المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : متابعة سياسية خارطة طريق لليمن نحو التقسيم



Abu Taqi
27-08-2021, 02:32 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

متابعة سياسية
خارطة طريق لليمن نحو التقسيم

بتاريخ ٦ آب/أغسطس أعلنت الأمم المتحدة تعيينها الدبلوماسي السويدي هانز غروندبرغ مبعوثًا جديدًا لليمن، وتزامن ذلك مع تحول الموقف العسكري للحوثي في العديد من الجبهات من الدفاع إلى الهجوم، علمًا بأنه رفض ابتداءً تعيين غرودنبرغ ممثلًا أمميًّا، إلا أنه عاد وقبل التعيين بشرط أن يبدأ من حيث انتهى غريفيث. ومن الملاحظ أن تعيين الممثل الأممي قد جاء متزامنًا مع تسريبات حول "خارطة طريق" لليمن أثارت حفيظة بعض المسؤولين المحسوبين على "الشرعية" وبخاصة رئيس مجلس الشورى، أحمد عبيد بن دغر، والذي خرج محذّرًا من المساس بشرعية الرئيس هادي، حيث قال في تغريدة له إن "الشرعية ليست العقبة في تحقيق السلام". ويكون بذلك قد كشف عما يدور خلف الكواليس، من محاولة نقل صلاحيات الرئيس هادي إلى نائب متوافق عليه، أو تشكيل مجلس رئاسي تشارك فيه كافة الأطراف، بهدف "إيجاد أرضية مناسبة للحوار بين المكوِّنات السياسية اليمنية والحوثيين المدعومين من إيران". وهو ما أكده وزير الخارجية اليمني الأسبق د. أبو بكر القربي، الذي أشار إلى أن "المجتمع الدولي يبحث حل أزمة اليمن من خلال نقل السلطة إلى نائب رئيس توافقي جديد، أو بتشكيل مجلس رئاسي". وكشف عنه أيضًا رئيس مركز "جهود" للدراسات في اليمن عبد الستار الشميري في حديثه عن نقاش موسع يجري في سلطنة عمان حول مسودة اتفاق لإنهاء الحرب في اليمن، تتكون من واحد وعشرين بند، من إعداد الخارجية الأميركية والمبعوث الأممي الجديد لليمن.

إلا أن الحوثيين وهم يتمركزون منذ عدة أشهر على أسوار مدينة مأرب، المعقل الأخير لما يسمى ب"الشرعية" في شمال اليمن، لا مصلحة سياسية أو اقتصادية تُجبرهم على التخلي عن كل تلك المكاسب وتسليمها لمجلس رئاسي أو لنائب رئيس متوافَق عليه، دون أن يكون لهم اليد الطولى، والكلمة الأولى، فهم يدركون أن المواقف الغربية مبنية على سياسة "الأمر الواقع" طالما حققت مصالحهم. والمتتبع للأحداث في البلاد الإسلامية يدرك تواطؤ الأنظمة والحكام لحساب الكافر المستعمر المتمثل في الولايات المتحدة، بخصوص إطالة أمد حروب الوكالة التي تصرف المسلمين عن قضاياهم ولا تخدم سوى الغرب المتحكم بمخرجاتها .

والذي يبدو واضحًا أن المبعوث الرئاسي الأميركي ليندركينج قد اتخذ من المبادرة الخليجية ذات البنود الثمانية والتي سلمت له إبان زيارته الأولى للمنطقة في شهر شباط/فبراير ٢٠٢١ أساسًا للبناء عليه وإتمام تنفيذ المخطط الأميركي لتقسيم اليمن، تحت عنوان إنهاء الصراع عبر حل سياسي دائم، وتوفير الإغاثة الإنسانية للشعب اليمني. وهو النهج الذي يؤكده تصريح أحمد بن دغر، رئيس مجلس الشورى، والذي قال في تعليقه على مبادرة مجلس التعاون: "تبني مشروع الغالبية الساحقة من أبناء اليمن، واعني به مشروع الدولة الاتحادية…مع معالجة موضوعية للقضية الجنوبية".

والحقيقة أن تقسيم اليمن بصورة شكل من الحكم الكونفدرالي ليس جديدًا، إذ من المقترح اعتماد ٤ أقاليم يمنية ومنحها كامل الصلاحيات؛ أي ما يشبه الحكم الذاتي، على أن يكون الشمال إقليمين، واحدًا للحوثيين تمتد حدوده حتىّ محافظة إب جنوبي صنعاء، والثاني للقوى الممثلة لمعسكر "الشرعية" ويمتد على ما تبقى من أراضي الشمال على أن تكون الحديدة ضمنها. أما الجنوب فيتشكّل من إقليمين كاملي الصلاحيات، حتى تنظيم استفتاء على الوضع النهائي لجنوب اليمن بداية السنة الخامسة لتطبيق الاتفاق بإشراف أممي. ولكن الأهم فيما تم تسريبه هو الضمانات الدولية لأمن اليمن عبر نشر قوات سلام دولية في 17 منطقة يمنية من ضمنها الحديدة، لما له من أبعاد استعمارية بنسختها العسكرية وما يترتب عليها من تعطيل لأية مفاعيل وحدوية في المستقبل.

