Abu Taqi
21-05-2021, 05:57 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
متابعة سياسية
وقف العدوان على غزة
في كلمة له أمام السفراء الأجانب في إسرائيل، وفي محاولة منه لتشكيل ضغط نفسي على أهل غزة والمقاومة، ومحاولة تحقيق إنجاز لافت قبيل وقف العدوان، وتبرير جرائمه بحق الفلسطينيين أمام نحو سفراء 70 دولة أجنبية في تل أبيب، قال رئيس حكومة الكيان الغاصب: "من الممكن تسوية غزة بالأرض كما فعلت دول غربية في الحرب العالمية الثانية، لكننا لم نفعل ذلك، نحن نضرب كل من يحاول ضربنا وننفذ عمليات دقيقة". وهاجم منتقدي إسرائيل بسبب الحرب، واصفًا هذه الانتقادات بـ"منتهى الغباء والنفاق"، مدعيًّا أن هذه الانتقادات "تمس بمكانة ومصالح ديمقراطيات أخرى تواجه ما تواجهه إسرائيل".
وفي محاولة لتضخيم خطر المقاومة واستجلاب رضى الرأي العام الداخلي على ما حققه، زعم أن الهجمات على غزة "تستهدف مدينة كاملة من الأنفاق تحت الأرض". وفي تحذير مبطن من الضغوط الخارجية التي تستعجل إنهاء العدوان، بغية حرمانه من تحقيق إنجاز يسعفه أمام الرأي العام الداخلي، قال: "إذا اعتقدت حماس أنها تنتصر فهذه هزيمة لنا وللغرب بأسره"، بمعنى إذا أردتم أن ننهزم أمام حماس فهي هزيمة لنا ولكم لصالح المسلمين.
وأكد ذلك بقوله إن "ما يجري يخص أمن المنطقة وليس إسرائيل فقط"؛ أي أنه يدافع عن مصالح الغرب في المنطقة، وذلك في محاولة بائسة ورخيصة لابتزاز الغرب، والتحريض على المسلمين بعامة، وعلى الفلسطينيين بوجه خاص.
إن هناك من لا يستوعب فكرة الضغط الأميركي على نتنياهو لتحكم العاطفة في قراءته للوقائع والأحداث الجارية. والحقيقة أن تحكم الميول في قراءة الأحداث السياسية، واتباع الأسلوب المنطقي في فهمها، يفسد الرأي ويضلل عن إدراك الواقع ومآلاته. فالسياسة الغربية تقوم على المنفعة لا على الدين أو العواطف والأخلاق وإن كانت تغذيها، ومن منطلق إدراكنا للعقلية الرأسمالية، وخطط الغرب الكافر يمكننا فهم الأحداث الجارية، وموقف الولايات المتحدة بوصفها الدولة المتفردة في الموقف الدولي. كما لا بد لفهم ما يجري على الساحة الفلسطينية الأخذ بعين الاعتبار استدارة إدارة بايدن التي تمثل صناع القرار في الولايات المتحدة اليوم، وترعى مصالح أميركا وإسرائيل في المنطقة، وربط الأحداث بالظروف والملابسات المتعلقة بها أو المؤثرة فيها، نحو ما يجري من تنافس حاد في الداخل الإسرائيلي، وتداعياته على نتنياهو الذي يواجه تهم فساد قد تفضي به إلى السجن.
والمتابع للسجال السياسي الإسرائيلي الداخلي يدرك أهداف نتنياهو من العدوان على القدس والأقصى وغزة بوضوح، من خلال النقد اللاذع من قبل الإعلام والقوى السياسية المنافسة التي طالبت بإنهاء الهجوم على غزة، وصرَّحت بأن نتنياهو يوظف الحرب لدوافع شخصية مغلفة بمصالح وأمن إسرائيل.
وهذا ما تدركه إدارة بايدن التي بات عدولها عن بعض قرارات ترمب في التعاطي مع سياسة فرض الأمر الواقع الذي تقوم به الحكومة الإسرائيلية واضحًا، والذي من شأنه أن يعيق تصفية قضية فلسطين، وينذر بأزمة يهدد اتساعها المصالح الأميركية والغربية والوجود الصهيوني على المدى البعيد، حيث أعلن البيت الأبيض أن أميركا تريد "معالجة أسباب التصعيد" وأنها تريد "حلاً مستدامًا"، ولا شك أن سياسة نتنياهو في ابتلاع الأراضي والتهويد والتحكم بالمقدسات لدواعي تتعلق بكسب الشارع الإسرائيلي اليميني المتطرف هي أسباب التصعيد الرئيسة.
