المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : متابعة سياسية حادثة مستشفى السلط في الأردن والضغوط والتحديات التي يتعرض لها الملك عبد



Abu Taqi
14-03-2021, 08:17 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

متابعة سياسية
حادثة مستشفى السلط في الأردن
والضغوط والتحديات التي يتعرض لها الملك عبدالله
أمس السبت صباحًا، وقعت حادثة تعطل أجهزة التنفس في أقسام العناية الحثيثة في مستشفى السلط الجديد. ووفق ما كشف عنه وزير الصحة الدكتور نذير عبيدات في المؤتمر الصحفي أن الحادث حصل نتيجة انتهاء مخزون الأكسجين، ما أدى إلى وفاة 7 من المرضى، وأشار الوزير إلى أنه يتحمل مسؤولية ما جرى، وفقًا لوكالة الأنباء الأردنية "بترا".
وعلى إثر هذه الحادثة هرول العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني إلى المستشفى "غاضبًا" ومرتديًا الزي العسكري. كما أعلن رئيس الوزراء إقالة وزير الصحة، بينما دعا كل من رئيس مجلس النواب عبد المنعم العودات ورئيس مجس الأعيان فيصل الفايز المعروفيْن بولائهما المطلق للملك، إلى جلسة لمجلس النواب ومجلس الأعيان لبحث الحادثة، وباشر عدد من المدعين العامين التحقيق في القضية وسط غضب شعبي عارم.
ومن الواضح أن ردة فعل النظام بهذا الزخم وعلى هذا المستوى تدل على حساسية الوضع السياسي الداخلي والخارجي بالنسبة للملك وولي عهده، ولذلك سارع النظام الأردني إلى توقيف مدراء المستشفى، وتوجيه تهمة عاجلة للموقوفين بالتسبب بالوفاة. إذ أن الظروف السياسية المحيطة وتعبئة النظام لقواه لمواجهة تداعيات الحادثة على المناخ الشعبي المحتقن تزيد من إضعاف المؤسسة الملكية وتصب في هيكلة جديدة للنظام الأردني بموازاة الأحداث السياسية الإقليمية والدولية، وبخاصة قضية فلسطين، وتحجيم إيران، وتسوية الملف السوري.
ورغم أن حادثة المستشفى ناجمة عن إهمال واستخفاف حكومي بقيمة الشعب إلا أن تحذير السفارة الأميركية في عمان قبل وقوعها بيوم لرعاياها بعدم التوجه إلى عدة مدن أردنية منها مدينة السلط بذريعة ما أسمته بـ"الجريمة والإرهاب" لا يؤخذ على محمل الصدفة، ما قد يجعل هذه الحادثة مادة خصبة لتوتير الأجواء وجزءًا من أدوات الصراع بين قوى الحراك المعارض والقصر، سيما مع تصعيد ما يسمى بالمعارضة ضد الملك بدعوتهم إلى التظاهر بتاريخ 24 آذار/مارس الجاري، مستغلين رغبة إدارة بايدن بالضغط على الأنظمة بمعول الديمقراطية لإضعافها، وتدوير أزمات المنطقة وتفريغ احتقان الأجواء الشعبية ومخلفات قمع الأنظمة البوليسية التي فرضتها على أهل المنطقة، من أجل تفعيل المطالبة الشعبية بالقيم الأميركية الليبرالية واستئناف تضحية أبناء الأمة في سبيلها.
إن المعطيات السياسية في الأردن ومن أبرزها التضييق الاقتصادي على الناس، وتسخير وباء كورونا في تمديد أوامر الدفاع لتكميم الأفواه وتدجين الشعب وحرمانه من الشعائر المعبرة عن وحدته كصلاة الجمعة، ومنع الحراك من التجمهر والتشغيب على المخططات والإملاءات الخارجية، وتضييق الملك على إخوته وبخاصة الأمير حمزة والأمير هاشم وتهميشه لأخويْه علي وفيصل، وتلميعه لابنه الأمير حسين ولي العهد بإظهاره الكثيف على وسائل الإعلام، بالإضافة إلى زيارة الملك قبل يومين إلى السعودية عقب استقبالها للأمير هاشم بحفاوة بالغة، وهو الأمر الذي لم يُسعد الملك، واضطره إلى عزل أخيه عن منصب كبير الأمناء في الديوان الهاشمي، وكذلك لقاء الملك مع وزير الأمن الإسرائيلي بيني غانتس الذي قال:" لسوء الحظ، نتنياهو