المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : متابعة سياسية حول النزاع الحدودي بين إثيوبيا والسودان، والغارات الإسرائيلية على غزة



Abu Taqi
28-12-2020, 03:17 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

متابعة سياسية
التضخيم الإعلامي المقصود للتوتر الحدودي بين أثيوبيا والسودان
أعلن الجيش السوداني في 16 من الشهر الحالي (كانون أول/ديسمبر 2020) عن وقوع خسائر بشرية ومادية في صفوفه "جراء كمين نصبته قوات إثيوبية وجماعات مسلحة داخل الأراضي السودانية أسفر عن مقتل ثلاثة عسكريين سودانيين"، أعقبه إرسال الجيش تعزيزات عسكرية إلى الحدود مع إثيوبيا، لـ"استعادة ما وصفها بالأراضي المغتصبة من مليشيا إثيوبية في منطقة الفشقة بولاية القضارف شرق السودان". حيث تستولي جماعات إثيوبية على أراضي مزارعين سودانيين في تلك المنطقة بعد طردهم منها بالقوة. ورغم أن هذه المنطقة تشهد توترات مشابهة منذ أكثر من 25 عامًا لكنها لم تحظ بهذا التضخيم والتغطية الإعلامية السودانية، وهو ما يلقي بالشك على الحادث ودوافعه الخفية.
ومن تتبع الحادث وملابساته وظروفه يتضح أن الأمر لا يخرج عن كونه عملًا عسكريًّا لتحقيق أهداف سياسية محلية تتعلق بترسيم الحدود بين البلدين، ومنع الاعتداءات المتكررة من الميليشيات الإثيوبية على الأراضي السوادنية (منطقة الفشقة في ولاية الغضارف السودانية). كما يأتي الحادث في ظل تردي الوضع المعيشي والتذمر الشعبي على تطبيع الحكومة وجنرالات الجيش مع الكيان الصهيوني. ولذلك شرع قادة الجيش والحكومة على إيهام الشعب بتعرض البلاد للخطر مطالبين برص الصفوف والالتفاف حول جيشهم وقيادتهم في وجه العدوان الخارجي.
والحقيقة أن الحادث لا يتجاوز كونه حدثًا محليًّا حدوديًّا، يريد الجيش السوداني أن يثبت وجوده وقدرته على حماية البلاد ووحدتها من خلاله، وبخاصة بعد تعرض قواته لكمين من ميليشيات إثيوبية تحتل منطقة الفشقة. على أن تضخيم الأمر إعلاميًّا، والحشد الشعبي لتأييد الجيش في تعزيزاته العسكرية على الحدود مع إثيوبيا، إنما هو لتهويل الموقف وتوجيه غضب الشعب السوداني على عدو خارجي وتفريغ نقمته واحتقانه وإلهائه عن ذكرى الانتفاضة الشعبية وتردي الوضع المعيشي والاتفاق الخياني مع الكيان الصهيوني. إذ لم يحدث في الواقع معارك بين الجيشين الإثيوبي والسوداني، بل إن ما حصل لم يكن سوى استعراض غايته الاستهلاك المحلي في السودان وفي أثيوبيا، التي يحتاج نظامها إلى أُلهيات شعبية بعد التصدع السياسي في الوسط السياسي الأثيوبي، وحملة آبي أحمد العسكرية على خصومه ومنافسيه.
وما يؤكد هذه اللعبة القذرة هو اجتماع رئيس الحكومة السودانية الانتقالية عبد الله حمدوك مع نظيره الإثيوبي آبي أحمد على هامش مشاركتهما في قمة الهيئة الحكومية للتنمية "إيغاد" في جيبوتي، وأعلان وزير الإعلام السوداني فيصل محمد صالح أن القوات الحكومية قد استعادت السيطرة على معظم الأراضي على الحدود مع إثيوبيا، كما يؤكدها بيان نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية الأثيوبي يميك ميكونين الذي ترأس وفدًا إلى الخرطوم حيث قال: "إن التصعيد الحدودي مع السودان، يؤدي إلى توتر لا طائل منه" مضيفًا "إن موقفنا الثابت، هو إعادة تنشيط الآليات الحالية، وإيجاد حل ودي بشأن الاستيطان والزراعة"، وهو الأمر الذي يدل على افتعال الحادث وتسخيره لخدمة الأغراض آنفة الذكر ثم خفض التصعيد وإعادة ملف الحدود إلى طاولة المفاوضات.

