Abu Taqi
09-05-2021, 11:35 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
متابعة سياسية
التقارب المصري التركي
كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن التقارب المصري التركي، رغم أن هذا التقارب قد ظهرت له آثار في الواقع، وبخاصة بعد الزيارة التي قام بها وفد تركي إلى مصر برئاسة نائب وزير الخارجية سادات أونال يوم 5/5/2021. حيث صرح وزير الخارجية التركي مولود تشاويش أوغلو، أن اللقاء جرى في أجواء إيجابية، تم خلاله تناول ما يمكن فعله في سبيل تحسين العلاقات بين الجانبين. وأوضح مولود أن لقاء الوفدين التركي والمصري في القاهرة، جاء بناء على دعوة الجانب المصري، وأنه يعد بمثابة لقاء استكشافي وسوف يستمر في الفترة المقبلة حول الخطوات التي سيتم اتخاذها لتطبيع العلاقات. وأضاف أن الوفدين تناولا أيضًا قضايا إقليمية تهم البلدين، مثل سوريا وليبيا والعراق وشرقي المتوسط.
وقد جاءت هذه الزيارة بعد أسابيع من تصريحات أطلقها الرئيس رجب أردوغان في آذار/مارس الماضي قال فيها: إن التعاون مع مصر "قد لا يكون على أعلى مستوى، ولكنها عند المستوى التالي له مباشرة. وبالطبع يحدونا الأمل في مواصلة هذه العملية مع مصر بقوة أكبر كثيرًا".
أما بخصوص الزيارة الأخيرة فقد علق عليها أردوغان يوم الجمعة 7 أيار/مايو الجاري بقوله إننا "نسعى لاستعادة هذه الوحدة ذات الجذور التاريخية مع شعب مصر، ومواصلتها مجددًا كأشقاء أصدقاء وليس كأشقاء أعداء". ولفت إلى أن رؤية الشعب المصري مضطرًا للاصطفاف إلى جانب الشعب اليوناني ضد تركيا أمر يحزن أنقرة.
وقد فترت العلاقات المصرية التركية بعد انقلاب عبد الفتاح السيسي على محمد مرسي في العام 2013، وبعد موقف أردوغان من الانقلاب وتصريحاته القوية ضد السيسي ووصفه في أكثر من مرة بالقاتل. وازدادت العلاقات سوءًا بعد أن اتخذ عدد من أعضاء حركة "الإخوان المسلمون" من تركيا قاعدة إعلامية وسياسية ضد نظام السيسي.
وبغض النظر عن وجود أعضاء من الإخوان في تركيا واتهام النظام المصري للحركة بأنها منظمة إرهابية، فإن أهم قضايا الخلاف المصري التركي تتركز حول الوجود العسكري التركي في ليبيا، وحول ترسيم الحدود البحرية بين تركيا ومصر، بعد أن أعلنت تركيا عن توقيع اتفاقية بحرية أمنية مع الحكومة الليبية في طرابلس.
إن العلاقات الخارجية للدول الوظيفية التابعة مثل مصر لا تقوم أساسًا على "المصالح القومية" كما تزعم، وإنما تخضع لدورها الوظيفي الذي تقرره الدولة صاحبة النفوذ فيها، وهي الولايات المتحدة الأميركية ما لم تهدد سياستها الحاكم ومستقبله، أو ما دام الحاكم قادرًا على ضبط ردود الأفعال الداخلية على تواطئه مع الخارج، لا سيما وأن دول المنطقة بمجملها دول استبدادية تتحدد سياستها الداخلية والخارجية وفق إرادة الحاكم الذي يستند في حكمه إلى الخارج. وبالتالي لا يمكن أن ينمو على جذع العلاقات الخارجية للدول الوظيفية أية مصالح تخصها وشعبها، وإنما تخص الدول الأجنبية.
