Abu Taqi
23-04-2021, 12:31 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
متابعة سياسية
مقتل الرئيس التشادي إدريس ديبي
أعلن الجيش التشادي يوم الثلاثاء 20 إبريل/نيسان الجاري أن الرئيس ديبي أُصيبَ بجروحٍ قاتلة. ثم ما لبث أن صرح المتحدِّث باسم الجيش، الجنرال عظيم برماندو، في بيانٍ أذاعه التلفزيون الرسمي، بأن ديبي "لفظ أنفاسه الأخيرة في الدفاع عن وحدة الأراضي في ساحة المعركة". حيث يُزعم بأنه توجه لزيارة القوات التشادية التي تقاتل جبهة التغيير والوفاق في شماليّ البلاد على الحدود مع ليبيا! وبحسب تقرير لموقع صحيفة الواشنطن بوست فإن التفاصيل الدقيقة لمقتل ديبي ما تزال غامضة.
وقد وقع الحادث وسط نزاع بين محمد مهدي علي زعيم جبهة الوفاق من أجل التغيير (fact) ويايا ديلو المنافس على الرئاسة الذي تعرض لمحاولة التصفية من قبل ديبي قبل شهرين وبين الرئيس ديبي الموالي للولايات المتحدة، رغم احتفاظه بعلاقات ودية مع فرنسا لاعتبارات ثقافية تستهدف أصحاب التوجهات الإسلامية في تشاد والقارة الإفريقية.
ولفهم السياق الذي وقع فيه الحادث الذي تم فيه التخلص من ديبي لا بد من الإشارة إلى أن فرنسا ورغم تقلص نفوذها لصالح الولايات المتحدة، لكنها ما تزال تحتفظ بحضورها في الحياة السياسية لتشاد والدول الإفريقية الفرنكوفونية، بسبب الرابط الثقافي والمصالح الاقتصادية والأمنية، التي تقف موقف الدفاع عنها عبر قواعدها العسكرية، وبعض العملاء المغامرين والطامحين. كما لا بد من الأخذ بعين الاعتبار استغلال ألمانيا مساعي بايدن نحو التشارك والتحالف وانتهاج أسلوب القوة الناعمة في التعاطي مع الدول الأوروبية، ومحاولتها تخفيض حدة التوتر مع روسيا ومواصلة المشاريع المشتركة معها مما تسبب بمضايقة أميركا للمستشارة الألمانية ميركل وشيطنتها لحساب منافسي حزبها، وفي إشعال أميركا جبهة أوكرانيا لتعميق الأجواء السلبية بينها وبين روسيا، وكذلك استغلال فرنسا لنهج بايدن ومحاولة ماكرون تعزيز الموقف الفرنسي في مناطق نفوذه التقليدية والاستقلال عن الولايات المتحدة في تأمين المصالح الفرنسية، وهو الأمر الذي قابلته إدارة بايدن بمزيد من الضغوط والمشاكل التي لا غنى لفرنسا فيها عن الولايات المتحدة كقضية أوكرانيا وشرق المتوسط وليبيا والخصومة مع تركيا، بالإضافة إلى تنحية الرئيس ديبي صاحب المرونة مع فرنسا في تشاد، وحرق عملاء فرنسا في تونس والجزائر، ومن ذلك فضح علاقة الرئيس التونسي قيس سعيد بفرنسا، ثم فضح علاقته السابقة مع المخابرات الأميركية، وإفقاده سنده الشعبي، وإلجائه للتوجه إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بلا أجندة محددة ودون أن يوقع أي اتفاقية مع مصر، وإنما لطلب الدعم ومغازلة أميركا فقط، ثم عودته إلى تونس ومحاولته الاستناد إلى الجيش التونسي في مواجهة خصومه عبر خطاباته وزياراته وتحريضه المتكرر للجيش.
ففي هذا السياق يمكن أن ندرك تنحية الرئيس التشادي إدريس ديبي بنفس الطريقة التي اتبعتها الولايات المتحدة مع الرئيس الكونغولي كابيلا الذي دعمته وهددت سلفه الرئيس موبوتو بالسحل في شوارع كنشاسا إذا لم يسلم الحكم لكابيلا، والذي تحول ولاؤه لفرنسا بعد زيارته لها، ثم قتلته عن طريق أحد حراسه وسلمت الحكم لولده.
ومن المرجح أن أميركا هي التي تخلصت من إدريس ديبي يوم 20 نيسان/إبريل بعد ساعات قليلة من إعلان فوزه بولاية رئاسية سادسة، وعينت ابنه محمدًا خلفًا له عن طريق الجيش، كما تخلصت من رئيس مالي منذ وقت قريب لتضع بذلك ماكرون في موقف حرج داخليًّا، حيث نشرت صحيفة لوفيغارو الفرنسية مقالًا عقب خسارة مالي جاء فيه: "الانقلاب السياسي في باماكو يمثل نكسة للعملية الفرنسية، وبالتالي يجب إعادة النظر في استراتيجية باريس بأكملها".
