المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : متابعة سياسية حول التوجه الأميركي للسيطرة على العملات المشفرة



Abu Taqi
18-02-2021, 07:27 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

متابعة سياسية
قراءة سياسية في البتكوين
التوجه الأميركي للسيطرة على العملات المشفرة
في إفصاح سنوي يوم الإثنين 8 شباط/فبراير أعلنت شركة صناعة السيارات الكهربائية "تسلا" أنها استثمرت نحو 1.5 مليار دولار في العملة المشفرة "بتكوين" خلال الشهر الماضي، وجاء هذا الإفصاح بعد ارتفاع متسارع للعملة المشفرة (Crypto Currency) منذ تشرين ثاني/نوفمبر الماضي، ما أدى إلى مضاعفة أسعارها بأكثر من ظ¤ أضعاف لتصل قرابة ظ¥ظ* ألف دولار في ظ،ظ¦/ظ¢/ظ¢ظ*ظ¢ظ،.
ويعد هذا الارتفاع لافتًا وغير مسبوق بعد الانهيارات السابقة للعملة في عامي ظ¢ظ*ظ،ظ¨-ظ¢ظ*ظ،ظ©. ورغم أن بعض المعلقين قد عللوا سبب الارتفاع الذي بدأ تدريجيًّا على سعر البتكوين منذ الربع الثاني لسنة ظ¢ظ*ظ¢ظ* بانهيار أسعار النفط واضطراب أسواق الأسهم بسبب انعكاسات فايروس كورونا على الاقتصاد العالمي، إلا أن ثمة ما يشي بإرادة نافذة تقف وراء ما يجري، ففي آذار/مارس الماضي كتبت مجلة الفوربز على نحو ترويجي مقالًا قالت فيه إن أسعار البتكوين ستحقق أرباحًا خيالية، في حال بدأت أميركا بإطلاق العملة الرقمية استنادًا إلى قيام الحزب الديمقراطي الأميركي باقتراح بند لقانون الدعم المالي لجائحة كورونا يطالب بتأسيس محفظة دولار رقمي لكل مواطن أميركي، وأكدت المجلة أن شركات مالية ضخمة بدأت بالاستثمار بالبتكوين.
بينما أعلن الاتحاد الاوروبي بتاريخ ظ،ظ¨/ظ©/ظ¢ظ*ظ¢ظ*، أنه سيطلق عملة مشفرة عام ظ¢ظ*ظ¢ظ¤، وهو الأمر الذي فعّل الطلب على العملات المشفرة بعد سكونه ودفع كثيرًا من المستثمرين للاستثمار في البتكوين، مما خفف ضغط الطلب على الذهب الذي كانت أسعاره قد قفزت ولامست سقف (2000 دولار للأوقية)، بسبب الضخ الإعلامي الموجه لتعميق حالة عدم اليقين بشأن الاقتصاد العالمي والمخاوف المترتبة على أزمة فايروس كورونا وتداعياتها.
ولمعرفة أبعاد وتداعيات هذا الارتفاع الكبير والمطرد للبتكوين منذ شهر تشرين ثاني/نوفمبر ظ¢ظ*ظ¢ظ* وإقبال المستثمرين على العملات المشفرة، واستثمار شركة تسلا تحديدًا (بالنظر لأهميتها في المشهد السياسي والاقتصادي الأميركي) لا بد من أخذ دوافع هذه الشركة ومموليها ومقاربات أجنحة الدولة العميقة، وبخاصة المالية والصناعية ومنها الصناعات الجديدة (الرقمية والبيئية)، بعين الاعتبار؛ إذ لم يكن لشركة تسلا العاملة في مجال صناعة السيارات الكهربائية، وإنتاج وتخزين الطاقة بالبطاريات العملاقة، وإطلاق الصواريخ، حضورًا في الدولة العميقة مثل مؤسسات الصناعات الحربية (بوينج ولوكهيد مارتن).
فشركة تسلا تأسست عام ظ¢ظ*ظ*ظ£ وخلال أقل من عشرين عامًا وصلت واردتها السنوية إلى ظ¢ظ، مليار دولار. كما أنها ليست الشركة الأولى التي أعربت عن توجهها نحو العملات المشفرة، فقد أبدت فيسبوك منذ عام ظ¢ظ*ظ،ظ©، رغبتها وعزمها على إطلاق عملة مشفرة خاصة باسم "ليبرا"، ولا شك أن دخول شركات الاقتصاد الجديد مثل تسلا وفيسبوك ومايكروسوفت وغيرهم ممن لهم تأثير في صياغة التوجهات الحكومية على خط العملات المشفرة يشي بضغوط من قبلهم، ومن قبل بعض المصرفيين على دوائر صنع القرار في الولايات المتحدة، وبخاصة على الجهات الفدرالية مثل الخزينة والبنك الفدرالي ومكتب المدير المالي للعملة، من أجل تنظيم العملات المشفرة في إطار قانوني وأحكام ناظمة وضامنة لرؤوس الأموال من قبل الحكومة، سيما وأن أكبر المستثمرين في شركة تسلا بعد المؤسس آيلون ماسك هي مجموعة سيسكوهانا الدولية، والتي تُعد من أكبر محركي التجارة في العملات المشفرة مثل بتكوين وايثيريوم، حيث لديها ظ¥ظ*ظ* مستثمر يتعاملون معها بالعملات المشفرة منذ سنة ظ¢ظ*ظ،ظ¦.
