Abu Taqi
08-08-2021, 04:38 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
متابعة سياسية
إيضاحات بشأن انقلاب قيس سعيد
أولًا: إن التوجيهات الخارجية لقيس سعيد سواء من فرنسا أو أميركا لا تعني أن هناك صِدامًا بينهما، وأن الحسم سيكون لصالح واحدة على حساب الأخرى؛ لأن الموقف السياسي الدولي والإقليمي والمحلي في تونس محسوم للولايات المتحدة بما تملكه من نفوذ وأدوات ضغط وتأثير، ولكن اعتقال قيس سعيد، المريض بالنرجسية المفرطة، للمشهد السياسي المأزوم بسبب النزاع مع ضرائره، وإرباكه للمجتمع والحياة السياسية، بمعية حلفائه العلمانيين؛ أمثال عبير موسى، سيفضي إلى تسوية لا ينتفع منها سوى الغرب الكافر والوسط السياسي العميل، الذي سينتهز الفرصة لمسح أوساخه وإعادة إنتاج النظام وضبط مساره وقطع ذيول "الحالة الثورية" التي خلفها "الربيع العربي" مجتمعيًّا. وبخاصة وأن قيس سعيد قد تم اختياره من خارج الوسط السياسي، من أجل التخلص من خيار القوى الممثلة للتوجه الإسلامي الذين سُخروا في عملية تفكيك الأنظمة واحتواء حركة الشعب وتوجهاته.
وأما على الصعيد الدولي فمن غير المتوقع أن تؤتي مناورة فرنسا أكلها في اللعب على التناقضات السياسية، في تونس وليبيا والجزائر؛ لكسب تأييد الدول الأوروبية وقيادتها، ضمن تنافسها مع ألمانيا على قيادة أوروبا بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. ولا بد من الإشارة هنا أن إرخاء قيس سعيد أذنه لفرنسا التي وصف استعمارها لتونس بـ"الحماية" رغم وصوله إلى الحكم من بوابة أميركا، وأن فرنسا هي التي تقف وراء تحركه لإرباك المشهد السياسي، وأن أميركا لم تغب عن الحدث وتركته يمر؛ لكي تدير المشهد بما يرغم فرنسا وذيولها وأهل تونس على الرضوخ، كل ذلك تؤيده شواهد قوية من قبيل: أن الانقلاب قد جاء في سياق محاولات فرنسا إعاقة الأجندة الأميركية لأوروبا وحلف الناتو، والعلاقة الأوروبية الروسية، وتوافق أميركا وألمانيا، وحل الإشكالات المتعلقة بنورد ستريم 2، وفي سياق قطع أميركا الطريق على فرنسا في تحقيق مكاسب في ليبيا ومالي وتشاد والجزائر وتونس وشرق المتوسط من دون تأشيرة أميركية. أي أن الانقلاب لم يأتِ في ظل انسجام ووئام في العلاقة الفرنسية الأميركية، أو اتفاق كما هو في الشأن اللبناني. بل جاء في سياق تنافر وحرد فرنسي ظهر في محاولة فرنسا لعقد قمة فرنسية روسية ألمانية قبل شهر جرى إفشالها من قبل الولايات المتحدة من خلال رفض مجموعة بوخارست لعقدها، ومجموعة بوخارست هي مجموعة من الدول المناوئة لروسيا والمدينة لأميركا بالتخلص من التهديد والتدخل الروسي بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. ومن الشواهد على وقوف فرنسا وراء انقلاب قيس سعيد هو ما نشر في صحيفة ميدل إيست آي "أن سفراء كل من ألمانيا وإيطاليا والولايات المتحدة قد طلبوا من قيس سعيد إعادة البرلمان بأسرع ما يمكن". وأن الأميركيين قد "منعوا سعيّد من تنظيم مسيرة حاشدة لصالح الاستيلاء على السلطة. وأن السفراء الثلاثة قد نقلوا جميعًا رسائل دعم إلى راشد الغنوشي، رئيس البرلمان ورئيس حزب النهضة". وأن السناتور الأميركي جيم ريشي، وبوب مينينديز العضو البارز ورئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، بالإضافة إلى قادة حزبيين آخرين قد أبدوا قلقهم من الوضع في تونس وقالوا: "يجب على الرئيس سعيّد إعادة الالتزام بالمبادئ الديمقراطية التي تقوم عليها العلاقات الأميركية التونسية ويجب على الجيش مراقبة دوره في ديمقراطية دستورية".
