المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : متابعة سياسية حول حملة رجل المافيا التركي سادات بيكر على حزب العدالة والتنمية



Abu Taqi
26-05-2021, 09:58 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

متابعة سياسية
حملة "رجل المافيا" التركي سادات بيكر على حزب العدالة والتنمية واستهداف وزير الداخلية التركي سيمان صويلو
ضجت الأوساط التركية الشعبية والرسمية خلال الأيام الماضية بمقاطع فيديو لاقت انتشارًا واسعًا نشرها سادات بيكر، الهارب إلى الإمارات، والذي تصفه السلطات التركية بـ"زعيم المافيا"، يدعي فيها وجود صلات بين رموز حزب العدالة والتنمية الحاكم والمافيا، وهو ما دفع بوزير الداخلية سليمان صويلو للرد. حيث تحولت التسجيلات المصورة، التي نشرها سادات بيكر، خلال الأسبوعين الماضيين، إلى قضية رأي عام تشغل الشارع التركي، بشقيه الموالي للحزب الحاكم والمعارض المحسوب على "حزب الشعب الجمهوري"، وبقية الأحزاب المناوئة للرئيس التركي، رجب طيب إردوغان.
وتهدف الاتهامات لشيطنة أردوغان وحزب العدالة والتنمية من خلال الهجوم على رجاله وإسقاط سليمان صويلو، وقوات الشرطة التي وقفت إلى جانب الرئيس أردوغان في محاولة الانقلاب الفاشلة سنة 2016، وبخاصة وأن سليمان صويلو يُعتبر من المرشحين لخلافة أردوغان ما لم تُسقط المعارضة رهان حزبه عليه بفعل التشويه الذي لحقه، وهو الأمر الذي جعل قوى المعارضة جميعهم يُجمعون على مطلب استقالته، سيما وأنه يمثل رأس الحربة في التصدي للمؤامرات الداخلية، وضربة لجماعة فتح الله غولن التابعة للاستخبارات الأميركية ومحاولته تقويض الدولة العميقة التي تتمثل برجال الأعمال والأحزاب السياسية، فيما تمكن أردوغان من تقوية سلطات الشرطة والمخابرات، ومن تحجيم نفوذ القضاء والجيش الذي يمثل بدوره ركنًا أساسيًّا في الدولة العميقة التركية، من خلال التعديلات الدستورية والصلاحيات الواسعة التي اكتسبها من تحويل النظام البرلماني إلى نظام رئاسي، وهو ما يفسر مطالبة المعارضة بالعودة إلى النظام البرلماني.
حيث ألقت الإمارات، التي سبق وأن تدخلت في الانتخابات الرئاسية والبلدية التركية، بكرة نار داخل تركيا عبر "سادات بيكر" في سياق الحملة الأميركية على النظام التركي؛ لاسترداد تركيا من حزب العدالة والتنمية، وإعادتها إلى تبعية الولايات المتحدة، بعد أن استقل أردوغان بسياسات الدولة عن الإرادة الأميركية، وأعاق قيام الكيان الكردي، وأبرم صفقة صواريخ أس 400 مع روسيا؛ إذ إن المعركة تتعلق بمصير تركيا وليس مصير أردوغان فقط، وهو ما عبر عنه بعض سيناتورات أميركا في معرض حديثهم عن طريقة التعاطي مع الشأن التركي في ظل التباعد بين أردوغان وأميركا وتقاربه مع روسيا، بقولهم إن "تركيا أكبر من أردوغان"؛ أي لا بد من الضغط والعقوبات لاستعادة تركيا وإدراجها في مشروع إضعاف دول الشرق الأوسط وحكوماتها المركزية فدراليًّا، ومواصلة الهيمنة عليهم ونهب ثرواتهم، ومنعهم من التقدم والنهوض والتحرر.
وكنا قد بينا أن الولايات المتحدة تسعى لتقسيم تركيا فدراليًّا من خلال إقامة كيان كردي متصل من شمال العراق عبر شمال سوريا وصولًا إلى البحر الأبيض، يفجر الجغرافيا التركية من الداخل ويعزل تركيا عن عمقها الإسلامي ويُضعفها، ويبقيها في حاجة الولايات المتحدة لتأمين مصالحها الاقتصادية، ويحقق أيضًا قاعدة عسكرية مطلة على منطقة وسط آسيا، من خلال الجيب الكردي الذي لن يكون ناجزًا إلا بكسر الطوق المضروب عليه في الجغرافيا السياسية لتركيا وسوريا والعراق وإيران، من خلال منحه إطلالة على البحر الأبيض في الشمال السوري، وهو ما أدركه أردوغان وعمل على إفشاله عبر عرقلة الاستفتاء في كردستان العراق بمعية إيران، وعبر التدخل العسكري في معركة نبع السلام التي فصلت شرق الفرات عن غربه، ومنعت امتداد الجيب الكردي إلى البحر الأبيض المتوسط.
