المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : متابعة سياسية حول إعادة ضبط الولايات المتحدة للوضع في مالي



Abu Taqi
03-06-2021, 11:39 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

متابعة سياسية
إعادة ضبط الولايات المتحدة للوضع في مالي

أعلن قائد الانقلاب العسكري في مالي العقيد قاسيمي غويتا يوم الثلاثاء 25 أيار/مايو 2021 تجريد الرئيس الانتقالي باه نداو ورئيس الوزراء مختار عوان من صلاحياتهما، وذلك بعد أن تم توقيفهما واقتيادهما إلى معسكر كاتي قرب باماكو. وأعلنت المحكمة الدستورية بعد ذلك العقيد أسيمي غويتا رئيسًا للدولة لقيادة المرحلة الانتقالية حتى نهايتها. وقال غويتا في تلفزيون الدولة في ساعة متأخرة من مساء (الجمعة) إنه سيعين رئيس وزراء جديدًا من بين أعضاء التحالف، الذي قاد احتجاجات ضد كيتا، العام الماضي، واختلف مع نداو وعوان خلال الفترة الانتقالية. كما واتهم قائد الانقلاب، الذي أطاح بالرئيس إبراهيم بوبكر كيتا في 18 آب/أغسطس 2020، كلًا من الرئيس ورئيس الوزراء بمحاولة "تخريب" المرحلة الانتقالية وذلك عبر تشكيل حكومة جديدة دون التشاور معه مسبقًا، رغم أنه مسؤول عن الدفاع والأمن.
وقال إن "هذا الإجراء يدل على إرادة واضحة لرئيس المرحلة الانتقالية ورئيس الوزراء بانتهاك الميثاق الانتقالي (...)، حيث ثبت وجود نية لتخريب العملية الانتقالية". واعتبر أنه "ملزم بالرد" و"تجريد الرئيس ورئيس الوزراء وجميع الأشخاص المتورطين من صلاحياتهم".
كما أشار غويتا، في بيان قرأه أحد المتعاونين مرتديًا الزي العسكري على التلفزيون الرسمي، إلى أن "العملية الانتقالية ستواصل مسارها الطبيعي وأن الانتخابات المقررة ستجرى خلال عام 2022".
وعقب ذلك أعلنت بعثة الأمم المتحدة في مالي والمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (الإيكواس) والاتحاد الأفريقي وفرنسا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا والاتحاد الأوروبي إدانتها "بشدة محاولة استخدام القوة"، وطالبت في بيان مشترك "بالإفراج الفوري وغير المشروط" عن القادة الانتقاليين، وذلك في خطوة أميركية استباقية لتأطير ردود الفعل وحصرها بالإفراج عن القادة الانتقاليين ومطالب العودة إلى العملية السياسية الانتقالية، وهو ما حصل في وقت لاحق.
وكما يبدو أن أميركا هي التي دفعت العقيد قاسمي لإبعاد الرئيس الانتقالي باه نداو ورئيس الوزراء مختار عوان من المشهد؛ لاحتواء الغضب الشعبي الذي تم توجيهه نحو الوجود الفرنسي، وقطع الطريق على تحركات فرنسا التي كانت تقوم بإضعاف دور قادة الانقلاب وتعزيز نفوذها من خلالهما. وتتضح الصورة أكثر من خلال قراءة الموقف الفرنسي الحاد والمتوتر من الانقلاب الذي أطاح بالرئيس الانتقالي ورئيس الوزراء، حيث سارع الرئيس الفرنسي ماكرون بإدانة الانقلاب، والمطالبة بالإفراج الفوري عن نداو ومختار عوان و"باستئناف المسار الطبيعي للعملية الانتقالية فورًا"، وتهديده (في مقابلة مع صحيفة لوجورنال دو ديمانش نشرت الأحد) بسحب قوات بلاده من مالي في حال سار هذا البلد باتجاه "الإسلاموية الراديكالية" بعد انقلاب ثان في ظرف تسعة أشهر. وأكد أنه سبق وأن "مرر رسالة" إلى قادة دول غرب أفريقيا مفادها أنه "لن يبقى إلى جانب بلد لم تعد فيه شرعية ديمقراطية ولا عملية انتقال" سياسي.
كما أعلن إثر قمة أوروبية أن القادة الأوروبيين «نددوا بأكبر مقدار من الحزم باعتقال رئيس مالي ورئيس وزرائه»، الأمر الذي يشكل «انقلابًا داخل الانقلاب، وهو أمر مرفوض» على حد قوله. وأضاف: «نحن مستعدون في الساعات المقبلة لفرض عقوبات محددة الهدف» بحق الأطراف المعنيين.
من جهته، قال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان إن «فرنسا تدين بشدة هذا الانقلاب الذي وقع أمس (الاثنين) في مالي (...) نطالب بالإفراج عن الرئيسين اللذين يجب ضمان أمنهما، والاستئناف الفوري لمسار الانتقال الطبيعي»، حسب ما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية.
