Abu Taqi
15-05-2021, 11:14 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
متابعة سياسية
الأحداث المتصاعدة على الساحة الفلسطينية ومآلاتها
كتعويض عن حالة الإحباط وفي تعبير واضح عن العجز والفشل من إمكانية تحقيق أهدافها وجهت قوات الاحتلال الغاشم صباح هذا اليوم ضربة إجرامية ضد عائلتين غزيتين في مخيم الشاطئ، فأحالت امرأتين وثمانية أطفال إلى أشلاء، وذلك في محاولة لبعث الطمأنينة في نفوس القطعان الهمجية الصهيونية، ولكسر إرادة الجهاد والصمود الذي أبداه أهل غزة وفلسطين.
وكان الطيران الصهيوني قد كثف في اليومين الأخيرين من غاراته على القطاع، ودمر اليوم بصورة انتقامية مبنى الجلاء الذي يضم 60 شقة سكنية، ومكاتب للصحافة ووكالات الأنباء، بعد أن وجدت "إسرائيل" نفسها عارية أمام المقاومة؛ لإيهام الرأي العام الإسرائيلي بالنصر، وتوفير المسوغات للتراجع عند الحاجة تلافيًّا لمزيد من الفشل وخيبة الأمل، وكذلك من أجل حرمان الفلسطينيين من رفع رصيدهم من الاستبسال الذي جعل هذه المعركة نقطة تحول في نظرة المسلمين إلى الكيان الصهيوني الهش، ونظرة قطعان الكيان ذاته إلى دولتهم التي يفاخرون بتفوقها العسكري.
ولهذا يروج الإعلام الصهيوني بأن نتنياهو بصدد "إنهاء العملية العسكرية على قطاع غزة قريبًا، والأمر مرهون بتقليص حماس لنيرانها بشكل كبير"، وأن "الضربة الاستراتيجية المهمة التي تلقتها حماس الليلة تسمح لإسرائيل التوجه لإنهاء العملية"، وأن "بعض كبار قادة الجيش يدعمون قرار انتهائها"، وأن "الجيش يسعى لإنهاء جولة القتال في أسرع وقت خوفًا من الفوضى في الداخل المحتل" وهذا ما تروج له صُحف هآرتس ويديعوت أحرنوت وبعض المواقع العبرية.
ومن ذلك أيضًا ما قاله آموس يادلين، رئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية السابق، بأنه يتوقع "توقف هذه المعركة نهاية الأسبوع"، وهو ما يفسر قول البيت الأبيض بأن الأمور تتجه نحو خفض التصعيد بعد مكالمة بايدن مع نتنياهو، كما يفسر تكثيف مصر اتصالاتها بالمقاومة لوقف التصعيد الذي بات من المؤكد وقوف نتنياهو وراءه، حيث اعترف قائد الشرطة الاسرائيلية أن عضو الكنيست نفتالي بن غفير المتحالف مع نتنياهو "هو الذي أشعل الانتفاضة بتنظيم مظاهرة مستوطنين في باب العامود والقيام باستفزازات في الشيخ جراح".
غير أن المشكلة الأساسية تكمن في الحلول المطروحة وبراغماتية الجناح السياسي لحركات المقاومة، والتي لا تعكس صمود أهل فلسطن وظهيرهم الشعبي الإسلامي وشجاعة المجاهدين في الميدان وتضحياتهم. وهو الأمر الذي يدعونا إلى بيان الآتي:
أولاً: إن الوعي السياسي الذي يلزم المسلمين اليوم هو أن ينظروا إلى الأحداث السياسية المحلية والإقليمية مربوطة بالسياسة الدولية من أجل إدراك الدوافع الحقيقية للأحداث الجارية ومآلاتها؛ لتجنب التسخير والتضليل والفخاخ والكفاح الرخيص، واتخاذ الموقف إزاء تلك الأحداث من زاوية العقيدة. وأن يتجنبوا تحكم الآمال والعواطف والميول في قراءتهم للوقائع والأحداث. ومن هنا لا يمكن فصل الأحداث الجارية في فلسطين عن السياسة الدولية التي تصوغها الولايات المتحدة صاحبة النفوذ والمصالح في المنطقة، وبخاصة وأن قضية فلسطين تقيم على حدود مصالح أميركا والدول الغربية في منطقة الخليج والممرات البحرية في مضيق هرمز وقناة السويس، وقاعدتها العسكرية الصهيونية المتقدمة في شرق المتوسط، وهي "إسرائيل"، التي يرتبط أمنها بالأمن القومي الأميركي، بالإضافة إلى ضرورة الهيمنة الأميركية على الأنظمة العربية، وإبعاد عقيدة شعوب المنطقة التي تمثل التحدي الأكبر للولايات المتحدة والحضارة الغربية عن التدخل والتأثير في السياسة.
