المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : متابعة سياسية بعنوان ملاحظات حول الأوضاع القائمة والمرتقبة على الساحة الفلسطينية



Abu Taqi
17-05-2021, 11:37 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

متابعة سياسية
ملاحظات حول الأوضاع القائمة والمرتقبة على الساحة الفلسطينية
أولًا: يطالب أغلب "العلماء" بنصرة فلسطين بالدعاء، كما كان يدعو الصحابة لإخوانهم المجاهدين، فضلًا عن كونهم يتعاملون مع قضايا الأمة عند قرع الجرس، وكأنهم يُلبون حاجة الحكام لامتصاص غضب المسلمين وتفريغ احتقانهم بأعمال هامشية لا تصنع فارقًا على أرض الواقع، والحقيقة أن دعاء الصحابة للمجاهدين قد حصل عندما كان المسلمون في جهاد كفائي يُجزئ إذا أقامه بعض المسلمين، وليس حينما يكون فرض عين على كل مسلم، فحالما يكون ضعاف المسلمين في جهاد وإخوانهم في سبات فإن اختزال النصرة بالدعاء تخاذل وعجز.
وإن الترويج لنصرة المسلمين بعضهم بالدعاء بدل نصرتهم بالدعوة إلى إسقاط الأنظمة واستنفار الأمة كلها وإعلان الجهاد، مهزلة وتبرير لنكوص الأنظمة العميلة المتآمرة عن واجبها. قال العز بن عبد السلام: "من نزل بأرض تفشى فيها الزنى فحدث الناس عن حرمة الربا فقد خان".
إن الوقت الآن هو وقت استعادة سلطان الأمة وإعلان الجهاد والحديث عن الجهاد وحث الناس على الجهاد، وانتزاع الخوف من قلوبهم، وتشجيعهم على الصدع بالحق، وتشويقهم إلى النصر أو الشهادة، وأي حديث آخر غير الدولة الإسلامية والجهاد الذي تعلنه والطريق المُفضي إليها خيانة للأمة ودينها. يقول صى الله عليه وسلم : "وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَه هَواهَا، وتمَنَّى عَلَى اللَّهِ"، ويروى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه رأى إبلًا قد فشا فيها الجرب، فسأل صاحبها عن إهماله لعلاجها، فقال: عندنا عجوز تدعو لها بالشفاء فقال له: هلا جعلت مع الدعاء شيئًا من القطران؟!
إننا لا نبخس الدعاء قيمته ولكن لا بد مع الدعاء من الأخذ بالأسباب؛ فلا يجوز أن يعتقد أن الدعاء طريقة لقضاء الحوائج حتى لو استجاب الله وقضيت بالفعل؛ لأن الله جعل للكون والإنسان والحياة نظامًا تسير عليه وربط الأسباب بالمسببات. لذلك يجب أن ندرك أن حال الأمة لن يتغير نحو النهوض والانعتاق من الطغاة والمستعمرين إلا بالتوحد على الأفكار التي توصل إلى التحرر والنهوض، وهي العقيدة الإسلامية وإقامة الدولة الإسلامية، ورابطة الأخوة الإسلامية، والجهاد. والعمل على جعل هذه المفاهيم عرفًا عامًّا لا تملك الأنظمة العميلة الوقوف في وجهه، أو تُرسِّخ ما يُخالفه من علمانية وقومية ووطنية. فقد وجدنا كثيرًا من شباب الأمة يظنون أنهم إذا أعادوا إرسال تغريدة، أو وضعوا إعجابًا على منشور، أو أظهروا تألمهم لألم مسلم، فقد نصروا دينهم وإخوانهم، وقاموا بما عليهم وأقاموا الدين في الأرض، وهذا غير صحيح ولا منتج، ولا يؤدي إلى تحقيق الهدف والغاية.
