المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التعليق السياسي حول ما يحدث في القدس



Abu Taqi
09-05-2021, 05:01 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

التعليق السياسي
ماذا يحدث في القدس
تشهد مدينة القدس منذ بداية شهر رمضان اعتداءات يقوم بها جنود الاحتلال والمستوطنون، وبخاصة في منطقة باب العامود، وحي الشيخ جراح، المهدد أهله بإخلاء بيوتهم لصالح المستوطنين. وازدادت هذه الاعتداءات على المسلمين في القدس في الأسبوع الأخير من شهر رمضان المبارك.
وقد أعربت عدد من الدول عن قلقها وتنديدها لما يجري في القدس، وبخاصة فيما يتعلق بإخراج سكان حي الشيخ جراح من بيوتهم وتوطين المستعمرين فيها. فقد دعت الولايات المتحدة إلى "التهدئة" في القدس، و"تجنب" إخلاء عائلات فلسطينية لصالح مستوطنين إسرائيليين"، في إشارة إلى حي الشيخ جراح.
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية جالينا بورتر، للصحافيين: "نشعر بقلق عميق إزاء تصاعد التوتر في القدس"، معربة أيضًا عن "القلق بشأن عمليات الإخلاء المحتملة للعائلات الفلسطينية" من أحياءٍ في القدس الشرقية، و"كثير منهم، بالطبع، يعيشون في منازلهم منذ أجيال".
وشددت على أنه "مع دخولنا فترة حساسة"، "سيكون من الضروري (...) التشجيع على تهدئة التوتر وتجنب مواجهة عنيفة". وأضافت "قلنا مرارًا وتكرارًا إنه من الضروري تجنب إجراءات أحادية من شأنها مفاقمة التوتر أو تبعدنا أكثر عن السلام، وهذا يشمل عمليات الإخلاء والأنشطة المتعلقة بالاستيطان".
ويكشف هذا الموقف الأميركي أن الولايات المتحدة وإن كانت تسعى للتهدئة من أجل تمرير مسألة إبقاء القدس عاصمة لإسرائيل، لكنها في نفس الوقت تستفيد من هذا التوتر على الأرض حتى تثبت أن إسرائيل غير قادرة على حماية حقوق الفلسطينيين وحق العبادة لغير يهود في القدس، وإيجاد مناخ دولي ضاغط باتجاه تدويل الأماكن المقدسة، ومناخ شعبي يدفع فيه الناس إلى التوجه بقضية حي الشيخ جراح للمنظمات الدولية؛ أي جعل قضايانا تحل وفقًا للشرعية الدولية التي تتحكم به أميركا، وعبر أدواتها كالمحكمة الجنائية، ومجلس الأمن. وذلك لذر الرماد في عيون المسلمين بشأن تملك "إسرائيل" للقدس واتخاذها عاصمة لها. إلا أن "إسرائيل" استبقت هذه الخطوة وعمدت على إحاطة القدس بمجموعة هائلة من أحزمة المستوطنات وركزت على اغتصاب الأرض وطرد المسلمين عبر "قوانين" الضم، وهدم جميع الأبنية الأثرية الملاصقة للمسجد الأقصى، من أجل تهويد المدينة والاستيلاء على المقدسات.
إن الصراع في القدس هو صراع عقائدي بين المسلمين ويهود على القدس والمسجد الأقصى، ويريد حكام العرب تكريسه صراعًا سياسيًّا على السيادة، وما تقوم به إسرائيل هو الاستيلاء على القدس بما فيها المسجد الأقصى والأماكن المقدسة، غير أن أميركا وبعد أن أعطت القدس عاصمة لما يسمى بدولة إسرائيل فإنها تريد تدويل الأماكن المقدسة، وأن لا تكون سيادة لطرف عليها دون الآخر، ولهذا الهدف اخترعت "الديانة الإبراهيمية" بالتعاون مع أنظمة الدياثة في المنطقة. وهذا يعني أن الغاية من"الديانة الإبراهيمية" علاوة على تمييع الإسلام، هي تدويل الأماكن المقدسة بما فيها القدس؛ أي جعل الأماكن المقدسة تحت الوصاية الدولية، ونزع أي وصاية محلية عليها.
