Abu Taqi
23-11-2020, 11:34 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
متابعة سياسية
السياق السياسي للحراك النشط في الشرق الأوسط
عقب فوز بايدن بالانتخابات الأميركية، والذي أعلن عن مواقف مسبقة حيال القضايا المحورية في الشرق الأوسط وأسلوبه في التعاطي معها، توجهت الأنظار وتباينت التكهنات حول إمكانية تمرد ترمب على النتائج واحتمال قيامه بضربة عسكرية لإيران، وبخاصة وأنه أظهر هو ووزير خارجيته بومبيو إصرارًا على التمسك بالسلطة.
وفي الأثناء شهدت منطقة الشرق الأوسط حراكًا سياسيًّا لافتًا، ومترابطًا، حيث وجه ملك السعودية الملك سلمان بن عبد العزيز كلمة حذر فيها من إيران وأشار إلى استعداد المملكة للتطبيع مع "إسرائيل"، أعقب ذلك قمة فُجائية ثلاثية في أبو ظبي، دعا إليها عرّاب الولايات المتحدة في المنطقة ولي عهد الإمارات محمد بن زايد كلًا من الملك عبدالله الثاني ملك الأردن والملك حمد بن عيسى ملك البحرين، فيما أعلنت السلطة الفلسطينية عودة التنسيق الأمني مع كيان يهود.
في غضون ذلك نفذت "إسرائيل" ضربة لمواقع عسكرية تابعة لإيران في دمشق، بينما أعلنت جماعة الحوثي أنّ القوّة الصاروخيّة "تمكنت من استهداف محطة توزيع لشركة أرامكو في جدة بصاروخ مجنح من نوع قدس". واليوم سرَّبت وسائل إعلام إسرائيلية خبرًا عن رحلة سريّة إلى السعوديّة تُقل رئيس الوزراء نتنياهو ومدير الموساد الإسرائيلي يوسي كوهين، أقلعت يوم الأحد 22 تشرين الثاني/نوفمبر 2020 من مطار بن غوريون ومكثت 4 ساعات، في الوقت الذي كان فيه بومبيو يلتقي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وهو ما أكدته الإذاعة الرسمية الإسرائيلية في وقت لاحق، ورغم نفي السعودية للخبر إلا أن انتقاد ييني غانتس رئيس حزب أزرق أبيض ووزير الدفاع لتسريب نتنياهو للخبر يؤكد حصول الزيارة.
ومن جانب آخر أجرى الملك سلمان اتصالًا هاتفيًّا مع الرئيس أردوغان في إطار دعوته لقمة العشرين وترطيب العلاقات مع تركيا، تلاه تصريح لوزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود في مقابلة أجراها مع وكالة رويترز للأنباء، أن بلاده "تؤيد التطبيع الكامل مع إسرائيل لكن ينبغي أولًا إقرار اتفاق سلام دائم وكامل يضمن للفلسطينيين دولتهم بكرامة". ولفت إلى أنه "واثق من أن الإدارة الأميركية الجديدة ستنتهج سياسات تساعد على الاستقرار الإقليمي"، وبشأن العلاقة مع قطر و تركيا، اعتبر الأمير فيصل "أن المملكة لديها علاقات "طيبة ورائعة مع تركيا ولا توجد بيانات تشير إلى وجود مقاطعة غير رسمية للمنتجات التركية"، وأن "السعودية إلى جانب الإمارات العربية المتحدة ومصر والبحرين تواصل البحث عن سبيل لإنهاء الخلاف مع قطر على الرغم من أنها ما زالت تريد علاج مخاوف أمنية مشروعة".
