المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : متابعة سياسية حول أهداف التصعيد بين روسيا وأوكرانيا



Abu Taqi
19-04-2021, 11:59 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

متابعة سياسية
أهداف التصعيد بين روسيا وأوكرانيا
اشتعلت الأزمة الروسية الأوكرانية مجددًا منذ شهر تقريبًا، بعد تبادل للاتهام بين الدولتين بخرق اتفاقية الهدنة المبرمة بينهما، رغم أن الخروقات من قبل الجانبين لم تتوقف أبدًا. وجاء هذا التصعيد بعد تولي الرئيس جو بايدن الحكم في البيت الأبيض، وتصعيد لهجته نحو روسيا. كما جاء قبيل انعقاد اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي منتصف هذا الشهر، وفي ضوء مساعي الولايات المتحدة لضم أوكرانيا لحلف الناتو، وهو ما ألح به الرئيس الأوكراني أثناء الأزمة بسبب رفض ألمانيا وفرنسا انضمام أوكرانيا لحلف الناتو سابقًا.
وفي هذا السياق يمكن فهم التصعيد الأوكراني الروسي الأخير، سيما وأن استراتيجية أميركا بشأن اقتلاع النفوذ الروسي من أوكرانيا ليس وليد اللحظة، بل عبر عنه زبيغنيو بريجنسكي، مستشار الأمن القومي لدى الرئيس الأميركي جيمي كارتر، في كتابة رقعة الشطرنج الكبرى بقوله: "إن روسيا، بدون أوكرانيا لا تشكل إمبراطورية أوراسية. وروسيا، بدون أوكرانيا، لا تستطيع أن تتابع السعي إلى أن تكون ذات وضع أو هيبة إمبراطورية". كما عبر عنه بقوة الرئيس الروسي بوتين عندما قال: "سبق أن خطر على بالي رمزنا الأكثر شهرة ألا وهو الدب الذي يحافظ على غابته.. وأتساءل أحيانًا: أليس من الأجدى أن يرتاح دبُّنا ويكتفي بأكل العسل والثمار البرية ولا يصطاد، هل سيتركونه حينها؟ لا.. فهم لن يتخلوا عن محاولات تقييده بسلسلة. وما إن ينجحوا في ذلك سيقتلعون أنيابه وبراثنه وهي في فهمنا اليوم قواتنا للردع النووي. وإذا حدث ذلك – لا سمح الرب – فسيصبح الدبُّ لا يصلح إلا لتحنيطه، وسيبدأون في نهب الغابة... لذلك فليس القرم هو ما في الأمر، فنحن ندافع عن استقلالنا وسيادتنا وحقنا في الوجود، وهو ما يجب لجميعنا إدراكه".
وهذا تمامًا ما فعلته أميركا عبر الثورة الأوكرانية التي أطاحت بالرئيس يانوكوفيتش الموالي لروسيا، وجاءت بفيكتور ياشنكو الموالي للولايات المتحدة، والذي أسفر عن استفزاز للرئيس بوتين الذي وجد في اجتذاب أميركا لأوكرانيا تهديدًا للنفوذ الروسي وله شخصيًّا، ودعاه إلى ضم جزيرة القرم، ووقوعه في فخ الولايات المتحدة التي أرادت أن تُفزع أوروبا من الخطر العسكري الروسي، وأن تفرض على روسيا عقوبات من شأنها أن تُبقي روسيا عدوًا لأوروبا وحلف الناتو وتبرر بقاءه.
ومن هنا كان الموقف الأميركي من الأزمة القائمة تصعيديًّا وتحريضيًّا لأوكرانيا، بخلاف الموقف الأوروبي الداعي إلى احتواء الأزمة ومنع تفاقمها، رغم تماهيه مع الموقف الأميركي.
بالنسبة لروسيا فهي تريد الإبقاء على الأمر الواقع وعدم إشعال حرب جديدة أو صراعٍ عسكريٍّ، وبخاصة وأنها تحاول إعادة بناء علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي عبر اتصالات مباشرة مع ميركل وماكرون، لكنها تحاول تدعيم موقفها الميداني بهدف ضم شرق أوكرانيا فيما إذا خضعت أوروبا لإرادة الولايات المتحدة وضمت أوكرانيا إلى حلف الناتو.
فقد صرح نائب وزير الخارجية الروسي أندريه رودينكو بأنه "لا مصلحة لروسيا بأي صراع مع أوكرانيا" مضيفًا إن "الحديث عن صراع محتمل بين البلدين تضليل إعلامي تنشره سلطات كييف"، مؤكدًا إن جهود بلاده رامية لتنفيذ "اتفاق مينسك" عبر منظمة التعاون والأمن الأوروبي.