وفي ضوء ذلك وفي ظل حاجة مصر إلى التقارب الذي ينفع النظام المصري لناحية وقف الهجوم الإعلامي الذي تشنه المعارضة على الرئيس عبد الفتاح السيسي من تركيا، والتي ما تزال تشكل فزاعة له وخطرًاعلى نظامه، وكذلك حاجة تركيا إلى ترطيب العلاقات مع مصر لتأمين وجودها في المشهد الليبي ومصالحها في شرق المتوسط، بموجب البراغماتية السياسية التي يمارسها أردوغان يندرج رأب الصدع وتفعيل العلاقات بين البلدين. سيما وأن الولايات المتحدة ترغب بتقديم الإغراءات من قبيل إعادة علاقات الرئيس أردوغان مع مصر لكبح توجهه نحو روسيا، وإضعاف الوجود الروسي الذي يتقوى بالخلاف المصري التركي في المشهد الليبي. وبخاصة وأن أميركا ما تزال تعمل على استرداد تركيا من أردوغان وحزب العدالة والتنمية بمختلف الوسائل والأساليب على قاعدة "تركيا أكبر من أردوغان".
ولذلك ما تزال الولايات المتحدة تثير لأردوغان المشاكل الاقتصادية، لتقويض شعبيته في الداخل، وما تزال تدعم قيام كيان كردي في الشمال السوري والعراقي، وتهدد بتفتيت تركيا عرقيًّا وقوميًّا، كما تحاول الضغط عليه من خلال اعتراف بايدن بما يسمى بـ"مذابح الأرمن"، وتحرض المعارضة الداخلية وتمدهم بذخيرة سياسية لانتقاد أردوغان نحو التردي الاقتصادي وملف العلاقات الإقليمية والدولية.
وقد حدثت الاستدارة من قبل الرئيس أردوغان بشأن إعادة العلاقات مع دول المنطقة بعد تضرر الاقتصاد التركي بفعل الاستهداف الأميركي وجائحة كورونا، والذي يستمد منه أردوغان شعبيته وقاعدته الانتخابية، وحصلت الاستدارة في سياسة أردوغان كذلك بعد مجيء بايدن وتهديداته لأردوغان وحزبه، وبعد أن أدرك أردوغان بأن عودة الإخوان إلى الحكم في مصر قد طويت صفحته أميركيا في المدى المنظور، ولم تعد سياسة "الإنموذج الإسلامي التركي" ورقة يمكنه الإفادة منها، وبعد أن أصبحت تركيا في عزلة إقليمية تستغلها المعارضة التركية للنيل من شعبيته داخليًّا، حيث يريد أردوغان أن يسدَّ ذرائع المعارضة التركية التي تتهمه بأنه أفقد تركيا علاقاتها الجيدة في الإقليم بعد نجاح أحمد داوود أوغلو في سياسة "صفر مشاكل" مع الخارج، بالإضافة إلى تحييد مصر بشأن ترسيم الحدود في شرق المتوسط، والذي انحازت فيه مصر إلى اليونان وقبرص اليونانية و"إسرائيل"، وتبديد رهان فرنسا على مصر واليونان في هذا الشأن.
وبالتالي فإن قضية عودة العلاقات بين مصر وتركيا هي مصلحة أنظمة وحكام في سياق المصالح الأميركية في المنطقة وليست مصلحة شعبية. وقد مهدت تركيا لهذا التقارب بلقاءات استخبارية متكررة انتهت بـلجم الخطاب الإعلامي الخاص بالمعارضة المصرية في تركيا عن تناول النظام المصري بما يضمن تطبيع العلاقات بين البلدين.
وأما بشأن مصير الإخوان في تركيا في ظل هذا التقارب، فإن أردوغان لا يقدم نفسه أو نظامه باعتباره حارسًا للإسلام والمسلمين في المقام الأول، أو يقيم تحالفاته الداخلية وعلاقاته الخارجية على أساس الشريعة الإسلامية، إذ إن العلمانية هي أساس نظامه رغم استقلاله سياسيًّا، والبراغماتية هي طريقته في ممارسة السياسة، والمصلحة هي معياره. وهذا يقودنا إلى التذكير بأن الرهان على الأنظمة العلمانية هو رهان خاسر حتى لو كان حكامها مستقلين، وتملؤهم العاطفة الدينية. إذ الرهان الوحيد هو الرهان على الإسلام وعلى الأمة وعلى الدولة التي تقوم على شريعة الله فحسب.