ولذلك عندما نقول بأن هناك ضغوطًا واستهدافًا لنتنياهو، لا يعني أن أميركا ودول العالم تدعم حقوق الفلسطينيين أو تنحاز للمسلمين، وإنما تدعم أمن "إسرائيل" وبقاءها، وتعارض بعض سياساتها التي تشكل خطرًا عليها وعلى المصالح الغربية الآنية والبعيدة.
كما أن استهداف بايدن لنتنياهو تؤكده الشواهد على الأرض، نحو تعطيل الحزب الديمقراطي مشروع تمويل عسكري طارئ لـ"إسرائيل"، بالإضافة إلى مطالب الدول الغربية وروسيا والصين ومصر وجامعة الدول العربية ورابطة العالم الإسلامي، بوقف الحرب وتفعيل "حل الدولتين"، ويؤكدها أيضًا موقف القوى السياسية الإسرائيلية المنافسة، وتصريحات نتنياهو أمام سفراء دول العالم، والتي تنطوي على رسائل داخلية وخارجية لا تُخطئها العين.
فعلى الصعيد الداخلي حاول نتنياهو أن يضخم إنجازاته كما أسلفنا، وإن كان يأمل باصطياد هدف أكبر كاغتيال محمد الضيف.
أما على الصعيد الخارجي فقد وجَّه رسالة تحذير من عواقب الضغوط التي تمارس عليه بشأن التعاطي مع الفلسطينيين والمنطقة، وهو ما برز في قوله: "إذا اعتقدت حماس أنها تنتصر فهذه هزيمة لنا وللغرب بأسره" وذلك في محاولة مكشوفة لمساومة أميركا؛ لإعطائه فرصة تحقيق إنجاز يسعفه في أزمته، وهو الأمر الذي يؤكد أن مطالبة أميركا والغرب بإنهاء الحرب إنما يهدف إلى حرمانه من تحقيق غرضه الشخصي، ويهدف إلى التأثير بالرأي العام الإسرائيلي وإقناعه بعدم جدوى القوة العسكرية في فرض الأمر الواقع، بعد كثافة الصواريخ التي طالت تل أبيب والمستوطنات، والإفادة منها في تقديم "حل الدولتين" كطوق نجاة للصهاينة ودولتهم.
غير أن إدارة بايدن لم تفوِّت فرصة إضعاف نتنياهو واليمين الديني وحرمانه من الإنجاز، وأرغمته على وقف الحرب، وهو ما صرَّحت به التلفزة الإسرائيلية بالأمس، حيث أن وقف الحرب من دون أن يتمكن نتنياهو من فرض شروطه على حماس هي هزيمة فاضحة.
وأما نتائج هذه المعركة وهو الأمر الأهم، فرغم أن نتنياهو تمكن من عرقلة ليبيد من تشكيل الحكومة؛ لكنه فشل في تحقيق إنجاز كبير في الحرب على غزة، وليس أمامه سوى اللعب على الوقت مجددًا والذهاب إلى انتخابات خامسة، ومحاولة الاستثمار مع ما يطرأ على الرأي العام من تغيّر إثر الندوب والهلع الذي خلّفته ضربات المقاومة الفلسطينية، فقد يستجيب نتنياهو للضغوط الأميركية، ويسمح بالانتخابات الفلسطينية في القدس لإرضاء بايدن، ويعمل على تعزيز تحالفاته الداخلية وتفكيك جبهة معارضيه كما فعل في جولته السابقة.
وعلى الجانب الفلسطيني فقد أخرجت فتح وكتائب شهداء الأقصى عناصرها من جحورهم للاستعراض بالسلاح في محاولة لحفظ ماء الوجه والدعاية الانتخابية، تحضيرًا لاستئناف المفاوضات العبثية والتنسيق الأمني الخياني وفك عزلتها والعودة إلى المشهد واستئناف دورها الوظيفي الرخيص الذي يمثل أسمى غايتها!!
وأما حماس وسائر فصائل المقاومة، فإن هذا الإعلان عن وقف إطلاق النار المتبادل قد عزز من موقف المقاومة، وصرحت المستشارة الألمانية إنجيلا ميركل في هذا الصدد بتأييدها إجراء محادثات غير مباشرة مع حماس بشأن الصراع في الشرق الأوسط. كما أعلن خالد مشعل، من قبل، استعداد الحركة للتشارك في المناصب الحكومية والانتخابات والانضمام لمنظمة التحرير والمشاركة في صنع القرار، مبديًّا هذا السخاء و"الاعتدال" على حساب التضحيات الكبيرة، والدماء التي قدمها رجال المقاومة وأبناء المسلمين في غزة وفلسطين البواسل.
