المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : متابعة سياسية حول معاهدة نيوستارت والاتفاق الصيني الإيراني



Abu Taqi
31-03-2021, 10:24 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

متابعة سياسية
معاهدة نيوستارت والاتفاق الصيني الإيراني
أولًا: معاهدة نيوستارت:
معاهدة نيوستارت الأميركية الروسية تخص الصواريخ البالستية بعيدة المدى، وتم التوقيع عليها في عام ٢٠١٠ حيث منحت كل دولة مدة لتطبيق التزاماتهما وقد انتهى العمل بالاتفاقية في العام ٢٠١٨ ثم جرى تمديدها مع مجيء بايدن إلى البيت الأبيض لفترة تنتهي سنة ٢٠٢٦.
وهذه المعاهدة هي امتداد لاتفاقية ستارت ١ التي جرى التوقيع عليها من قبل بوش الأب وجورباشوف في عام ١٩٩١، أعقبها ستارت 2 التي لم يتم اعتمادها ثم ستارت 3 التي فشلت المفاوضات حولها.
ومعاهدة نيوستارت تم توقيعها من قبل الرئيس الأميركي أوباما والروسي مدفيديف عام ٢٠١٠، وتُعنى بتخفيض وتقليص الأسلحة الاستراتيجية الهجومية وتمنح كلًا من الدولتين حق التأكد من التزامهما بحدود الأسلحة النووية العابرة للقارات، ويلتزم بموجبها الطرفان بتخفيض مستوى الرؤوس النووية في حدود ٧٠٠ صاروخ عابر للقارات، ومحمل على الغواصات والقاذفات الجوية الاستراتيجية، و١٥٥٠ رأس نووي، و٨٠٠ حاملة برية وجوية وبحرية.
وتندرج معاهدة نيوستارت في إطار ضبط العلاقة العسكرية بين الولايات المتحدة وروسيا، ورغم أن امتلاك الدول للسلاح النووي بات يشكل حصانة ضد الحروب، نظرًا لمخاطره المدمرة على الأطراف إلا أن مثل هذه الاتفاقيات التي تبرمها الولايات المتحدة لا بد منها لتحييد الصدام المسلح من أدوات الصراع تمامًا، وتجريد الخصوم من الإفادة من القوة العسكرية التي تمثل العامل الأهم في فرض الإرادة، وحصر النزاع والتنافس مع خصومها ونظرائها في القوة العسكرية في إطار العمل الدبلوماسي الذي تمتلك الولايات المتحدة مفاعيله في إدارة العلاقات الدولية، مستغلة قوة نفوذها في العالم وتحكمها في المؤسسات الدولية وقوتها الاقتصادية وعالمية قيمها وسيادة مبدئها الرأسمالي وهيمنة عملتها على النظام المالي العالمي.
كما تحتاج الولايات المتحدة إلى مثل هذه المعاهدات لطمأنة أصحاب رؤوس الأموال والحفاظ على المناخ الآمن للاستثمار الذي يمثل عماد تفوقها الاقتصادي، وبالتالي هي معاهدة تبعث على الارتياح بين الدول والشعوب على مستوى العالم، كون الآثار المترتبة على وجود الصواريخ النووية العابرة يؤدي إلى انعدام اليقين بشأن تداعيات التوتر بين أميركا وروسيا على احتياطي دول العالم من الدولار تحديدًا، وعلى الأسواق العالمية، ومن جهة أخرى تستفيد الولايات المتحدة من معاهدة نيو ستارت في التأكيد على دورها القيادي في ضبط العلاقات العسكرية والتحكم بالسلم والأمن العالمي، بالإضافة إلى حاجتها هي إلى طمأنة شعبها من مخاطر الأسلحة النووية التي تمتلكها روسيا عبر تمديد معاهدة نيوستارت للصواريخ بعيدة المدى، وهذا بخلاف معاهدة الأسلحة النووية المتوسطة والمتعلقة بالأمن الأوروبي، التي انسحب منها ترمب لبث الذعر في الاتحاد الاوروبي؛ لضمان تحكم أميركا بأمن أوروبا عبر حلف الناتو وتحفيزها على زيادة إنفاقها العسكري، وهو الأمر الذي تكرس أميركا من خلاله عجزَ الدول الأوروبية من أجل ابتزازها واحتوائها وضمان تسخيرها في مشاريعها ومخططاتها الدولية، وهذا ما يفسر توبيخ ترمب لماكرون عندما طالب الأخير بضرورة دراسة مقترح بوتين بجعل أوروبا منطقة آمنة من الصواريخ النووية المتوسطة والقصيرة.

