المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : متابعة سياسية إيضاحات حول تسخير أميركا لـ"التنظيمات الإسلامية"



Abu Taqi
25-08-2021, 01:16 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

متابعة سياسية
إيضاحات حول تسخير أميركا لـ"التنظيمات الإسلامية"

أولًا: من لوازم الفهم السياسي بحث المسائل والأحداث في ظروفها وتجنب المنطق، وعدم التعميم، أو القياس إلا من قبيل التذكير والاستئناس والتوضيح والتحذير، حتى لا يُلدغ المسلم من الجحر مرتين. ذلك أن أميركا جاءت بالحركات "الإسلامية" إلى الحكم أو المشاركة فيه عند انطلاق "الربيع العربي" في ظرف كان له سياقه ومجاله الجيوسياسي، وهو مشروع الشرق الأوسط وتفكيكه وإعادة تركيبه، وهو الأمر الذي حتم توظيف الحركات الإسلامية لضبط حركة الشعوب وامتصاص غضبها وتفريغ احتقانها، باعتبارها الأكثر تأثيرًا في حشد الجماهير وتعبئتهم وتحريكهم وتوجيههم والسيطرة عليهم أثناء عملية التفكيك ذات المخاطر الجمة وأثناء إعادة إنتاج الأنظمة.
وفي هذا الصدد تقوم الولايات المتحدة باستخدام الحركات الإسلامية عن طريق الاختراق العامودي (القيادات)، أو الاختراق الأفقي (التكوين والإنشاء والاستقطاب) أو عن طريق الإخضاع والتسخير، وذلك كله من أجل احتواء الأطراف التي قد تشذ عن الطوق، واحتواء تداعيات المشروع السياسي والأزمات والنزاعات الدولية والمحلية والإقليمية، من خلال الاستثمار في جميع الأطراف واللعب على مختلف التناقضات.
كما أن السياسة الأميركية تقوم أولًا وقبل كل شيء على المصالح والبراغماتية، واستغلال الظروف وتحويل الأزمات إلى فرص. بالإضافة إلى أن صناعة القرار في أميركا وإن كان يملكه الجناح المتفوق في الدولة العميقة، إلا أن الخلافات داخل الدولة العميقة وداخل المعسكر الواحد حول الاستراتيجيات والأولويات والأساليب تظل قائمة لاعتبارات برامجية وداخلية وفلسفية. ومن ذلك ما صرَّح به أحد قادة طالبان الذي قال: إن الاتفاق قد تم مع أميركا منذ سنة 2018 لكن بعض القوى السياسية الأميركية دفعت نحو التأزيم والحرب.
ومن ذلك أيضًا ما حصل قبيل الربيع العربي بقليل في مجلس الشيوخ الأميركي، حين حاول السيناتور الجمهوري البارز جون ماكين أن يمرر قرارًا من المجلس لتأييد "الديمقراطية، وحقوق الإنسان، والحريات المدنية" في مصر، قبيل الانتخابات البرلمانية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2010، التي انتهت بانتصار حزب مبارك الحاكم بأغلبية ساحقة، واتُّهِمَ النظام بتزويرها، فقامت السيناتور الديمقراطية ديان فاينستاين رئيسة لجنة الاستخبارات بتعطيل القرار. وهو ما يدل على أن صناع القرار الأميركي ليسوا على قلب رجل واحد، وأن ثمة خلافات تؤثر على استراتيجيات وأولويات أميركا في سياساتها الداخلية والخارجية.