ولذلك كان لا بد لأميركا أن تصنع الأحداث وتوجهها وتديرها بما يحقق مصالحها أولًا، وأن تحسم ما يسمى بالنزاع العربي الإسرائيلي، بغية تأمين مصالحها من خلال معالجة ذيول الاحتلال الصهيوني للأراضي الفلسطينية وهجرة سكان فلسطين، وحل قضية القدس بالتدويل لإسكات المسلمين وإطفاء غضبهم.
وفي هذا الصدد يقول تقرير الأمن القومي الأميركي الصادر في شهر آذار/مارس 2021: "في الشرق الأوسط، سنحافظ على الالتزام الأميركي الخاص بأمن إسرائيل، وسنسعى إلى تعميق إندماجها مع جيرانها واستئناف دورنا كمروج لحل الدولتين العملي". وأضاف: "لن نعطي الشركاء في الشرق الأوسط شيكًا على بياض"، في إشارة إلى السياسة التي اتبعها الرئيس ترمب حيال التغول والعربدة الصهيونية في المنطقة. ما يعني رفض إدارة بايدن التوسع الإسرائيلي وفرض الأمر الواقع بشأن التهويد والمقدسات والمستوطنات، حيث أكد الرئيس بايدن في اتصال هاتفي مع رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، على "التزام الولايات المتحدة بحل الدولتين، وأهمية إعطاء أمل للشعب الفلسطيني في تحقيق السلام"، وشدد على "معارضة الإدارة الأميركية لأية إجراءات أحادية الجانب مثل الاستيطان، وأنها تعارض كذلك إجلاء الفلسطينيين من بيوتهم في الشيخ جراح والقدس الشرقية".
وهذا ليس انحيازًا للفلسطينين والمسلمين بطبيعة الحال، بل لأن أجندة نتنياهو واليمين الديني ليست حلًا عمليًّا قابلًا للدوام (من وجهة نظر الحزب الديمقراطي الأميركي الذي يقود السياسة الأميركية اليوم نيابة عن الدولة العميقة). وهو ما جادل به جون كيري في نهاية عهد أوباما مخاطبًا "إسرائيل" صراحة "إما أن تكونوا دولة يهودية وإما دولة ديمقراطية"، وأن المصلحة الإسرائيلية هي ما تراه الإدارة الأميركية، لا ما يريده نتنياهو واليمين الديني المتطرف، وهذا أيضًا ما كرره أنتوني بلنكن في شهادته أمام الكونجرس.
وما تراه الإدارة الأميركية اليوم هو "السياسة المستدامة"، وليس سياسة الأمر الواقع، التي سارت عليها إدارة الرئيس ترمب. ولهذا صرحت وزارة الخارجية الأميركية بالأمس "نعمل على تحقيق هدوء دائم".
ويتضح اختلاف رؤية الإدارتين في أميركا، والتي تعكس مقاربات متباينة في دوائر صنع القرار، من خلال ما قاله منذ يومين آموس يادلين، رئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية السابق والملحق العسكري الإسرائيلي السابق إلى الولايات المتحدة: إن ترمب قد أعطى إسرائيل "شيكًا مفتوحًا لكل شيء"؛ لأنه يعتقد أن "الفلسطينيين كانوا يتحملون اللوم أساسًا لكل شيء"، بينما وصف الحزب الديمقراطي بأنه "أكثر توازنًا".