وقد ظهر استمالة فرنسا لرئيس المرحلة الانتقالية ورئيس الوزراء من خلال تواطؤ الرجلين على إعادة تشكيل الحكومة واستبعاد بعض وزرائها المحسوبين على قادة الانقلاب، حيث قدم رئيس الوزراء استقالته يوم 14 أيار/مايو من الحكومة الجديدة إلى الرئيس باه نداو الذي أعاد تعيينه في منصبه على الفور، وطلب منه بدء المحادثات مع الطبقة السياسية من أجل تشكيل الحكومة المقبلة. وكان واضحًا أن فرنسا هي من يقف وراء تشكيل هذه الحكومة بعد أن نسجت علاقات وثيقة مع الرئيس نداو الذي عاد للتو من قمة حول الاقتصاد الإفريقي في باريس. فبعد عودته من باريس بيومين فقط تم الإعلان عن الحكومة الجديدة التي استبعدت عضوين من الجيش كانا يتوليان حقائب وزارية، وذلك في يوم 24 أيار/مايو وسط أجواء شديدة التوتر، بعد أن أعلنت حركة 5 يونيو المعارضة بقيادة الشيخ محمود ديكو عن مظاهرةٍ منتظرة في الرابع من حزيران/يونيو من أجل إسقاط الحكومة الانتقالية وحل المجلس الانتقالي الوطني.
وأمام هذا الإعلان جاء رد قادة الجيش سريعًا، فبعد نحو ساعة من نشر التشكيل الوزاري الجديد، جرى القبض على وان ونداو واصطحابهما إلى قاعدة عسكرية في كاتي. وأعلن العقيد قاسمي كويتا الذي يشغل منصب نائب الرئيس أن ما جرى هو تخريب للعملية الانتقالية؛ لأن رئيس الوزراء ورئيس البلاد قاما بتشكيل حكومة جديدة "دون التشاور مع نائب الرئيس".
ومن أجل إضفاء الشرعية على الإجراءات المتخذة وكسب التأييد الشعبي قام قادة الانقلاب في المجلس العسكري بدعوة زعماء حركة 5 يونيو، الذين كان لهم دور في تسهيل انقلاب 20 أغسطس/آب 2020، إلى كاتي بعد ساعات قليلة من اعتقال الرئيس ورئيس الوزراء، متعهدًا بتعيين رئيس جديد للوزراء من بينهم.
وهكذا جاء انقلاب مالي الثاني كخطوة أميركية من أجل تحصين الوضع الداخلي ضد التشغيب الفرنسي، ومن أجل تأديب فرنسا المستعمر القديم لمالي؛ لأنها تريد الانفراد بشؤون مالي بمعزل عن أميركا التي سمحت بحضور روسيا في مالي وبعض الدول الإفريقية؛ لخلق أجواء سلبية بينها وبين فرنسا التي طالما عارضت تصنيف روسيا بدولة عدو لحلف الناتو، فيما تجد روسيا (التي لم تشجب الانقلاب) في الدخول إلى إفريقيا فرصة للاستثمار وتبادل الخدمات مع أميركا نحو معارضة روسيا العقوبات التي اقترحتها فرنسا ضد مالي في الاجتماع الاستثنائي لمجلس الأمن الذي عُقد بناء على طلب فرنسا.
لقد سبق أن أفزعت الولايات المتحدة فرنسا بتقويض نفوذها في تشاد عندما تخلصت من إدريس ديبي الذي كانت تسمح له بمراعاة المصالح الفرنسية. ونتيجة لمحاولات فرنسا المتكررة في اختراق عملاء أميركا في الجزائر ومالي وتونس سعت الولايات المتحدة للجمها من خلال تصفية من ينسق معها مثل إدريس ديبي، وتنحية الرئيس المالي وحكومته، وتعمل على تأديب الرئيس التونسي قيس سعيد عن طريق فضح محاولاته العبث بتركيبة النظام، ووضعه أمام خيارين: إما تنفيذ أجندتها والمحافظة على هيكلة النظام ودعم "الانتقال الديمقراطي" وتوطيد اللامركزية وإرغام فرنسا على تأمين مصالحها في تونس من بوابة أميركا لا بمعزل عنها، وإما أن يتم كنسه دستوريًّا إذا واصل إرخاء إذنه لفرنسا. فقد تلقى الرئيس سعيد يوم 11 أيار/مايو 2021 اتصالًا هاتفيًّا من نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس. وبحسب بيان صادر عن البيت الأبيض، فإن الجانبين جددا التأكيد على أهمية المؤسسات الديمقراطية وسيادة القانون ومحاربة الفساد، كما أكدت هاريس التزام الولايات المتحدة المستمر بدعم الديمقراطية في تونس. وجاء هذا الاتصال، حسب بعض التسريبات، على إثر إعاقة الحاشية الفرنكوفونية المحيطة بالرئيس سعيد لنائب وزير الخارجية الأميركي من لقاء سعيد لمدة يومين كاملين بعد أن تقدم بطلب لهذا الغرض إلى الديوان الرئاسي الذي ثبت ضلوع رئيسته نادية عكاشة في التواصل والتنسيق مع الفرنسيين.
وهو الأمر الذي يؤكد رصد الولايات الولايات المتحدة لتحركات فرنسا المنفردة والطامحة لملء الفراغ القيادي بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ومحاصرتها وإجهاض تحركاتها والتحكم بمناطق نفوذها ومصالحها في إفريقيا التي تشكل مواردها الشريان الرئيس لحياتها.
21/شوال/1442هـ
3/6/2021م