Abu Taqi
21-02-2021, 02:49 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
متابعة سياسية
حول الحراك السياسي في تركيا
منذ 11 تشرين ثاني/نوفمبر الماضي، والوسط السياسي التركي يتعرض لعصف سياسي وتجاذبات وانشقاقات غير مسبوقة، تدور في مجملها حول حيازة واحتكار الأحزاب الكبرى (حزب العدالة والتنمية وحزب الشعب الجمهوري) للخطاب القومي المحافظ ونماذجه الإيديولوجية (العلمانية الشاملة والعلمانية الجزئية)، نظرًا لما يمثله الخطاب المحافظ بصبغته العاطفية الإسلامية والعلمانية من روافع تحمل الأحزاب إلى السلطة.
ولا يخفى أن هناك عوامل داخلية بحتة وعوامل خارجية من خلال بعض القوى السياسية التابع لها، والتي تلعب دورًا مركزيًّا في التجاذبات والاستقطابات الدائرة في المشهد السياسي، وتؤثر في أجندة الأحزاب التركية الداخلية المتعلقة بالنظام والدستور.
ومن هذا المنطلق يمكن تفسير الموقف السياسي التركي الداخلي والخارجي، مع الأخذ بعين الاعتبار أن بعض الأحداث الداخلية لا تنفصل عن تدخل الولايات المتحدة لإعادة هيكلة النظام، واستعادة تركيا إلى حظيرتها، بعد أن استقل أردوغان وأعاق بعض الأجندات الأميركية في الداخل التركي والمنطقة.
فعلى صعيد الانشقاقات التي ضربت الأحزاب الكبرى، وأدت إلى نشوء 4 أحزاب جديدة تقودها شخصيات بارزة من الحزبين الرئيسيين، فإن دوافعها تختلف باختلاف الحزب الذي انبثقت منه، إذ أن انشقاق أحمد داوود أوغلو وعلي باباجان وتأسيسهما لحزبين معارضين يندرج في الضغط على أردوغان، وكسر احتكاره للخطاب العاطفي الإسلامي والقومي المحافظ، سيما وأن علي باباجان وأحمد داوود أوغلو قد انفصلا عن حزب العدالة والتنمية وسط توتر العلاقة بين أردوغان وأميركا ووسط الضغوط الأميركية على تركيا.
وأحمد داوود أوغلو هو الذي حمل مطالب أميركا إلى بشار الأسد في بداية "الثورة السورية"، وعلي باباجان درس في الولايات المتحدة وعمل فيها. ومن المعروف أن كلا الرجلين يعارضان أردوغان في سياسته الداخلية والخارجية التي تتعارض مع سياسة الولايات المتحدة.
وأما تصدع حزب الشعب الجمهوري المعارض فصعيده داخلي، حيث شهد حركة استقالات واسعة من ضمنها نواب وشخصيات مهمة، قد تمزق الحزب الذي يمثل المنافس الأكبر لحزب العدالة والتنمية الحاكم، وتضعِف حظوظه في زحزحة أردوغان وحزب العدالة والتنمية عن السلطة في الانتخابات المقبلة، بعد النجاحات التي حققها حزب الشعب في الانتخابات البلدية الأخيرة لا سيما انتزاعه لبلدية اسطنبول معقل حزب العدالة والتنمية التقليدي عن طريق أكرم إمام أوغلو.
فبعد مضي شهر على استقالة ثلاثة من نواب حزب الشعب الجمهوري هم محمد علي جلبي عن إزمير، وحسين عوني أكصوي عن كارابوك، وأوزجان أوزال عن يالوفا، أعلن القيادي الأبرز في حزب الشعب الجمهوري محرم إنجه يوم الاثنين 8 شباط/فبراير، في مؤتمر صحفي انفصاله عن الحزب، والذي يتزعمه كمال كليتشدار أوغلو، في أكبر عملية انشقاق يواجهها الحزب منذ قرابة 12 عامًا، ما يُعدُّ ضربة قوية لحزب الشعب الجمهوري المرتبط بأميركا. وبرر إنجه استقالته بأن حزب الشعب الجمهوري يعاني من انحرافات إيديولوجية وأزمات عميقة، وخلافات بين قاعدته الشعبية وإدارته، وقال: "الآن أنا أفترق عن أولئك الذين يتوسلون من أجل الديمقراطية من الولايات المتحدة، والذين لا يسيرون على نهج مصطفى كمال أتاتورك". وأضاف: "أنا أفترق في طريقي عن حزب الشعب الجمهوري المزيف، وأولئك الذين يحمون منظمة غولن، وأولئك الذين لا يفهمون معنى الوطن الأزرق، والذين لم يتقبلوا مساعدة تركيا لأذربيجان". مما يدل على أن ثمة خلافات حادة بين أجنحة الحزب، لا تنفصل عن حالة الاستقطاب الواسعة التي تعصف بالوسط السياسي التركي برمته، بما في ذلك حزب العدالة والتنمية الذي انشق عنه علي باباجان وأحمد داوود أوغلو.