ثانيًا: إن حل الدولتين الموهوم الذي يتلخص بإعطاء الفلسطينيين أرخبيلًا ممزقًا يفتقر إلى عناصر الدولة على جزء من الأراضي المحتلة عام 1967، والذي تحاول إدارة بايدن الاستدارة إليه، ينطلق من انفصال الكتل السكانية الفلسطينية عن "إسرائيل" ويشترط إسقاط حق العودة. وذلك كبديل عن رؤية نتنياهو الذي يخوض حربه في سباق مع الزمن لأجلها، وذلك لتصدير أزمته الداخلية وتفخيخ الطريق أمام بايدن من خلال مزيد من الاستيطان وفرض التهويد والضم الذي يعقد المسائل ويعيق قدرة الإدارة الأميركية الجديدة على احتواء آثاره.
وهذه الرؤية الأميركية لا تنبع من يقظة ضمير أو انتصار لمظلمة إنسانية وحق الفلسطينيين في الحرية والاستقلال وتقرير المصير؛ وإنما هي الطريق لإنقاذ إسرائيل وتثبيت وجودها ومنعها من ابتلاع مزيد من الأرض والمقدسات، والذي من شأنه أن يهدد بتفجير المنطقة وتهديد المصالح الأميركية والغربية.
أما رؤية نتنياهو فقد عبر عنها في احتفاله بضم الجولان بقوله: "عندما تبدأ حربًا عدوانية، وتفقد الأرض، لا يعد بمقدورك ولا من حقك أن تطالب بها لاحقًا ... الأرض ملك لنا" ويقصد بذلك الأراضي التي خسرها السوريون والفلسطينيون سنة 1967. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن قبول نتنياهو بما يسمى بحل الدولتين وارد من منطلق انفصال الكتل الفلسطينية الكبرى في الضفة الغربية عن "إسرائيل" مع الاحتفاظ بالسيادة على الأرض والمستوطنات وتهويد القدس؛ وذلك لضرورات وجودية للكيان، وحفاظًا على يهودية الدولة. إذ أنه عبر عن ذلك أواخر العام الفائت بوصفه للكيان الفلسطيني منزوع "السيادة" والقدس والحدود مع الأردن بقوله: "فليُسَم الفلسطينيون كيانهم امبراطورية أو جمهورية عظمى" وهو ما كرره منافسه يني غانتس مغازلًا إدارة بايدن قبل نحو شهرين. وبالتالي يمكننا القول بأن فكرة "حل الدولتين" التي تنادي بها إدارة بايدن لا تختلف كثيرًا عن أجندة اليمين الإنجيلي الأميركي واليمين الصهيوني، سوى بلوازم ذلك الأرخبيل الممزق الذي تستميت عليه سلطة عباس، ومن تلك اللوازم تدويل المقدسات، ومعالجة قضية المستوطنات، و"القدس الشرقية"، التي ما تزال هي الأخرى قيد المداولات.
وهو ما أكده جاك سوليفان مستشار الأمن القومي الأميركي بقوله: "لقد قال بايدن إن الاتفاقات الابراهيمية هي أمر جيد وأمر إيجابي". "ونرى أننا سنسعى قدمًا بهذه المبادرة وتعميق التعاون بين الدول التي وقعت على الاتفاقات والعمل على تطبيع حقيقي يتجذر في المنطقة. فعلينا العمل على التأكد أن البذور التي تم زراعتها يمكن حصادها والاستفادة منها عبر عدد من الأبعاد السياسية والاقتصادية والأمنية حتى يتسنى لأميركا تحقيق مصالحها".