شخصية غير مرغوب فيها في الأردن، ووجوده يضر بالعلاقات بين البلدين" في الوقت الذي رفض فيه الملك لقاء نتنياهو في ظل حاجة الأخير إلى الدعم في حملته الانتخابية، كل ذلك لا يخرج عن سياق التحديات الداخلية والخارجية التي تواجه الملك بشأن استحقاقات المرحلة السياسية المقبلة وتوريث الحكم لابنه، ولا تخرج أيضًا عن سياق التوجه الأميركي في ظل تبدل الإدارة الأميركية، ومقارباتها بشأن الحل الإقليمي الذي تعتزم الولايات المتحدة الجديدة إدارته بالقوة الناعمة وفق رؤيتها لمصلحتها ومصلحة الكيان الغاصب، والتي تقوم على ضرورة استئناف المفاوضات بمشاركة سلطة فلسطينية تمثل كافة الفصائل، وهو ما يجري الإعداد له عبر الانتخابات، ومشاركة أردنية تستوعب مخرجات الحلول النهائية، وهو ما يحاول الملك عبدالله الاستثمار فيه من أجل ضمان توريث الحكم لولده.
فمن حيث استراتيجية الولايات المتحدة بشأن ملف "اللاجئين الفلسطينيين" في الأردن فلا تغيير عليها، وهي الورقة التي يساوم بها الملك عبدالله الإدارة الأميركية في مسألة التوريث، ومن أجلها يحاول أن يزيل العقبات الداخلية التي تعترضها عبر هيكلة الجيش وجهاز الأمن وجهاز المخابرات؛ لأن هذه الجهات بالإضافة إلى الحراك العشائري والمتقاعدين العسكريين، تمثل قوى الشد العكسي التقليدي بشأن توسيع الحقوق السياسية لـ"المكون الفلسطيني".
ومن هنا جاءت رسالة الملك عبدالله لجهاز المخابرات الأردنية التي تنطوي على تقويض مفاعيله ذات الصلة بالجوانب السياسية، وحصر مهمته بالجانب المهني الأمني، لا سيما وأنه سبق تلك الرسالة التي لم تخل من توبيخ للجهاز، توجيه ملكي بسن قانون انتخاب جديد في إطار الإصلاح السياسي الذي يُراد ضبطه وفق مخرجات تصفية "القضية الفلسطينية".
وفي هذه الأجواء التي يكافح فيها الملك عبدالله الثاني من أجل تسويق ولي عهده الأمير حسين، والتأكيد على وصايته الهاشمية على المقدسات في مدينة القدس، يندرج الاحتكاك والتوتر بين الأردن و"إسرائيل" نحو تواصل القيادة الأردنية مع ييني غانتس، ومنع الكيان الصهيوني لولي العهد من زيارة المسجد الأقصى بمناسبة ذكرى الإسراء، وحرمانه من تسويق نفسه كوصي على المقدسات، في إشارة توبيخ من نتنياهو للملك عبدالله الذي استقبل منافسه غانتس، ومن منطلق عقيدة نتنياهو بسيادة "إسرائيل" على القدس، وأن ليس للأردن سوى الناحية الإدارية والخدمية لمقدسات المسلمين والمسيحيين.
وفي ضوء هذه الأحداث فمن المرجح أن تتصاعد الأحداث والتوترات الداخلية في الأردن بين سعي من قبل النظام إلى تشديد قبضته على المجتمع بذرائع مفتعلة، وبين ضغوطات حراكية، وأخرى خارجية وإغراءات، والوصول من ذلك إلى إعادة هيكلة للنظام توازن بين رغبة الملك بتوريث ولي عهده وبين مطالب أهل الأردن، ومتطلبات تصفية "القضية الفلسطينية".
وفي خضم هذا الأداء السياسي من قبل الأنظمة وممن يقدمون أنفسهم بديلًا ما يزال أهل الأردن وأبناء الأمة الإسلامية في كافة أقطارهم يدفعون أثمانًا باهظة من دمائهم وأقواتهم، وذلك لإعراضهم عن ذكر ربهم وشريعته التي فيها خلاصهم وعزهم وكرامتهم. فلا بد أن يعلموا أنه لن يكون لهم من الكرامة الإنسانية والعيش الكريم نصيب وهم ينطلقون في حراكهم وكفاحهم من تصورات قومية ووطنية، وقيم ليبرالية هابطة ومعالجات علمانية باطلة. ولا بد أن يدركوا أن الحكام في بلادهم لا يتسابقون على الإحسان في رعاية شؤونهم، بل يتسابقون على طلب الرضا من سيدهم الأميركي، الذي يتحكم بهم عبر سفارته في بلادهم.

30/رجب/1442هـ
14/3/2021م