Abu Taqi
30-05-2021, 07:32 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
أزمة الحكم في الأردن والحوار الوطني
دأبت الأحزاب والقوى السياسية على الدعوة إلى "الحوار الوطني" لمعالجة القضايا العامة، وفض النزاع بينهم وبين السلطات الحاكمة، والتي غالبًا ما تفتعل الأزمات وتُضيّق على الناس معيشتهم وحريتهم المشروعة لاستدعاء ردود فعل ومطالب، مؤطرة سلفًا، في حلول جزئية شكلية تمتص نقمة الناس ولا تمس جوهر المشكلة، ثم ما تلبث تتناسل المشاكل والأزمات وتبقى قوى المعارضة تدور في حلقة مفرغة حتى يبلغ اليأس من الناس مبلغه، ويقنطوا من التغيير ويُدجَّنوا ويخضعوا للأمر الواقع.
ولا أدل على ذلك من الحوارات "الوطنية" في الجزائر وليبيا واليمن والتي أعادت تدوير الأزمات وفلول الأنظمة العميلة. ومن ذلك أيضًا دعوة رئيس مجلس الأعيان الأردني فيصل الفايز لحوار وطني قبل نحو أسبوعين، واختزله مسبقًا بتعديل قانون الانتخاب، زاعمًا أن دعوته إلى الحوار الوطني هي مبادرة ذاتية وليست رسمية، ما يعني أن الخطوة التي اتخذها هي خطوة استكشافية تمهيدية تسبق حوارًا رسميًّا استهلاكيًّا يُجهض تململ الشعب والقوى المعارضة "الوطنية"، وبخاصة وأن فيصل الفايز هو صاحب مقولة إن الشعب الأردني غير مؤهل لقيادة نفسه.
وأثناء لقائه مع ممثلين عن الأحزاب والقوى السياسية تقمص الفايز دور المعارضة في نقده لأداء النظام بهدف استدراجهم لفخ "الحوار الوطني" القادم والفارغ من أي مضمون، وإيهامهم بجدية النظام في الإصلاح.
صحيح أن دعوة الفايز قد قوبلت بالشك والريبة من قبل القوى والأحزاب السياسية الأردنية، لكن الرؤية التي تقدمت بها تلك القوى لا تخرج عن الأطر التقليدية المخالفة لعقيدة المجتمع، رغم محاولتها تقويض دور الملك وانتزاع جُلِّ صلاحياته، بالإضافة إلى أن مجرد قبولها بحضور الحوار قد منح النظام ما يريده لكسب الوقت والتظاهر بالإصلاح في ظل التوتر المجتمعي، وعقب قضية الأمير حمزة المفبركة مع أخيه الملك، وفي ظل استحقاقات المسار السياسي بشأن "القضية الفلسطينية".
وإزاء تلاعب النظام بالمجتمع وإمعانه في غيّه، وإزاء هذه الرؤية التقليدية الفاشلة للأحزاب والقوى السياسية الأردنية، لا بد من بيان الآتي:
أولًا: إنَّ جل أهل الأردن مسلمون، ولا خيار للمسلم أن يحتكم في شؤون حياته لغير شريعة ربه، قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ غ— وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا}، وقال: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىظ° يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلّموا تَسليما}.
فبناء الرؤية السياسية من قِبل النشطاء والسياسيين على غير عقيدة الشعب لا يجعل رؤيتهم معبرة عن إرادة الشعب. بل يضع أولئك الداعين إلى التغيير في خانة الأنظمة المتغولة على إرادة الشعب والمنابذة لعقيدته، ولا حاجة لأن تتجشم تلك القوى عناء الحوار مع النظام، إذ لا قيمة لمخرجات حوارهم ما لم يستند إلى نظرة الناس إلى الحياة وإلى المصالح، لا سيما وأن نزع فتيل أزمة الحكم ورفع الخلاف لا يأتي إلا بتوحيد نظرة المجتمع وقواه السياسية والمادية إلى الحكم، ولا تتوحد نظرة المجتمع وقواه السياسية إلى الحكم بصورة دائمية منتجة إلا إذا كانت منبثقة من عقيدة الأمة.