وما تقوم به أميركا من استهداف للمصالح الفرنسية إنما يندرج في إطار توبيخ الرئيس الفرنسي ماكرون، وردعه عن تجاوز حدوده، وبخاصة فيما يتعلق بحلف الناتو ومساعي الاستقلال بأمن أوروبا بمعزل عن الولايات المتحدة، وردع فرنسا التي موّلت جيشًا من المرتزقة في مالي مثلما فعلت في تسليحها لمنطقة بيافرا سرًا للانفصال عن نيجيريا في محاولة لإضعاف النفوذ الأميركي في إفريقيا آنذاك.
غير أن ذلك لا يعني أن فرنسا تزاحم الولايات المتحدة على الموقف الدولي؛ لأن قوة الدول العظمى تبرز في التأثير على السياسة الدولية، فيكفي أن يصدر من الرئيس الأميركي تصريح حتى تنجذب الأنظار وتنحبس أنفاس دول العالم ترقبًا لما سينجم عن تصريحه، بينما تصيح دول كالصين وروسيا وفرنسا وبريطانيا دون أن يلتفت أحد لصياحها بل صراخها لعدم قدرتها على تنفيذ إرادتها إلا في مجالها الحيوي وبشكل باهت. وبالتالي فإن من الراجح أن تكون أميركا هي التي خططت لهذا الانقلاب الذي أودى بعميلها ديبي لتقويض أي تأثير لفرنسا في تشاد، لا سيما وأن محمد إدريس ديبي الذي تولى الحكم خلفًا لوالده يرتبط بعلاقة قوية بالولايات المتحدة، ومن الواضح أن سرعة توليه الحكم والإجراءات التابعة لذلك قد جاءت لقطع الطريق عن أي فراغ محتمل في السلطة، ومن أجل تفويت الفرصة على المعارضة المدعومة من فرنسا في مواصلة القتال والدخول إلى العاصمة.
وقد تم تشكيل مجلس عسكري انتقالي وحل البرلمان والحكومة رغم مخالفة هذه الإجراءات للدستور التشادي الذي ينص على تولي رئيس البرلمان الحكم في حال شغور منصب الرئاسة لمدة 45 يومًا، وبعد ذلك تتم الدعوة لانتخابات عامة. ولا يخفى أن بقاء إدريس ديبي في الحكم وهو مصاب بالسرطان قد يفتح شهية فرنسا للانقلاب عليه، فلزم أن تبادر الولايات المتحدة بإجراء وقائي يحقق أهدافها على صعيد الداخل التشادي وتأثيراته في مالي وليبيا والسودان وعلى الصعيد الإفريقي، تمامًا كدأبها على التخلص من عملائها تحوطًا لرحيلهم المفاجئ مثلما تخصلت من شاه إيران بعد إصابته بالسرطان أو لدواعي تقتضيها مصالحها وسياساتها في تخويف عملائها أو المناوئين لسياساتها، إذ أن من شأن سقوط رجال يوادون فرنسا ولو ظاهريًّا مثل الرئيس ديبي أن يُلجم النخب السياسية والقوى العسكرية في القارة الإفريقية عن التفكير في التقارب مع فرنسا على حساب الولايات المتحدة.
ولتأمين الغطاء السياسي للمجلس العسكري الجديد في تشاد دفعت أميركا بمجموعة دول الساحل والصحراء لتعلن دعمها الكامل للمرحلة الانتقالية، وذلك بعد أن التقى محمد ديبي رئيس المجلس العسكري والرئيس الحالي لتشاد مع رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، وبحث معه خريطة المرحلة الانتقالية، وهذا بالرغم من تفاهم الدول الإفريقية برفض أي نظام يأتي عبر الانقلابات العسكرية.
صحيح أن الرئاسة الفرنسية ذكرت في بيان لها أنها تؤكد التزامها باستقرار تشاد وأمنه الإقليمي، مشيرة إلى أهمية الانتقال السلمي بعد وفاة الرئيس إدريس ديبي، لكنها لم تعلن تأييدها العلني للمجلس العسكري الانتقالي، بل ذكرت أنه "تم إبلاغها بتشكيل هيئة انتقالية لتحقيق انتقال سياسي". فيما كان رد فعل الولايات المتحدة على الوضع الجديد تقليديًّا، مما يشي بوقوف الولايات المتحدة خلف القضية برمتها.
