المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : متابعة سياسية حول التطبيع مرحلة من مراحل تصفية قضية فلسطين



Abu Taqi
13-12-2020, 01:38 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

متابعة سياسية
التطبيع مرحلة من مراحل تصفية قضية فلسطين
بعد أن أكد جاريد كوشنر، صهر ترامب وكبير مستشاريه، الذي زار المغرب وحظي بحفاوة لدى الملك محمد السادس، أن الاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية مرتبط بتطبيع المملكة مع إسرائيل، أعلن الرئيس الأميركي في تغريدةٍ له على تويتر اعترافه بالسّيادة المغربيّة الكاملة على الصّحراء، متعهدًا بتقديم الدعم المالي لمشاريع التنمية في المغرب والصحراء معًا.
وقد جاء هذا الإعلان بعد مقدمات وترتيبات لا تخفى نتائجها التي توجها ترمب في تغريدته، فقد بات واضحًا أن الترتيبات الأميركية في الفترة المتبقية لترمب في البيت الأبيض إنما تهدف إلى جني ثمار الصفقة التي أتمها مع الحكام العرب العملاء لصالح "إسرائيل"، وتفويت الفرصة على الحزب الديمقراطي من الإفادة منها، بعد أن أضحى انخراط المزيد من الأنظمة الخائنة والعميلة في خيانة التطبيع مع الكيان الغاصب ناضجًا، وهو الأمر الأهم الذي جيء بترمب إلى الرئاسة لتحقيقه، والذي يصب في رصيد الحزب الجمهوري، ويُمكنه من السيطرة على مجلس الشيوخ في الانتخابات النصفية القادمة، والعودة إلى البيت الأبيض في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وقد بدا ذلك جليًّا في حملة ترمب الانتخابية حيث ركز على إنجازه التاريخي بشأن التطبيع بين "إسرائيل" والدول العربية، وقال: "انظروا إلى ما فعلناه مع إسرائيل والإمارات والبحرين، على مدار 72 عامًا لم يحدث شيء، ونحن قمنا بذلك بسرعة كبيرة، ودول أخرى سوف تنضم إليهم". صحيح أن ذلك لم يسعفه بالفوز في الانتخابات الرئاسية لأسباب تتعلق بالمقاربات السياسية الداخلية والدولية للمؤسسات الحاكمة والمصالح العليا للولايات المتحدة والنهج الذي يقتضيه الواقع، لكن إنجاز أكبر قدر من المكاسب السياسية كجلب مزيد من الدول العربية للتطبيع مع إسرائيل وحرمان بايدن من اغتنامه يعتبر استثمارًا للحزب الجمهوري لتعزيز قاعدته الانتخابية الإنجيلية واللوبي الصهيوني، كما يعتبر ديْنًا في عنق الإنجيليين واللوبيات الصهيونية لا بد من سداده في المستقبل. لا سيما وأن نتنياهو يمثل خيارًا مفضلًا لليمين الإنجيلي والحزب الجمهوري ولا بد من دعمه في أزمته الداخلية من خلال التطبيع مع العملاء العرب، بخلاف علاقته مع الحزب الديمقراطي التي شابها التوتر مع إدارة أوباما وبايدن في أواخر عهده.
وتتمثل تلك المقدمات والترتيبات في استدراج إيران لنزاع عسكري سواء بتفاهم مع القيادة الإيرانية أو جبرًا عنها، وتسخين أجواء المنطقة بالحرب أو من دونها؛ لتبرير التحالف الرسمي العربي مع "إسرئيل" وبخاصة السعودية، ومن تلك الترتيبات أيضًا بالون الاختبار الذي قامت به سلطنة عمان حينما عرضت إحدى مدارسها خارطة للمنطقة استبدل فيها اسم"إسرائيل" بفلسطين، وأثار ضجة جرى من خلالها قياس مستوى ردود الرأي العام العماني.
إلا أن حادث اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زادة، والمصالحة السعودية القطرية هي الأحداث الأكثر إشارة إلى ما يتم تحضيره بشأن المبررات التي تفتح الباب أمام التحالف والتطبيع مع "إسرائيل".
