المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : متابعة سياسية حول انسحاب أميركا من أفغانستان والدور التركي بعد الانسحاب الأميركي



Abu Taqi
12-07-2021, 10:33 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

متابعة سياسية
انسحاب أميركا من أفغانستان والدور التركي بعد الانسحاب الأميركي
صرَّح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، خلال مؤتمر صحفي قبيل توجهه إلى بروكسل للمشاركة في قمة قادة الناتو يوم 14 حزيران/يونيو الفائت، أن "تركيا هي الدولة الوحيدة الموثوقة لإدارة الوضع في أفغانستان على الوجه الصحيح".
أما وزير الدفاع التركي خلوصي أكار فتساءل قبل ذلك بشكل واضح وفقًا لصحيفة "حرييت" قائلًا "ما هي ظروفنا؟ الدعم السياسي والمالي واللوجستي". وتابع "في حالة توفيرها، يمكننا البقاء في مطار حامد كرزاي الدولي. نحن ننتظر الجواب فيما يتعلق بأوضاعنا".
لا يخفى على المتابع السياسي للشأن التركي أن الرئيس أردوغان رغم استقلاله عن الولايات المتحدة، لكنه يؤدي السياسة طبقًا لإدراكه لقواعد الصراع وتوجه الولايات المتحدة، وطبقًا لفهمه للعلاقات الدولية ومساحات التقارب والتفاهمات والخلافات، مستغلًا الشقوق في العلاقات الدولية لتحقيق مكاسب قومية واقتصادية وسياسية، متجنبًا سخط الولايات المتحدة، محتفظًا بمكتسباته على صعيد العلاقة مع روسيا ودول الإقليم؛ لدرء المخاطر التي تؤثر على تركيا وتؤثر بالنتيجة على قواعده الشعبية في الداخل.
وفي هذا الصدد لا بد أن نعلم أن تركيا لم تشارك مباشرة في الحرب الدائرة في أفغانستان، واكتفت رغم وجودها ضمن حلف الناتو بأعمال تأمين مطار كابول، وتقديم المساعدات الإنسانية وبعض الأنشطة الاستثمارية والتدريب للقوات الداخلية الأفغانية. فقد رفض الجيش التركي الانخراط في العمليات العسكرية الهجومية أو أية عمليات عسكرية مباشرة.
وانطلاقًا من ذلك فإن تركيا تحاول من خلال دورها في حلف الناتو ووجودها في أفغانستان التأكيد على أهميتها لأميركا وقدرتها السياسية والعسكرية على تنفيذ مهام الناتو، وتعزيز بقائه في المهمات الدولية، ممثلًا بحضورها العسكري، وهو الأمر الذي تحاول أوروبا النأي بنفسها عنه. ويندرج ذلك في إطار فهم أردوغان لأهداف أميركا من الانسحاب من أفغانستان، وفتح المجال أمام طالبان للسيطرة على المعابر الحدودية مع طاجيكستان وتركمانستان وإيران، ورغبة أميركا بإبقاء أفغانستان بؤرة توتر وتهديد للصين ومشروع الطريق والحزام، وفق نظرية "الارتكاز نحو الشرق" ( Pivot towards Asia) التي صاغتها هيلاري كلينتون سنة ظ¢ظ*ظ،ظ،؛ لإشغال الصين وروسيا في آسيا الوسطى، ودفعهما للتنافس فيها. وبالتالي فإن الانسحاب الأميركي من أفغانستان يمثل تحديًّا أمنيًّا للصين، التي يقع جيب ولاية بدخشان الأفغاني -الذي سقط في يد طالبان- على حدودها، وهو الأمر الذي يشكل تهديدًا أمنيًّا للصين مع وجود الحركات الإسلامية المؤيدة لطالبان والتي تتطلع لإنقاذ الإيغور من الاضطهاد الصيني في إقليم شينغ يانغ، وهي المنطقة التي تقع في قلب مشروع الصين الكبير "الحزام والطريق".
وقد أكد ذلك الرئيس الأميركي جو بايدن في خطابه قبل أيام حينما حدد الصين كأكبر تهديد استراتيجي للولايات المتحدة في الـ20 سنة المقبلة. كما يندرج ذلك في إطار رؤية أردوغان للمصالح التي يمكن لتركيا الحصول عليها لقاء تأمينها لمطار كابول، واتصالاتها بحركة طالبان، وإمكانية الحصول على حصة في إعادة إعمار البلاد.