فمن أراد أن يعرف مكانه عند الله، فلينظر لمكانة الله عنده، ومن أراد أن يعلم ما له عند الله فلينظر ما لله عز وجل عنده. ولذلك كان على المسلم العمل على تغيير البيئة السلبية حيال الدين وقضايا المسلمين من حوله وأن يحاسب الحكام والسياسيين على تقصيرهم أينما وجدهم، وأن يكثر من سواد المسلمين الذين لا يقبلون بغير ما أنزل الله بديلًا، وعليه أن يلبيَ نداء من يدعوه إلى الله ورسوله والعمل بما أنزل في كتابه، وأن يدافع عمن يقف في وجه السلطات الظالمة انتصارًا لدينه، وأن يجفف منابع الأنظمة من إسنادها في محيطه وجيرانه وأقاربه وزملائه، وأن يلتف حول من يعبر عن عقيدته وإرادته، حتى تصبح الأنظمة ورجالها الذين يُفاخرون بمناصبهم وقُربهم من السلطان الخائن، معزولين كالشاة الجرباء.
ثانيًا: إن هذه الحرب في فلسطين هي حرب على المسلمين جميعهم، وليست حربًا على غزة وأهل فلسطين وحدهم، إذ إن غزة هي خط المواجهة فقط، فعندما احتل إلمبي القدس احتلها بعنوان الاستعمار والحروب الصليبية، ولا بد من تحريرها بوصفها قضية إسلامية لا بوصفها قضية إنسانية أو قومية أو وطنية. وإن إسرائيل لا تشن الحرب على المسلمين وحدها، بل يشنها العالم الغربي الاستعماري معها، فقد رفع المستشار الاتحادي النمساوي سيباستيان كورتس العلم الإسرائيلي على سطح مكتبه؛ للإعراب عن تأييده لقتل أطفال المسمين في فلسطين، وقال: إن النمسا "تقف إلى جانب إسرائيل". كما أمر الرئيس التشيكي برفع العلم الإسرائيلي في بلاده لإظهار التأييد لهمجية الكيان الصهيوني ضد المسلمين في فلسطين. أما المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل فقد أبلغت نتنياهو إدانتها للاحتجاجات في ألمانيا التي شهدت انتشار "الكراهية ومعاداة السامية" وأكدت تضامنها مع إسرائيل، وأما الرئيس الفرنسي اللقيط ماكرون فقد اتصل بنتنياهو ليعزيه بالضحايا الإسرائيليين، ويؤكد له إن الإدانة ستكون للنيران القادمة من غزة فقط. كما ومنعت الدول الأوروبية التظاهر ضد العدوان الصهيوني الهمجي بحجة "معاداة السامية"، رغم أن "معاداة السامية" ظاهرة أوروبية وليست من المسلمين في الأصل، تم إسقاطها على المسلمين لتبرير حماية الكيان الصهيوني ومنع المسلمين من مقاومته. فيما أقرت إدارة بايدن صفقة سلاح لـ"إسرائيل" بقيمة 735 مليون دولار تتعلق بصواريخ عالية الدقة لقتل الفلسطينيين. ولذلك لن يؤيد الغرب حقوق المسلمين حتى لو رموا "إسرائيل" بالورود.
إن الأنظمة العربية والسلطة الفلسطينية هي الأخرى جزء لا يتجزأ من المعركة ضد الأمة؛ لأنهم يحمون ظهر "إسرائيل" من المسلمين، ويوفرون لها الغطاء السياسي للانفراد بأهل فلسطين وارتكاب أبشع المجازر بهم، من خلال البيانات السياسية الكاذبة وإحالة قضايا الأمة إلى جلادها، ومن خلال التطبيع والتحالف الذي صرح به يوسف العتيبة سفير الإمارات في واشنطن بوضوح، ومن خلال منع المسلمين من الجهاد وإلهائهم بالتظاهر والاحتجاج وتنفيس غضبهم.
فحري بالمسلمين أن يتوحدوا على العقيدة الإسلامية وينبذوا كل فكر وافد من العدو المستعمر وأعوانه في بلاد المسلمين، وأن يجعلوا غايتهم استئناف العمل بشريعة ربهم وإقامة دولتهم، والتمترس بالجهاد الذي هو ملاذهم الوحيد من بطش أعدائهم.
