Abu Taqi
11-07-2021, 10:12 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
متابعة سياسية
الخلاف السعودي الإماراتي
يعود الخلاف السعودي الإماراتي إلى السطح من جديد، وقد تركز هذه المرة حول رغبة الإمارات في زيادة حصتها الإنتاجية ضمن مجموعة دول أوبيك بلس. وفي الوقت الذي رفضت فيه كل من السعودية وروسيا الموافقة على هذه الزيادة تصر الإمارات على توسيع حصتها من 3.2 إلى 3.8 مليون برميل يوميًّا.
وترفض الإمارات المقترح السعودي الروسي برفع تدريجي للإنتاج بمعدل 400 ألف برميل يوميًّا كل شهر منذ اتفاق نيسان/إبريل 2020 إلى نهاية 2022. وتصر الإمارات على زيادة حصتها السوقية في ظل حاجة السوق إلى النفط وارتفاع السعر فوق 70 دولار للبرميل الواحد. لكن السعودية مدعومة بروسيا لم تكتف فقط برفض المقترح الإماراتي بل ذهبت أبعد من ذلك، عندما بدأت في فرض عقوبات اقتصادية على الأسواق الحرة الإماراتية من خلال فرض رسوم على ما قيمته 10 مليار دولار من السلع الإماراتية يجري تصديرها إلى السعودية. كما أوقفت السعودية حركة سفر السعوديين إلى الإمارات، وطالبت السعوديين الموجودين في الإمارات بالعودة إلى السعودية، وهذا سيسبب خسائر كبرى لدولة الإمارات التي تستقبل سنويًّا ما يقارب مليوني سائح سعودي ينفقون بسخاء في الأسواق العقارية والتجارية داخل الإمارات.
وقد يتصور البعض أن هذا الخلاف "الاقتصادي" المتكرر بين السعودية والإمارات قد يهدد العلاقة الوثيقة بين محمد بن سلمان ومحمد بن زايد اللذيْن أوكلت لهما أميركا مهمات مشتركة خدمة لمصالحها، مثلما حصل في حصار قطر، وما يجري من الضغط المستمر على تركيا، وملاحقة جماعة "الإخوان المسلمون"، وأخيرًا حرب اليمن ومشاريع تقسيمها بين شمال للحوثيين وجنوب للمجلس الانتقالي الجنوبي.
في الحقيقة يجب فهم الخلاف السعودي الإماراتي في سياق الخلافات السابقة بين السعودية والإمارات وبخاصة فيما يتعلق بالتنافس الاقتصادي بينهما والذي بلغ ذروته عندما سن الأمير محمد بن سلمان سياسات انفتاحية، وإصراره على ترسيخ أسس اقتصاد سياحي منافس للإمارات، واتباع سياسة انفتاحية داخلية عنوانها الترفيه، وإقامة مدينة "نيوم" على البحر الأحمر شمال المملكة لتكون منافسة لدبي في كل شيء.
حيث أصدرت الرياض مطلع العام الجاري قرارًا مفاجئًا بضرورة نقل المقرات الإقليمية للشركات الأجنبية العاملة في الخليج والشرق الاوسط، إلى المملكة بحلول عام 2024، زيادة على أن تكون حصة العمالة السعودية في هذه الشركات لا تقل عن 25%. وإلا سوف تخسر تعاقداتها مع الحكومة السعودية، ويعد هذا القرار ضربة كبيرة للإمارات، ودعوة صريحة للشركات الأجنبية فيها بوجوب الانتقال إلى السعودية إذا أرادت الفوز بعقود تتجاوز قيمتها مليارات الدولارات في أكبر أسواق دول الخليج.
وأما فيما يتعلق بالخلاف في الجانب السياسي فمن المؤشرات على ذلك انزعاج أبو ظبي وعدم رضاها عن ظروف المصالحة التي تمت بين الرياض والدوحة في كانون الثاني/يناير الماضي بعد أكثر من ثلاث سنوات من الخلاف الدبلوماسي بين قطر من جانب، وكل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر من جانب آخر.
ومنها أيضًا قرار الإمارات الانسحاب من الحرب المشتركة في اليمن عام 2019 دون تنسيق أو تشاور مسبق مع السعودية، ما أدى إلى غضب سعودي، علمًا أن البلدين كانا يشكلان العمود الفقري لتحالف إقليمي عسكري قاد الصراع في اليمن واستعرض عضلاته في أماكن أخرى.