ثانيًا: الاتفاق الصيني الإيراني
تم التوقيع يوم السبت ٢٧ آذار/مارس ٢٠٢١ على مذكرة التفاهم الصينية الإيرانية والتي تُعد استمرارًا واضحًا لسياسة النفاذ غربًا التي استحدثها الرئيس شي جين بينغ، والتي باتت تعرف بمبادرة الحزام والطريق. إلا أن هذه الاتفاقية تنطوي على مجموعة من الخطوات التي يجب الوقوف عليها ومنها النفوذ الصيني الذي سيحقق إنتاج مصلحة اقتصادية بقيمة تتعدى 4٠٠ مليار دولار على مدى ربع قرن قادم، تضمن بواسطته الصين استيراد النفط والغاز الإيراني بأسعار مخفضة.
فبحسب المعلومات المعلنة تحتاج إيران بعد هذه السنين من العقوبات الأميركية وبعد تبديدها أموالًا طائلة لخدمة مشروع أميركا في المنطقة تحتاج لاستثمارات ضخمة تقدر بـ ٢٠٠ مليار دولار لقطاع الطاقة فقط. ولا يخفى أن صمت الولايات المتحدة على اتفاقية بهذا الحجم يعبر عن رضاها في ظل خيبة أمل إيرانية بإدارة بايدن رغم استمرار سير إيران في مشاريع الولايات المتحدة، وفي ضوء النزاع الأميركي الصيني المتصاعد في إطار دفاع الصين عن مصالحها الاقتصادية العالمية وتمسكها بمنظومتها الفكرية والسياسية المنغلقة والعصية على الاختراق الأميركي، وفي ظل مقاربات النظام الإيراني المقبل على انتخابات في شهر أيار/مايو، واستثمار الفرقاء السياسيين الإيرانيين في الوضع المأزوم سياسيًّا واقتصاديًّا، وفي ظل مقاربات الولايات المتحدة التي تطرب إلى المبادرات الصينية الفريدة والنافعة التي تبدو تصعيدًا ومزاحمة بشأن الشرق الأوسط بما في ذلك الملف النووي الإيراني وقضية فلسطين، كل ذلك لا يخفى على المتابع بأنه يصب في مصلحة الولايات المتحدة من حيث تسخير الصين في "حرب النماذج" وتحويل الصين إلى فزاعة من ورق تهدد الولايات المتحدة، وتستدعي رأب الصدع الداخلي وتكتيل الدول الرأسمالية الديمقراطية ودول جنوب شرق آسيا خلف الولايات المتحدة، كما تجعل الصين مزاحمة لأوروبا في أهم المناطق ذات المصالح الأوروبية الحيوية، وهي مناطق الشرق الأوسط وإفريقيا، مما يُعمّق حاجة الأوروبيين للولايات المتحدة. وهذا ما عبر عنه جو بايدن الأسبوع الماضي بدعوته إلى تكتل من الدول الديمقراطية لمواجهة الصين ومشاريعها العابرة للقارات.
وبالمجمل فإن مذكرة التفاهم الصينية الإيرانية تمثل ضربة للجهود الأوروبية المبذولة من أجل العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني الأميركي سنة 2015، ويعزز العناوين التي وضعتها أميركا للعلاقة مع الصين، ويؤكد الرؤية الأميركية حيال مخاطر الصين على أوروبا، ويدعو الدول الأوروبية للاستجابة للإملاءات الأميركية.
ومن جانب آخر فإن مذكرة التفاهم في حال تنفيذها من شأنها أن تمكن إيران من الحصول على منفذ من العقوبات الأميركية وتساعد التيار الإصلاحي الحاكم في إيران في الانتخابات المقبلة في شهر مايو ٢٠٢١، وهذا ما يُفسر النقد اللاذع الذي وجهه بعض قادة التيار الإيراني المحافظ مثل أحمدي نجاد لمذكرة التفاهم.
إن الدور الفعال والجذري الذي لعبته وما تزال تلعبه إيران في خدمة المشروع الأميركي واضح، إذ أنها الفزاعة التي دفعت بدول المنطقة إلى أحضان الكيان الغاصب علنًا، وسهلت اندماجه اقتصاديًّا وعسكريًّا وأمنيًّا في المنطقة. ومن المهم أن ندرك أيضًا أن الدور الإيراني لن ينتهي بتطبيع السعودية وتقليم أذرع إيران في المنطقة، بل إن استمرار وجود نظام الملالي في الساحة السياسية ضرورة أميركية في المدى المتوسط للضغط من أجل استمرار خطوات التكامل والاندماج العربي الإسرائيلي وصياغة الشرق الأوسط.
وهذا واضح من إطالة أمد الحراك الدبلوماسي مع إيران بخصوص العقوبات وإعلان أميركا عزمها إضافة مطالبات الحلفاء والشركاء لأي اتفاق طويل الأجل. ولذا يمكن رؤية أي اتفاق صيني إيراني في إطار إسعاف إيران ماليًّا وإبقائها في حالة الانعاش وتجنيبها الانهيار وتصوير النشاط الصيني كمنافس جيوسياسي لأميركا وربط الصين بدعم الدول (المارقة) مثل فنزويلا وإيران وكوريا الشمالية وميانمار، ويصب ذلك في خدمة المشروع الأميركي الداعي إلى الديمقراطية الليبرالية والقيم الغربية ومصالح الولايات المتحدة، وهو ما أشار إليه وزير الخارجية أنتوني بلنكين بقوله "لا شك في أنها تشكل أكبر تحد تمثله أي دولة للولايات المتحدة".
كما أن إفساح الولايات المتحدة المجال للتصعيد الصيني وما يبدو اختراقًا للشرق الأوسط وإفريقيا يعزز سياسة الأحلاف التي دعا إليها بايدن أثناء تنصيبه بهدف احتواء الأوروبيين الذين أسمتهم المتحدثة الرسمية باسم الخارجية الصينية "بحلفاء أميركا" من جهة، واحتواء روسيا والصين من جهة أخرى، مما يحقق للولايات المتحدة تسخير كافة الأطراف في مشاريعها الدولية وضمان قيادتها لهم.
18/شعبان/1442هـ
31/3/2021م