Abu Taqi
15-08-2021, 02:39 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
التعليق السياسي
تطورات الوضع في أفغانستان
بعد عقدين من الاحتلال العسكري الهمجي لأفغانستان، قررت الولايات المتحدة الانسحاب منها، ووقعت اتفاق الانسحاب بلا شروط مع حركة طالبان في الدوحة بتاريخ 29/2/2020، على أن يكتمل هذا الانسحاب بتاريخ 1/5/2021، غير أن إدارة بايدن أجلت هذا الانسحاب حتى تاريخ 11/9/2021 ليتزامن مع مرور عقدين على هجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر، والتي اتخذتها أميركا ذريعة لغزو أفغانستان واحتلالها.
وفي غضون ثلاثين يومًا منذ التاسع من شهر تموز/يوليو المنصرم، تمكنت حركة طالبان من السيطرة على أكبر ثلاث مدن خارج كابول، وهي هيرات المدينة الاستراتيجية التي تشرف على غرب البلاد، وعاصمة إقليم هيلمند مدينة لشكركاه، بالإضافة إلى مدينة قندهار ثاني أكبر مدينة ومعقل طالبان ومكان انطلاقها، التي أفادت الأنباء بسيطرة حركة طالبان عليها ليلة الجمعة ١٢ آب/أغسطس، وما سبق ذلك من سيطرة على مدينة غزنة بالقرب من العاصمة والمعابر الحدودية مع طاجيكستان وتركمانستان وإيران والسيطرة على مناطق حدودية مع الصين.
وهذه السرعة في انهيار الجبهات الحكومية أمام طالبان، واغتنامها لكميات كبيرة من العتاد الأميركي، يعيدنا بالذاكرة إلى انسحاب الجيش العراقي من الموصل وتركه مليارات الدولارات والعتاد الأميركي غنيمة لتنظيم الدولة!!
مما يجعل تقدم طالبان في مجمله يشكل خطة واضحة لتسليح الحركة، وإعطائها القدرة على سرعة الانتشار والتحرك لتطويق العاصمة من كافة الجهات، والتي تتوقع الاستخبارات الأميركية سقوطها خلال ٣٠-٩٠ يومًا على الأكثر.
ومن أجل زيادة التوتر والقلق الأمني في وسط آسيا والذي يعد من أهداف أميركا لمشاغلة الصين وروسيا، عبر إعادة إحياء التحدي الأمني للصين في جيب ولاية بدخشان الأفغانية، وإبقاء أفغانستان بؤرة توتر على حدودها، أعلنت أميركا إرسال٣٠٠٠ جندي، وتبعتها بريطانيا بإرسال ٦٠٠ جندي؛ لـ"توفير الأمن والحركة الآمنة لإخلاء الأفراد المدنيين من السفارة" حسب تصريح المتحدث الرسمي للخارجية الأميركية، علمًا أن الولايات المتحدة بدأت أعمال تخفيض عدد موظفيها في سفارة كابول منذ شهر نيسان/إبريل الماضي؛ أي بعد خطاب الرئيس بايدن بسحب القوات الأميركية نهائيًّا بنهاية شهر آب/أغسطس ٢٠٢١.
ومن الواضح أن هذه العملية وسرعتها وتهويلها، إنما هو لتوفير الغطاء لحكومة كابل للتنازل لطالبان أثناء المفاوضات الجارية في الدوحة، وتحقيق الغاية من إعادة زرع طالبان في الحكم؛ لتكون لغمًا في طريق الحرير الجديد، ومفرخة لتوليد ما يسميه الغرب بـ"الإرهاب" في خاصرة روسيا الجنوبية.
فقد غرد رئيس لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان البريطاني والجندي المتقاعد توم توجنهات أن "قرار الانسحاب مثل بساط يُسحب من تحت أقدام شركائنا". وذكرت صحيفة الواشنطن بوست في كلمة المحرر أن "قرار بايدن الانسحاب المتسرع، فضلًا عن رفضه تقديم المزيد من المساعدة ذات المغزى لحكومة أفغانستان، ينذر بكارثة".
وهذه الأعمال إنما تنبثق من الخطة الأميركية التي كشف بايدن بعض معالمها في خطابه للشعب الأميركي في شهر نيسان/إبريل المنصرم، حيث أعلن أن "الأفغان هم وحدهم من يملكون الحق والمسؤولية لقيادة بلدهم، وأن إضافة وأمد القوة العسكرية الأميركية لا يمكن أن تنشئ أو تحافظ على حكومة أفغانية دائمة"، مضيفًا أن "الخطر الإرهابي الذي لأجله توجهنا لأفغانستان قد انتهى...بينما المخاطر الجديدة متعددة ومتواجدة في مناطق مختلفة". مما يعني أن ثمة فخًا أميركيًّا في طور الإعداد للصين وروسيا، بالإضافة إلى إيران وطاجيكستان ودول وسط آسيا.