ولا يخفى أن هذه الحمى التي ضربت الوسط السياسي التركي قد اشتدت مع تبدل الإدارة الأميركية، وفي ضوء موقف بايدن المعروف بتنافره مع أردوغان، وتأييده الكبير للأكراد، وهو ما يفسر تحالف حزب الشعب الجمهوري مع حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، ويفسر الانقسام الداخلي للحزب وتصريحات محرم إنجه من الحزب وانفصاله عنه وتسخيره للخطاب القومي العلماني المحافظ لاجتذاب التأييد له.
ولذلك يتخذ محرم إنجه من الموقف الأميركي من أردوغان، ومن تقويض كمال كليتشدار لـ"مبادئ حزب الشعب" تلبية لمطالب أميركا حيال القضية الكردية رهانًا للمغامرة والاستثمار السياسي؛ لتحقيق طموحه القيادي بمعزل عن حزب الشعب الجمهوري، الذي أحدث تحالفه مع حزب الشعوب الديمقراطي الكردي ومحاكاته للعاطفة الدينية للشعب التركي انعطافًا عن "مبادئ" الحزب الكمالية والخطاب القومي الشعبوي. فهو يراهن على أن الضغوط الأميركية على أردوغان، ومنها تصريح رئيس أركان الجيش السابق إلكر باشبوغ أن "عدنان مندريس (الذي أعدم بعد الانقلاب عليه) لو كان دعا إلى انتخابات مبكرة لما حصل عليه انقلاب". ومنها أيضًا تقرير "مؤسسة راند"(rand corporation) الأميركية الذي أشار إلى أن تركيا على أبواب انقلاب جديد من الجيش بالإضافة إلى الشائعات التي أطلقها أحمد داوود أوغلو، والتي تزعم باحتمال انقلاب على أردوغان وابتعاد المساندين له، يراهن بأن هذه الضغوط على أردوغان وما سيتبعها قبل الانتخابات القادمة كفيلة بأن تضمن له موقعًا في المشهد السياسي، وبخاصة وأن توجه أحمد داوود أوغلو وعلي باباجان لتشكيل تحالف مع حزب السعادة ضد حزب العدالة والتنمية، واستمرار تحالف الحركة القومية مع حزب العدالة والتنمية، سيقضم من رصيدهم ويضعف قواعدهم الشعبية ويصب في صالحه.
ولهذا زار الرئيس أردوغان قبر رئيس الوزراء الأسبق نجم الدين أربكان، وزار رئيس مجلس شورى حزب السعادة الإسلامي المعارض أوزهان أصيل تورك في بيته لاستمالته وعرقلة تشكيل باباجان وأوغلو مزيدًا من التحالفات ضده.
وفي هذا السياق أيضًا تندرج زيارة أردوغان لحليفه رئيس الحركة القومية دولت بهجلي في بيته لتوثيق التحالف بينهما في أعقاب تصريح هذا الأخير: "في حال لم يتم إغلاق حزب الشعوب الديمقراطي الكردي والاستجابة لدعوتنا فسنقوم بما يلزم أن نقوم به".
كما يندرج في لجة هذا الحراك قيام فريق أردوغان بتأجيج النار بحزب الشعب الجمهوري لتعميق انقسامه من خلال مطالبة حزب الشعب الجمهوري بتفسير اجتماع مندوبه يورتو أوزجان مع المخابرات الأميركية والبنتاغون قبل يوم واحد من الانقلاب الفاشل سنة 2016، وهو الأمر الذي أثار جدلًا وزيادة في الضغط على حزب الشعب الجمهوري وقادته. وكذلك تأجيج الجدل السياسي وبعثرة مواقف المعارضة من خلال طرح أردوغان لمقترح التعديل الدستوري لتعزيز النظام الرئاسي الذي يطالب حزب الشعب الجمهوري وحلفائه وبخاصة "الحزب الجيد" بإلغائه والتحول إلى النظام البرلماني.