ومن الشواهد أيضاً إغلاق فيسبوك لأحد أكبر المجموعات الداعمة للانقلاب والذي بلغ عدد متابعيه مليون شخص بحجة التحريض على الكراهية، وإعلان صندوق النقد الدولي رفضه مواصلة المفاوضات حول القروض التونسية إلا مع "حكومة شرعية". وبالتالي فإن استثمار فرنسا في فزاعة خطر "الهجرة والإرهاب"، وتوتر دول جنوب وشرق المتوسط، سيجري استغلاله من قبل الولايات المتحدة لتأكيد مهمة حلف الناتو وتبرير بقائه، وفي هذا السياق تمضي الولايات المتحدة قدمًا في جمع الفرقاء الليبيين عبر المسار السياسي والانتخابات المزمع فرضها نهاية العام، وإخراج القوات الروسية والتركية من ليبيا، بينما تلوح من خلال عقيلة صالح وخليفة حفتر بالعودة إلى مربع الصراع المسلح والانقسام لإرغام مناطق الغرب الليبي وأهل ليبيا عمومًا على قبول مخرجات الحلول السياسية، وبخاصة الفصائل المسلحة، التي يُراد دمجها في أجهزة الدولة واحتواؤها.
ثانيا: إن الرقم الصعب في معادلة التغيير لا يكمن في رفض ما هو قائم فقط، وإنما يكمن في امتلاك البديل الحضاري الذي يُعبر عن مبدأ الشعب (عقيدته ونظامه) ويُجسد إرادته واختياره لقيادته، ويكمن أيضًا في الإصرار على فرض البديل بعقائدية صارمة تليق بالتضحيات المبذولة. ذلك أن الظلم والفساد والاستبداد وسوء الإدارة يقع تحت الحس المباشر للشعب، ومن السهل رصده ورفضه وإسقاطه، ولكن فرض البديل هو ما يحتاج إلى رؤية عقدية سياسية عميقة وإرادة صلبة. إن إدراك الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة لهذا الواقع جعل استراتيجيتها منذ بدء "الربيع العربي" تقوم على التغيير الشكلي لحماية جوهر الحكم في البلاد العربية، بحيث تبقى الشعوب في حالة تيه وانقسام دائم، فكلما استُهلك عميل جاؤوا بغيره عن طريق الشعب، أو عن طريق الجيش بغطاء شعبي صوري؛ لتفريغ إرادة الشعب في التغيير الشكلي، وتفكيكها والسيطرة على الأمة، وتيئيسها من التحرر والتغيير والنهوض. فقيس سعيد ونبيل القروي قد تلقيا دعمًا من مؤسسات المجتمع المدني والنقابات والجمعيات الخيرية التي لها ارتباط بالخارج. ولا يجوز أن يراهن الشعب المسلم على منظومة سياسية فاسدة، أو يتوقع نفاذ إرادته عندما تتوافق إرادته في التغيير مع الإرادة الخارجية وتصبح الدوائر الانتخابية الداخلية والخارجية دائرة واحدة؛ لأن الرئيس حتى لو كان نظيف اليد سيصبح مخدرًا للشعب، وزينة للنظام الفاسد والوسط العميل، وخادمًا لمنظومة الفساد والدول الأجنبية الناهبة بتفويض شعبي. فعلى المسلمين أن ينتبهوا إلى أن الطريق إلى الجحيم مرصوف بالنوايا الحسنة، والذئاب المتقمصة لشخصية حملان وديعة. وعليهم أن يدركوا أن الدول الاستعمارية وعلى رأسها الولايات المتحدة مهيمنة على الأوساط السياسية ومؤسسات المجتمع المدني ومراكز صنع القرار في بلاد المسلمين، وأن أي تغيير على غير الإسلام لن يجلب سوى خيبات الأمل وتراكم اليأس والقنوط من فكرة التغيير، والتأقلم مع الواقع ومع الظلم والظلاميين وحراس المصالح الغربية. كما سيفضي إلى إعادة تعريف الحكم واختزاله بالخدمات البلدية وجمع النفايات بدل رعاية شؤون الشعب داخليًّا وخارجيًّا، ويؤول كذلك إلى تغيير الأشخاص عوضًا عن تغيير النظام وتطهير الوسط السياسي والمؤسسات العسكرية والأمنية والقضائية والإعلامية، ووضع عقيدة الشعب موضع التطبيق في كل مجالات الحياة.