وهذا ما يؤكده نص البيان الإجماعي الصادر من أعضاء مجلس الأمن برفض "الاعتراف بأي قوة تسيطر على أفغانستان بقوة السلاح ولن يكون لها أية شرعية"، وكذلك دعوة المجلس لكل من الحكومة وطالبان إلى "الانخراط بشكل هادف في عملية سلام شاملة يملكها ويقودها الأفغان من أجل إحراز تقدم عاجل نحو تسوية سياسية ووقف لإطلاق النار". وهو عين ما قصده جوزيف بوريل الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية بقوله: "يجب على الحكومة الأفغانية التواصل مع طالبان للتوصل إلى تسوية شاملة"، مضيفًا "نشجع جمهورية أفغانستان الإسلامية على تسوية الخلافات السياسية، وزيادة التمثيل لجميع أصحاب المصلحة والمشاركة مع طالبان من منظور موحد". وذلك في تواطئ أوروبي واضح على أجندة أميركا نحو الصين وروسيا؛ أي فرض أميركا لواقع جديد تقيم فيه طالبان على حدود الصين وروسيًّا رسميًّا.
وهذا ما يُفسر تواطؤ أوروبا وأميركا وعملاؤها على تقدم طالبان وسيطرتها على ثلث عواصم الأقاليم الـ (٣٤) خلال أسبوع، وتمكنها من السيطرة على ثاني وثالث أكبر مدينتين على مسمع ومرأى من الجيش الأفغاني، حيث تمت السيطرة عليها عبر صفقات مع حكام المدن والأقاليم، مما يشير إلى أمر قد دبر بليل. فقد نجم عن عمليات طالبان إيجاد المناخ السياسي الملائم في كابول لقبول المشاركة السياسية مع طالبان والذي يُعد تغيرًا جذريًّا في سياسة الحكومة الأفغانية، التي طالما تظاهرت برفض التشارك مع الحركة بحجة "الإرهاب"، فيما قبلت مؤخرًا بمبدأ الانتخابات وتوسيع التمثيل السياسي في الحكومة. إذ أفاد بعض الدبلوماسيين لصحيفة الاندبندنت الإنجليزية قيام الحكومة الأفغانية بعرض اقتراح تأسيس "حكومة مشتركة" تم تقديمه للحكومة القطرية الراعية للمحادثات بين الطرفين المتنازعين.
وكما هو معلوم فإن الدول إنما تسعى إلى تحقيق مصالحها، فإما أن تبذل بقواها ما يحقق هذه المصالح، وإما أن تسخر غيرها لتحقيق هذه المصالح بالإنابة، ومن هذا التسخير أن يكون غيرها وقودًا لحروبها، وحطبًا لنارها، يفدي بنفسه وماله ومقدرات بلاده هذه الدولة أو تلك، ضاربًا عرض الحائط مصالح بلاده وأمته، وجاعلًا من شعبه وأمته مطية للدول القوية لتحقيق مصالحها.
ومن المؤسف أن ينساق المسلمون وراء الإعلام الموجَّه الذي صوّر الانسحاب الأميركي من أفغانستان والعراق نصرًا للمسلمين، وهو في حقيقته تغيير لشكل الاستعمار وأساليبه الخبيثة، من استعمار مباشر إلى استعمار بالوكالة، ومن احتلال عسكري مباشر، إلى احتلال عبر الوكلاء المتمثلين بعصابات الحكم وقادة الجيوش والأجهزة القمعية والمنظومة الفكرية وأجهزة الإعلام والقضاء.
وعليه فإننا نهيب بالمخلصين من أبناء حركة طالبان أن لا يُمكِّنوا قادتهم الذين وضعوا أيديهم بأيدي من ذبح أبناءهم واغتصب نساءهم وأعلن الحرب على دينهم؛ ونهيب بهم أن لا يجعلوا من أفغانستان مخلبًا أميركيًّا تشاغل به خصومها، وأن لا يُلدغوا من جحر الأميركان مرة أخرى، بعد أن جرى تسخيرهم من قبلُ لاستنزاف الاتحاد السوفييتي وتفكيك اتحاده وقوته، وبعد أن جعلوا من أفغانستان ميدانًا لتدريب لقواتهم ومعملًا لاختبار سلاحهم. وأن لا يركنوا لأميركا فإنها شر مستطير، ولا يأتي الخير من هذا الشر أبدًا تحت أي ذريعة كانت.