أما على المدى البعيد فتراهن روسيا على تفكيك أوكرانيا، وفصل شرقها وجنوبها الشرقي، عبر الاستفتاء كما فعلت في القرم، بهدف الاحتفاظ بموقع استراتيجي على البحر الأسود. بينما تحاول الدول الأوروبية وبخاصة فرنسا وألمانيا اللتان رفضتا سابقًا ضم أوكرانيا إلى حلف الناتو، نزع فتيل الأزمة لسد ذرائع الولايات المتحدة التي ما فتئت تبتزهم لوقف المشاريع الحيوية المشتركة مثل مشروع نورد ستريم2، الذي طالبت أميركا الألمان الانسحاب منه مؤخرًا. حيث قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، إن المشروع الروسي نورد2 "اتفاق سيء لألمانيا وأوكرانيا ولحلفائنا في أوروبا الوسطى". وأضاف: "وزارة الخارجية تتابع عمليات إكمال خط أنابيب نورد2 وتقيم المعلومات الخاصة بالجهات المرتبطة بالمشروع". وأشار إلى أن الإدارات الأميركية المختلفة قالت: إن "هذا المشروع الغرض منه تقسيم أوروبا وإضعاف أمن الطاقة الأوروبي". وأردف قائلًا: "نكرر تحذيرنا للجهات المرتبطة بخط أنابيب نورد2 أنها تواجه خطر العقوبات الأميركية".
وعلى صعيد آخر، فإن الولايات المتحدة تعمل على توطيد العلاقة التركية الأوكرانية، وتأمل بزج تركيا في أتون النزاع الأوكراني الروسي لتوتير علاقتها مع روسيا، سيما وأن أوكرانيا تمثل أهمية كبيرة لروسيا لاعتبارات عرقية وطائفية وأخرى جيوسياسية واستراتيجية، حيث تعتبر أوكرانيا السلافية الأرثوذكسية خط الدفاع الأول عن روسيا وتفصلها عن دول حلف الأطلسي. ولهذا كان الموقف التركي على لسان أردوغان بضرورة حل الأزمة الروسية الأوكرانية بالطرق السلمية حذرًا؛ يرضي الولايات المتحدة من جهة ولا يُغضب روسيا من جهة أخرى.
فقد صرح أردوغان بأن دوره ليس "موجهًا ضد أي دولة أخرى"، ويقصد بذلك روسيا، فيما أعرب عن رغبته بالوساطة بين روسيا وأوكرانيا في محاولة لامتلاك أوراق مقايضة مع روسيا، وأضاف "نأمل انتهاء التصعيد شرقي أوكرانيا في أقرب وقت وحل النزاع عبر الحوار على أساس اتفاقية مينسك". وأكد على ضرورة مواصلة بعثة المراقبة الأوروبية الخاصة إلى أوكرانيا مهمتها لتحقيق الاستقرار في منطقة دونباس، موضحًا أن هدف تركيا الأساسي يتمثل في أن يظل البحر الأسود واحة للسلام والاستقرار والتعاون، وذلك لإدراكه بأن تفاقم الأزمة من شأنه أن يُرغم تركيا على الوفاء بالتزاماتها نحو حلف الأطلسي، مما يفقد علاقته مع بوتين مقدارًا كبيرًا من الثقة، ويوهن العلاقة والتفاهم بينهما في الملف السوري وقضية الأكراد على وجه الخصوص، وهو عين ما تريده الولايات المتحدة.
ولذلك تعتبر أوكرانيا إحدى بؤر التوتر التي تراهن عليها الولايات المتحدة في استهداف علاقة تركيا مع روسيا من جهة، وعلاقة أوروبا مع روسيا من جهة أخرى. وبقدر ما يخدم تعطيل الحلول بشأن أوكرانيا استراتيجية روسيا ورهانها في تفكيك أوكرانيا، يخدم استراتيجية أميركا في إدارة العلاقات بين الأطراف ذات الصلة وهي روسيا وأوروبا وتركيا. غير أن إطالة أمد النزاع قد يضطر أوروبا إلى الخضوع بشأن ضم أوكرانيا لحلف الناتو، وهو ما يفهم من كلمة رئيس الاتحاد الأوروبي شارل ميشيل خلال مكالمته مع الرئيس الأوكراني زيلينسكي، حيث أكد "دعم الدول الأعضاء الذي لا يتزعزع لأوكرانيا" مضيفًا إن "الاتحاد الأوروبي متحد في تضامنه مع أوكرانيا"، وإن التحركات الروسية على الحدود الأوكرانية "تمثل أنشطة تهديدية ومزعزعة للاستقرار". كما أكد استجابته لدعوة أوكرانيا لحضور "قمة القِرم" التي ستنعقد في كييف ليلة احتفال أوكرانيا بعيد الاستقلال في ٢٣ آب/أغسطس.