ثالثًا: إن العلمانية الجزئية "اللطيفة" ليست مرحلة انتقالية تفصل بين العلمانية الاستئصالية الشرسة وبين الإسلام، وإنما هي الحل النهائي الذي يُراد تثبيته على جناح التدرج وفن الممكن والضرورات والمصالح ومقاصد الشريعة ودرء المفاسد وأهون الشرين وكفر دون كفر! وهو ما يقود إلى التآلف مع المنظومة العالمانية باعتبارها وعاءً للإصلاح والتغيير، ولا يؤول إلى استعادة الشريعة ومرجعيتها في الحياة والدولة والمجتمع. إن 90% من الذين صوتوا لقيس سعيد ومن الذين انتفضوا مؤخرًا في العراق والسودان والجزائر هم أولئك الذين دخلوا مرحلة الشباب من بوابة التمرد على الواقع والأنظمة والحكام، ولا بد من صقلهم بالإسلام وتوجيه اندفاعهم للتغيير. وهذا السيل الهادر من الشباب المسلم الذي انتفض للتغيير رغم جهله بدينه يمثل أكبر تحد للغرب المستعمر في هذا القرن. ولهذا يكثف الغرب قصفه للمنطقة بالعملاء والجواسيس والمخربين والضباع والحملان الوديعة الخادعة أيضًا. ويُجندون مهربي الأفكار الفاسدة ويمطرون عقول الشباب بالمفاهيم العالمانية والإلحادية والأفكار المنحرفة عن الدين لصرفهم عن التغيير والتحرر والنهوض.
إلا أن هذا السيل الشبابي الهادر كمثل أول الغيث رغم ما شابهُ من زبد ومؤامرات، فإن الماء حين ينزل لا يُتوقع منه الصعود بل ينحدر للأسفل ويجري بين الصخور والأودية الوعرة ومعه الزبد ثم يستقر ويترسب ويُنبت الأشجار التي تعلو وتعطي أطيب الثمر، قال تعالى: {أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدًا رابيًا} {فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض}. نعم لقد أوقد الكفار نارًا في بلاد المسلمين {ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله} لكنها النار التي ستفصل المعادن النفيسة في هذه الأمة عن الزبد والشوائب وتكشف عن الجوهر والكتلة القوية الصلبة التي يُنتفع بها بإذن الله.
وعليه فلا بد من إحياء العمل لاستئناف الحياة الإسلامية، وبيان الحق، وتصحيح المفاهيم، وتجفيف منابع الفكر العلماني الذي تقوم عليه الأنظمة ويستمد منه الحكام الطغاة وأعوانهم الدعم الخارجي، {كذلك يضرب الله الحق والباطل}.
29/ذي الحجة/1442هـ
8/8/2021م
متابعة سياسية
إيضاحات بشأن انقلاب قيس سعيد
أولًا: إن التوجيهات الخارجية لقيس سعيد سواء من فرنسا أو أميركا لا تعني أن هناك صِدامًا بينهما، وأن الحسم سيكون لصالح واحدة على حساب الأخرى؛ لأن الموقف السياسي الدولي والإقليمي والمحلي في تونس محسوم للولايات المتحدة بما تملكه من نفوذ وأدوات ضغط وتأثير، ولكن اعتقال قيس سعيد، المريض بالنرجسية المفرطة، للمشهد السياسي المأزوم بسبب النزاع مع ضرائره، وإرباكه للمجتمع والحياة السياسية، بمعية حلفائه العلمانيين؛ أمثال عبير موسى، سيفضي إلى تسوية لا ينتفع منها سوى الغرب الكافر والوسط السياسي العميل، الذي سينتهز الفرصة لمسح أوساخه وإعادة إنتاج النظام وضبط مساره وقطع ذيول "الحالة الثورية" التي خلفها "الربيع العربي" مجتمعيًّا. وبخاصة وأن قيس سعيد قد تم اختياره من خارج الوسط السياسي، من أجل التخلص من خيار القوى الممثلة للتوجه الإسلامي الذين سُخروا في عملية تفكيك الأنظمة واحتواء حركة الشعب وتوجهاته.
