحيد الموقف حيال المخرجات التي آل إليها السودان بموجب الإملاءات الأميركية التي فُرضت عبر الوثيقة الدستورية، وعبر اتفاق إعلان المبادئ بين حكومة الفترة الانتقالية و"الحركة الشعبية شمال"، وهو الاتفاق الذي أشرف عليه عضو الكونجرس الأميركي الأسبق، والمدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، ديفيد بيزلي، وذلك للتأكيد على أن السودان دولة مدنية اتحادية تقوم على نظام حكم فدرالي.
ومن تلك الاهداف أيضًا توثيق الشراكة السياسية والعسكرية والأمنية وإظهار الجيش بأنه الضامن لأهداف "الثورة"، ولقطع الطريق على الاحتجاجات الشعبية وتيئيس الشعب وإقعاده عن التغيير، تمامًا كما يحصل في دول "الربيع العربي" وهو الأمر الأشد خطورة على أهل المنطقة.
وعليه فإن هذه المحاولة الانقلابية المزعومة في السودان، والدفع لإجراء الانتخابات في ليبيا قبل نهاية العام الحالي، واحتواء الحراك في الجزائر عبر الانتخابات الرئاسية المزورة، وغض النظر عن إرهاب النظام السوري والقبضة الحديدية للسيسي في مصر، وتمكين الحوثي في اليمن، يدل على أن أميركا تريد تثبيت ما تم إنجازه على صعيد صياغة الشرق الأوسط، وإنهاء خيار "الإسلاميين" في الحكم وتقليص أدوارهم، وتأمين عملائها الجدد، وحماية الهوية العلمانية للدولة وحكومة التطبيع والتحالف بقيادة عبدالله حمدوك والعسكر من أي تململ شعبي يعيق هيكلة النظام والعلاقة مع "إسرائيل".
ويؤيد ذلك توصيات معهد الشرق الأوسط لبحوث الإعلام الذي أوصى الإدارة الأميركية إلى الإسراع بدعم النظام السوداني تلافيًّا لخطر حراك شعبي، وتوصية المعهد أيضًا بتوجيه السعودية والإمارات لمساعدة نظام البرهان وحمدوك، باعتبار أن المحافظة عليه أولوية أميركية تستوجب وقف الاستقطاب للقادة السودانيين من قِبل القوى الإقليمية.
وهذا يقودنا إلى مزيد من التأكيد على أن مصير هذه الأمة مرهون بامتلاكها الوعي السياسي، والتسلح بالعقيدة والاستمساك بأحكام الله، والحذر من أعدائه ومكرهم وألاعيبهم المضللة، والالتفاف حول القيادات المخلصة، ونبذ كل دعوة لا تنادي باستئناف الحياة الإسلامية وإقامة الدولة على سيادة الشرع وبسلطان الأمة، وعدم التحرك إلا لتوجيه ضربة قاصمة لأنظمة الكفر والعملاء ونفوذ أسيادهم المستعمرين لبلاد المسلمين.
{وما النصر إلا من عند الله}
14/صفر/1443هـ
21/9/2021م