إن الصمت الأميركي على هذا الخلاف السعودي الإماراتي يعني أن أميركا راضية عن ذلك، وتدعم ما تقوم به السعودية باعتبارها قاطرة التغيير الثقافي نحو العلمانية في الخليج بسبب ثقلها الإسلامي والسكاني، وكسر الحواجز الدينية أمام التطبيع مع إسرائيل وتصفية قضية فلسطين، وتقويض الدعوة الإسلامية بوجه عام، وتعميق علمنة الوعي الإسلامي وتبريره من خلال تجفيف منابعه التقليدية كالسلفية. وهذا بخلاف الإمارات التي فرض فيها حكامها العلمانية على المجتمع لكنهم لم ينجحوا في التأثير على بقية سكان الخليج في هذا الأمر.
ولذلك فإن حكام السعودية يسعون من وراء خطة 2030 ليس فقط إلى تنويع مصادر الاقتصاد وتحفيز الشركات الأجنبية على القدوم، بل إنهم أيضًا يربطون ذلك بوجوب إحداث تغييرات ثقافية وفكرية وسلوكية بنيوية تكون أكثر ليبرالية، مثل رفع القيود عن النساء وفتح دور السينما وإقامة مهرجانات الرقص والغناء، بدعوى أن ذلك من مستلزمات نجاح الدولة في خططها الاقتصادية، وبخاصة جلب الشركات الدولية والاستثمار الأجنبي.
هذه هي سياسة أميركا التي تعتمد على تغيير عقيدة المسلمين من خلال تزييف مفاهيمها وتقويض أركانها بحملة التشكيك بأصولها ونشر المفاهيم الغربية كالديمقراطية والحريات والفلسفة والعلوم الإنسانية والمنهج العلمي، بالإضافة إلى تعميق انفصال سلوك المسلمين عن عقيدتهم ومقاييسها، من خلال فرض نمط العيش والذوق الغربي في سلوك المسلمين وأنظمة حياتهم، وذلك من خلال دفعهم نحو تبني نمط حياة وأسلوب عيش استهلاكي وليبرالي منفتح، يفقدون فيه مع الوقت ارتباطهم الروحي بالعقيدة والتزامهم بالأحكام الشرعية تحت غطاء التنمية الاقتصادية والحياة العصرية.
غرة ذي الحجة/1442هـ
11/7/2021
متابعة سياسية
الخلاف السعودي الإماراتي
يعود الخلاف السعودي الإماراتي إلى السطح من جديد، وقد تركز هذه المرة حول رغبة الإمارات في زيادة حصتها الإنتاجية ضمن مجموعة دول أوبيك بلس. وفي الوقت الذي رفضت فيه كل من السعودية وروسيا الموافقة على هذه الزيادة تصر الإمارات على توسيع حصتها من 3.2 إلى 3.8 مليون برميل يوميًّا.
وترفض الإمارات المقترح السعودي الروسي برفع تدريجي للإنتاج بمعدل 400 ألف برميل يوميًّا كل شهر منذ اتفاق نيسان/إبريل 2020 إلى نهاية 2022. وتصر الإمارات على زيادة حصتها السوقية في ظل حاجة السوق إلى النفط وارتفاع السعر فوق 70 دولار للبرميل الواحد. لكن السعودية مدعومة بروسيا لم تكتف فقط برفض المقترح الإماراتي بل ذهبت أبعد من ذلك، عندما بدأت في فرض عقوبات اقتصادية على الأسواق الحرة الإماراتية من خلال فرض رسوم على ما قيمته 10 مليار دولار من السلع الإماراتية يجري تصديرها إلى السعودية. كما أوقفت السعودية حركة سفر السعوديين إلى الإمارات، وطالبت السعوديين الموجودين في الإمارات بالعودة إلى السعودية، وهذا سيسبب خسائر كبرى لدولة الإمارات التي تستقبل سنويًّا ما يقارب مليوني سائح سعودي ينفقون بسخاء في الأسواق العقارية والتجارية داخل الإمارات.
وقد يتصور البعض أن هذا الخلاف "الاقتصادي" المتكرر بين السعودية والإمارات قد يهدد العلاقة الوثيقة بين محمد بن سلمان ومحمد بن زايد اللذيْن أوكلت لهما أميركا مهمات مشتركة خدمة لمصالحها، مثلما حصل في حصار قطر، وما يجري من الضغط المستمر على تركيا، وملاحقة جماعة "الإخوان المسلمون"، وأخيرًا حرب اليمن ومشاريع تقسيمها بين شمال للحوثيين وجنوب للمجلس الانتقالي الجنوبي.