وأما على الصعيد الدولي فمن غير المتوقع أن تؤتي مناورة فرنسا أكلها في اللعب على التناقضات السياسية، في تونس وليبيا والجزائر؛ لكسب تأييد الدول الأوروبية وقيادتها، ضمن تنافسها مع ألمانيا على قيادة أوروبا بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. ولا بد من الإشارة هنا أن إرخاء قيس سعيد أذنه لفرنسا التي وصف استعمارها لتونس بـ"الحماية" رغم وصوله إلى الحكم من بوابة أميركا، وأن فرنسا هي التي تقف وراء تحركه لإرباك المشهد السياسي، وأن أميركا لم تغب عن الحدث وتركته يمر؛ لكي تدير المشهد بما يرغم فرنسا وذيولها وأهل تونس على الرضوخ، كل ذلك تؤيده شواهد قوية من قبيل: أن الانقلاب قد جاء في سياق محاولات فرنسا إعاقة الأجندة الأميركية لأوروبا وحلف الناتو، والعلاقة الأوروبية الروسية، وتوافق أميركا وألمانيا، وحل الإشكالات المتعلقة بنورد ستريم 2، وفي سياق قطع أميركا الطريق على فرنسا في تحقيق مكاسب في ليبيا ومالي وتشاد والجزائر وتونس وشرق المتوسط من دون تأشيرة أميركية. أي أن الانقلاب لم يأتِ في ظل انسجام ووئام في العلاقة الفرنسية الأميركية، أو اتفاق كما هو في الشأن اللبناني. بل جاء في سياق تنافر وحرد فرنسي ظهر في محاولة فرنسا لعقد قمة فرنسية روسية ألمانية قبل شهر جرى إفشالها من قبل الولايات المتحدة من خلال رفض مجموعة بوخارست لعقدها، ومجموعة بوخارست هي مجموعة من الدول المناوئة لروسيا والمدينة لأميركا بالتخلص من التهديد والتدخل الروسي بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. ومن الشواهد على وقوف فرنسا وراء انقلاب قيس سعيد هو ما نشر في صحيفة ميدل إيست آي "أن سفراء كل من ألمانيا وإيطاليا والولايات المتحدة قد طلبوا من قيس سعيد إعادة البرلمان بأسرع ما يمكن". وأن الأميركيين قد "منعوا سعيّد من تنظيم مسيرة حاشدة لصالح الاستيلاء على السلطة. وأن السفراء الثلاثة قد نقلوا جميعًا رسائل دعم إلى راشد الغنوشي، رئيس البرلمان ورئيس حزب النهضة". وأن السناتور الأميركي جيم ريشي، وبوب مينينديز العضو البارز ورئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، بالإضافة إلى قادة حزبيين آخرين قد أبدوا قلقهم من الوضع في تونس وقالوا: "يجب على الرئيس سعيّد إعادة الالتزام بالمبادئ الديمقراطية التي تقوم عليها العلاقات الأميركية التونسية ويجب على الجيش مراقبة دوره في ديمقراطية دستورية".
ومن الشواهد أيضاً إغلاق فيسبوك لأحد أكبر المجموعات الداعمة للانقلاب والذي بلغ عدد متابعيه مليون شخص بحجة التحريض على الكراهية، وإعلان صندوق النقد الدولي رفضه مواصلة المفاوضات حول القروض التونسية إلا مع "حكومة شرعية". وبالتالي فإن استثمار فرنسا في فزاعة خطر "الهجرة والإرهاب"، وتوتر دول جنوب وشرق المتوسط، سيجري استغلاله من قبل الولايات المتحدة لتأكيد مهمة حلف الناتو وتبرير بقائه، وفي هذا السياق تمضي الولايات المتحدة قدمًا في جمع الفرقاء الليبيين عبر المسار السياسي والانتخابات المزمع فرضها نهاية العام، وإخراج القوات الروسية والتركية من ليبيا، بينما تلوح من خلال عقيلة صالح وخليفة حفتر بالعودة إلى مربع الصراع المسلح والانقسام لإرغام مناطق الغرب الليبي وأهل ليبيا عمومًا على قبول مخرجات الحلول السياسية، وبخاصة الفصائل المسلحة، التي يُراد دمجها في أجهزة الدولة واحتواؤها.