10/رمضان/1442هـ
22/4/2021م
متابعة سياسية
مقتل الرئيس التشادي إدريس ديبي
أعلن الجيش التشادي يوم الثلاثاء 20 إبريل/نيسان الجاري أن الرئيس ديبي أُصيبَ بجروحٍ قاتلة. ثم ما لبث أن صرح المتحدِّث باسم الجيش، الجنرال عظيم برماندو، في بيانٍ أذاعه التلفزيون الرسمي، بأن ديبي "لفظ أنفاسه الأخيرة في الدفاع عن وحدة الأراضي في ساحة المعركة". حيث يُزعم بأنه توجه لزيارة القوات التشادية التي تقاتل جبهة التغيير والوفاق في شماليّ البلاد على الحدود مع ليبيا! وبحسب تقرير لموقع صحيفة الواشنطن بوست فإن التفاصيل الدقيقة لمقتل ديبي ما تزال غامضة.
وقد وقع الحادث وسط نزاع بين محمد مهدي علي زعيم جبهة الوفاق من أجل التغيير (fact) ويايا ديلو المنافس على الرئاسة الذي تعرض لمحاولة التصفية من قبل ديبي قبل شهرين وبين الرئيس ديبي الموالي للولايات المتحدة، رغم احتفاظه بعلاقات ودية مع فرنسا لاعتبارات ثقافية تستهدف أصحاب التوجهات الإسلامية في تشاد والقارة الإفريقية.
ولفهم السياق الذي وقع فيه الحادث الذي تم فيه التخلص من ديبي لا بد من الإشارة إلى أن فرنسا ورغم تقلص نفوذها لصالح الولايات المتحدة، لكنها ما تزال تحتفظ بحضورها في الحياة السياسية لتشاد والدول الإفريقية الفرنكوفونية، بسبب الرابط الثقافي والمصالح الاقتصادية والأمنية، التي تقف موقف الدفاع عنها عبر قواعدها العسكرية، وبعض العملاء المغامرين والطامحين. كما لا بد من الأخذ بعين الاعتبار استغلال ألمانيا مساعي بايدن نحو التشارك والتحالف وانتهاج أسلوب القوة الناعمة في التعاطي مع الدول الأوروبية، ومحاولتها تخفيض حدة التوتر مع روسيا ومواصلة المشاريع المشتركة معها مما تسبب بمضايقة أميركا للمستشارة الألمانية ميركل وشيطنتها لحساب منافسي حزبها، وفي إشعال أميركا جبهة أوكرانيا لتعميق الأجواء السلبية بينها وبين روسيا، وكذلك استغلال فرنسا لنهج بايدن ومحاولة ماكرون تعزيز الموقف الفرنسي في مناطق نفوذه التقليدية والاستقلال عن الولايات المتحدة في تأمين المصالح الفرنسية، وهو الأمر الذي قابلته إدارة بايدن بمزيد من الضغوط والمشاكل التي لا غنى لفرنسا فيها عن الولايات المتحدة كقضية أوكرانيا وشرق المتوسط وليبيا والخصومة مع تركيا، بالإضافة إلى تنحية الرئيس ديبي صاحب المرونة مع فرنسا في تشاد، وحرق عملاء فرنسا في تونس والجزائر، ومن ذلك فضح علاقة الرئيس التونسي قيس سعيد بفرنسا، ثم فضح علاقته السابقة مع المخابرات الأميركية، وإفقاده سنده الشعبي، وإلجائه للتوجه إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بلا أجندة محددة ودون أن يوقع أي اتفاقية مع مصر، وإنما لطلب الدعم ومغازلة أميركا فقط، ثم عودته إلى تونس ومحاولته الاستناد إلى الجيش التونسي في مواجهة خصومه عبر خطاباته وزياراته وتحريضه المتكرر للجيش.
ففي هذا السياق يمكن أن ندرك تنحية الرئيس التشادي إدريس ديبي بنفس الطريقة التي اتبعتها الولايات المتحدة مع الرئيس الكونغولي كابيلا الذي دعمته وهددت سلفه الرئيس موبوتو بالسحل في شوارع كنشاسا إذا لم يسلم الحكم لكابيلا، والذي تحول ولاؤه لفرنسا بعد زيارته لها، ثم قتلته عن طريق أحد حراسه وسلمت الحكم لولده.
ومن المرجح أن أميركا هي التي تخلصت من إدريس ديبي يوم 20 نيسان/إبريل بعد ساعات قليلة من إعلان فوزه بولاية رئاسية سادسة، وعينت ابنه محمدًا خلفًا له عن طريق الجيش، كما تخلصت من رئيس مالي منذ وقت قريب لتضع بذلك ماكرون في موقف حرج داخليًّا، حيث نشرت صحيفة لوفيغارو الفرنسية مقالًا عقب خسارة مالي جاء فيه: "الانقلاب السياسي في باماكو يمثل نكسة للعملية الفرنسية، وبالتالي يجب إعادة النظر في استراتيجية باريس بأكملها".
