المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التعليق السياسي قال تعالى {ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار



Abu Taqi
01-08-2021, 11:39 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

التعليق السياسي
قال تعالى {ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار}
إن الانقلاب الذي قام به قيس سعيد لم يكن مستغربًا، إلا ممن غامت رؤيتهم وركنوا إلى الذين ظلموا! وظنوا أنهم مؤتمنين على مصير الأمة، أو حتى نزيهين عند الخصومة، وبرغم أن الله تعالى حذرنا من الركون إلى الذين ظلموا، وحذرنا من الثقة بهم، وائتمان جانبهم ورغم أن التاريخ البعيد والقريب قد أثبت مكرهم وغدرهم كلما اقتضت مصالحهم، ما يزال أبناء الأمة ومن يَدَّعونَ تمثيلها يُلدغون من جحر أعدائهم مرارًا وتكرارًا، وكأن الغفلة سمتهم والرضوخ إلى الظلمة وأحكام الكفر قدرهم.
لقد أحسن بعض المسلمين الظن بالشريف حسين الذي بدوره أحسن الظن بالإنجليز، فتآمر معهم على الدولة العثمانية، ولما وصل الإنجليز إلى غايتهم، انقلبوا على الشريف، وأودعوه السجن. وكذا فعل المسلمون عندما ظنوا أن الجيوش العربية ستأتي لتحرير فلسطين، فما كان منها إلا أن سلمت فلسطين ليهود على طبق من ذهب.
وظل مسلسل الركون إلى الظلمة مستمرًا، فظن بعض المسلمين في مصر أن في مساندتهم ثورة الضباط الأحرار خيرًا للمسلمين، وما أن تمكن الضباط من الحكم، وأمسكوا بمفاصله حتى انقلبوا على من ساندهم، وأودعوهم السجون. نعم، كان من الطبيعي أن يكون هذا مصير من لا يجعل الشرع أساسًا في تصرفه ومواقفه.
فعندما صُنعت منظمة التحرير، ظن رهطٌ من أهل فلسطين أن هذه المنظمة ستحرر فلسطين، وستلقي بيهود في البحر، فتسابقوا على إسنادها بالمال والرجال، وجعلوها ممثلًا شرعيًّا للفلسطينيين، إلى أن تنازلت هذه المنظمة عن فلسطين ليهود، وصارت حارسًا لكيانه وعرّابا للاعتراف به والتطبيع معه!
وفي السنين الأخيرة تجلَّى الركونُ إلى الظلمة في حوادث مفصلية، شبيهة بتلك التي حصلت منذ عقود، فعندما ساندت أميركا ما يسمى بثورات الربيع العربي، ظن كثيرٌ من المسلمين، أن أميركا تخلت عن الحكام العملاء، وأنها تعمل فعلًا على تحرير المسلمين ممن ظلمهم واستعبدهم، فثار الناس في وجه حكامهم، وقبل هؤلاء الثائرون أن يأخذوا المال والسلاح لمواجهة جبروت هؤلاء الحكام وجيوشهم وأجهزة البطش المسخرة لحمايتهم، من أجهزة مخابرات تابعة لأنظمة عميلة أخرى في المنطقة، ورهنوا قراراتهم لها، فلما تخلت عنهم انكشف ظهرهم، وتُرِكوا لقمة سائغة تبتلعُهم الأنظمة التي ثاروا عليها.
وفي بعض البلاد ظنَّ بعض العاملين أن الفرصة مواتية لركوب هذه الثورات والوصول إلى سدة الحكم؛ لتطبيق الشريعة بالتدريج، ومرة أخرى أحسن هؤلاء الظن ببقايا هذه الأنظمة ونواتها الصلبة، ووثقوا بهم ووقعوا في فخاخهم حين مكنوهم من الحكم مع احتفاظهم بالقوى الحقيقية؛ وشاغبوا عليهم حتى أظهروهم فشلة لا ينفعون للحكم، ثم انقلبوا عليهم وأودعوهم السجون بعد أن أضعفوا ثقة الأمة بهم، وبمنهج الإسلام الذي رفعوا شعاره في الحكم!
واليوم يتكرر المشهد نفسه في تونس، وبصورة أشد انحرافًا، وهي التواطؤ على عودة العلمانيين الاستئصاليين إلى الحكم، رغم قدرتهم على امتلاك ناصيته والإمساك بلجامه دون منافس، فتوافقوا معهم ودعموهم، وعندما تمكن هؤلاء، انقلبوا على كل شيء، وأعادوا مشهد مصر مرة أخرى، وفي كل مرة محصنين بدستور الكفر الذي شاركوا بصياغته وتسويقه.

أيها المسلمون..
إلى متى يتكرر هذا المشهد في بلاد المسلمين، وكأن المسلمين وبخاصة الحركيين منهم مغفلون ساذجون، لا يُقدرون مسؤولية الدين ومصير الأمة، ولا يُدركون أحابيل السياسة ومكائد المستعمر وذيوله، وكأن خصومهم فعلًا أكثر منهم حيلة وأقومَ قيلًا؟!

أيها المسلمون..
ألم يحن الوقت أن ندرك أن الوعي السياسي هو شرط نجاح العمل السياسي، وأن الشرع هو أساسه وأداة ضبطه، وأنه من دون الشرع سيضيع المسلمون، ويُضيِّعونَ كلَّ الجهود والتضحيات التي قدمتها الأمة من مقدراتها ودمائها وفلذات أكبادها المخلصين.
لقد عرض الكفارُ الحكمَ على رسول الله صلى الله عليه وسلم بشروطهم فأبى، فحاصروه وتآمروا عليه وألبوا عليه العرب، فما زاده ذلك إلا صبرًا ويقينًا، وما فتَّ ذلك في عضده شيئًا، حتى أتى نصر الله، فعزَّ بعد ضعفٍ، وامتنع بعد شدة وعنف وخذلان. ولما غدر أصحاب الرجيع بعاصم بن ثابت ومن معه، وأحاطوا بهم، أعطوهم العهد، أنهم إن استسلموا لا يقتلونهم، فقال عاصم: أما أنا فلا أنزل في ذمة كافر بالله أبدًا، فقاتل حتى استشهد رضي الله عنه. وأما من معه الصحابة وبخاصة خبيب بن عدي وزيد بن الدثنة فقد نزلوا على عهد الكفار، فكانوا أهل غدر، فباعوهما لأهل مكة، فضربوا أعناقهما رضي الله عنهما. ولنا في بيعة الرضوان أبلغ عبرة في المواقف الصلبة والثبات وعدم التراجع، إذ ارتبط رضى الله عز وجل على الصحابة ببيعتهم النبي صلى الله عليه وسلم على الموت عندما استشعر النبي الغدر من الكفار بعثمان، قال تعالى:{لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة}.
هكذا يعلمنا القرآن ويعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا نركن إلى الذين ظلموا فتمسنا النار. وهكذا ينبغي للمسلمين العاملين لاستئناف الحياة الإسلامية أن يكونوا؛ لا يأخذون الحكم بشروط الكفار، ولا ينزلون في ذمة كافر، بل يصبرون ويحتسبون حتى يأذن الله بنصره.
{والله متم نوره ولو كره الكافرون}

22/ذي الحجة/1442هـ حزب التحرير
1/8/2021م