ومن تحري مجمل هذه التحركات في ضوء تبدل الإدارة الأميركية، وما يترتب عليه من تغيير في أسلوب إدارتها لملفات المنطقة، يتضح بأن أنظمة المنطقة تسعى لتكييف سياساتها وعلاقاتها بما ينسجم مع التوجه الأميركي للإدارة المقبلة، ولا تشير إلى تحضير ترمب لضربة عسكرية لإيران حتى لو وجدت الرغبة لديه ولدى تيار اليمين الإنجيلي القيام بها خدمة لنتنياهو، الذي ما يزال تحت ضغط الملاحقة القانونية لقضايا فساده، إذ أن ثمة فرق بين رغبة الرئيس بعمل عسكري وبين سماح المؤسسات الأميركية له بتنفيذها، وبخاصة وأن المهمة العسكرية في الولايات المتحدة مقيدة بما يهدد الأمن القومي الأميركي ولا بد لها من مبرر. صحيح أن جماعة الحوثي قد هاجمت مواقع أرامكو في جدة قبل يومين مما يعتبر تهديدًا للأمن القومي الأميركي، ويمكن اتخاذها ذريعة لتبرير ضربة عسكرية، سيما وأن إيران قد أعلنت عن ضخ غاز هيكسافلوريد اليورانيوم في أجهزة الطرد المركزية من فئة ir2 في منشأة نطنز، بحسب وكالة الطاقة الذرية، كما بدأت بتركيب أجهزة طرد مركزية من فئة ir4، إلا أن ذلك قد جاء ضمن تمهيد إيران لوضع ملفها على طاولة بايدن بهدف العودة إلى المفاوضات وتخفيف العقوبات الاقتصادية وليس من أجل التصعيد، وهو ما دعا نتنياهو إلى توجيه رسالة لبايدن بالأمس، أن الاتفاق النووي لا يمكن أن يعود إلا بتغييرات كبيرة.
كما يندرج الهجوم الحوثي والاستفزاز الإيراني أيضًا في سياق زيارة بومبيو ولقائه بابن سلمان لافزاعه واستعجاله في التطبيع مع كيان يهود؛ لتسجيل نقطة إضافية في رصيد التيار الإنجيلي والحزب الجمهوري، واستثمارها في معارك الانتخابات النصفية لمجلس الشيوخ، وتسويق بومبيو للانتخابات الأميركية المقبلة.
ويمكن اعتبار ذلك أيضًا ضمن وسائل الابتزاز والضغط على ابن سلمان الخائف من إدارة بايدن والمرعوب من تبعات التطبيع، لا سيما وأن إيران قد نشرت قبيل زيارة بومبيو إلى السعودية عبر صحيفة طهران تايمز الناطقة ¬بالانجليزية خريطة تظهر مدى فاعلية الصواريخ البالستية الإيرانية في استهداف قواعد أميركية في عدة مناطق أهمها: الكويت والسعودية وقطر وعمان والبحرين والإمارات. وبالتالي فإن الحراك السياسي في المنطقة يدل على أن أميركا تريد تثبيت ما تم إنجازه على صعيد صفقة القرن، بما في ذلك المناورات المصرية السودانية التي تهدف إلى تأمين الحماية لحكومة التطبيع والتحالف بقيادة عبدالله حمدوك والعسكر من أي تململ شعبي يعيق العلاقة مع "إسرائيل". ويؤيد ذلك توصيات معهد الشرق الأوسط لبحوث الإعلام الذي أوصى الإدارة الأميركية إلى الإسراع بدعم النظام السوداني تلافيًّا لخطر حراك شعبي، وتوصية المعهد أيضًا بتوجيه السعودية والإمارات لمساعدة نظام البرهان وحمدوك باعتبار أن المحافظة عليه أولوية أميركية تستوجب وقف الاستقطاب للقادة السودانيين والتنافس على اجتذابهم مع قطر.
ونتبين من ذلك أن الحراك المشتعل في المنطقة لا يخرج عن إطار فرض وقائع جديدة على الأرض، وبصورة استباقية من أجل التكيف والتحضير للمرحلة المقبلة تحت إدارة بايدن، بما في ذلك انعطافة أردوغان مؤخرًا نحو التهدئة مع أوروبا التي تأمل أن يساندها بايدن في المواجهة مع تركيا، وبخاصة مع تدني أداء الاقتصاد التركي في الفترة الأخيرة، والتي أثرت بدورها في خطاب التهدئة الذي أطلقه أردوغان منذ يومين، والتي تدل على توجسه من دعم بايدن المحتمل لخصومه في الداخل والخارج.