ثالثًا: وبعيدًا عن العواطف وتضليل أصحاب المرايا المحدبة، الذين يُضخمون الأشياء، ويظهرونها على غير صورتها، كتضخيمهم للمقاومة الفلسطينية وقوتها لتنفيس احتقان الشعوب وتبرير تخاذل الأنظمة والجيوش العربية وتنصلهم من واجبهم نحو فلسطين والقدس، فإن أهل فلسطين والمقاومة ما يزالون في حالة رد الفعل وليس صناعته، فأهل فلسطين ليسوا بالقوة التي تمكنهم من اقتلاع المحتل وتحرير المقدسات، وإن التأييد العاطفي من قِبل المسلمين لأهل فلسطين لن يجدي نفعًا ما لم يتجسد بفعل مادي منتِجٍ يُسقط وزر القعود عن الجهاد، ويستأصل شأفة يهود إلى الأبد.
وقد آن الأوان لأنْ يستيقظ المسلمون وأن يغادروا حالة ردود الفعل، ويمتشقوا السلاح لمحو آثار الكيان الهمجي، وأن لا يرضوا بالذل أو يبقوا لقمة تلوكها أنياب ضباع العالم وقطعان يهود المتوحشة.
وآن الأوان للمسلمين في دول المواجهة (لبنان ومصر والأردن) بخاصة أن يكونوا لإخوانهم في فلسطين الوسادة التي يتكئون عليها في الشدائد والخطوب رغم أنف حكامهم العملاء، وتلك هي الحقيقة المضيئة التي لا جدال فيها، والتي ترجمها الشباب الأبطال الذين اجتازوا الحدود نصرة لأهل فلسطين، وأضرموا نار الغيظ في قلوب الذين راهنوا على حدود سايكس بيكو التي تمزق المسلمين، ورغم أن الأنظمة لم تسمح بذلك إلا لتبرير قعودها وتفريغ احتقان الشعب، إلا أنهم أرسلوا باجتيازهم للحدود رسالة طافحة بالدلالات للكيان المجرم والمتخاذلين والمتآمرين الذين أدمنوا الهزيمة والانكسار والاستسلام، بأن زوالهم قد اقترب وأن نصر الله لآت.
إن هذه الأحداث قد شكلت فضيحة للمطبعين حيث كشفت بأن "إسرائيل" وقطعانها يرفضون التطبيع ويصرون على طبعهم الخسيس، كما وكشفت انتفاضة الأهل في الداخل الفلسطيني والتحامهم مع إخوانهم في الضفة الغربية لأولئك اللاهثين وراء حل الدولتين أن أهل فلسطين من النهر إلى البحر وسائر المسلمين لا يرضون عن فلسطين كاملة أي بديل، ولا يعوزهم سوى القيادة الربانية المخلصة التي تزيل الأنظمة الجاثمة عن صدورهم وتقودهم إلى النصر والتحرير.
ذلك أن زوال الكيان الغاصب مرهون بزوال الأنظمة الخيانية المسماة بدول المواجهة، والتي لا تواجه سوى شعبها ودين الأمة حماية للمصالح الغربية والكيان الصهيوني، وهذا هو عملها الوظيفي الذي يرتبط به وجودها ارتباطًا عضويًّا ويُمد "إسرائيل" بالبقاء.
وإلى كل شيطان أخرس من العلماء والسياسيين الذين لم يلفظوا كلمة الجهاد، وطالبوا المجتمع الدولي بالتدخل نذكرهم بقوله تعالى: {وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ}، كما ونلفت أنظارهم إلى ما كتبه القس جون هاجي، زعيم منظمة "مسيحيون متحدون من أجل إسرائيل" في أميركا يوم الأربعاء 5 أيار/مايو "هذه المرة في تاريخ العالم يجب على المسيحيين ألا يقفوا مكتوفي الأيدي. هذه المرة يجب على الصالحين اتخاذ موقف ضد "الشر"، "يجب على المسيحيين واليهود أن يتحدوا وينتصروا في الحرب ضد معاداة السامية".