وتتوقع الشركة أن تحل هذه العملات محل الذهب كسلعة نادرة وملاذ آمن، أو هكذا تحاول أن تُشيع لجذب الاستثمار في سوق العملة المشفرة وتوسيعه وتحفيز الدولة على قوننته. ومن المرجح أن هناك قوى شد عكسي من الجمهوريين الداعمين لترمب بوجه خاص، تقاوم استقلال القطاع الخاص، وبخاصة قطاع الصناعات الرقمية، بصك العملات المشفرة، وتحاول إضعاف نفوذها في توجيه السياسات واحتلال مراكز صنع القرار، ولذا عارض ترمب العملات المشفرة وانتقد فيسبوك بشأن عزمها إطلاق عملة مشفرة، بينما نجد أن الحراك المتعلق بالبتكوين والعملات المشفرة قد انطلق بصورة لافتة وقوية منذ مجيء بايدن والديمقراطيين الذين واكبوا الصناعات الرقمية في بداياتها وساندوها.
وهذا ما يفسر تصريح جانيت يلين وزيرة الخزانة الأميركية بقولها "إنني أعتزم العمل عن كثب مع المجلس الاحتياطي الاتحادي وغيره من الهيئات الاتحادية المعنية بتنظيم المصارف والأوراق المالية بشأن كيفية تنفيذ إطار تنظيمي فعال لهذه الابتكارات التكنولوجية المتطورة وغيرها". ويصب ذلك كله في إرادة قوننة العملات المشفرة وإضفاء الصفة الرسمية عليها، ولا بد أيضًا من إدراك الفرق ما بين تقنية (Blockhain) وبين العملات المشفرة التي تعتمد على التقنية، فالأولى هي أداة تشفير لتبادل البيانات (مالية تجارية قانونية) بين طرفين دون الحاجة لطرف ثالث او وسيط (مثل البنك المركزي أو الجمارك)، وتشفير هذه البيانات بحيث لا يمكن قراءتها من دون مفتاح الشفرة. وأما الثانية؛ أي العملات المشفرة مثل البتكوين أو إيثيريوم، فيمكن أن تُستعمل أداة للسداد أو المقايضة أو المنفعة، ولا ترتبط بأي عملة محددة، ويترك الاختيار بشأنها لطرفي العقد.
ومن هنا جاء الدفع باتجاه قوننة العملة المشفرة؛ لأن انفلاتها يسبب معضلة للحكومات التي تحاول تقييد التقنية والعملات واستغلالها وتسخيرها سياسيًّا واقتصاديًّا، وهو ما حدا بجانيت يلين للقول إن العملات المشفرة "تهدد الأمن القومي للولايات المتحدة وسلامة النظام المالي الأميركي والعالمي"، واستدركت موضحة: "أعتقد أننا بحاجة حقًا إلى دراسة السبل التي يمكننا بها الحد من استخدامها والتأكد من أن مكافحة غسل الأموال لا تحدث من خلال تلك القنوات"، وأضافت: "أعتقد أن من المهم أن ننظر في فوائد العملات المشفرة وغيرها من الأصول الرقمية، وما تنطوي عليه من إمكانات لتحسين كفاءة النظام المالي"، وبالمثل قالت كريستين لاجارد رئيسة البنك الأوروبي المركزي الحالية ورئيسة صندوق النقد السابق؛ وذلك لتبرير قوننة العملات المشفرة والتحكم بها.
وأما الدفع بشعوب ودول العالم نحو العملات المشفرة فهي حقيقة سياسية، إذ أن جل الثروات العالمية المُدخرة بالدولار أو اليورو هي في حكم العملات الرقمية اليوم لافتقارها إلى غطاء الذهب، وهذا التمهيد للعملات الرقمية والمشفرة ماضٍ منذ أحداث أيلول/سبتمبر، وذلك لربط المعاملات المالية بموجب الأنظمة والقوانين والنظم التي سنتها أميركا تحت عنوان "وحدة عمل الأداء المالي"، وهي منظمة دولية مُنشأة للضغط السياسي الدولي، وإرغام الدول على استحداث أنظمة وسياسات مالية وقانونية وإجرائية وتعديلات تشغيلية، تتماشى مع مصالح الدول السبع الكبرى، ومن ذلك رقمنة المعاملات المالية حتى تسهل عملية المراقبة والتتبع والضبط والحيازة على الأموال من قبل الجهات القضائية الأميركية عند الحاجة لفرض عقوبات أميركية على الدول والشركات والأفراد.