في الحقيقة يجب فهم الخلاف السعودي الإماراتي في سياق الخلافات السابقة بين السعودية والإمارات وبخاصة فيما يتعلق بالتنافس الاقتصادي بينهما والذي بلغ ذروته عندما سن الأمير محمد بن سلمان سياسات انفتاحية، وإصراره على ترسيخ أسس اقتصاد سياحي منافس للإمارات، واتباع سياسة انفتاحية داخلية عنوانها الترفيه، وإقامة مدينة "نيوم" على البحر الأحمر شمال المملكة لتكون منافسة لدبي في كل شيء.
حيث أصدرت الرياض مطلع العام الجاري قرارًا مفاجئًا بضرورة نقل المقرات الإقليمية للشركات الأجنبية العاملة في الخليج والشرق الاوسط، إلى المملكة بحلول عام 2024، زيادة على أن تكون حصة العمالة السعودية في هذه الشركات لا تقل عن 25%. وإلا سوف تخسر تعاقداتها مع الحكومة السعودية، ويعد هذا القرار ضربة كبيرة للإمارات، ودعوة صريحة للشركات الأجنبية فيها بوجوب الانتقال إلى السعودية إذا أرادت الفوز بعقود تتجاوز قيمتها مليارات الدولارات في أكبر أسواق دول الخليج.
وأما فيما يتعلق بالخلاف في الجانب السياسي فمن المؤشرات على ذلك انزعاج أبو ظبي وعدم رضاها عن ظروف المصالحة التي تمت بين الرياض والدوحة في كانون الثاني/يناير الماضي بعد أكثر من ثلاث سنوات من الخلاف الدبلوماسي بين قطر من جانب، وكل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر من جانب آخر.
ومنها أيضًا قرار الإمارات الانسحاب من الحرب المشتركة في اليمن عام 2019 دون تنسيق أو تشاور مسبق مع السعودية، ما أدى إلى غضب سعودي، علمًا أن البلدين كانا يشكلان العمود الفقري لتحالف إقليمي عسكري قاد الصراع في اليمن واستعرض عضلاته في أماكن أخرى.
إن الصمت الأميركي على هذا الخلاف السعودي الإماراتي يعني أن أميركا راضية عن ذلك، وتدعم ما تقوم به السعودية باعتبارها قاطرة التغيير الثقافي نحو العلمانية في الخليج بسبب ثقلها الإسلامي والسكاني، وكسر الحواجز الدينية أمام التطبيع مع إسرائيل وتصفية قضية فلسطين، وتقويض الدعوة الإسلامية بوجه عام، وتعميق علمنة الوعي الإسلامي وتبريره من خلال تجفيف منابعه التقليدية كالسلفية. وهذا بخلاف الإمارات التي فرض فيها حكامها العلمانية على المجتمع لكنهم لم ينجحوا في التأثير على بقية سكان الخليج في هذا الأمر.
ولذلك فإن حكام السعودية يسعون من وراء خطة 2030 ليس فقط إلى تنويع مصادر الاقتصاد وتحفيز الشركات الأجنبية على القدوم، بل إنهم أيضًا يربطون ذلك بوجوب إحداث تغييرات ثقافية وفكرية وسلوكية بنيوية تكون أكثر ليبرالية، مثل رفع القيود عن النساء وفتح دور السينما وإقامة مهرجانات الرقص والغناء، بدعوى أن ذلك من مستلزمات نجاح الدولة في خططها الاقتصادية، وبخاصة جلب الشركات الدولية والاستثمار الأجنبي.
هذه هي سياسة أميركا التي تعتمد على تغيير عقيدة المسلمين من خلال تزييف مفاهيمها وتقويض أركانها بحملة التشكيك بأصولها ونشر المفاهيم الغربية كالديمقراطية والحريات والفلسفة والعلوم الإنسانية والمنهج العلمي، بالإضافة إلى تعميق انفصال سلوك المسلمين عن عقيدتهم ومقاييسها، من خلال فرض نمط العيش والذوق الغربي في سلوك المسلمين وأنظمة حياتهم، وذلك من خلال دفعهم نحو تبني نمط حياة وأسلوب عيش استهلاكي وليبرالي منفتح، يفقدون فيه مع الوقت ارتباطهم الروحي بالعقيدة والتزامهم بالأحكام الشرعية تحت غطاء التنمية الاقتصادية والحياة العصرية.
غرة ذي الحجة/1442هـ
11/7/2021