وهذا علاوة على أن مطالبة قوى المعارضة "الوطنية" بإصلاحات دستورية في سياق سعي الولايات المتحدة لإعادة هيكلة النظام الأردني؛ ليتلاءم مع التصفية النهائية لقضية فلسطين، يزيد الوضع السياسي ضِغثًا على إبالة، ولا يُفضي إلى استعادة الشعب للسلطة كما تتوهم المعارضة.
ثانيًا: إن أية رؤية تخلو من سيادة الشرع، وسلطان الأمة، وإفراد الحاكم بتصريف شؤون الناس وإفراده في تبني القوانين بالاستناد إلى الشرع، وضبط سلوك الحاكم وقراراته بالمحاسبة، ووعي المجتمع ومحكمة المظالم، هو تثبيت للواقع وتوطين للكفر والفساد وتكريس للتبعية الفكرية والسياسية للغرب؛ لأن القضية تكمن بفساد النظام لا بفساد الحكام وحسب، وإن التغيير على غير أساس الإسلام هو إعادة إنتاج للنظام والفساد والفشل.
ولا يقال إن تجاربنا في إفراد الحاكم بالسلطة هو استبداد كما يزعم البعض، لا يقال ذلك؛ لأن الحاكم في الإسلام لا يحكم بهواه بل بالرأي المنبثق من الشريعة الخالية من الاستبداد، ولأن إفراد الحاكم بتبني الآراء وتصريف الشؤون هو الواجب الشرعي المستند إلى الأدلة الشرعية، والذي لا يجوز التعاطي معه بالتجربة وردود الفعل حتى لو أُسيء تطبيقه. ولا يقال ذلك أيضًا؛ لأن القيادة في الواقع والممارسة العملية حتى في الأنظمة الديمقراطية التي تنادي بها المعارضة ولا نُقرها إنما هي قيادة فردية.
ثالثًا: إن ما تقدمت به قوى الحراك والأحزاب والسياسيين يستند إلى العلمانية والديمقراطية الليبرالية، ولا يمت إلى الإسلام الذي يدين به سواد الناس في الأردن بشيء، بل وخلا طرحهم من أية إشارة لكتاب لله وسنة نبيه، واستند إلى القواعد الدستورية والقانونية المشتقة من الأنظمة الغربية، وكأن الارتكاز إلى القرآن والسنة جريمة سياسية أو سُبةٌ تستدعي تجنبها والنأي بالنفس عنها.
ومما يدمي القلوب ويُفتت الأكباد، أن بعض تلك القوى والحراكيين يقدمون أنفسهم ورؤيتهم باعتبار أنها إسلام، أو لا تعارض الإسلام بحسب زعمهم.
ولذا فإننا نذكرهؤلاء بقوله تعالى {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ غڑ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ}، ونذكرهم بقوله عز وجل: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}. ونذكرهم بقوله صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرًا أو ليصمت"، وليعلموا أنهم سياسيون مسلمون وليسوا سياسيين علمانيين، أو هكذا يجب أن يكونوا وهكذا يجب أن يمارسوا السياسة، لا أن يمارسوها كما يمارسها الحكام المنفصلين عن عقيدة شعوبهم؛ لأن العلاج المطلوب هو العلاج الشرعي فقط وليس أي علاج.
وليعلموا أنه من أعرض عن ذكر الله {فإن له معيشة ضنكى} في الدنيا والآخرة، وأن الشعب لن يلتف حولهم ما داموا لا يعبرون عن إرادته وعقيدته، وهذا ما يدركه النظام جيدًا ويراهن عليه.