وبالاضافة الى ذلك فإن العملة المشفرة تمكن الولايات المتحدة من إيصال الدعم للحركات السياسية المنخرطة في أجنداتها ومشاريعها ضد الأنظمة المستهدفة أميركيًّا، وتمنح عملاءها القدرة على تبادل البيانات بآلية مشفرة وبعيدًا عن أنظار الأنظمة في البلاد التي ترغب أميركا بزعزعة استقرارها وابتزازها.
فقد صرح أليكس جلادستين كبير الاستراتيجيين في مؤسسة حقوق الإنسان لموقع ديكريبت "في الأنظمة الاستبدادية مثل النظام الروسي، الحكومة لديها سيطرة كاملة على النظام المالي ولكنها لا تسيطر على البتكوين". ولهذا نجد أن المعارض الروسي نافالني يملك محفظة مشفرة يتلقى من خلالها دعمًا مجهول المصدر يتيح له تغذية محافظ مشفرة أخرى بعيدًا عن الرقابة الأمنية الروسية بحسب موقع دكرييت.
وما يمكن قوله بشأن تحريك سوق العملة المشفرة بوجه عام وبحسب المعطيات المتوفرة حتى اللحظة، إنها عملية تحفيز وتوسع وتضخيم الاستثمار في سوق العملات المشفرة، من أجل تبرير التدخل الحكومي والقوننة والتحكم والسيطرة على سوق العملات المشفرة؛ ولذلك تروج لها الجهات الضاغطة عبر مسارين؛ الأول: بتشجيع المستثمرين على ضخ السيولة في سوق العملات المشفرة تمامًا كما فعلت في بداية عهد التقنية الرقمية في تسعينات القرن الماضي؛ ليتسنى لها تمويل سوق جديدة تسيطر على التعاملات التجارية والخاصة والحكومية في السنوات القادمة، وقد أكدت الإحصائيات أن تدفق الاستثمارات الى سوق العملات المشفرة أدى إلى ارتفاع قيمة سوق هذه العملات من ظ¢ظ*ظ* مليار دولار في شهر أيلول/ سبتمبرالماضي إلى 1.1 تريليون دولار اليوم. وأما المسار الثاني: فهو فتح باب تداول العملات المشفرة في الأسواق الرقمية والأصول (السيارات والمساكن) وذلك لفرض التزامها بالمنظومة القانونية السائدة على الشركات، والتي تفرض عليها الإفصاح والابلاغ عن التعاملات تحت مظلة العقوبات والغرامات، حيث يمكنها ذلك من استخراج الأموال السوداء المعطلة وامتصاصها في حركة السوق المالي وتمكين الحكومة من مراقبتها.
وتهدف أيضًا إلى خلق آلية دفاعية لتخفيف الضغط عن الذهب، وتحصين الدولار من عواقب التضخم ومنافسة العملة المشفرة له، ولذلك فإن قوننة العملة المشفرة هو من أجل السيطرة عليها وتحويل منافستها للدولار إلى داعم وغطاء له ومؤازر للذهب في آن معًا، سيما وأن حالة عدم اليقين التي تنجم عن الأزمات السياسية والمالية والاقتصادية والكوارث والمنافسة والمضاربات باتت تدفع كثيرًا من الدول إلى العزوف عن العملات الورقية والإقبال على الذهب، وقد شهدت السنوات الأخيرة توجهًا من قبل بعض الدول مثل روسيا والصين، وحتى تركيا لرفع أرصدتهم من الذهب.
ويعد تحريك سوق العملات المشفرة تهيئة نفسية للشعوب لقبول التعامل والتبادل المالي في مجتمع خالٍ من البنكنوت (Cashless Society) في قادم الزمان، والاعتماد على الأرصدة الإليكترونية للمدخرات، والتي أضحت عملة رقمية تفوق قيمتها أضعاف حجم البنكنوت المتداول، حيث بينت آخر الاحصائيات أن قيمة أرصدة الدولار الرقمي زادت عن ظ© تريليون دولار مقارنة بـ 1.1 تريليون دولار بنكنوت متداول، وهذا الإعداد النفسي والإجرائي يؤول في المحصلة إلى قبول التحول نحو العملات المشفرة والرقمية لتحقيق أهداف رقمنة المعاملات ويصب في مصلحة الولايات المتحدة.

6/رجب/1442هـ
18/2/2021م