وأما على الصعيد الإقليمي فإن موافقة إسرائيل وحماس على وقف متبادل لإطلاق النار بناءً على اقتراح مصري، فإنه يعزز من الدور المصري في التعامل مع حركات المقاومة في غزة، وبخاصة وأن النظام المصري عازم على إرسال وفدين أمنيين إلى تل أبيب والمناطق الفلسطينية لمتابعة تنفيذ الاتفاق. ولم يفت الأمين العام للأمم المتحدة الإشادة بالدور الذي لعبته مصر وكذلك قطر في التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار بالتنسيق مع الأمم المتحدة. وبذلك فإن الإدارة الأميركية أعادت الاعتبار للأدوات التي سيكون لها دور في أية محادثات سلام قادمة بين إسرائيل والفلسطينيين، كالأمم المتحدة والوسيط المصري والقطري.
وأما الولايات المتحدة فتراهن على تداعيات الحرب على سكان الكيان المحتل، والتي ستنعكس حتمًا على موقفهم من السياسيين والقادة الإسرائيليين؛ لأن المشكلة تكمن في نمو التطرف الديني في المجتمع الإسرائيلي بشكل مضطرد منذ نحو ثلاثة عقود، حتى بات التنافس السياسي داخل "إسرائيل" بين اليمين الديني المتطرف والمنقسم على نفسه، وأصبحت المفاوضات مرهونة بأجندة هذا اليمين المتطرف وتمترس نتنياهو بها، ولم يعد في الكيان الصهيوني بدائل يمكن للولايات المتحدة المراهنة عليهم.
ولذلك فإن الرهان الأميركي يكمن في تفكيك تحالفات نتنياهو اليمينية، والاشتغال على الرأي العام الإسرائيلي، ودعم دعاة التعايش مع الفلسطينيين، وتهيئة مناخٍ يسمح لقادة "إسرائيل" بتقديم "تنازلات مؤلمة"، دون أن يخشوا نقمة قواعدهم الانتخابية. وبالتالي فإن أميركا تحاول في ظل المعضلة اليمينية الصهيونية ترك المستوطنين يتألمون لإرغامهم على التراجع عن مواقفهم المفرطة بالتطرف، وتأمل من ذلك مساعدة القادة الإسرائيليين على الاستجابة لمتطلبات تصفية القضية "الفلسطينية" وفق الرؤية الأميركية.
وعلى الرغم من ذلك كله، فليس من المتوقع أن ينطلق قطار المفاوضات العبثية أو يتحقق تقدم بشأن حل الدولتين، إلا بعد الانتخابات الإسرائيلية وظهور نتائج الحرب على الرأي العام الإسرائيلي ومواقف القوى السياسية في إسرائيل. إذ يتوقف تحقيق تقدم نحو المفاوضات وتحريك عملية "السلام" على قدرة أميركا والغرب في تقليص حظوظ نتنياهو بالفوز، وتقويض الأجندة اليمينية المتطرفة التي تهدد تداعياتها على منطقة الشرق الأوسط المحتقنة بتفكيك المشروع الاستعماري الأميركي الغربي بأكمله.
ومهما يكن من أمر، فإن الأمة الإسلامية ليست معنية بكل ما يتمخض عن مؤامرات الدول العربية والسلطة وبراغماتية قادة حماس والفصائل من مخرجات، فقد عبرت الأمة عن غضبها المطلق على الحكام، وعن تأييدها وحبها الجمّ للمقاومة التي أحيت الروح الجهادية في الأمة ودفنت خيار الاستسلام الخياني رغم أنوف العملاء، وتركت بصمة واضحة ومضيئة في وعي المسلمين، ووحّدت مواقفهم، وأثارت فيهم الشوق للقائد الجهادي الذي يُقاتل من ورائه ويُتقى به، ويمحو آثار الإذلال والاحتلال من الوجود بعون الله، وقد رأينا هذا الموقف من الاحتفالات الفورية التي شهدتها غزة والضفة الغربية، بعد الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار المتبادل بين إسرائيل وفصائل المقاومة.