فمن كان يريد النصح والتغيير وجذب الشعب لجانبه والتصدي لنهضة الأمة فليتق الله الذي قال: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}. وأما الملك ومن معه في أجهزة الحكم، فليتعظوا ممن سبقهم من الحكام الذين لم يحكموا بما أنزل الله وأفضوا إلى ما قدموا، وعليهم أن يجدوا جوابًا لقوله تعالى {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}. وعليهم أن يحذروا الغرب الرأسمالي المستعمر وعلى رأسه أميركا التي لا تقيم وزنًا لغير مصالحها، والتي قدمت أخلص عملائها (زين العابدين بن علي وحسني مبارك والقذافي) قربانًا لمشروعها في الشرق الأوسط الجديد.
ولا جرم أن أميركا والغرب كله لن ينفعوا الملك ولن ينفعه جيشه ورجاله وأجهزة أمنه الذين يتحصن بهم ضد الشعب، وسوف تقدمه الولايات المتحدة هو ورجاله عاجلًا أم آجلًا قربانًا لتصفية القضية الفلسطينية، وهيكلة النظام ليستوعب مكونات المجتمع، ويُفرغ احتقانه ويُنفس غضبه، ولا ملجأ ولا منجى من الله أو من أعدائه إلا إليه، ولا سبيل لاستقرار الحكم إلا بالاستناد إلى الشعب وعقيدته.
كما نُذكّر أهل الأردن بأن المخرجات السابقة للمواثيق والحوارات الوطنية المخالفة لمقتضيات الدين والإيمان والتي نرفضها بشدة، قد أفضت إلى ما هو عليه حال الأردن اليوم والذي يكتوون بناره، ويُغضبون الله بسكوتهم عليه. فلا يحل لهم قبول ما يُملى عليهم من الحكام ومن المعارضة إن لم يكن شرعًا ودينًا، ولا خيار لهم ولا خلاص إلا بتحكيم شريعة الله فيهم؛ لأنها الواجب الشرعي، ولأن فيها النجاة في الدنيا والآخرة.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ غ– وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}.
18/شوال/1442هـ حزب التحرير
30/5/2021م ولاية الأردن
أزمة الحكم في الأردن والحوار الوطني
دأبت الأحزاب والقوى السياسية على الدعوة إلى "الحوار الوطني" لمعالجة القضايا العامة، وفض النزاع بينهم وبين السلطات الحاكمة، والتي غالبًا ما تفتعل الأزمات وتُضيّق على الناس معيشتهم وحريتهم المشروعة لاستدعاء ردود فعل ومطالب، مؤطرة سلفًا، في حلول جزئية شكلية تمتص نقمة الناس ولا تمس جوهر المشكلة، ثم ما تلبث تتناسل المشاكل والأزمات وتبقى قوى المعارضة تدور في حلقة مفرغة حتى يبلغ اليأس من الناس مبلغه، ويقنطوا من التغيير ويُدجَّنوا ويخضعوا للأمر الواقع.
ولا أدل على ذلك من الحوارات "الوطنية" في الجزائر وليبيا واليمن والتي أعادت تدوير الأزمات وفلول الأنظمة العميلة. ومن ذلك أيضًا دعوة رئيس مجلس الأعيان الأردني فيصل الفايز لحوار وطني قبل نحو أسبوعين، واختزله مسبقًا بتعديل قانون الانتخاب، زاعمًا أن دعوته إلى الحوار الوطني هي مبادرة ذاتية وليست رسمية، ما يعني أن الخطوة التي اتخذها هي خطوة استكشافية تمهيدية تسبق حوارًا رسميًّا استهلاكيًّا يُجهض تململ الشعب والقوى المعارضة "الوطنية"، وبخاصة وأن فيصل الفايز هو صاحب مقولة إن الشعب الأردني غير مؤهل لقيادة نفسه.
وأثناء لقائه مع ممثلين عن الأحزاب والقوى السياسية تقمص الفايز دور المعارضة في نقده لأداء النظام بهدف استدراجهم لفخ "الحوار الوطني" القادم والفارغ من أي مضمون، وإيهامهم بجدية النظام في الإصلاح.