3/شوال/1442هـ
15/5/2021م
متابعة سياسية
الأحداث المتصاعدة على الساحة الفلسطينية ومآلاتها
كتعويض عن حالة الإحباط وفي تعبير واضح عن العجز والفشل من إمكانية تحقيق أهدافها وجهت قوات الاحتلال الغاشم صباح هذا اليوم ضربة إجرامية ضد عائلتين غزيتين في مخيم الشاطئ، فأحالت امرأتين وثمانية أطفال إلى أشلاء، وذلك في محاولة لبعث الطمأنينة في نفوس القطعان الهمجية الصهيونية، ولكسر إرادة الجهاد والصمود الذي أبداه أهل غزة وفلسطين.
وكان الطيران الصهيوني قد كثف في اليومين الأخيرين من غاراته على القطاع، ودمر اليوم بصورة انتقامية مبنى الجلاء الذي يضم 60 شقة سكنية، ومكاتب للصحافة ووكالات الأنباء، بعد أن وجدت "إسرائيل" نفسها عارية أمام المقاومة؛ لإيهام الرأي العام الإسرائيلي بالنصر، وتوفير المسوغات للتراجع عند الحاجة تلافيًّا لمزيد من الفشل وخيبة الأمل، وكذلك من أجل حرمان الفلسطينيين من رفع رصيدهم من الاستبسال الذي جعل هذه المعركة نقطة تحول في نظرة المسلمين إلى الكيان الصهيوني الهش، ونظرة قطعان الكيان ذاته إلى دولتهم التي يفاخرون بتفوقها العسكري.
ولهذا يروج الإعلام الصهيوني بأن نتنياهو بصدد "إنهاء العملية العسكرية على قطاع غزة قريبًا، والأمر مرهون بتقليص حماس لنيرانها بشكل كبير"، وأن "الضربة الاستراتيجية المهمة التي تلقتها حماس الليلة تسمح لإسرائيل التوجه لإنهاء العملية"، وأن "بعض كبار قادة الجيش يدعمون قرار انتهائها"، وأن "الجيش يسعى لإنهاء جولة القتال في أسرع وقت خوفًا من الفوضى في الداخل المحتل" وهذا ما تروج له صُحف هآرتس ويديعوت أحرنوت وبعض المواقع العبرية.
ومن ذلك أيضًا ما قاله آموس يادلين، رئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية السابق، بأنه يتوقع "توقف هذه المعركة نهاية الأسبوع"، وهو ما يفسر قول البيت الأبيض بأن الأمور تتجه نحو خفض التصعيد بعد مكالمة بايدن مع نتنياهو، كما يفسر تكثيف مصر اتصالاتها بالمقاومة لوقف التصعيد الذي بات من المؤكد وقوف نتنياهو وراءه، حيث اعترف قائد الشرطة الاسرائيلية أن عضو الكنيست نفتالي بن غفير المتحالف مع نتنياهو "هو الذي أشعل الانتفاضة بتنظيم مظاهرة مستوطنين في باب العامود والقيام باستفزازات في الشيخ جراح".
غير أن المشكلة الأساسية تكمن في الحلول المطروحة وبراغماتية الجناح السياسي لحركات المقاومة، والتي لا تعكس صمود أهل فلسطن وظهيرهم الشعبي الإسلامي وشجاعة المجاهدين في الميدان وتضحياتهم. وهو الأمر الذي يدعونا إلى بيان الآتي:
أولاً: إن الوعي السياسي الذي يلزم المسلمين اليوم هو أن ينظروا إلى الأحداث السياسية المحلية والإقليمية مربوطة بالسياسة الدولية من أجل إدراك الدوافع الحقيقية للأحداث الجارية ومآلاتها؛ لتجنب التسخير والتضليل والفخاخ والكفاح الرخيص، واتخاذ الموقف إزاء تلك الأحداث من زاوية العقيدة. وأن يتجنبوا تحكم الآمال والعواطف والميول في قراءتهم للوقائع والأحداث. ومن هنا لا يمكن فصل الأحداث الجارية في فلسطين عن السياسة الدولية التي تصوغها الولايات المتحدة صاحبة النفوذ والمصالح في المنطقة، وبخاصة وأن قضية فلسطين تقيم على حدود مصالح أميركا والدول الغربية في منطقة الخليج والممرات البحرية في مضيق هرمز وقناة السويس، وقاعدتها العسكرية الصهيونية المتقدمة في شرق المتوسط، وهي "إسرائيل"، التي يرتبط أمنها بالأمن القومي الأميركي، بالإضافة إلى ضرورة الهيمنة الأميركية على الأنظمة العربية، وإبعاد عقيدة شعوب المنطقة التي تمثل التحدي الأكبر للولايات المتحدة والحضارة الغربية عن التدخل والتأثير في السياسة.