فما يجري في المشهد التركي يتلخص بجملة من الرهانات والاستثمار السياسي من كافة الأطراف في المعطيات الإقليمية والدولية الجديدة، والتحضير للانتخابات القادمة وفق أجندات شخصية ودولية.
ومن ذلك المعركة الجارية في جامعة البوسفور (معقل العلمانيين) بعد أن عين أردوغان رئيسًا جديدًا للجامعة من التيار المحافظ، وهي أول جامعة أسستها أميركا في العالم الإسلامي قبل سقوط الخلافة العثمانية.
فأردوغان يحاول أن يخلق تحصينات وآليات دفاعية لمكتسباته السياسية عبر المناورة والتراجع التكتيكي في السياسة الخارجية نحو قضية منظومة الدفاع الروسية (إس 400)، وعبر توظيف الأعمال الإرهابية التي ينفذها حزب العمال الكردستاني في حشد التأييد لسياسته ومواقفه وفي تعزيز شعبيته. ويحاول أيضًا تحصين منهجه وسياساته من خلال تحديث الدستور وتعزيز النظام الرئاسي وقطع الطريق على خصومه بشأن النظام البرلماني وتمزيق صفوفهم، عن طريق المخابرات التركية التي من المرجح أنها دفعت بالكماليين إلى شق صف حزب الشعب الجمهوري، وعبر دعوات أردوغان العلنية بالانتفاض ضد رئيس الحزب كمال كليتشدار أوغلو الذي رهن أفكار الحزب ومساره في المخططات الأميركية داخليًّا وخارجيًّا بشكل مفضوح، وهو الأمر الذي أشار به سابقًا زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كيلتشدار حينما اتهم أردوغان ورجاله ومخابراته بإحداث وقيعة بين أحزاب المعارضة، بينما تحاول أحزاب المعارضة إرباك أردوغان والسعي إلى حشد مزيد من التحالفات ضده، مستغلين التوجه الأميركي حيال قضايا المنطقة وتقويض دور تركيا والانجازات التي يستمد منها أردوغان شعبيته.
9/رجب/1442هـ
21/2/2021م
متابعة سياسية
حول الحراك السياسي في تركيا
منذ 11 تشرين ثاني/نوفمبر الماضي، والوسط السياسي التركي يتعرض لعصف سياسي وتجاذبات وانشقاقات غير مسبوقة، تدور في مجملها حول حيازة واحتكار الأحزاب الكبرى (حزب العدالة والتنمية وحزب الشعب الجمهوري) للخطاب القومي المحافظ ونماذجه الإيديولوجية (العلمانية الشاملة والعلمانية الجزئية)، نظرًا لما يمثله الخطاب المحافظ بصبغته العاطفية الإسلامية والعلمانية من روافع تحمل الأحزاب إلى السلطة.
ولا يخفى أن هناك عوامل داخلية بحتة وعوامل خارجية من خلال بعض القوى السياسية التابع لها، والتي تلعب دورًا مركزيًّا في التجاذبات والاستقطابات الدائرة في المشهد السياسي، وتؤثر في أجندة الأحزاب التركية الداخلية المتعلقة بالنظام والدستور.
ومن هذا المنطلق يمكن تفسير الموقف السياسي التركي الداخلي والخارجي، مع الأخذ بعين الاعتبار أن بعض الأحداث الداخلية لا تنفصل عن تدخل الولايات المتحدة لإعادة هيكلة النظام، واستعادة تركيا إلى حظيرتها، بعد أن استقل أردوغان وأعاق بعض الأجندات الأميركية في الداخل التركي والمنطقة.
فعلى صعيد الانشقاقات التي ضربت الأحزاب الكبرى، وأدت إلى نشوء 4 أحزاب جديدة تقودها شخصيات بارزة من الحزبين الرئيسيين، فإن دوافعها تختلف باختلاف الحزب الذي انبثقت منه، إذ أن انشقاق أحمد داوود أوغلو وعلي باباجان وتأسيسهما لحزبين معارضين يندرج في الضغط على أردوغان، وكسر احتكاره للخطاب العاطفي الإسلامي والقومي المحافظ، سيما وأن علي باباجان وأحمد داوود أوغلو قد انفصلا عن حزب العدالة والتنمية وسط توتر العلاقة بين أردوغان وأميركا ووسط الضغوط الأميركية على تركيا.