27/رمضان/1442هـ
9/5/2021م
متابعة سياسية
التقارب المصري التركي
كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن التقارب المصري التركي، رغم أن هذا التقارب قد ظهرت له آثار في الواقع، وبخاصة بعد الزيارة التي قام بها وفد تركي إلى مصر برئاسة نائب وزير الخارجية سادات أونال يوم 5/5/2021. حيث صرح وزير الخارجية التركي مولود تشاويش أوغلو، أن اللقاء جرى في أجواء إيجابية، تم خلاله تناول ما يمكن فعله في سبيل تحسين العلاقات بين الجانبين. وأوضح مولود أن لقاء الوفدين التركي والمصري في القاهرة، جاء بناء على دعوة الجانب المصري، وأنه يعد بمثابة لقاء استكشافي وسوف يستمر في الفترة المقبلة حول الخطوات التي سيتم اتخاذها لتطبيع العلاقات. وأضاف أن الوفدين تناولا أيضًا قضايا إقليمية تهم البلدين، مثل سوريا وليبيا والعراق وشرقي المتوسط.
وقد جاءت هذه الزيارة بعد أسابيع من تصريحات أطلقها الرئيس رجب أردوغان في آذار/مارس الماضي قال فيها: إن التعاون مع مصر "قد لا يكون على أعلى مستوى، ولكنها عند المستوى التالي له مباشرة. وبالطبع يحدونا الأمل في مواصلة هذه العملية مع مصر بقوة أكبر كثيرًا".
أما بخصوص الزيارة الأخيرة فقد علق عليها أردوغان يوم الجمعة 7 أيار/مايو الجاري بقوله إننا "نسعى لاستعادة هذه الوحدة ذات الجذور التاريخية مع شعب مصر، ومواصلتها مجددًا كأشقاء أصدقاء وليس كأشقاء أعداء". ولفت إلى أن رؤية الشعب المصري مضطرًا للاصطفاف إلى جانب الشعب اليوناني ضد تركيا أمر يحزن أنقرة.
وقد فترت العلاقات المصرية التركية بعد انقلاب عبد الفتاح السيسي على محمد مرسي في العام 2013، وبعد موقف أردوغان من الانقلاب وتصريحاته القوية ضد السيسي ووصفه في أكثر من مرة بالقاتل. وازدادت العلاقات سوءًا بعد أن اتخذ عدد من أعضاء حركة "الإخوان المسلمون" من تركيا قاعدة إعلامية وسياسية ضد نظام السيسي.
وبغض النظر عن وجود أعضاء من الإخوان في تركيا واتهام النظام المصري للحركة بأنها منظمة إرهابية، فإن أهم قضايا الخلاف المصري التركي تتركز حول الوجود العسكري التركي في ليبيا، وحول ترسيم الحدود البحرية بين تركيا ومصر، بعد أن أعلنت تركيا عن توقيع اتفاقية بحرية أمنية مع الحكومة الليبية في طرابلس.
إن العلاقات الخارجية للدول الوظيفية التابعة مثل مصر لا تقوم أساسًا على "المصالح القومية" كما تزعم، وإنما تخضع لدورها الوظيفي الذي تقرره الدولة صاحبة النفوذ فيها، وهي الولايات المتحدة الأميركية ما لم تهدد سياستها الحاكم ومستقبله، أو ما دام الحاكم قادرًا على ضبط ردود الأفعال الداخلية على تواطئه مع الخارج، لا سيما وأن دول المنطقة بمجملها دول استبدادية تتحدد سياستها الداخلية والخارجية وفق إرادة الحاكم الذي يستند في حكمه إلى الخارج. وبالتالي لا يمكن أن ينمو على جذع العلاقات الخارجية للدول الوظيفية أية مصالح تخصها وشعبها، وإنما تخص الدول الأجنبية.