أيها المسلمون..
ليس قدر المسلمين أن يظلوا بيادق على رقعة الشطرنج الدوليَّة، وليس قدرهم أن يكونوا أدوات تستعملهم أميركا في تحقيق أهدافها، وليس قدرهم أن يظلوا مطايا للكفار، يحققون بهم أهدافهم، ويذبحونهم عندما تنتهي الحاجة إليهم، بل قدر المسلمين ومكانتهم التي تليق بهم أن يكونوا قادة للعالم، يخرجون شعوبه من الظلمات إلى النور، ويحملون مشاعل الهدى إلى أمم وشعوب الأرض كافة، فيحققوا أمر ربهم: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس} ويحققوا بشارة نبيهم الذي قال: "إنّ الله زوى لي الأرض فرأيتُ مشارقها ومغاربها، وسيبلغُ ملك أمّتي ما زُوي لي منها"، وإن تحقيق هذه البشارة لا يكون بالركون إلى الكفار، والسير في ركابهم، وتحقيق مصالحهم. بل يكون بالوعي على كونهم كفارًا، يسعون لإبعاد الإسلام عن الحياة والسياسة الدولية، وتسخير المسلمين في خدمة مصالحهم، والحيلولة دون انعتاقهم من ربقة استعمارهم.
أيها المسلمون..
إن النصر الحقيقي هو استئناف الحياة الإسلامية، وإقامة دولة الخلافة التي تطبق الإسلام في الداخل وتحمله رسالة للعالمين في الخارج، فهذا هو النصر الذي يستبشر به المسلمون، وتدمع أعينهم فرحًا لرؤيته، ولا يحول بينهم وبينه سوى الأنظمة الطاغوتية العميلة، فإن هم أزالوها بسواعدهم زالت، وزال معها الاستعمار ونفوذ الغرب الكافر وأفل نجمه الزائف إلى الأبد.
{والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون}
7/محرم/1443هـ حزب التحرير
15/8/2021م
التعليق السياسي
تطورات الوضع في أفغانستان
بعد عقدين من الاحتلال العسكري الهمجي لأفغانستان، قررت الولايات المتحدة الانسحاب منها، ووقعت اتفاق الانسحاب بلا شروط مع حركة طالبان في الدوحة بتاريخ 29/2/2020، على أن يكتمل هذا الانسحاب بتاريخ 1/5/2021، غير أن إدارة بايدن أجلت هذا الانسحاب حتى تاريخ 11/9/2021 ليتزامن مع مرور عقدين على هجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر، والتي اتخذتها أميركا ذريعة لغزو أفغانستان واحتلالها.
وفي غضون ثلاثين يومًا منذ التاسع من شهر تموز/يوليو المنصرم، تمكنت حركة طالبان من السيطرة على أكبر ثلاث مدن خارج كابول، وهي هيرات المدينة الاستراتيجية التي تشرف على غرب البلاد، وعاصمة إقليم هيلمند مدينة لشكركاه، بالإضافة إلى مدينة قندهار ثاني أكبر مدينة ومعقل طالبان ومكان انطلاقها، التي أفادت الأنباء بسيطرة حركة طالبان عليها ليلة الجمعة ١٢ آب/أغسطس، وما سبق ذلك من سيطرة على مدينة غزنة بالقرب من العاصمة والمعابر الحدودية مع طاجيكستان وتركمانستان وإيران والسيطرة على مناطق حدودية مع الصين.
وهذه السرعة في انهيار الجبهات الحكومية أمام طالبان، واغتنامها لكميات كبيرة من العتاد الأميركي، يعيدنا بالذاكرة إلى انسحاب الجيش العراقي من الموصل وتركه مليارات الدولارات والعتاد الأميركي غنيمة لتنظيم الدولة!!
مما يجعل تقدم طالبان في مجمله يشكل خطة واضحة لتسليح الحركة، وإعطائها القدرة على سرعة الانتشار والتحرك لتطويق العاصمة من كافة الجهات، والتي تتوقع الاستخبارات الأميركية سقوطها خلال ٣٠-٩٠ يومًا على الأكثر.