أما على الصعيد الداخلي في كيان يهود فإن نتنياهو يحاول من وراء هذه الاعتداءات أن يحصل على دعم الأحزاب المساندة لبقائه في الحكم، بتواطؤ من قِبَل الدول العربية التي حضر سفراؤها بكل خِسّة ومهانة وسط هذا العدوان السافر مأدبة إفطار أقامها لهم وزير الخارجية الإسرائيلي، وتواطؤ من قبل أبي مازن "محمود عباس"، الذي لم يُرد أن تقع أية انتخابات فلسطينية تضعف مركز فتح في السلطة وهو ما حصل، وذلك في الوقت الذي تسعى فيه أميركا أن تكون الانتخابات الفلسطينية قاعدة لتمرير مخططاتها في القدس والسلام الإقليمي، ولذلك دفعت بالدول الأوروبية للضغط على السلطة وكيان يهود لإجراء الانتخابات ولم يفلحوا.
ومن جانب آخر، كانت وزارة الخارجية الأردنية قد أعلنت، في 29 نيسان/إبريل الماضي، عن تصديقها على 14 اتفاقية، وتسليمها إلى أهالي حي الشيخ جراح في القدس الشرقية عبر وزارة الخارجية الفلسطينية، تدعم تثبيت حقوق أهالي الحي بأراضيهم وممتلكاتهم، بما يشبه رفعًا للعتب وإخلاءً لطرف النظام الأردني من تداعيات القضية، إلا أن المحكمة رفضت قبول كافة الوثائق التي قدمها الأهالي بحجة "أنها وصلت متأخرة".
ومن خلال هذه الملابسات والتصعيد ضد أهالي القدس من قبل قطعان المستوطنين الذين لم يسبق أن كثفوا عدوانهم على ساحات المسجد الأقصى في العشر الأواخر من رمضان، وبإسناد من المحاكم والشرطة الإسرائيلية، يبدو الأمر جليًّا بأن السلطات الإسرائيلية قد شرعت بخطوات عملية وبشكل متسارع لاستكمال تهويد القدس وطرد الفلسطينيين من أحيائها تنفيذًا لمخرجات قرارات ترمب، كما فعلوا في حي المغاربة سنة 1967، مستغلين الغطاء السياسي الذي وفره التطبيع والتحالف العربي وولع ابن سلمان بالسلطة واستعداده للتطبيع، وشوق السلطة الفلسطينية للمفاوضات لتعويض شرعيتها المفقودة بعد اختلاف قادتها على المغانم، وتمزق صفوفها، وفشل انتزاع شرعيتها الكاذبة من الانتخابات، ومستغلين ضعف النظام الأردني الباحث عن سند خارجي بعد خسارته السند الداخلي، وبخاصة بعد جولة الملك الأخيرة مع شقيقه الأمير حمزة وارتفاع الأصوات المطالبة بنزع السلطات من القصر.
ورغم أن كافة الأطراف هبّت للاستثمار في الأحداث، بيد أنه لا شك بأن هذه الأحداث تندرج في سباق الكيان الصهيوني مع الزمن لفرض وقائع التهويد لمدينة القدس واعتبارها عاصمة أبدية لإسرائيل وفرضه كأمر واقع في مواجهة أي تحرك مرتقب بشأن المفاوضات، ولتعزيز موقف نتنياهو الداخلي في وجه خصومه، وهو ما أكدته المؤسسات الحقوقية إلإسرائيلية التي صرّحت بأن قرارات الإخلاء تأتي ضمن مخطط تهويد مدينة القدس، بالإضافة إلى هدم البيوت ومصادرة الأراضي وغيرها، كما يؤكده دعوة بعض الكُتاب الموجهين والقادة السياسيين مثل رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، ووزير الخارجية اللبناني الأسبق جبران باسيل إلى "الرابطة المشرقية" العابرة للحدود الوطنية والأديان تحت عناوين اقتصادية، ومصدات للتنظيمات "الإرهابية" ووحل "البلقنة" التي غرقت بها المنطقة في "الربيع العربي"، بهدف محو الحدود وإعادة تشكيلها على أسس قومية ومذهبية تتيح للأقليات كالشيعة والأكراد والمازيغ المطالبة بالاستقلال الفدرالي، كما تزيل العقبات المعيقة لدمج كيان يهود في الشرق الأوسط الكبير.