ولذلك كان لا بد لأميركا أن تصنع الأحداث وتوجهها وتديرها بما يحقق مصالحها أولًا، وأن تحسم ما يسمى بالنزاع العربي الإسرائيلي، بغية تأمين مصالحها من خلال معالجة ذيول الاحتلال الصهيوني للأراضي الفلسطينية وهجرة سكان فلسطين، وحل قضية القدس بالتدويل لإسكات المسلمين وإطفاء غضبهم.
وفي هذا الصدد يقول تقرير الأمن القومي الأميركي الصادر في شهر آذار/مارس 2021: "في الشرق الأوسط، سنحافظ على الالتزام الأميركي الخاص بأمن إسرائيل، وسنسعى إلى تعميق إندماجها مع جيرانها واستئناف دورنا كمروج لحل الدولتين العملي". وأضاف: "لن نعطي الشركاء في الشرق الأوسط شيكًا على بياض"، في إشارة إلى السياسة التي اتبعها الرئيس ترمب حيال التغول والعربدة الصهيونية في المنطقة. ما يعني رفض إدارة بايدن التوسع الإسرائيلي وفرض الأمر الواقع بشأن التهويد والمقدسات والمستوطنات، حيث أكد الرئيس بايدن في اتصال هاتفي مع رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، على "التزام الولايات المتحدة بحل الدولتين، وأهمية إعطاء أمل للشعب الفلسطيني في تحقيق السلام"، وشدد على "معارضة الإدارة الأميركية لأية إجراءات أحادية الجانب مثل الاستيطان، وأنها تعارض كذلك إجلاء الفلسطينيين من بيوتهم في الشيخ جراح والقدس الشرقية".
وهذا ليس انحيازًا للفلسطينين والمسلمين بطبيعة الحال، بل لأن أجندة نتنياهو واليمين الديني ليست حلًا عمليًّا قابلًا للدوام (من وجهة نظر الحزب الديمقراطي الأميركي الذي يقود السياسة الأميركية اليوم نيابة عن الدولة العميقة). وهو ما جادل به جون كيري في نهاية عهد أوباما مخاطبًا "إسرائيل" صراحة "إما أن تكونوا دولة يهودية وإما دولة ديمقراطية"، وأن المصلحة الإسرائيلية هي ما تراه الإدارة الأميركية، لا ما يريده نتنياهو واليمين الديني المتطرف، وهذا أيضًا ما كرره أنتوني بلنكن في شهادته أمام الكونجرس.
وما تراه الإدارة الأميركية اليوم هو "السياسة المستدامة"، وليس سياسة الأمر الواقع، التي سارت عليها إدارة الرئيس ترمب. ولهذا صرحت وزارة الخارجية الأميركية بالأمس "نعمل على تحقيق هدوء دائم".
ويتضح اختلاف رؤية الإدارتين في أميركا، والتي تعكس مقاربات متباينة في دوائر صنع القرار، من خلال ما قاله منذ يومين آموس يادلين، رئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية السابق والملحق العسكري الإسرائيلي السابق إلى الولايات المتحدة: إن ترمب قد أعطى إسرائيل "شيكًا مفتوحًا لكل شيء"؛ لأنه يعتقد أن "الفلسطينيين كانوا يتحملون اللوم أساسًا لكل شيء"، بينما وصف الحزب الديمقراطي بأنه "أكثر توازنًا".