والحقيقة أن توتر العلاقات التركية الأميركية قد اندلعت بسبب إصرار الولايات المتحدة على دعم حزب العمل الكردستاني وأذرعه في سوريا والعراق، حيث بلغ ذلك الدعم الأميركي بتزويد قوات سوريا الديمقراطية بعشرات الألوف من شاحنات الأسلحة بالإضافة إلى الدعم السياسي.
وكان أردوغان قد التقط التوجه الأميركي مبكرًا عندما احتوت أميركا تطلعات أهل المنطقة بمشروع الشرق الأوسط الكبير "الربيع العربي"، والذي أعادت من خلاله إنتاج الأنظمة لصالح الدولة العميقة وفلول الأنظمة في مصر وليبيا واليمن وتونس، والسودان والجزائر، وسخرت الاحتجاجات في لبنان والعراق لإعادة هيكلة النظامين بما يخدم مسار العملية السلمية، وضبط السلوك الإيراني وتأثيره في المنطقة. كما أدرك أردوغان التوجه الأميركي من خلال إسقاط أميركا لمحمد مرسي وعدولها عن "النموذج الإسلامي التركي"، ومن خلال محاولة الانقلاب الفاشلة سنة 2016، والضغوط الاقتصادية، ودعم الإمارات لقوى المعارضة التركية، ونجاح أميركا بشق صفوف حزب العدالة والتنمية عبر أحمد داوود أوغلو، وعلي باباجان، وهو الرهان الأميركي الرديف لأحمد داوود أوغلو، وبخاصة وأنه صاحب النجاحات الاقتصادية التي حققها حزب العدالة والتنمية.
والجديد في الوضع على الساحة التركية هو تصعيد التهديدات الداخلية لتأليب الرأي العام على أردوغان وحزب العدالة من خلال مواصلة الضغط الاقتصادي، ومن خلال الزج بأدوات جديدة للتشغيب على أردوغان وحزبه ووزرائه، كما حصل مؤخرًا من طرف سادات بِيكر الهارب إلى الإمارات، والذي شن حملة تشهير برجال أردوغان وحزبه، ولقي هجومه على القيادة التركية تفاعلًا كبيرًا في الرأي العام التركي، واستحسانًا من طرف أحمد داوود أوغلو، الذي طالب سليمان صويلو بالإجابة على أسئلة سادات بيكر، مما اضطر وزير الداخلية التركي؛ للخروج والرد على حملة سادات بِيكر ومن يقف خلفه، وفضح اللعبة السياسية وأهدافها، التي لا تنفصل عما هو مخطط له في الشرق الأوسط، وهو إضعاف دوله وحكوماتها المركزية فوق ضعفها عبر الفدرالية.
وكان صويلو قد زعم خلال مشاركته في برنامج على قناة خبر ترك، أن رئيس الوزراء آنذاك ونائب رئيس حزب العدالة والتنمية الحاكم، أحمد داود أوغلو، صرح خلال عام 2015 خلال اجتماع اللجنة التنفيذية للحزب أن بإمكان السلطات إعداد الدستور بالتعاون مع حزب الشعوب الديمقراطي الكردي. وأشار صويلو إلى اتفاقات أبرمها أحمد داود أوغلو مع كلشدار أوغلو رئيس الحزب الجمهوري، وإعادة كتابة الدستور على أساس فدرلة تركيا، والتي قام أوغلو بعرضها على أردوغان الذي رفضها، وفصل أحمد داوود أوغلو من الحزب بحسب بعض التسريبات، ما دفع أردوغان لإعادة الانتخابات وفوز حزب العدالة والتنمية بـ 50% من الأصوات.
وقد حاول وزير الداخلية التركي سليمان صويلو خلال اللقاء التلفزيوني تهميش رجل المافيا سادات بيكر المدعوم إماراتيًّا ونقل المواجهة مع أحمد داوود أوغلوا وحرقه، والحيلولة دون تحالفه مع الحزب الجمهوري المعارض في المستقبل، كما عمل على دفع الشبهات والإشاعات التي أثيرت حوله وحول حزب العدالة والتنمية لتحصين الحزب من الحملة التي تستهدف وحدته وشعبيته، بل وتستهدف وحدة تركيا ونسيجها المجتمعي، في حين سعى أردوغان من جهته لتعزيز تحالفه مع الحزب القومي، عبر لقائه مع دولت بهشتلي رئيس الحزب القومي. ومن المتوقع أن تستمر الضغوط الأميركية على أردوغان وحزب العدالة نحو حملة سادات بيكر الإعلامية، ومطالبة وزيرة خارجية ليبيا بإخراج القوات التركية من ليبيا، رغم محاولات أردوغان التعاطي مع السياسات الأميركية بمرونة بالغة، وصلت حد لجم المعارضة المصرية المقيمة على التراب التركي والتقارب مع النظام المصري في الوقت الراهن على الأقل، والسير في مشروع تدويل إدارة المقدسات في القدس الشريف أثناء الحرب الأخيرة على غزة، عبر مقترحه بإنشاء لجنة ثلاثية تضم الأديان الثلاثة لإدارة المقدسات .
14/شوال/1442هـ
26/5/2021م