وكل ذلك يقع في دائرة التفاهم التركي الأميركي على قاعدة المقايضة والتوظيف واستغلال مساحات المصالح المشتركة، رغم خلافهم في ملفات أخرى. ويقع هذا التفاهم بشأن أفغانستان أيضًا لإثارة التنافس والتوتر بين روسيا والصين والهند (التي دفعتها أميركا للاستثمار في أفغانستان) وإيران وباكستان وتركيا، ولذا كان تقدم طالبان يستهدف مناطق الحدود الشمالية "طاجيكستان" المحاذية لحدود الصين، و"تركمانستان" المحاذية لإيران، في ظل محاولة وساطة الأخيرة وكل من تركيا وروسيا وقطر بين طالبان والحكومة الأفغانية.
ويأتي هذا التوجه والتفاهم الأميركي التركي رغم مناورة الولايات المتحدة بالضغط على أردوغان من خلال رفض طالبان بقاء القوات التركية في أفغانستان، سيما مع وجود حاجة لأردوغان لترطيب العلاقة مع بايدن؛ لتجنب استهدافه له وتقويضه لجهوده ومكتسباته الاقتصادية والسياسية التي تعزز حظوظ حزب العدالة في الانتخابات القادمة.
ومن المتوقع أن توعز أميركا لقطر لتليين موقف طالبان من الوجود التركي في أفغانستان من أجل الحفاظ على حضور الناتو، مستغلة الحياد التركي تجاه المكونات العرقية والدينية الأفغانية مما يرسخ احتواء مكونات المجتمع الأفغاني ويحول دون اختراق روسيا والصين الطامعتين بدور محوري في المعادلة الأفغانية.
وقد أصرت تركيا أن تكون المجر والباكستان مشاركتان معها في هذا البقاء؛ لأن المجر وإن كانت عضوًا في الحلف الأطلسي، لكنها لا تملك نفوذًا أو تأثيرًا ينافس وجودها. أما الباكستان فلا خشية من تواجدها في الملف الأفغاني بل لا بد من حضورها؛ لأنها تملك نفوذًا قويًّا في أفغانستان على المستوى الشعبي والقبلي والاستخباراتي منذ العام 1979، فضلًا عن دورها الكبير في صناعة طالبان عام 1993 بأمر من أميركا نفسها.
ومن هنا كان الموقف الروسي رافضًا للدور التركي في أفغانستان، وهو ما صرح به زامير كابولوف المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى أفغانستان، بقوله "إن خطط تركيا لضمان أمن مطار كابول بعد انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، تنتهك الاتفاقات المبرمة مع طالبان". ذلك أن روسيا لا ترحب بامتلاك تركيا مزيدًا من التأثير في منطقة وسط آسيا، أو امتلاك أوراق مقايضة أو ضغط على روسيا نحو نفوذها في أذربيجان وتعاونها مع أوكرانيا، وإنما ترغب بعلاقة تعاون وأجواء رطبة، لا علاقة تنافس مع تركيا، وترغب أيضًا بإبعاد تركيا عن موقع الندية معها، وإبقائها في حاجة إليها لمواجهة الغرب أو تحييدها على الأقل. فيما ترغب تركيا بتأكيد دورها وكسر الحصار الذي تحاول روسيا وأميركا فرضه عليها خارج حدودها، وهذا ما عبر عنه أردوغان يوم الجمعة 26/6/2021 بقوله: "إذا لم تستطع تركيا إنشاء حزام أمني قوي في الخارج، فلن يتركونا ننعم بالاستقرار داخل الوطن". وبخاصة وأن تركيا تخطط لاحتكار ممرات عبور الطاقة من وسط آسيا إلى أوروبا ومن ذلك ممرات الطاقة من أفغانستان، وهو الأمر الذي جعل أميركا تدعم سيطرة حركة طالبان على كامل أفغانستان، وتدعم وصولها للحكم في العام 1996.
وتأمل تركيا في أن يكون لها نفوذ على أنابيب النفط وطرق المواصلات ضمن سياستها في أن تكون أهم مركز للطاقة في أوروبا، بعد الاكتشافات النفطية الكبرى التي حققتها في البر التركي وفي البحر الأسود وشرق المتوسط. ومن غير المستبعد أن تعرض تركيا قدراتها التقنية في استخراج النفط الأفغاني وبخاصة وأن طالبان تسعى بقوة لافتكاك ثماني أبار نفط تستغلها الحكومة الأفغانية، في شمال البلاد في إقليم ساريبول.
2/ذي الحجة/1442هـ
12/7/2021م