كما ظهر الانحناء الأوروبي من خلال قيام دول البلطيق بدعم مطالبة أوكرانيا بـ "مساندة فعلية". وظهر كذلك في ختام قمة الناتو الطارئة لوزراء الخارجية والدفاع من خلال البيان الختامي الذي شجب التعبئة العسكرية الروسية على حدود أوكرانيا، ودعا إلى دعم العقوبات الأميركية على روسيا متهمًا لها بـ "استمرارها في إظهار نمط مستدام من السلوك المزعزع للاستقرار".
وبصرف النظر عن الاتهامات المتبادلة بين الروس والأوكرانيين بشأن الطرف الذي بدأ التصعيد، إلا أن قيام السلطات الأوكرانية باستفزازات ضد المعارضة المرتبطة بروسيا، وإغلاق قنوات أوكرانية تابعة لروسيا، ونشر قوات أميركية وأطلسية في أوكرانيا، قد تلقته روسيا بريبة وأن له ما بعده، وبخاصة مع تبدل الإدارة الأميركية وتصعيد بايدن ضد روسيا، والذي يندرج في إطار التضييق على بوتين وعصابته، وفي إطار تجييش أوروبا ضد روسيا بسبب ضم جزيرة القرم، التي تسعى أوكرانيا بالتواطؤ مع أميركا على عقد مؤتمر بشأنها في آب/أغسطس المقبل واتخاذها ذريعة لتمديد العقوبات الغربية على روسيا، مما استدعى تكثيف التواجد العسكري الروسي على الحدود الأوكرانية الشرقية؛ تحسبًا لأي تهديد أوكراني للمقاطعات الانفصالية، إذ أن التطاول على روسيا من شأنه أن يضعف مكانتها الدولية وُيجرِّئ دول الإقليم عليها، وهو الأمر الذي لا يمكن لروسيا التساهل معه؛ لأن التراخي الروسي مع التحديات والتهديدات يزيد من تآكل نفوذها، ويجلب الأزمات إلى داخلها في نهاية المطاف، وهو ما عانى منه الروس في زمن يلتسن وقضية الشيشان. وبخاصة وأن استراتيجية الولايات المتحدة في التعاطي مع روسيا غالبًا ما تأتي بعوائد سلبية على صعيد علاقة روسيا بأوروبا رغم محاولتها المتكررة لتهدئة روع الأوروبيين، وهذا ما تستغله الولايات المتحدة في توسيع الفجوة بين أوروبا وروسيا من جهة وبين روسيا وتركيا المتحالفة مع أوكرانيا من جهة أخرى، ولعل ذلك ما يفسر العقوبات الأميركية على الصناعة العسكرية التركية والسماح لأوكرانيا بعقد الشراكات في مجال التصنيع العسكري مع تركيا. وبالتالي فإن أزمة أوكرانيا هي استمرار لحصار روسيا وتهديد مباشر لمجالها الحيوي، وتسخين للجبهة الغربية مع روسيا تحوطًا لتوجه فرنسا وألمانيا بتخفيف التوتر مع روسيا، وبخاصة وأن ألمانيا لا تزال تنخرط مع روسيا في مشاريع الطاقة، التي تعزز اعتماد أوروبا على روسيا وتوثق العلاقة معها، وتُبدد مخاوفها الأمنية، بخلاف ما ترجوه الولايات المتحدة من أجواء سلبية مكثفة بين أوروبا وروسيا تثيرها عبر بريطانيا وعن طريق عملائها في أوروبا الشرقية، كطرد الدبلوماسيين الروس من جمهورية التشيك مؤخرًا وذلك لتبرير حاجة بقاء الناتو.
إذ أن القضية المحورية تدور حول الأمن الأوروبي ودور الولايات المتحدة فيه عبر حلف شمال الأطلسي، حيث جاء في إرشادات التخطيط الدفاعي الأميركي لعام 1992 "يجب أن نسعى لمنع ظهور الترتيبات الأمنية الأوروبية فقط التي من شأنها تقويض الناتو - وخاصة هيكل القيادة المتكامل للحلف". ولهذا ادعى وزير الدفاع الأوكراني عشية قمة الحلف الأطلسي مؤخرًا خلال كلمته للجنة الدفاع الأوروبي بالبرلمان الأوروبي أن "روسيا تستعد لتخزين أسلحة نووية في القِرم" مستدلًا بـ "الأعمال التحضيرية للبنية التحتية بالقِرم" والتي بدأتها روسيا، حيث يعد ذلك تهديدًا مباشرًا للأمن الأوروبي.

7/رمضان/1442هـ
19/4/2021م