الغارات الإسرائيلية على غزة
أضاءت صواريخ الاحتلال الصهيوني عتمة غزة؛ لتكشف زور السلام المزعوم من قبل الأنظمة العربية الخسيسة والعميلة التي تهافتت بالجملة على التطبيع والتحالف مع "إسرائيل"، كما يتهافت الذباب على الفضلات والنفايات. حيث استهدفت مقاتلات العدو الإسرائيلي المجرمة بعض القطاعات الصناعية التي تمس قوت المحاصرين، وبحسب وكالات الأنباء، فقد شنت الطائرات الإسرائيلية هجومًا على غزة في وقت باكر من يوم السبت 26 كانون أول/ديسمبر 2020 بذريعة الرد على صاروخين أطلقا من غزة باتجاه المستوطنات وطال الهجوم موقعًا لـ"لمقاومة الإسلامية حماس". ومن الواضح أن هذه الغارات قد وقعت في أجواء تدق فيها الولايات المتحدة و"إسرائيل" طبول الحرب، وعلى وقع التحركات العسكرية الأميركية والإسرائيلية في المنطقة والهجوم الصاروخي على السفارة الأميركية في بغداد، وفي ظل محاولات نتنياهو وترمب لتوفير مبررات العدوان على أهل المنطقة، وتحقيق مكاسب سياسية في صفقة القرن، وأخرى تخص الحزب الجمهوري، وتُسعف نتنياهو في أزماته الداخلية المتلاحقة، وتحضيره لانتخابات رابعة، بعد فشله في الحفاظ على تماسك الحكومة وتوافقاته مع خصومه.
ويأتي العدوان الإسرائيلي على غزة أيضًا في ظل استعدادات حماس و"فصائل المقاومة" لإجراء مناورات عسكرية هي الأولى من نوعها بعنوان "الركن الشديد"، والتي أعلنت عنها غرفة العمليات المشتركة للمقاومة.
وهذه المعطيات وحدها تكفي لتفسير الهجوم الإسرائيلي على أهل غزة وفصائل المقاومة، إذ تحمل رسالة ردع مفادها: لن ينفعكم سلاحكم ومناوراتكم العسكرية أو تنفعكم إيران إذا تقرر ضربها أو ضرب أذرعها في العراق وسوريا واليمن قبل نهاية الفترة الرئاسية لترمب.
ولا يخفى أن نتنياهو يريد أن يوصل رسالة إلى الناخبين بأنه الأقدر على التعامل مع التهديدات الأمنية التي تعتبر الهاجس الأكبر للمستوطنين منذ نشوء كيانهم. حيث أعادت صحيفة معاريف نشر تقرير سابق حول خطط الاحتلال بخصوص غزة، مذكرة بأن رئيس هيئة الأركان العامة، أفيف كوخافي، يخطط لقتل ثلاثمائة فلسطيني من «حماس» يوميًا في الحرب المقبلة. وبالتالي تندرج هذه الغارات الإرهابية في جوهرها ومضمونها في إطار التحضير للانتخابات الإسرائيلية المقبلة، وتحمل رسالة انتخابية أكثر من أي شيء آخر، وبخاصة مع وجود ندّ قوي ومنافس لنتنياهو داخل معسكر اليمين المتطرف وهو حزب "أمل جديد-وحدة لإسرائيل" بزعامة عضو الكنيست المنشق حديثًا عن الليكود جدعون ساعر، والذي أظهر استطلاع للرأي، نشرت نتائجه القناة التلفزيونية 12 أنه قد يحصل على 21 مقعدًا، في حال أجريت الانتخابات في الفترة الحالية، وهذا فضلًا عن الأحزاب اليمينية المنافسة التي ستُضعف حظوظ نتنياهو في العودة إلى الحكومة بأغلبية مريحة.
وهو الأمر الذي يحتاج إلى مضاعفة الضغوط لجلب مزيد من الدول العربية للتطبيع، ورفع وتيرة التصعيد واحتمالية ضربة عسكرية إسرائيلية لإيران أو أذرعها تجتذب الناخبين لنتنياهو الذي يواجه المحاكمة في حالة الفشل في الانتخابات القادمة.

13/جمادى الأولى/1442هـ
28/12/2020م