ومن أجل زيادة التوتر والقلق الأمني في وسط آسيا والذي يعد من أهداف أميركا لمشاغلة الصين وروسيا، عبر إعادة إحياء التحدي الأمني للصين في جيب ولاية بدخشان الأفغانية، وإبقاء أفغانستان بؤرة توتر على حدودها، أعلنت أميركا إرسال٣٠٠٠ جندي، وتبعتها بريطانيا بإرسال ٦٠٠ جندي؛ لـ"توفير الأمن والحركة الآمنة لإخلاء الأفراد المدنيين من السفارة" حسب تصريح المتحدث الرسمي للخارجية الأميركية، علمًا أن الولايات المتحدة بدأت أعمال تخفيض عدد موظفيها في سفارة كابول منذ شهر نيسان/إبريل الماضي؛ أي بعد خطاب الرئيس بايدن بسحب القوات الأميركية نهائيًّا بنهاية شهر آب/أغسطس ٢٠٢١.
ومن الواضح أن هذه العملية وسرعتها وتهويلها، إنما هو لتوفير الغطاء لحكومة كابل للتنازل لطالبان أثناء المفاوضات الجارية في الدوحة، وتحقيق الغاية من إعادة زرع طالبان في الحكم؛ لتكون لغمًا في طريق الحرير الجديد، ومفرخة لتوليد ما يسميه الغرب بـ"الإرهاب" في خاصرة روسيا الجنوبية.
فقد غرد رئيس لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان البريطاني والجندي المتقاعد توم توجنهات أن "قرار الانسحاب مثل بساط يُسحب من تحت أقدام شركائنا". وذكرت صحيفة الواشنطن بوست في كلمة المحرر أن "قرار بايدن الانسحاب المتسرع، فضلًا عن رفضه تقديم المزيد من المساعدة ذات المغزى لحكومة أفغانستان، ينذر بكارثة".
وهذه الأعمال إنما تنبثق من الخطة الأميركية التي كشف بايدن بعض معالمها في خطابه للشعب الأميركي في شهر نيسان/إبريل المنصرم، حيث أعلن أن "الأفغان هم وحدهم من يملكون الحق والمسؤولية لقيادة بلدهم، وأن إضافة وأمد القوة العسكرية الأميركية لا يمكن أن تنشئ أو تحافظ على حكومة أفغانية دائمة"، مضيفًا أن "الخطر الإرهابي الذي لأجله توجهنا لأفغانستان قد انتهى...بينما المخاطر الجديدة متعددة ومتواجدة في مناطق مختلفة". مما يعني أن ثمة فخًا أميركيًّا في طور الإعداد للصين وروسيا، بالإضافة إلى إيران وطاجيكستان ودول وسط آسيا.
وهذا ما يؤكده نص البيان الإجماعي الصادر من أعضاء مجلس الأمن برفض "الاعتراف بأي قوة تسيطر على أفغانستان بقوة السلاح ولن يكون لها أية شرعية"، وكذلك دعوة المجلس لكل من الحكومة وطالبان إلى "الانخراط بشكل هادف في عملية سلام شاملة يملكها ويقودها الأفغان من أجل إحراز تقدم عاجل نحو تسوية سياسية ووقف لإطلاق النار". وهو عين ما قصده جوزيف بوريل الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية بقوله: "يجب على الحكومة الأفغانية التواصل مع طالبان للتوصل إلى تسوية شاملة"، مضيفًا "نشجع جمهورية أفغانستان الإسلامية على تسوية الخلافات السياسية، وزيادة التمثيل لجميع أصحاب المصلحة والمشاركة مع طالبان من منظور موحد". وذلك في تواطئ أوروبي واضح على أجندة أميركا نحو الصين وروسيا؛ أي فرض أميركا لواقع جديد تقيم فيه طالبان على حدود الصين وروسيًّا رسميًّا.
وهذا ما يُفسر تواطؤ أوروبا وأميركا وعملاؤها على تقدم طالبان وسيطرتها على ثلث عواصم الأقاليم الـ (٣٤) خلال أسبوع، وتمكنها من السيطرة على ثاني وثالث أكبر مدينتين على مسمع ومرأى من الجيش الأفغاني، حيث تمت السيطرة عليها عبر صفقات مع حكام المدن والأقاليم، مما يشير إلى أمر قد دبر بليل. فقد نجم عن عمليات طالبان إيجاد المناخ السياسي الملائم في كابول لقبول المشاركة السياسية مع طالبان والذي يُعد تغيرًا جذريًّا في سياسة الحكومة الأفغانية، التي طالما تظاهرت برفض التشارك مع الحركة بحجة "الإرهاب"، فيما قبلت مؤخرًا بمبدأ الانتخابات وتوسيع التمثيل السياسي في الحكومة. إذ أفاد بعض الدبلوماسيين لصحيفة الاندبندنت الإنجليزية قيام الحكومة الأفغانية بعرض اقتراح تأسيس "حكومة مشتركة" تم تقديمه للحكومة القطرية الراعية للمحادثات بين الطرفين المتنازعين.