أما فيما يخص المغرب العربي، فقد بدأ الترتيب لإعلان التطبيع والتحالف المغربي مع "إسرائيل" منذ فتح دولة الإمارات و16 دولة إفريقية (والأردن لاحقًا) قنصليات في المنطقة المتنازع عليها في المغرب دون مبررات موضوعية، والتي أعقبها تحريك للمياه الراكدة بين المغرب وجبهة البوليساريو في حادث الكرارات حينما أعلنت جبهة البوليساريو، انسحابها من وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه الأمم المتحدة وأعلنت الحرب على المغرب. وهو الحادث الذي تم من خلاله تلميع صورة الملك محمد السادس، وإظهاره بصورة البطل من خلال تحركه العسكري "الصارم"، وإعادة فتح المعبر أمام الحركة الآمنة للأفراد والبضائع بين المملكة المغربية وموريتانيا وإفريقيا جنوب الصحراء".
كما تم استثمار هذا الحادث من قبل حكام الجزائر لصرف أنظار الشعب إلى الخارج، واستغلوا التطبيع المغربي مع "إسرائيل" في ترسيخ الوضع القائم في ظل غياب الرئيس عبد المجيد تبون، والتمهيد للعمل بالمادة الدستورية 107 التي تخول الرئيس أو من يقوم مقامه بصلاحيات موسعة للمحافظة على مؤسسات الدولة و أمنها و استقرارها. وفي هذا السياق كتبت الصحيفة الرسمية للجيش الجزائري: "على الجزائريين أن يقفوا على أهبة الاستعداد لمواجهة التهديد الذي تشكله بعض الأطراف المعادية لأمن المنطقة". لا سيما وأن ثمة تشغيب من قبل فرنسا على الوضع الجزائري والتحريض على الفوضى، وهو ما برز في تصريح ماكرون لمجلة jeune afrique الفرنسية في وقت سابق، حيث قال أنه: "يدعم الرئيس تبون في قيادة مرحلة انتقالية لمساعدة البلاد على تجاوز أزمتها السياسية". ما يعني حل جميع المؤسسات المنتخبة واستبدال مجلس تأسيسي يصوغ دستورًا جديدًا للبلاد بها، قبل إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية أخرى. وبرز التشغيب على الوضع الجزائري أيضًا في انتقاد البرلمان الأوروبي لأوضاع حقوق الإنسان في الجزائر، وفي نشاط السفير الفرنسي فرانسوا غويات الذي اتهمته النائبة أميرة سليم بأنه "يقوم باستقبال المروجين للمرحلة الانتقالية في مقر سفارته تحت حجة دعم حق التعبير السياسي الحر والدفاع عن حقوق الإنسان". وهو الأمر الذي قوبل برفض وانتقاد واسع، حيث أعلن وزير الإعلام الجزائري عمار بلحيمر في تصريح لوكالة الأنباء الرسمية أن بلاده "تتعرض لهجمات كلامية من فرنسا". كما ندد عدد من أعضاء البرلمان الجزائري والقادة والأحزاب السياسية بما وصفوه بالتدخل الفرنسي في الجزائر، مثل النائبة أميرة سليم التي قالت: "السفير الفرنسي يستغل الفراغ في مشهدنا السياسي لنشر الفوضى والتحريض، ولن نقبل بمرحلة انتقالية بأي ثمن وسيوقفه البرلمان". في حين صرح عبد العزيز جراد رئيس وزراء الجزائر في الخِطاب الذي ألقاه بمُناسبة إحياء الذكرى الـ60 لتظاهرات 11 كانون أول/ديسمبر 1960: "الجزائر مُستهدفة، وأنّ هُناك قضايا خطيرة في مُحيطنا الجهوي تُريد ضرب استِقرار المنطقة"، مُضيفًا في إشارةٍ إلى التّطبيع المغربي الإسرائيلي "هُناك إرادة أجنبيّة حقيقيّة اليوم لوصول الكيان الصهيوني قُرب حُدودنا، ويتعيّن على الطّبقة السياسيّة العمل على استِقرار البِلاد".