وفي ضوء ذلك وفي ظل حاجة مصر إلى التقارب الذي ينفع النظام المصري لناحية وقف الهجوم الإعلامي الذي تشنه المعارضة على الرئيس عبد الفتاح السيسي من تركيا، والتي ما تزال تشكل فزاعة له وخطرًاعلى نظامه، وكذلك حاجة تركيا إلى ترطيب العلاقات مع مصر لتأمين وجودها في المشهد الليبي ومصالحها في شرق المتوسط، بموجب البراغماتية السياسية التي يمارسها أردوغان يندرج رأب الصدع وتفعيل العلاقات بين البلدين. سيما وأن الولايات المتحدة ترغب بتقديم الإغراءات من قبيل إعادة علاقات الرئيس أردوغان مع مصر لكبح توجهه نحو روسيا، وإضعاف الوجود الروسي الذي يتقوى بالخلاف المصري التركي في المشهد الليبي. وبخاصة وأن أميركا ما تزال تعمل على استرداد تركيا من أردوغان وحزب العدالة والتنمية بمختلف الوسائل والأساليب على قاعدة "تركيا أكبر من أردوغان".
ولذلك ما تزال الولايات المتحدة تثير لأردوغان المشاكل الاقتصادية، لتقويض شعبيته في الداخل، وما تزال تدعم قيام كيان كردي في الشمال السوري والعراقي، وتهدد بتفتيت تركيا عرقيًّا وقوميًّا، كما تحاول الضغط عليه من خلال اعتراف بايدن بما يسمى بـ"مذابح الأرمن"، وتحرض المعارضة الداخلية وتمدهم بذخيرة سياسية لانتقاد أردوغان نحو التردي الاقتصادي وملف العلاقات الإقليمية والدولية.
وقد حدثت الاستدارة من قبل الرئيس أردوغان بشأن إعادة العلاقات مع دول المنطقة بعد تضرر الاقتصاد التركي بفعل الاستهداف الأميركي وجائحة كورونا، والذي يستمد منه أردوغان شعبيته وقاعدته الانتخابية، وحصلت الاستدارة في سياسة أردوغان كذلك بعد مجيء بايدن وتهديداته لأردوغان وحزبه، وبعد أن أدرك أردوغان بأن عودة الإخوان إلى الحكم في مصر قد طويت صفحته أميركيا في المدى المنظور، ولم تعد سياسة "الإنموذج الإسلامي التركي" ورقة يمكنه الإفادة منها، وبعد أن أصبحت تركيا في عزلة إقليمية تستغلها المعارضة التركية للنيل من شعبيته داخليًّا، حيث يريد أردوغان أن يسدَّ ذرائع المعارضة التركية التي تتهمه بأنه أفقد تركيا علاقاتها الجيدة في الإقليم بعد نجاح أحمد داوود أوغلو في سياسة "صفر مشاكل" مع الخارج، بالإضافة إلى تحييد مصر بشأن ترسيم الحدود في شرق المتوسط، والذي انحازت فيه مصر إلى اليونان وقبرص اليونانية و"إسرائيل"، وتبديد رهان فرنسا على مصر واليونان في هذا الشأن.
وبالتالي فإن قضية عودة العلاقات بين مصر وتركيا هي مصلحة أنظمة وحكام في سياق المصالح الأميركية في المنطقة وليست مصلحة شعبية. وقد مهدت تركيا لهذا التقارب بلقاءات استخبارية متكررة انتهت بـلجم الخطاب الإعلامي الخاص بالمعارضة المصرية في تركيا عن تناول النظام المصري بما يضمن تطبيع العلاقات بين البلدين.
وأما بشأن مصير الإخوان في تركيا في ظل هذا التقارب، فإن أردوغان لا يقدم نفسه أو نظامه باعتباره حارسًا للإسلام والمسلمين في المقام الأول، أو يقيم تحالفاته الداخلية وعلاقاته الخارجية على أساس الشريعة الإسلامية، إذ إن العلمانية هي أساس نظامه رغم استقلاله سياسيًّا، والبراغماتية هي طريقته في ممارسة السياسة، والمصلحة هي معياره. وهذا يقودنا إلى التذكير بأن الرهان على الأنظمة العلمانية هو رهان خاسر حتى لو كان حكامها مستقلين، وتملؤهم العاطفة الدينية. إذ الرهان الوحيد هو الرهان على الإسلام وعلى الأمة وعلى الدولة التي تقوم على شريعة الله فحسب.
27/رمضان/1442هـ
9/5/2021م