صحيح أن دعوة الفايز قد قوبلت بالشك والريبة من قبل القوى والأحزاب السياسية الأردنية، لكن الرؤية التي تقدمت بها تلك القوى لا تخرج عن الأطر التقليدية المخالفة لعقيدة المجتمع، رغم محاولتها تقويض دور الملك وانتزاع جُلِّ صلاحياته، بالإضافة إلى أن مجرد قبولها بحضور الحوار قد منح النظام ما يريده لكسب الوقت والتظاهر بالإصلاح في ظل التوتر المجتمعي، وعقب قضية الأمير حمزة المفبركة مع أخيه الملك، وفي ظل استحقاقات المسار السياسي بشأن "القضية الفلسطينية".
وإزاء تلاعب النظام بالمجتمع وإمعانه في غيّه، وإزاء هذه الرؤية التقليدية الفاشلة للأحزاب والقوى السياسية الأردنية، لا بد من بيان الآتي:
أولًا: إنَّ جل أهل الأردن مسلمون، ولا خيار للمسلم أن يحتكم في شؤون حياته لغير شريعة ربه، قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ غ— وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا}، وقال: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىظ° يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلّموا تَسليما}.
فبناء الرؤية السياسية من قِبل النشطاء والسياسيين على غير عقيدة الشعب لا يجعل رؤيتهم معبرة عن إرادة الشعب. بل يضع أولئك الداعين إلى التغيير في خانة الأنظمة المتغولة على إرادة الشعب والمنابذة لعقيدته، ولا حاجة لأن تتجشم تلك القوى عناء الحوار مع النظام، إذ لا قيمة لمخرجات حوارهم ما لم يستند إلى نظرة الناس إلى الحياة وإلى المصالح، لا سيما وأن نزع فتيل أزمة الحكم ورفع الخلاف لا يأتي إلا بتوحيد نظرة المجتمع وقواه السياسية والمادية إلى الحكم، ولا تتوحد نظرة المجتمع وقواه السياسية إلى الحكم بصورة دائمية منتجة إلا إذا كانت منبثقة من عقيدة الأمة.
وهذا علاوة على أن مطالبة قوى المعارضة "الوطنية" بإصلاحات دستورية في سياق سعي الولايات المتحدة لإعادة هيكلة النظام الأردني؛ ليتلاءم مع التصفية النهائية لقضية فلسطين، يزيد الوضع السياسي ضِغثًا على إبالة، ولا يُفضي إلى استعادة الشعب للسلطة كما تتوهم المعارضة.
ثانيًا: إن أية رؤية تخلو من سيادة الشرع، وسلطان الأمة، وإفراد الحاكم بتصريف شؤون الناس وإفراده في تبني القوانين بالاستناد إلى الشرع، وضبط سلوك الحاكم وقراراته بالمحاسبة، ووعي المجتمع ومحكمة المظالم، هو تثبيت للواقع وتوطين للكفر والفساد وتكريس للتبعية الفكرية والسياسية للغرب؛ لأن القضية تكمن بفساد النظام لا بفساد الحكام وحسب، وإن التغيير على غير أساس الإسلام هو إعادة إنتاج للنظام والفساد والفشل.
ولا يقال إن تجاربنا في إفراد الحاكم بالسلطة هو استبداد كما يزعم البعض، لا يقال ذلك؛ لأن الحاكم في الإسلام لا يحكم بهواه بل بالرأي المنبثق من الشريعة الخالية من الاستبداد، ولأن إفراد الحاكم بتبني الآراء وتصريف الشؤون هو الواجب الشرعي المستند إلى الأدلة الشرعية، والذي لا يجوز التعاطي معه بالتجربة وردود الفعل حتى لو أُسيء تطبيقه. ولا يقال ذلك أيضًا؛ لأن القيادة في الواقع والممارسة العملية حتى في الأنظمة الديمقراطية التي تنادي بها المعارضة ولا نُقرها إنما هي قيادة فردية.