ثالثًا: إن دعم أميركا للسلطة الفلسطينية، وتمكين الأنظمة العربية للوقوف صوريًّا مع أهل فلسطين، إنما يهدف إلى دعم القوى العميلة وتقويتهم وتلميعهم في وجه المد الجهادي في العالم الإسلامي، إثر ارتفاع صوت السلاح في يد المجاهدين في غزة وفلسطين وتفاعل المسلمين معهم. ومن المتوقع أن تأخذ الأنظمة العربية والقوى العلمانية زمام المبادرة بعد انتهاء المعركة لطمس إنجازات المقاومة والأعمال الجهادية لصالح النهج الاستسلامي الخياني.
إن القيمة السياسية من هذه المعركة التي أدارتها الولايات المتحدة، والتي أنعشت النظام الأردني الفزع من "الوطن البديل" والسلطة الفلسطينية اللاهثة وراء وظيفة حراسة الكيان الغاصب، هي ثني نتنياهو عن استثمار التهويد وفرض الأمر الواقع الذي يعرقل الأجندة الأميركية للقدس والمقدسات وتصفية القضية بحلول "مستدامة"، وإعادة "حل الدولتين" الذي تلاشى بخطة ترمب، إلى عناوين الإعلام فقط. وتبرز قيمتها أيضًا في تمهيد الطريق لمفاوضات تحت هذه العناوين الخادعة التي تُمني المسلمين بحل عادل. وإن هذا اللحن الجديد على لسان قادة حماس وتملقهم لمحمدالضيف وأبو عبيدة والقادة العسكريين في القسام، إنما يهدف إلى ضبط موقفهم مع التوجه السياسي المرتقب للحركة، والذي عبر عنه خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في الخارج، في لقاء له على قناة العربي في 15مايو/أيار بقوله: "بعد المعركة نرتب بيتنا الفلسطيني، ونجري انتخابات، ونفتح أبواب المنظمة ونكون شركاء في القرار السياسي، وفي المؤسسات السياسية القيادية". فإذا ما تحقق هذا الهدف فإنه من المتوقع أن تسارع السلطة باستئناف المفاوضات الخيانية العبثية لخداع المسلمين وتضليلهم وإبرام المفاوضات والصلح والاستسلام باسمهم. ولذا فإننا نذكرهم بما أُثر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه "لست بخِبٍّ، والخِبُّ لا يخدعني". فلا تنقضوا غزلكم من بعد قوة أنكاثًا.

Abu Taqi
17-05-2021, 11:38 PM
رابعًا: إن قضية فلسطين من النهر إلى البحر هي قضية كل مسلم، وليست الضفة والقدس والقطاع وعودة اللاجئين فقط، والواجب هو تحريرها واستعادتها مهما طال الزمان؛ لأن الحل المطلوب هو ما يمليه الشرع وليس مقتضى الحال.
وإن مرجعيتنا هي كتاب ربنا وسنة نبينا، وليس مجلس الأمن والأمم المتحدة والمحاكم الدولية، والقانون الدولي الذي داسه الغرب والصهاينة بنعالهم قربانًا لقتل أهلنا وإذلالهم.