وكما هو معلوم فإن الدول إنما تسعى إلى تحقيق مصالحها، فإما أن تبذل بقواها ما يحقق هذه المصالح، وإما أن تسخر غيرها لتحقيق هذه المصالح بالإنابة، ومن هذا التسخير أن يكون غيرها وقودًا لحروبها، وحطبًا لنارها، يفدي بنفسه وماله ومقدرات بلاده هذه الدولة أو تلك، ضاربًا عرض الحائط مصالح بلاده وأمته، وجاعلًا من شعبه وأمته مطية للدول القوية لتحقيق مصالحها.
ومن المؤسف أن ينساق المسلمون وراء الإعلام الموجَّه الذي صوّر الانسحاب الأميركي من أفغانستان والعراق نصرًا للمسلمين، وهو في حقيقته تغيير لشكل الاستعمار وأساليبه الخبيثة، من استعمار مباشر إلى استعمار بالوكالة، ومن احتلال عسكري مباشر، إلى احتلال عبر الوكلاء المتمثلين بعصابات الحكم وقادة الجيوش والأجهزة القمعية والمنظومة الفكرية وأجهزة الإعلام والقضاء.
وعليه فإننا نهيب بالمخلصين من أبناء حركة طالبان أن لا يُمكِّنوا قادتهم الذين وضعوا أيديهم بأيدي من ذبح أبناءهم واغتصب نساءهم وأعلن الحرب على دينهم؛ ونهيب بهم أن لا يجعلوا من أفغانستان مخلبًا أميركيًّا تشاغل به خصومها، وأن لا يُلدغوا من جحر الأميركان مرة أخرى، بعد أن جرى تسخيرهم من قبلُ لاستنزاف الاتحاد السوفييتي وتفكيك اتحاده وقوته، وبعد أن جعلوا من أفغانستان ميدانًا لتدريب لقواتهم ومعملًا لاختبار سلاحهم. وأن لا يركنوا لأميركا فإنها شر مستطير، ولا يأتي الخير من هذا الشر أبدًا تحت أي ذريعة كانت.
أيها المسلمون..
ليس قدر المسلمين أن يظلوا بيادق على رقعة الشطرنج الدوليَّة، وليس قدرهم أن يكونوا أدوات تستعملهم أميركا في تحقيق أهدافها، وليس قدرهم أن يظلوا مطايا للكفار، يحققون بهم أهدافهم، ويذبحونهم عندما تنتهي الحاجة إليهم، بل قدر المسلمين ومكانتهم التي تليق بهم أن يكونوا قادة للعالم، يخرجون شعوبه من الظلمات إلى النور، ويحملون مشاعل الهدى إلى أمم وشعوب الأرض كافة، فيحققوا أمر ربهم: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس} ويحققوا بشارة نبيهم الذي قال: "إنّ الله زوى لي الأرض فرأيتُ مشارقها ومغاربها، وسيبلغُ ملك أمّتي ما زُوي لي منها"، وإن تحقيق هذه البشارة لا يكون بالركون إلى الكفار، والسير في ركابهم، وتحقيق مصالحهم. بل يكون بالوعي على كونهم كفارًا، يسعون لإبعاد الإسلام عن الحياة والسياسة الدولية، وتسخير المسلمين في خدمة مصالحهم، والحيلولة دون انعتاقهم من ربقة استعمارهم.
أيها المسلمون..
إن النصر الحقيقي هو استئناف الحياة الإسلامية، وإقامة دولة الخلافة التي تطبق الإسلام في الداخل وتحمله رسالة للعالمين في الخارج، فهذا هو النصر الذي يستبشر به المسلمون، وتدمع أعينهم فرحًا لرؤيته، ولا يحول بينهم وبينه سوى الأنظمة الطاغوتية العميلة، فإن هم أزالوها بسواعدهم زالت، وزال معها الاستعمار ونفوذ الغرب الكافر وأفل نجمه الزائف إلى الأبد.
{والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون}
7/محرم/1443هـ حزب التحرير
15/8/2021م