ثالثًا: إن ما تقدمت به قوى الحراك والأحزاب والسياسيين يستند إلى العلمانية والديمقراطية الليبرالية، ولا يمت إلى الإسلام الذي يدين به سواد الناس في الأردن بشيء، بل وخلا طرحهم من أية إشارة لكتاب لله وسنة نبيه، واستند إلى القواعد الدستورية والقانونية المشتقة من الأنظمة الغربية، وكأن الارتكاز إلى القرآن والسنة جريمة سياسية أو سُبةٌ تستدعي تجنبها والنأي بالنفس عنها.
ومما يدمي القلوب ويُفتت الأكباد، أن بعض تلك القوى والحراكيين يقدمون أنفسهم ورؤيتهم باعتبار أنها إسلام، أو لا تعارض الإسلام بحسب زعمهم.
ولذا فإننا نذكرهؤلاء بقوله تعالى {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ غڑ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ}، ونذكرهم بقوله عز وجل: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}. ونذكرهم بقوله صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرًا أو ليصمت"، وليعلموا أنهم سياسيون مسلمون وليسوا سياسيين علمانيين، أو هكذا يجب أن يكونوا وهكذا يجب أن يمارسوا السياسة، لا أن يمارسوها كما يمارسها الحكام المنفصلين عن عقيدة شعوبهم؛ لأن العلاج المطلوب هو العلاج الشرعي فقط وليس أي علاج.
وليعلموا أنه من أعرض عن ذكر الله {فإن له معيشة ضنكى} في الدنيا والآخرة، وأن الشعب لن يلتف حولهم ما داموا لا يعبرون عن إرادته وعقيدته، وهذا ما يدركه النظام جيدًا ويراهن عليه.
فمن كان يريد النصح والتغيير وجذب الشعب لجانبه والتصدي لنهضة الأمة فليتق الله الذي قال: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}. وأما الملك ومن معه في أجهزة الحكم، فليتعظوا ممن سبقهم من الحكام الذين لم يحكموا بما أنزل الله وأفضوا إلى ما قدموا، وعليهم أن يجدوا جوابًا لقوله تعالى {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}. وعليهم أن يحذروا الغرب الرأسمالي المستعمر وعلى رأسه أميركا التي لا تقيم وزنًا لغير مصالحها، والتي قدمت أخلص عملائها (زين العابدين بن علي وحسني مبارك والقذافي) قربانًا لمشروعها في الشرق الأوسط الجديد.
ولا جرم أن أميركا والغرب كله لن ينفعوا الملك ولن ينفعه جيشه ورجاله وأجهزة أمنه الذين يتحصن بهم ضد الشعب، وسوف تقدمه الولايات المتحدة هو ورجاله عاجلًا أم آجلًا قربانًا لتصفية القضية الفلسطينية، وهيكلة النظام ليستوعب مكونات المجتمع، ويُفرغ احتقانه ويُنفس غضبه، ولا ملجأ ولا منجى من الله أو من أعدائه إلا إليه، ولا سبيل لاستقرار الحكم إلا بالاستناد إلى الشعب وعقيدته.
كما نُذكّر أهل الأردن بأن المخرجات السابقة للمواثيق والحوارات الوطنية المخالفة لمقتضيات الدين والإيمان والتي نرفضها بشدة، قد أفضت إلى ما هو عليه حال الأردن اليوم والذي يكتوون بناره، ويُغضبون الله بسكوتهم عليه. فلا يحل لهم قبول ما يُملى عليهم من الحكام ومن المعارضة إن لم يكن شرعًا ودينًا، ولا خيار لهم ولا خلاص إلا بتحكيم شريعة الله فيهم؛ لأنها الواجب الشرعي، ولأن فيها النجاة في الدنيا والآخرة.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ غ– وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}.
18/شوال/1442هـ حزب التحرير
30/5/2021م ولاية الأردن