وأحمد داوود أوغلو هو الذي حمل مطالب أميركا إلى بشار الأسد في بداية "الثورة السورية"، وعلي باباجان درس في الولايات المتحدة وعمل فيها. ومن المعروف أن كلا الرجلين يعارضان أردوغان في سياسته الداخلية والخارجية التي تتعارض مع سياسة الولايات المتحدة.
وأما تصدع حزب الشعب الجمهوري المعارض فصعيده داخلي، حيث شهد حركة استقالات واسعة من ضمنها نواب وشخصيات مهمة، قد تمزق الحزب الذي يمثل المنافس الأكبر لحزب العدالة والتنمية الحاكم، وتضعِف حظوظه في زحزحة أردوغان وحزب العدالة والتنمية عن السلطة في الانتخابات المقبلة، بعد النجاحات التي حققها حزب الشعب في الانتخابات البلدية الأخيرة لا سيما انتزاعه لبلدية اسطنبول معقل حزب العدالة والتنمية التقليدي عن طريق أكرم إمام أوغلو.
فبعد مضي شهر على استقالة ثلاثة من نواب حزب الشعب الجمهوري هم محمد علي جلبي عن إزمير، وحسين عوني أكصوي عن كارابوك، وأوزجان أوزال عن يالوفا، أعلن القيادي الأبرز في حزب الشعب الجمهوري محرم إنجه يوم الاثنين 8 شباط/فبراير، في مؤتمر صحفي انفصاله عن الحزب، والذي يتزعمه كمال كليتشدار أوغلو، في أكبر عملية انشقاق يواجهها الحزب منذ قرابة 12 عامًا، ما يُعدُّ ضربة قوية لحزب الشعب الجمهوري المرتبط بأميركا. وبرر إنجه استقالته بأن حزب الشعب الجمهوري يعاني من انحرافات إيديولوجية وأزمات عميقة، وخلافات بين قاعدته الشعبية وإدارته، وقال: "الآن أنا أفترق عن أولئك الذين يتوسلون من أجل الديمقراطية من الولايات المتحدة، والذين لا يسيرون على نهج مصطفى كمال أتاتورك". وأضاف: "أنا أفترق في طريقي عن حزب الشعب الجمهوري المزيف، وأولئك الذين يحمون منظمة غولن، وأولئك الذين لا يفهمون معنى الوطن الأزرق، والذين لم يتقبلوا مساعدة تركيا لأذربيجان". مما يدل على أن ثمة خلافات حادة بين أجنحة الحزب، لا تنفصل عن حالة الاستقطاب الواسعة التي تعصف بالوسط السياسي التركي برمته، بما في ذلك حزب العدالة والتنمية الذي انشق عنه علي باباجان وأحمد داوود أوغلو.
ولا يخفى أن هذه الحمى التي ضربت الوسط السياسي التركي قد اشتدت مع تبدل الإدارة الأميركية، وفي ضوء موقف بايدن المعروف بتنافره مع أردوغان، وتأييده الكبير للأكراد، وهو ما يفسر تحالف حزب الشعب الجمهوري مع حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، ويفسر الانقسام الداخلي للحزب وتصريحات محرم إنجه من الحزب وانفصاله عنه وتسخيره للخطاب القومي العلماني المحافظ لاجتذاب التأييد له.
ولذلك يتخذ محرم إنجه من الموقف الأميركي من أردوغان، ومن تقويض كمال كليتشدار لـ"مبادئ حزب الشعب" تلبية لمطالب أميركا حيال القضية الكردية رهانًا للمغامرة والاستثمار السياسي؛ لتحقيق طموحه القيادي بمعزل عن حزب الشعب الجمهوري، الذي أحدث تحالفه مع حزب الشعوب الديمقراطي الكردي ومحاكاته للعاطفة الدينية للشعب التركي انعطافًا عن "مبادئ" الحزب الكمالية والخطاب القومي الشعبوي. فهو يراهن على أن الضغوط الأميركية على أردوغان، ومنها تصريح رئيس أركان الجيش السابق إلكر باشبوغ أن "عدنان مندريس (الذي أعدم بعد الانقلاب عليه) لو كان دعا إلى انتخابات مبكرة لما حصل عليه انقلاب". ومنها أيضًا تقرير "مؤسسة راند"(rand corporation) الأميركية الذي أشار إلى أن تركيا على أبواب انقلاب جديد من الجيش بالإضافة إلى الشائعات التي أطلقها أحمد داوود أوغلو، والتي تزعم باحتمال انقلاب على أردوغان وابتعاد المساندين له، يراهن بأن هذه الضغوط على أردوغان وما سيتبعها قبل الانتخابات القادمة كفيلة بأن تضمن له موقعًا في المشهد السياسي، وبخاصة وأن توجه أحمد داوود أوغلو وعلي باباجان لتشكيل تحالف مع حزب السعادة ضد حزب العدالة والتنمية، واستمرار تحالف الحركة القومية مع حزب العدالة والتنمية، سيقضم من رصيدهم ويضعف قواعدهم الشعبية ويصب في صالحه.