ومن العوامل المؤثرة أيضًا في الأحداث السياسية المحلية تناقض المصالح الفئوية والتنافس بين العملاء وتدابير الحكام ضد خصومهم، نحو قيام عبد الفتاح السيسي عقب تعيينه وزيرًا للدفاع التخلص من أغلب قيادات فريقه العسكري الذي شاركه المؤامرة على نظام مرسي، حيث قام بإبعاد الفريق محمود حجازي رئيس الأركان الذي يرتبط بعلاقة مصاهرة مع السيسي بعد عودته من أميركا حيث شارك في اجتماع القادة العسكريين للدول المشاركة في مكافحة "الإرهاب"، واللواء الكشكي المسؤول عن دعم حفتر، من موقعيهما، كما أشرف السيسي بنفسه على اعتقال اللواء فؤاد عبد الحليم وثيق الصلة بوزراء الدفاع والخارجية والسي آي إيه الأميركيين؛ وذلك تحوطًا لغدر الولايات المتحدة وتعميقًا لاعتمادها عليه.
ومن هذا المنطلق فإن السياسة الرأسمالية البراغماتية تجعل صديق الأمس عدو اليوم، وعدو الأمس صديق اليوم، ولا تقيم وزنًا للدين إلا بمقدار الإفادة منه.
فقد دعمت أميركا أذربيجان المسلمة ضد أرمينيا النصرانية، وانحازت لمسلمي كسوفو ضد الصرب، وما تزال تبرز معاناة الإيغور المسلمين في الصين لتأليب العالم الإسلامي على الصين، تمامًا كما فعلت بالحرب الأفغانية ضد الاتحاد السوفييتي، مما مكنها من صناعة كتلة قيادية في التنظيمات الإسلامية موالية لها مثل قلب الدين حكمتيار وبرهان الدين رباني، ومثل القيادي في طالبان عبد الغني باردار الذي أطلقت باكستان سراحه بطلب من المخابرات الأميركية بعد إلقاء القبض عليه في عملية استخبارية باكستانية أميركية مشتركة في العام ٢٠١٠، والذي أقلع من الدوحة مؤخرًا برفقة عدد من قادة الحركة إلى أفغانستان على متن طائرة عسكرية قطرية لا يسعها التحليق خارج قطر بصفتها العسكرية إلا بإذن الولايات المتحدة، والذي أفادت صحيفة الواشنطن بوست أنه التقى بمدير المخابرات الأميركية الأثنين 23 آب/أغسطس في كابل، ما قد يُمهد لاعتراف أميركي ويشجع الدول على الاعتراف بحكومة طالبان.
ولا بد من الإشارة مجددًا إلى أن تسليم الولايات المتحدة الحكم لطالبان يندرج في سياق حروب الوكالة والقيادة من الخلف، والارتكاز نحو الشرق، بربط وسط آسيا بجنوبها، كما يندرج في سياق المجال الجيوسياسي للصين ومنطقة وسط آسيا التي تمثل خاصرة روسيا الضعيفة.
ورغم ذلك فإن إعادة تأهيل طالبان التي نشأت في كنف المخابرات الباكستانية قد يكون له تداعيات على منطقة الشرق الأوسط ضمن مسلسل الاستنزاف السياسي للمنطقة وللمسلمين، وضمن توجيه الولايات المتحدة للأحقاد والتناقضات الأممية وتوجيهها والتحكم بها وإدارتها، وهو ما يُستشف من الحيطة والحذر الذي اتخذته كل من روسيا والصين على حدودهما، ويستشف كذلك من موقف الرئيس الفرنسي ماكرون، والذي دق ناقوس الخطر مما أسماه بـ"الإرهاب الإسلامي".