9/شوال/1442هـ
21/5/2021م
متابعة سياسية
وقف العدوان على غزة
في كلمة له أمام السفراء الأجانب في إسرائيل، وفي محاولة منه لتشكيل ضغط نفسي على أهل غزة والمقاومة، ومحاولة تحقيق إنجاز لافت قبيل وقف العدوان، وتبرير جرائمه بحق الفلسطينيين أمام نحو سفراء 70 دولة أجنبية في تل أبيب، قال رئيس حكومة الكيان الغاصب: "من الممكن تسوية غزة بالأرض كما فعلت دول غربية في الحرب العالمية الثانية، لكننا لم نفعل ذلك، نحن نضرب كل من يحاول ضربنا وننفذ عمليات دقيقة". وهاجم منتقدي إسرائيل بسبب الحرب، واصفًا هذه الانتقادات بـ"منتهى الغباء والنفاق"، مدعيًّا أن هذه الانتقادات "تمس بمكانة ومصالح ديمقراطيات أخرى تواجه ما تواجهه إسرائيل".
وفي محاولة لتضخيم خطر المقاومة واستجلاب رضى الرأي العام الداخلي على ما حققه، زعم أن الهجمات على غزة "تستهدف مدينة كاملة من الأنفاق تحت الأرض". وفي تحذير مبطن من الضغوط الخارجية التي تستعجل إنهاء العدوان، بغية حرمانه من تحقيق إنجاز يسعفه أمام الرأي العام الداخلي، قال: "إذا اعتقدت حماس أنها تنتصر فهذه هزيمة لنا وللغرب بأسره"، بمعنى إذا أردتم أن ننهزم أمام حماس فهي هزيمة لنا ولكم لصالح المسلمين.
وأكد ذلك بقوله إن "ما يجري يخص أمن المنطقة وليس إسرائيل فقط"؛ أي أنه يدافع عن مصالح الغرب في المنطقة، وذلك في محاولة بائسة ورخيصة لابتزاز الغرب، والتحريض على المسلمين بعامة، وعلى الفلسطينيين بوجه خاص.
إن هناك من لا يستوعب فكرة الضغط الأميركي على نتنياهو لتحكم العاطفة في قراءته للوقائع والأحداث الجارية. والحقيقة أن تحكم الميول في قراءة الأحداث السياسية، واتباع الأسلوب المنطقي في فهمها، يفسد الرأي ويضلل عن إدراك الواقع ومآلاته. فالسياسة الغربية تقوم على المنفعة لا على الدين أو العواطف والأخلاق وإن كانت تغذيها، ومن منطلق إدراكنا للعقلية الرأسمالية، وخطط الغرب الكافر يمكننا فهم الأحداث الجارية، وموقف الولايات المتحدة بوصفها الدولة المتفردة في الموقف الدولي. كما لا بد لفهم ما يجري على الساحة الفلسطينية الأخذ بعين الاعتبار استدارة إدارة بايدن التي تمثل صناع القرار في الولايات المتحدة اليوم، وترعى مصالح أميركا وإسرائيل في المنطقة، وربط الأحداث بالظروف والملابسات المتعلقة بها أو المؤثرة فيها، نحو ما يجري من تنافس حاد في الداخل الإسرائيلي، وتداعياته على نتنياهو الذي يواجه تهم فساد قد تفضي به إلى السجن.
والمتابع للسجال السياسي الإسرائيلي الداخلي يدرك أهداف نتنياهو من العدوان على القدس والأقصى وغزة بوضوح، من خلال النقد اللاذع من قبل الإعلام والقوى السياسية المنافسة التي طالبت بإنهاء الهجوم على غزة، وصرَّحت بأن نتنياهو يوظف الحرب لدوافع شخصية مغلفة بمصالح وأمن إسرائيل.
وهذا ما تدركه إدارة بايدن التي بات عدولها عن بعض قرارات ترمب في التعاطي مع سياسة فرض الأمر الواقع الذي تقوم به الحكومة الإسرائيلية واضحًا، والذي من شأنه أن يعيق تصفية قضية فلسطين، وينذر بأزمة يهدد اتساعها المصالح الأميركية والغربية والوجود الصهيوني على المدى البعيد، حيث أعلن البيت الأبيض أن أميركا تريد "معالجة أسباب التصعيد" وأنها تريد "حلاً مستدامًا"، ولا شك أن سياسة نتنياهو في ابتلاع الأراضي والتهويد والتحكم بالمقدسات لدواعي تتعلق بكسب الشارع الإسرائيلي اليميني المتطرف هي أسباب التصعيد الرئيسة.