والحقيقة أن كل ما يبدو مفاجئًا من أحداث إنما هي أعمال خيانية، ونصب واحتيال، يمارسها الحكام الدمى على أهل المنطقة لاحتوائهم وضبط الأوضاع بما يخدم المخطط الأميركي في مشروع الشرق الأوسط الكبير وعلى رأسها صفقة القرن وتصفية قضية فلسطين. فسواء وجهت أميركا و"إسرائيل" ضربة لإيران أم اكتفوا بأعمال محدودة فلا يخرج ذلك عن تسخين الأجواء وتهيئتها لعودة المفاوضات حول الملف الإيراني النووي والصاروخي، وضم السعودية وباقي دويلات الخليج إلى التحالف والتطبيع مع "إسرائيل" خدمة لأميركا والحزب الجمهوري ونتنياهو بالذات، لقاء بقاء الحكام في السلطة.
أما على الجهة المغاربية فإن تطبيع المغرب من شأنه أن يكسر الجليد ويمهد الطريق لجر ليبيا وتونس وموريتانيا إلى قعر المستنقع الذي تردى فيه الحكام العرب العملاء.
إن تطبيع العلاقة المغربية مع الكيان المجرم ليس مفاجئًا، فمنذ تولى الملك الحسن الثاني الهالك للسلطة، جرى تبنيه ودعمه من قبل المخابرات الإسرائيلية التي التقت (بحسب ما تكشف من أخبار) بزعيم المعارضة المغربي المهدي بن بركة، وتجسست عليه وأبلغت الملك الحسن الثاني بطلب ابن بركة المساعدة في الإطاحة بالملك، ومكَنت الملك من التخلص منه.
وأما تونس فقد مهدت مسبقًا للتطبيع من خلال إفشال تجريم التطبيع أمام البرلمان التونسي، ودعّم الرئيس قيس سعيد الموقف التونسي الرافض لإدانة التطبيع الإماراتي مع "إسرائيل" من خلال (امتناع ممثل تونس عن التصويت لمشروع القرار الفلسطيني)، وتعيين بعد ذلك الرجل الثاني في مكتب تونس لدى الكيان الصهيوني، طارق الأدب، سفيرًا لتونس لدى الأمم المتحدة.
ولا يخفى أن موريتانيا المحكومة بالنفوذ الإماراتي كانت ثالث دولة عربية بعد مصر والأردن تقيم علاقات دبلوماسية مع "إسرائيل" على مستوى السفراء، حيث بدأت علاقاتها الرسمية مع الكيان المجرم سنة 1996 في عهد الرئيس معاوية ولد الطايع ، ولن يكون إعلانها التطبيع مع "إسرائيل" مفاجئًا.
وأما موقف السلطة الجزائرية من التطبيع فلا يعدو عن كونه دعاية للاستهلاك والتساوق مع الرأي العام الجزائري العاشق لفلسطين، وتسخيره لاحتواء الوضع الداخلي المأزوم لا سيما مع غياب الرئيس تبون لفترة من المتوقع أن تطول.
وأما تصريح جبهة البوليساريو الذي عبرت فيه عن غضبها من القرار الأميركي في بيان رسمي، قائلة "إن نضالها من أجل الحكم الذاتي سيستمر". إنما يؤكد أنها جزء من المسرحية التي تم إخراج التطبيع المغربي الإسرائيلي من خلالها. ورغم إدمان الحكام العرب على العمالة والخيانة والذلة ورغم ما اعترى الأمة الإسلامية من تنكب وهوان وإذلال، لكنها تمكنت من الخروج من نكباتها أقوى وأصلب على أيدي أبنائها المخلصين، ولا يُساورنا شك بأنّ أمة محمد صلى الله عليه وسلم الذي طرد اليهود من خيبر قادرة على انتزاع شوكها بيدها والاقتصاص من حكامها العملاء وإزالة كيان يهود مرة واحدة وإلى الأبد كما وعدنا الله ورسوله، ومن أجل ذلك فليعمل العاملون.

28/ربيع الآخر/1442هـ
13/12/2020م