وفي ضوء ذلك كله يؤول التصعيد وتوسيع دائرة العدوان والصدام في القدس ليشمل المسجد الأقصى تمهيدًا لانتزاع المقدسات من المسلمين وتدويلها، لا سيما وأن تحرك المسيحيين في مدينة القدس منذ بداية الأحداث ودعوة قساوستهم للدفاع عن الأقصى، وتسليط الضوء على معتقليهم، يخدم فكرة الدين الإبراهيمي الذي ترعاه الولايات المتحدة و"إسرائيل" وحكام الإمارات والسعودية بخاصة، والوصول من ذلك إلى علمنة الحل باعتبار أن العلمانية تقف على مسافة واحدة من أطراف "الديانات الثلاث" بحسب زعمهم، وتدويل المقدسات، ووضعها تحت وصاية دولية وسيادة "إسرائيلية" فوق الأرض، ورعاية أردنية على السكان، وحل مشكلة اللاجئين بالتوطين، وحل عقدة القدس التي تقف عائقًا أمام التسويات السياسية وتصفية قضية فلسطين إلى الأبد، وهو الأمر الذي يُحصن الكيان الغاصب ويؤمن له حماية دولية ويضمن له يهودية الدولة، ويجعل تحرير القدس خروجًا على الإجماع والقانون الدولي ويجعل ثمن تحرير فلسطين مواجهة المسلمين لـ"المجتمع الدولي" بأسره.
إنه وبالرغم من الصور ومقاطع الفيديو التي توثق الاشتباكات والعدوان على القدس وأهلها، وتستصرخ حمية المسلمين ودينهم، وتستدعي نخوتهم ومروءتهم، قد اجتاحت الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، ووصل صداها إلى جميع أنحاء العالم، لكنها لم تجد من أبناء الأمة غير تعبيرات العاجزين التي لا تليق بميراث خير أمة أخرجت للناس، ولا تليق بالموقف الذي يجب أن يتخذه المسلمون بشأن حرمة دم وعرض إخوانهم وأخواتهم القابعين في الأسر منذ عشرات السنين، ولا تليق أيضًا بقضية تستهدف حقوق المسلمين ووجودهم في القدس المغتصبة وهويتها الإسلامية، وهم أمة الجهاد وفي شهر الجهاد والانتصارات.
إن القضية ليست فقط بلاد اغتصبها الأعداء، إنما هي قضية حرب جنودها الحكام العملاء وأنظمتهم، وضباطها الدول الغربية كلها وفي مقدمتها أميركا، والمؤسسات الدولية، والطريق لخوض هذه الحرب طريق واحد فحسب ولا يوجد غيرها أبدًا، ألا وهي تصحيح الأوضاع بإقامة الخلافة ثم إعلان الجهاد قتالًا في سبيل الله لإعلاء كلمته، هذه هي الطريق ولا طريق غيرها. ولما كان الجهاد الذي يُعدُّ الحل الوحيد والشرعي قد عطله الحكام، وآثروا دمج كيان يهود في المنطقة على مواجهته واستئصاله، ولا يبغون عن التقاطر على البيت الأبيض والرهان عليه والعودة بخفي حنين عنه بديلاً، فقد آن لكل مسلم أن يقدم لدينه ومقدساته ويتقرب إلى الله بالعمل الجاد والمثابر لاستئناف الحياة الإسلامية، وإقامة الخلافة التي على منهاج النبوة، والتي تجند شباب المسلمين الذين يتوقون لحكم ربهم، وللثأر من أعدائهم، لتحرير إخوانهم وأخواتهم ومقدساتهم، الذين لا تعوزهم الشجاعة والإقدام لتلبية ذلك الواجب، بل يعوزهم أن يشروا أنفسهم لله ابتغاء مرضاته والتقرب إليه بالعمل لإقامة الدولة الإسلامية، والإعداد للجهاد والاستشهاد، وليس ذلك على رجال محمد صلى الله عليه وسلم بغريب، ولا النصر على الله بعزيز.
فقد برهن شباب القدس الذين يحبون الله ورسوله أن قناة المسلمين لا تلين، وأن شجاعتهم فضحت جبن جيوش الحكام العملاء، الذين لولا خيانتهم ما قام ليهود ركن في بلاد المسلمين.
ولا تزال الأحداث تبرهن للأمة الإسلامية أن طريق الخلاص والتحرر من الاستعمار بكل أشكاله، والتخلص من الذل والانكسار ومحو الصهاينة وكيانهم والانتصار لأهلنا ومقدساتنا لن يمر إلا من فوق عروش الظالمين. فإلى العمل لشق الطريق بكل جهد ممكن أيها المسلمون الرجال الذين يتوقون لحكم الله والجهاد في سبيل الله.
26/رمضان/1442هـ حزب التحرير
8/5/2021م