ولذلك عندما نقول بأن هناك ضغوطًا واستهدافًا لنتنياهو، لا يعني أن أميركا ودول العالم تدعم حقوق الفلسطينيين أو تنحاز للمسلمين، وإنما تدعم أمن "إسرائيل" وبقاءها، وتعارض بعض سياساتها التي تشكل خطرًا عليها وعلى المصالح الغربية الآنية والبعيدة.
كما أن استهداف بايدن لنتنياهو تؤكده الشواهد على الأرض، نحو تعطيل الحزب الديمقراطي مشروع تمويل عسكري طارئ لـ"إسرائيل"، بالإضافة إلى مطالب الدول الغربية وروسيا والصين ومصر وجامعة الدول العربية ورابطة العالم الإسلامي، بوقف الحرب وتفعيل "حل الدولتين"، ويؤكدها أيضًا موقف القوى السياسية الإسرائيلية المنافسة، وتصريحات نتنياهو أمام سفراء دول العالم، والتي تنطوي على رسائل داخلية وخارجية لا تُخطئها العين.
فعلى الصعيد الداخلي حاول نتنياهو أن يضخم إنجازاته كما أسلفنا، وإن كان يأمل باصطياد هدف أكبر كاغتيال محمد الضيف.
أما على الصعيد الخارجي فقد وجَّه رسالة تحذير من عواقب الضغوط التي تمارس عليه بشأن التعاطي مع الفلسطينيين والمنطقة، وهو ما برز في قوله: "إذا اعتقدت حماس أنها تنتصر فهذه هزيمة لنا وللغرب بأسره" وذلك في محاولة مكشوفة لمساومة أميركا؛ لإعطائه فرصة تحقيق إنجاز يسعفه في أزمته، وهو الأمر الذي يؤكد أن مطالبة أميركا والغرب بإنهاء الحرب إنما يهدف إلى حرمانه من تحقيق غرضه الشخصي، ويهدف إلى التأثير بالرأي العام الإسرائيلي وإقناعه بعدم جدوى القوة العسكرية في فرض الأمر الواقع، بعد كثافة الصواريخ التي طالت تل أبيب والمستوطنات، والإفادة منها في تقديم "حل الدولتين" كطوق نجاة للصهاينة ودولتهم.
غير أن إدارة بايدن لم تفوِّت فرصة إضعاف نتنياهو واليمين الديني وحرمانه من الإنجاز، وأرغمته على وقف الحرب، وهو ما صرَّحت به التلفزة الإسرائيلية بالأمس، حيث أن وقف الحرب من دون أن يتمكن نتنياهو من فرض شروطه على حماس هي هزيمة فاضحة.
وأما نتائج هذه المعركة وهو الأمر الأهم، فرغم أن نتنياهو تمكن من عرقلة ليبيد من تشكيل الحكومة؛ لكنه فشل في تحقيق إنجاز كبير في الحرب على غزة، وليس أمامه سوى اللعب على الوقت مجددًا والذهاب إلى انتخابات خامسة، ومحاولة الاستثمار مع ما يطرأ على الرأي العام من تغيّر إثر الندوب والهلع الذي خلّفته ضربات المقاومة الفلسطينية، فقد يستجيب نتنياهو للضغوط الأميركية، ويسمح بالانتخابات الفلسطينية في القدس لإرضاء بايدن، ويعمل على تعزيز تحالفاته الداخلية وتفكيك جبهة معارضيه كما فعل في جولته السابقة.
وعلى الجانب الفلسطيني فقد أخرجت فتح وكتائب شهداء الأقصى عناصرها من جحورهم للاستعراض بالسلاح في محاولة لحفظ ماء الوجه والدعاية الانتخابية، تحضيرًا لاستئناف المفاوضات العبثية والتنسيق الأمني الخياني وفك عزلتها والعودة إلى المشهد واستئناف دورها الوظيفي الرخيص الذي يمثل أسمى غايتها!!
وأما حماس وسائر فصائل المقاومة، فإن هذا الإعلان عن وقف إطلاق النار المتبادل قد عزز من موقف المقاومة، وصرحت المستشارة الألمانية إنجيلا ميركل في هذا الصدد بتأييدها إجراء محادثات غير مباشرة مع حماس بشأن الصراع في الشرق الأوسط. كما أعلن خالد مشعل، من قبل، استعداد الحركة للتشارك في المناصب الحكومية والانتخابات والانضمام لمنظمة التحرير والمشاركة في صنع القرار، مبديًّا هذا السخاء و"الاعتدال" على حساب التضحيات الكبيرة، والدماء التي قدمها رجال المقاومة وأبناء المسلمين في غزة وفلسطين البواسل.