ولهذا زار الرئيس أردوغان قبر رئيس الوزراء الأسبق نجم الدين أربكان، وزار رئيس مجلس شورى حزب السعادة الإسلامي المعارض أوزهان أصيل تورك في بيته لاستمالته وعرقلة تشكيل باباجان وأوغلو مزيدًا من التحالفات ضده.
وفي هذا السياق أيضًا تندرج زيارة أردوغان لحليفه رئيس الحركة القومية دولت بهجلي في بيته لتوثيق التحالف بينهما في أعقاب تصريح هذا الأخير: "في حال لم يتم إغلاق حزب الشعوب الديمقراطي الكردي والاستجابة لدعوتنا فسنقوم بما يلزم أن نقوم به".
كما يندرج في لجة هذا الحراك قيام فريق أردوغان بتأجيج النار بحزب الشعب الجمهوري لتعميق انقسامه من خلال مطالبة حزب الشعب الجمهوري بتفسير اجتماع مندوبه يورتو أوزجان مع المخابرات الأميركية والبنتاغون قبل يوم واحد من الانقلاب الفاشل سنة 2016، وهو الأمر الذي أثار جدلًا وزيادة في الضغط على حزب الشعب الجمهوري وقادته. وكذلك تأجيج الجدل السياسي وبعثرة مواقف المعارضة من خلال طرح أردوغان لمقترح التعديل الدستوري لتعزيز النظام الرئاسي الذي يطالب حزب الشعب الجمهوري وحلفائه وبخاصة "الحزب الجيد" بإلغائه والتحول إلى النظام البرلماني.
فما يجري في المشهد التركي يتلخص بجملة من الرهانات والاستثمار السياسي من كافة الأطراف في المعطيات الإقليمية والدولية الجديدة، والتحضير للانتخابات القادمة وفق أجندات شخصية ودولية.
ومن ذلك المعركة الجارية في جامعة البوسفور (معقل العلمانيين) بعد أن عين أردوغان رئيسًا جديدًا للجامعة من التيار المحافظ، وهي أول جامعة أسستها أميركا في العالم الإسلامي قبل سقوط الخلافة العثمانية.
فأردوغان يحاول أن يخلق تحصينات وآليات دفاعية لمكتسباته السياسية عبر المناورة والتراجع التكتيكي في السياسة الخارجية نحو قضية منظومة الدفاع الروسية (إس 400)، وعبر توظيف الأعمال الإرهابية التي ينفذها حزب العمال الكردستاني في حشد التأييد لسياسته ومواقفه وفي تعزيز شعبيته. ويحاول أيضًا تحصين منهجه وسياساته من خلال تحديث الدستور وتعزيز النظام الرئاسي وقطع الطريق على خصومه بشأن النظام البرلماني وتمزيق صفوفهم، عن طريق المخابرات التركية التي من المرجح أنها دفعت بالكماليين إلى شق صف حزب الشعب الجمهوري، وعبر دعوات أردوغان العلنية بالانتفاض ضد رئيس الحزب كمال كليتشدار أوغلو الذي رهن أفكار الحزب ومساره في المخططات الأميركية داخليًّا وخارجيًّا بشكل مفضوح، وهو الأمر الذي أشار به سابقًا زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كيلتشدار حينما اتهم أردوغان ورجاله ومخابراته بإحداث وقيعة بين أحزاب المعارضة، بينما تحاول أحزاب المعارضة إرباك أردوغان والسعي إلى حشد مزيد من التحالفات ضده، مستغلين التوجه الأميركي حيال قضايا المنطقة وتقويض دور تركيا والانجازات التي يستمد منها أردوغان شعبيته.
9/رجب/1442هـ
21/2/2021م