ثانيًا: إن حل الدولتين الموهوم الذي يتلخص بإعطاء الفلسطينيين أرخبيلًا ممزقًا يفتقر إلى عناصر الدولة على جزء من الأراضي المحتلة عام 1967، والذي تحاول إدارة بايدن الاستدارة إليه، ينطلق من انفصال الكتل السكانية الفلسطينية عن "إسرائيل" ويشترط إسقاط حق العودة. وذلك كبديل عن رؤية نتنياهو الذي يخوض حربه في سباق مع الزمن لأجلها، وذلك لتصدير أزمته الداخلية وتفخيخ الطريق أمام بايدن من خلال مزيد من الاستيطان وفرض التهويد والضم الذي يعقد المسائل ويعيق قدرة الإدارة الأميركية الجديدة على احتواء آثاره.
وهذه الرؤية الأميركية لا تنبع من يقظة ضمير أو انتصار لمظلمة إنسانية وحق الفلسطينيين في الحرية والاستقلال وتقرير المصير؛ وإنما هي الطريق لإنقاذ إسرائيل وتثبيت وجودها ومنعها من ابتلاع مزيد من الأرض والمقدسات، والذي من شأنه أن يهدد بتفجير المنطقة وتهديد المصالح الأميركية والغربية.
أما رؤية نتنياهو فقد عبر عنها في احتفاله بضم الجولان بقوله: "عندما تبدأ حربًا عدوانية، وتفقد الأرض، لا يعد بمقدورك ولا من حقك أن تطالب بها لاحقًا ... الأرض ملك لنا" ويقصد بذلك الأراضي التي خسرها السوريون والفلسطينيون سنة 1967. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن قبول نتنياهو بما يسمى بحل الدولتين وارد من منطلق انفصال الكتل الفلسطينية الكبرى في الضفة الغربية عن "إسرائيل" مع الاحتفاظ بالسيادة على الأرض والمستوطنات وتهويد القدس؛ وذلك لضرورات وجودية للكيان، وحفاظًا على يهودية الدولة. إذ أنه عبر عن ذلك أواخر العام الفائت بوصفه للكيان الفلسطيني منزوع "السيادة" والقدس والحدود مع الأردن بقوله: "فليُسَم الفلسطينيون كيانهم امبراطورية أو جمهورية عظمى" وهو ما كرره منافسه يني غانتس مغازلًا إدارة بايدن قبل نحو شهرين. وبالتالي يمكننا القول بأن فكرة "حل الدولتين" التي تنادي بها إدارة بايدن لا تختلف كثيرًا عن أجندة اليمين الإنجيلي الأميركي واليمين الصهيوني، سوى بلوازم ذلك الأرخبيل الممزق الذي تستميت عليه سلطة عباس، ومن تلك اللوازم تدويل المقدسات، ومعالجة قضية المستوطنات، و"القدس الشرقية"، التي ما تزال هي الأخرى قيد المداولات.
وهو ما أكده جاك سوليفان مستشار الأمن القومي الأميركي بقوله: "لقد قال بايدن إن الاتفاقات الابراهيمية هي أمر جيد وأمر إيجابي". "ونرى أننا سنسعى قدمًا بهذه المبادرة وتعميق التعاون بين الدول التي وقعت على الاتفاقات والعمل على تطبيع حقيقي يتجذر في المنطقة. فعلينا العمل على التأكد أن البذور التي تم زراعتها يمكن حصادها والاستفادة منها عبر عدد من الأبعاد السياسية والاقتصادية والأمنية حتى يتسنى لأميركا تحقيق مصالحها".