وأما على الصعيد الإقليمي فإن موافقة إسرائيل وحماس على وقف متبادل لإطلاق النار بناءً على اقتراح مصري، فإنه يعزز من الدور المصري في التعامل مع حركات المقاومة في غزة، وبخاصة وأن النظام المصري عازم على إرسال وفدين أمنيين إلى تل أبيب والمناطق الفلسطينية لمتابعة تنفيذ الاتفاق. ولم يفت الأمين العام للأمم المتحدة الإشادة بالدور الذي لعبته مصر وكذلك قطر في التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار بالتنسيق مع الأمم المتحدة. وبذلك فإن الإدارة الأميركية أعادت الاعتبار للأدوات التي سيكون لها دور في أية محادثات سلام قادمة بين إسرائيل والفلسطينيين، كالأمم المتحدة والوسيط المصري والقطري.
وأما الولايات المتحدة فتراهن على تداعيات الحرب على سكان الكيان المحتل، والتي ستنعكس حتمًا على موقفهم من السياسيين والقادة الإسرائيليين؛ لأن المشكلة تكمن في نمو التطرف الديني في المجتمع الإسرائيلي بشكل مضطرد منذ نحو ثلاثة عقود، حتى بات التنافس السياسي داخل "إسرائيل" بين اليمين الديني المتطرف والمنقسم على نفسه، وأصبحت المفاوضات مرهونة بأجندة هذا اليمين المتطرف وتمترس نتنياهو بها، ولم يعد في الكيان الصهيوني بدائل يمكن للولايات المتحدة المراهنة عليهم.
ولذلك فإن الرهان الأميركي يكمن في تفكيك تحالفات نتنياهو اليمينية، والاشتغال على الرأي العام الإسرائيلي، ودعم دعاة التعايش مع الفلسطينيين، وتهيئة مناخٍ يسمح لقادة "إسرائيل" بتقديم "تنازلات مؤلمة"، دون أن يخشوا نقمة قواعدهم الانتخابية. وبالتالي فإن أميركا تحاول في ظل المعضلة اليمينية الصهيونية ترك المستوطنين يتألمون لإرغامهم على التراجع عن مواقفهم المفرطة بالتطرف، وتأمل من ذلك مساعدة القادة الإسرائيليين على الاستجابة لمتطلبات تصفية القضية "الفلسطينية" وفق الرؤية الأميركية.
وعلى الرغم من ذلك كله، فليس من المتوقع أن ينطلق قطار المفاوضات العبثية أو يتحقق تقدم بشأن حل الدولتين، إلا بعد الانتخابات الإسرائيلية وظهور نتائج الحرب على الرأي العام الإسرائيلي ومواقف القوى السياسية في إسرائيل. إذ يتوقف تحقيق تقدم نحو المفاوضات وتحريك عملية "السلام" على قدرة أميركا والغرب في تقليص حظوظ نتنياهو بالفوز، وتقويض الأجندة اليمينية المتطرفة التي تهدد تداعياتها على منطقة الشرق الأوسط المحتقنة بتفكيك المشروع الاستعماري الأميركي الغربي بأكمله.
ومهما يكن من أمر، فإن الأمة الإسلامية ليست معنية بكل ما يتمخض عن مؤامرات الدول العربية والسلطة وبراغماتية قادة حماس والفصائل من مخرجات، فقد عبرت الأمة عن غضبها المطلق على الحكام، وعن تأييدها وحبها الجمّ للمقاومة التي أحيت الروح الجهادية في الأمة ودفنت خيار الاستسلام الخياني رغم أنوف العملاء، وتركت بصمة واضحة ومضيئة في وعي المسلمين، ووحّدت مواقفهم، وأثارت فيهم الشوق للقائد الجهادي الذي يُقاتل من ورائه ويُتقى به، ويمحو آثار الإذلال والاحتلال من الوجود بعون الله، وقد رأينا هذا الموقف من الاحتفالات الفورية التي شهدتها غزة والضفة الغربية، بعد الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار المتبادل بين إسرائيل وفصائل المقاومة.
9/شوال/1442هـ
21/5/2021م