ثانيا: إن الرقم الصعب في معادلة التغيير لا يكمن في رفض ما هو قائم فقط، وإنما يكمن في امتلاك البديل الحضاري الذي يُعبر عن مبدأ الشعب (عقيدته ونظامه) ويُجسد إرادته واختياره لقيادته، ويكمن أيضًا في الإصرار على فرض البديل بعقائدية صارمة تليق بالتضحيات المبذولة. ذلك أن الظلم والفساد والاستبداد وسوء الإدارة يقع تحت الحس المباشر للشعب، ومن السهل رصده ورفضه وإسقاطه، ولكن فرض البديل هو ما يحتاج إلى رؤية عقدية سياسية عميقة وإرادة صلبة. إن إدراك الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة لهذا الواقع جعل استراتيجيتها منذ بدء "الربيع العربي" تقوم على التغيير الشكلي لحماية جوهر الحكم في البلاد العربية، بحيث تبقى الشعوب في حالة تيه وانقسام دائم، فكلما استُهلك عميل جاؤوا بغيره عن طريق الشعب، أو عن طريق الجيش بغطاء شعبي صوري؛ لتفريغ إرادة الشعب في التغيير الشكلي، وتفكيكها والسيطرة على الأمة، وتيئيسها من التحرر والتغيير والنهوض. فقيس سعيد ونبيل القروي قد تلقيا دعمًا من مؤسسات المجتمع المدني والنقابات والجمعيات الخيرية التي لها ارتباط بالخارج. ولا يجوز أن يراهن الشعب المسلم على منظومة سياسية فاسدة، أو يتوقع نفاذ إرادته عندما تتوافق إرادته في التغيير مع الإرادة الخارجية وتصبح الدوائر الانتخابية الداخلية والخارجية دائرة واحدة؛ لأن الرئيس حتى لو كان نظيف اليد سيصبح مخدرًا للشعب، وزينة للنظام الفاسد والوسط العميل، وخادمًا لمنظومة الفساد والدول الأجنبية الناهبة بتفويض شعبي. فعلى المسلمين أن ينتبهوا إلى أن الطريق إلى الجحيم مرصوف بالنوايا الحسنة، والذئاب المتقمصة لشخصية حملان وديعة. وعليهم أن يدركوا أن الدول الاستعمارية وعلى رأسها الولايات المتحدة مهيمنة على الأوساط السياسية ومؤسسات المجتمع المدني ومراكز صنع القرار في بلاد المسلمين، وأن أي تغيير على غير الإسلام لن يجلب سوى خيبات الأمل وتراكم اليأس والقنوط من فكرة التغيير، والتأقلم مع الواقع ومع الظلم والظلاميين وحراس المصالح الغربية. كما سيفضي إلى إعادة تعريف الحكم واختزاله بالخدمات البلدية وجمع النفايات بدل رعاية شؤون الشعب داخليًّا وخارجيًّا، ويؤول كذلك إلى تغيير الأشخاص عوضًا عن تغيير النظام وتطهير الوسط السياسي والمؤسسات العسكرية والأمنية والقضائية والإعلامية، ووضع عقيدة الشعب موضع التطبيق في كل مجالات الحياة.
ثالثًا: إن العلمانية الجزئية "اللطيفة" ليست مرحلة انتقالية تفصل بين العلمانية الاستئصالية الشرسة وبين الإسلام، وإنما هي الحل النهائي الذي يُراد تثبيته على جناح التدرج وفن الممكن والضرورات والمصالح ومقاصد الشريعة ودرء المفاسد وأهون الشرين وكفر دون كفر! وهو ما يقود إلى التآلف مع المنظومة العالمانية باعتبارها وعاءً للإصلاح والتغيير، ولا يؤول إلى استعادة الشريعة ومرجعيتها في الحياة والدولة والمجتمع. إن 90% من الذين صوتوا لقيس سعيد ومن الذين انتفضوا مؤخرًا في العراق والسودان والجزائر هم أولئك الذين دخلوا مرحلة الشباب من بوابة التمرد على الواقع والأنظمة والحكام، ولا بد من صقلهم بالإسلام وتوجيه اندفاعهم للتغيير. وهذا السيل الهادر من الشباب المسلم الذي انتفض للتغيير رغم جهله بدينه يمثل أكبر تحد للغرب المستعمر في هذا القرن. ولهذا يكثف الغرب قصفه للمنطقة بالعملاء والجواسيس والمخربين والضباع والحملان الوديعة الخادعة أيضًا. ويُجندون مهربي الأفكار الفاسدة ويمطرون عقول الشباب بالمفاهيم العالمانية والإلحادية والأفكار المنحرفة عن الدين لصرفهم عن التغيير والتحرر والنهوض.
إلا أن هذا السيل الشبابي الهادر كمثل أول الغيث رغم ما شابهُ من زبد ومؤامرات، فإن الماء حين ينزل لا يُتوقع منه الصعود بل ينحدر للأسفل ويجري بين الصخور والأودية الوعرة ومعه الزبد ثم يستقر ويترسب ويُنبت الأشجار التي تعلو وتعطي أطيب الثمر، قال تعالى: {أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدًا رابيًا} {فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض}. نعم لقد أوقد الكفار نارًا في بلاد المسلمين {ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله} لكنها النار التي ستفصل المعادن النفيسة في هذه الأمة عن الزبد والشوائب وتكشف عن الجوهر والكتلة القوية الصلبة التي يُنتفع بها بإذن الله.
وعليه فلا بد من إحياء العمل لاستئناف الحياة الإسلامية، وبيان الحق، وتصحيح المفاهيم، وتجفيف منابع الفكر العلماني الذي تقوم عليه الأنظمة ويستمد منه الحكام الطغاة وأعوانهم الدعم الخارجي، {كذلك يضرب الله الحق والباطل}.
29/ذي الحجة/1442هـ
8/8/2021م