وتبرز ملامح هذه الخيانة العظمى في تأكيد وزير الخارجية أحمد عوض بن مبارك خلال لقائه في اتصال مرئي مع السفير الهولندي بيتر ديرك هوف على "حرص الحكومة على تحقيق السلام المستدام والوصول إلى تسوية سياسية وفقًا للمرجعيات الثلاث المتفق عليها وطنيًّا ودوليًّا".والمرجعيات المقصودة هي المبادرة الخليجية (٢٠١١) ونتائج مؤتمر الحوار الوطني (٢٠١١-٢٠١٣) وقرارات مجلس الأمن الدولي وبخاصة القرار رقم ٢٢١٦ الذي يلزم الحوثيين بترك المناطق الخاضعة لهم وتسليم السلاح.

وفي محاولة لربط القضية اليمنية بالأجندة الجيوسياسية لمنطقة باب المندب والقرن الإفريقي المشتعل والمتعلق بأمن الملاحة الدولية، قال عبدالله السعدي، ممثل "الشرعية" لدى الأمم المتحدة، في بيان لمجلس الأمن في مناقشته المفتوحة عن اليمن: "إن استخدام الحوثيين لمدينة الحديدة وموانئها لتجهيز وإطلاق الزوارق المفخخة المسيّرة وزراعة الألغام البحرية والقرصنة بات يمثل خطرًا على الأمن والسلم الإقليمي والدولي واستهداف غير مسبوق لخطوط الملاحة الدولية وحركة التجارة وأمن الطاقة العالمي في أحد أهم الممرات البحرية الدولية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب".
وأما ما يخص موقف إيران والحوثي، فقد قام الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي بإرسال رسالة لواشنطن والرياض، من خلال نشر وقائع مكالمته الهاتفية مع رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، بخصوص دعوته إياه للمشاركة في قمة دول الجوار العراقي، حيث قال رئيسي: "على الجميع أن يسعوا لوقف الحرب في اليمن واحترام حق الشعب اليمني في تقرير مصيره" مضيفًا إن "دول المنطقة قادرة على رسم خريطة الطريق نحو تحقيق الأمن والاستقرار والسلام الدائم، وتطبيقها، من خلال التعاون فيما بينها" مؤكدًا أن "قمة دول الجوار العراقي ستكون لها نتائج وطنية وإقليمية تُبرز قوة العراق ودوره الفاعل في المنطقة، وتعزيز قوة المنطقة، وقدرة دولها على حلّ قضاياها بنفسها". وهو ما يومئ إلى رغبة رئيسي في التكيُّف مع إدارة بايدن ومستجدات السياسة الأميركية والعودة بإيران إلى مربعها الوظيفي المساند للمشاريع الأميركية، وإقالة أميركا من أعباء الإشراف المباشر على المنطقة. ويندرج في ذلك مساعي إيران والسعودية لمعالجة خلافاتهما وحل الأزمة اليمنية والانتخابات العراقية من خلال جولات المفاوضات بين الجانب السعودي والإيراني في العاصمة العراقية.
وتبدو ملامح تجاوب الحوثي مع المستجدات من خلال تلميح حسين العزي، نائب وزير خارجية "حكومة الحوثي"، في تصريح للعربي الجديد بأن "صنعاء والرياض قد تتوصلان إلى اتفاق سلام وأمن وأمان وحسن جوار". مضيفًا في إشارة للشرعية "وإذا قررت العاصمتان ذلك فلن يكون المرتزقة حجر عثرة لأن مصالح الشعبين الشقيقين أولى من المصالح الضيقة لهذه العناصر".
ويجري ذلك كله في ظل تقارب وتفاهمات قطرية كويتية سعودية انعكست في لقاء ابن سلمان بوزير الخارجية القطري وتسلمه رسالة خطية من الشيخ تميم. وانعكست كذلك في "إعلان وكالة الانباء السعودية أن بن سلمان بعث برسالة خطية لأمير الكويت مشعل الأحمد". وذلك لاحتواء الاندفاع الإماراتي نحو التأزيم وحرق المراحل واستعجال فصل الجنوب، والذي بدا في تغريدة ضاحي خلفان وقوله: "هناك إجماع دولي على عودة دولة الجنوب وعاصمتها عدن". كما يجري ذلك في ظل التحركات التي تقوم بها أبوظبي للمِّ شمل حزب المؤتمر (وهو حزب علي عبدالله صالح) في محاولة منها لإيجاد توافق بين التيارات الحزبية التي نشأت داخل الحزب.
وهذه التحركات والزيارات بمجملها قد جاءت متزامنة مع تصريح المندوبة الأميركية الدائمة لدى الأمم المتحدة السفيرة ليندا توماس غرينفيلد في جلسة مجلس الأمن الدولي المنعقدة حاليًّا بمقر الأمم المتحدة في نيويورك حول تطورات الأزمة اليمنية، والتي حثت فيها جميع أطراف اتفاق الرياض على "مضاعفة الجهود الهادفة إلى إعادة الحكومة اليمنية إلى عدن واتخاذ خطوات لتحسين الأوضاع الاقتصادية".
18/محرم/1443هـ
27/8/2021م