وإن إيهامنا بالضعف تكذبه وقائع الأحداث على الأرض، فإن موازين القوة بين "إسرائيل" والمقاومة الشعبية والفصائلية غير متكافئة كمُّا ونوعًا من ناحية مادية، لكن "إسرائيل" ليست متفوقة بشكل مطلق لناحية الإرادة وعناصر القوة الأخرى؛ نحو العقيدة القتالية وإيمان الجنود بقضيتهم، واستعدادهم للتضحية، وتحمل كلفة نتائجها سياسيًّا واقتصاديًّا ومجتمعيًّا وهذا هو كعب أخيل الكيان الغاصب الذي لا بد من الاستثمار فيه، فمن يستمد إيمانه بقضيته استنادًا إلى مزاعم تاريخية وخرافات دينية لا تنهض بها حجة يقينية، ويقاتل من وراء جدر ترسانته العسكرية وإسناده الخارجي، ولا يترتب على التضحية من أجلها جزاء يستحق اتخاذ إجراء الحياة أو الموت، ويستمد أصحابها عزيمتهم في الدفاع عنها من عدم وجود بديل لها كالصهاينة، من كان هذا حاله لا يصمد أمام أمة تحب الموت في سبيل الله مدركة ثوابه كما يحب عدوها الحياة، وهذا فضلًا عما تملكه الأمة الإسلامية من سلاح. إذ لو اتخذت السعودية ودول الخليج موقفًا مناهضًا للمصالح الأميركية وإجراءات عقابية على الغرب لو كان حكامها مخلصين، فلن تستطيع أن تفرض أميركا عقوبات عليهم كما تفرضها على إيران وروسيا؟ ولن تتمكن أميركا والعالم من احتلال البلاد العربية في ظل ثقافتهم الاستهلاكية التي تقوم على الدعة والراحة ونمط العيش الرأسمالي. ولن يُجديهم نفعًا تدمير السعودية والخليج والبلاد العربية بالسلاح النووي؟! لا جرم أن أميركا والعالم لن يتحملوا أزمة نفطية لفترة طويلة تشل عصب اقتصادهم، ولا جرم أن اقتصاد أميركا سيتضرر ضررًا كبيرًا، وسينقسم العالم الذي لا يمكنه تحمل كلفة اضطراب أسواق النفط وأسعاره وطرق إمداداته التي يتحكم بها المسلمون، ولا جرم أن العالم سينقلب على أميركا إذا هوى سعر الدولار وبات أوراقًا بلا قيمة، وانهار النظام المالي العالمي. وستؤول الأمور إلى تحرر المسلمين وخضوع العالم لإرادتهم والسعي للتفاوض معهم بإذن الله، وكل ذلك ممكن لولا خيانة الحكام.
خامسًا: إن قضية فلسطين قيد التصفية على يد الحكام والسلطة الفلسطينية فلا تكونوا أيها المسلمون شريكًا في ذبحها والتنازل عن شبر منها تحت سقف منظمة التحرير والسلطة وعناوين المصالحة والوحدة الوطنية مهما بلغت الضغوط، فإن شرعية الكيان الصهيوني أمام العالم تبقى معدومة وفق قوانينه المجرمة من دون إمضائكم حتى لو تنازل عنها العرب والمسلمون جميعًا، ولقد رأيتم أن التطبيع والتحالف العربي الخياني مع الصهاينة لم يُجدِ نفعًا ما دمتم ترفضون، ولذلك يحرصون على جلبكم للسلطة ومنظمة التحرير وقد أحيوا حل الدولتين الكاذب لانتزاع اعترافكم بالكيان المجرم، وهو ما بدا في البيانات السياسية الإقليمية والدولية، التي طالبوا فيها، رغم اختلافهم فيما بينهم، بوقف القتال واستئناف المفاوضات وحل الدولتين بلسان واحد. وقدعملوا على تهويد القدس من خلال توسيعها لتشمل ما يقارب 10% من الضفة الغربية، وضربوا حزامًا من المستوطنات حول المناطق العربية لعزلها والتضييق على سكانها لتهجيرهم، بهدف تبرير سيادتهم عليها، ومن أجل إعطاء الفلسطينيين قطعة خارج القدس التاريخية لإيهامهم بأن عاصمتهم هي القدس، وأما المقدسات فإنهم لا يبالون بالتشارك فيها كما فعلوا في الحرم الإبراهيمي إن استطاعوا، وتدويل المقدسات هو ملاذهم الأخير الذي تعمل عليه أميركا ويسير في ركابها حكام المسلمين لتبرير جبنهم وتواطئهم وتخليهم عنها بذريعة أن القدس "إرث تاريخي للعالم كله"، وتحت شعار "الدين لإبراهيمي" الجديد.
فاصدقوا الله واثبتوا على الحق والله مولاكم ولا مولى لهم
{وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم}
5/شوال/1442هـ
17/5/2021م