ثالثًا: وبعيدًا عن العواطف وتضليل أصحاب المرايا المحدبة، الذين يُضخمون الأشياء، ويظهرونها على غير صورتها، كتضخيمهم للمقاومة الفلسطينية وقوتها لتنفيس احتقان الشعوب وتبرير تخاذل الأنظمة والجيوش العربية وتنصلهم من واجبهم نحو فلسطين والقدس، فإن أهل فلسطين والمقاومة ما يزالون في حالة رد الفعل وليس صناعته، فأهل فلسطين ليسوا بالقوة التي تمكنهم من اقتلاع المحتل وتحرير المقدسات، وإن التأييد العاطفي من قِبل المسلمين لأهل فلسطين لن يجدي نفعًا ما لم يتجسد بفعل مادي منتِجٍ يُسقط وزر القعود عن الجهاد، ويستأصل شأفة يهود إلى الأبد.
وقد آن الأوان لأنْ يستيقظ المسلمون وأن يغادروا حالة ردود الفعل، ويمتشقوا السلاح لمحو آثار الكيان الهمجي، وأن لا يرضوا بالذل أو يبقوا لقمة تلوكها أنياب ضباع العالم وقطعان يهود المتوحشة.
وآن الأوان للمسلمين في دول المواجهة (لبنان ومصر والأردن) بخاصة أن يكونوا لإخوانهم في فلسطين الوسادة التي يتكئون عليها في الشدائد والخطوب رغم أنف حكامهم العملاء، وتلك هي الحقيقة المضيئة التي لا جدال فيها، والتي ترجمها الشباب الأبطال الذين اجتازوا الحدود نصرة لأهل فلسطين، وأضرموا نار الغيظ في قلوب الذين راهنوا على حدود سايكس بيكو التي تمزق المسلمين، ورغم أن الأنظمة لم تسمح بذلك إلا لتبرير قعودها وتفريغ احتقان الشعب، إلا أنهم أرسلوا باجتيازهم للحدود رسالة طافحة بالدلالات للكيان المجرم والمتخاذلين والمتآمرين الذين أدمنوا الهزيمة والانكسار والاستسلام، بأن زوالهم قد اقترب وأن نصر الله لآت.
إن هذه الأحداث قد شكلت فضيحة للمطبعين حيث كشفت بأن "إسرائيل" وقطعانها يرفضون التطبيع ويصرون على طبعهم الخسيس، كما وكشفت انتفاضة الأهل في الداخل الفلسطيني والتحامهم مع إخوانهم في الضفة الغربية لأولئك اللاهثين وراء حل الدولتين أن أهل فلسطين من النهر إلى البحر وسائر المسلمين لا يرضون عن فلسطين كاملة أي بديل، ولا يعوزهم سوى القيادة الربانية المخلصة التي تزيل الأنظمة الجاثمة عن صدورهم وتقودهم إلى النصر والتحرير.
ذلك أن زوال الكيان الغاصب مرهون بزوال الأنظمة الخيانية المسماة بدول المواجهة، والتي لا تواجه سوى شعبها ودين الأمة حماية للمصالح الغربية والكيان الصهيوني، وهذا هو عملها الوظيفي الذي يرتبط به وجودها ارتباطًا عضويًّا ويُمد "إسرائيل" بالبقاء.
وإلى كل شيطان أخرس من العلماء والسياسيين الذين لم يلفظوا كلمة الجهاد، وطالبوا المجتمع الدولي بالتدخل نذكرهم بقوله تعالى: {وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ}، كما ونلفت أنظارهم إلى ما كتبه القس جون هاجي، زعيم منظمة "مسيحيون متحدون من أجل إسرائيل" في أميركا يوم الأربعاء 5 أيار/مايو "هذه المرة في تاريخ العالم يجب على المسيحيين ألا يقفوا مكتوفي الأيدي. هذه المرة يجب على الصالحين اتخاذ موقف ضد "الشر"، "يجب على المسيحيين واليهود أن يتحدوا وينتصروا في الحرب ضد معاداة السامية".
3/شوال/1442هـ
15/5/2021م