ثانيًا: لا بد من الإشارة إلى أن القول بأن أميركا قد هُزمت وأن طالبان قد انتصرت، هو عين ما تريد أميركا ترويجه وبيعه للمسلمين. ولا يقال بأنه ليس من مصلحة أميركا أن تبدو مهزومة وبالتالي فإن اعترافها بالهزيمة حقيقة. لا يقال ذلك؛ لأن أميركا قد حققت هدفها المعلن بطرد طالبان في أقل من أربعة أسابيع، عندما استولت على العاصمة كابل في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2001، والواقع على الأرض اليوم لا يفيد بهزيمة أميركا من قِبل طالبان، إذ إن الموقف لا يشير إلى عجز أميركا عن دحر طالبان، حيث قتلت في يوم واحد ما يزيد عن 200 مقاتل من طالبان أثناء عملية الاجتياح لتذكير الحركة بالعصا الغليظة وأن لا تتجاوز وظيفتها، وهو الأمر الذي لم تُنجزه طالبان في 7 سنوات على صعيد الخسائر البشرية في الجانب الأميركي، ففي الوقت الذي خسر المسلمون في أفغانستان مئات الآلاف من الأبرياء والمجاهدين، "لم تخسر أميركا منذ عام 2001 سوى 2443 جنديًّا ومتعاقدًا، معظمهم قُتل في السنوات الأولى"، و"بعد عام 2014 كان إجمالي قتلى الأميركان 92 فقط"، ولم تفقد الولايات المتحدة سوى "قتيل واحد في مواجهات السنوات الأربع الماضية"، وهذا بالتأكيد ليس هزيمة، فضلًا عن العوائد اللوجستية من تدريب وتطوير أسلحة وتقنيات قتالية حققتها أميركا في سنوات احتلالها لأفغانستان، بالإضافة إلى تعطيلها استثمارات صينية مهمة منذ سنة 2007، مثل منجم النحاس في آيناك.
فحينما نقول إن أميركا لم تُهزم أمام طالبان إنما نصف الواقع كما هو لا كما نشتهي له أن يكون. وهذا علاوة على تضافر المعلومات التي تفيد بأن حركة طالبان هي مشروع أميركي تم إعداده عن طريق المخابرات الباكستانية، حيث اعترف الأدميرال مايك مولين، أثناء شهادته أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ بأن طالبان كانت "ذراعًا افتراضيًا لوكالة الاستخبارات الباكستانية".
ثالثًا: إن انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان رغم دوافعه الداخلية كالانتخابات النصفية العام المقبل، ومحاولة تكيف طالبان مع الواقع والتصالح مع خصوم العقيدة في إطار حكومة تشاركية دون شروط مسبقة، وإقرار السلم الداخلي الذي يؤهل أفغانستان لدور وظيفي إقليمي بما تملكه من حساسية جيوسياسية وطرق وموارد يسيل لها لعاب الطامعين وجلبهم إلى الفخ، وسعي الحركة إلى التصالح مع النظام الدولي لانتزاع القبول منه، وهو ما عبر عنه سراج الدين حقاني لصحيفة نيويورك تايمز قبل عام بقوله: "لا يوجد اتفاق سلام عقب مفاوضات مكثفة دون تنازلات متبادلة" مضيفًا "لا يمكن أن تتحمل أفغانستان العيش في عزلة....أفغانستان الجديدة ستكون عضوًا مسؤولًا في المجتمع الدولي"، وهروب الدول ذات العلاقة إلى الأمام واستعدادها للاعتراف والتعامل مع طالبان لتجنب الطوفان، لا يخرج ذلك كله عن مسلسل الفخاخ التي تضعها الولايات المتحدة لمنافسيها، وللمسلمين من أجل تسخيرهم في مشاريعها الدولية، ذلك أن المسلمين متنكبون لمشروعهم الحضاري، ولا يزالون يستهلكون ما يُلقى إليهم من شراك، أو ينبت فيهم من أعشاب ضررها أكبر من نفعها في أحسن الأحوال؛ لأنها تدفع المسلمين نحو التيه والحيرة، وتقطع الطريق على مشروع نهضتهم الحقيقية، التي عمادها إقامة الحياة والدولة والمجتمع على مبدأ الإسلام بصورته الأصيلة، وحمل رسالته إلى العالم بالجهاد، وهو ما لا تملكه طالبان والقاعدة والتنظيمات الوسطية "الإسلامية" في المقام الأول، ولذلك لا يجوز المراهنة عليها أبدًا. ولا بد من السعي إلى البديل العقائدي الذي لا يقبل بغير خلافة على منهاج النبوة بديلًا.
قال صلى الله عليه وسلم : "لا يُلدغ المؤمن من جحر مرتين".
17/محرم/1443هـ
25/8/2021م