وما تقوم به أميركا من استهداف للمصالح الفرنسية إنما يندرج في إطار توبيخ الرئيس الفرنسي ماكرون، وردعه عن تجاوز حدوده، وبخاصة فيما يتعلق بحلف الناتو ومساعي الاستقلال بأمن أوروبا بمعزل عن الولايات المتحدة، وردع فرنسا التي موّلت جيشًا من المرتزقة في مالي مثلما فعلت في تسليحها لمنطقة بيافرا سرًا للانفصال عن نيجيريا في محاولة لإضعاف النفوذ الأميركي في إفريقيا آنذاك.
غير أن ذلك لا يعني أن فرنسا تزاحم الولايات المتحدة على الموقف الدولي؛ لأن قوة الدول العظمى تبرز في التأثير على السياسة الدولية، فيكفي أن يصدر من الرئيس الأميركي تصريح حتى تنجذب الأنظار وتنحبس أنفاس دول العالم ترقبًا لما سينجم عن تصريحه، بينما تصيح دول كالصين وروسيا وفرنسا وبريطانيا دون أن يلتفت أحد لصياحها بل صراخها لعدم قدرتها على تنفيذ إرادتها إلا في مجالها الحيوي وبشكل باهت. وبالتالي فإن من الراجح أن تكون أميركا هي التي خططت لهذا الانقلاب الذي أودى بعميلها ديبي لتقويض أي تأثير لفرنسا في تشاد، لا سيما وأن محمد إدريس ديبي الذي تولى الحكم خلفًا لوالده يرتبط بعلاقة قوية بالولايات المتحدة، ومن الواضح أن سرعة توليه الحكم والإجراءات التابعة لذلك قد جاءت لقطع الطريق عن أي فراغ محتمل في السلطة، ومن أجل تفويت الفرصة على المعارضة المدعومة من فرنسا في مواصلة القتال والدخول إلى العاصمة.
وقد تم تشكيل مجلس عسكري انتقالي وحل البرلمان والحكومة رغم مخالفة هذه الإجراءات للدستور التشادي الذي ينص على تولي رئيس البرلمان الحكم في حال شغور منصب الرئاسة لمدة 45 يومًا، وبعد ذلك تتم الدعوة لانتخابات عامة. ولا يخفى أن بقاء إدريس ديبي في الحكم وهو مصاب بالسرطان قد يفتح شهية فرنسا للانقلاب عليه، فلزم أن تبادر الولايات المتحدة بإجراء وقائي يحقق أهدافها على صعيد الداخل التشادي وتأثيراته في مالي وليبيا والسودان وعلى الصعيد الإفريقي، تمامًا كدأبها على التخلص من عملائها تحوطًا لرحيلهم المفاجئ مثلما تخصلت من شاه إيران بعد إصابته بالسرطان أو لدواعي تقتضيها مصالحها وسياساتها في تخويف عملائها أو المناوئين لسياساتها، إذ أن من شأن سقوط رجال يوادون فرنسا ولو ظاهريًّا مثل الرئيس ديبي أن يُلجم النخب السياسية والقوى العسكرية في القارة الإفريقية عن التفكير في التقارب مع فرنسا على حساب الولايات المتحدة.
ولتأمين الغطاء السياسي للمجلس العسكري الجديد في تشاد دفعت أميركا بمجموعة دول الساحل والصحراء لتعلن دعمها الكامل للمرحلة الانتقالية، وذلك بعد أن التقى محمد ديبي رئيس المجلس العسكري والرئيس الحالي لتشاد مع رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، وبحث معه خريطة المرحلة الانتقالية، وهذا بالرغم من تفاهم الدول الإفريقية برفض أي نظام يأتي عبر الانقلابات العسكرية.
صحيح أن الرئاسة الفرنسية ذكرت في بيان لها أنها تؤكد التزامها باستقرار تشاد وأمنه الإقليمي، مشيرة إلى أهمية الانتقال السلمي بعد وفاة الرئيس إدريس ديبي، لكنها لم تعلن تأييدها العلني للمجلس العسكري الانتقالي، بل ذكرت أنه "تم إبلاغها بتشكيل هيئة انتقالية لتحقيق انتقال سياسي". فيما كان رد فعل الولايات المتحدة على الوضع الجديد تقليديًّا، مما يشي بوقوف الولايات المتحدة خلف القضية برمتها.
10/رمضان/1442هـ
22/4/2021م