ونتبين كذلك من حراك الدول العربية توجهها لاستكمال التحالف والتطبيع وبخاصة بين السعودية و"إسرائيل" لتصفية قضية فلسطين، وفي هذا السياق يمكن تفسير التحضيرات الأردنية من خلال التشكيلة البرلمانية ومجلس الأعيان التي يراد بها انتزاع موافقة "المكون الشرق أردني" تحديدًا على مخرجات صفقة القرن. وتفسير توجه سلطة عباس لإحياء المفاوضات وإزالة العقبات التي تعترضها نحو عودة السلطة للتنسيق الأمني الخياني الذي لا يطعن بنضال أبناء الأمة في فلسطين وحسب، بل ويبرر لباقي الدول في العالم العربي والإسلامي وبخاصة السعودية، التحالفَ والتطبيعَ مع كيان يهود، ومن ذلك أيضًا رضوخ السلطة الفلسطينية المرتقب للمطلب الإسرائيلي بوقف صرف رواتب الأسرى وأسر الشهداء وتحويل قضيتهم من قضية صمود إلى قضيةٍ خيريةٍ، وهو ما ينطوي على تحذير أبناء الأمة في فلسطين من النضال ومقاومة جنود الاحتلال، علاوة على توجه السلطة الفلسطينية والدول العربية لتجريف ثقافة "المقاومة" من مناهج التعليم، وتطهير ذاكرة الأجيال القادمة من القيم المحفزة للمقاومة والجهاد وتحويلهم إلى خدم وعبيد للكيان المحتل، وهو الأمر الذي يدعونا إلى التذكير المتواصل للمسلمين برفع الصوت عاليًّا في وجه الأنظمة الخائنة والحكام العملاء ورفض كل المخرجات الناجمة عن حراكهم التآمري.
وليس هذا وحسب، بل ونحث أبناء الأمة على محاسبة قواها وأحزابها وعلمائها ووجهائها على صمتهم الذي يصم الآذان، واستنكافهم عن أخذ زمام المبادرة ووضع حد لخيانة الأنظمة والحكام وتآمرهم على المسلمين. ونذكر من بيدهم القدرة على التغيير أنهم يرتكبون بسكوتهم على الباطل أفظع خيانة بحق دينهم وأبلغ الضرر بأمتهم، وعليهم أن يفكروا بيوم الحساب الذي إن أفلتوا منه في الدنيا لن يفلتوا منه يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم!
8/ربيع الثاني/1442هـ
23/11/2020م
متابعة سياسية
السياق السياسي للحراك النشط في الشرق الأوسط
عقب فوز بايدن بالانتخابات الأميركية، والذي أعلن عن مواقف مسبقة حيال القضايا المحورية في الشرق الأوسط وأسلوبه في التعاطي معها، توجهت الأنظار وتباينت التكهنات حول إمكانية تمرد ترمب على النتائج واحتمال قيامه بضربة عسكرية لإيران، وبخاصة وأنه أظهر هو ووزير خارجيته بومبيو إصرارًا على التمسك بالسلطة.
وفي الأثناء شهدت منطقة الشرق الأوسط حراكًا سياسيًّا لافتًا، ومترابطًا، حيث وجه ملك السعودية الملك سلمان بن عبد العزيز كلمة حذر فيها من إيران وأشار إلى استعداد المملكة للتطبيع مع "إسرائيل"، أعقب ذلك قمة فُجائية ثلاثية في أبو ظبي، دعا إليها عرّاب الولايات المتحدة في المنطقة ولي عهد الإمارات محمد بن زايد كلًا من الملك عبدالله الثاني ملك الأردن والملك حمد بن عيسى ملك البحرين، فيما أعلنت السلطة الفلسطينية عودة التنسيق الأمني مع كيان يهود.
في غضون ذلك نفذت "إسرائيل" ضربة لمواقع عسكرية تابعة لإيران في دمشق، بينما أعلنت جماعة الحوثي أنّ القوّة الصاروخيّة "تمكنت من استهداف محطة توزيع لشركة أرامكو في جدة بصاروخ مجنح من نوع قدس". واليوم سرَّبت وسائل إعلام إسرائيلية خبرًا عن رحلة سريّة إلى السعوديّة تُقل رئيس الوزراء نتنياهو ومدير الموساد الإسرائيلي يوسي كوهين، أقلعت يوم الأحد 22 تشرين الثاني/نوفمبر 2020 من مطار بن غوريون ومكثت 4 ساعات، في الوقت الذي كان فيه بومبيو يلتقي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وهو ما أكدته الإذاعة الرسمية الإسرائيلية في وقت لاحق، ورغم نفي السعودية للخبر إلا أن انتقاد ييني غانتس رئيس حزب أزرق أبيض ووزير الدفاع لتسريب نتنياهو للخبر يؤكد حصول الزيارة.
ومن جانب آخر أجرى الملك سلمان اتصالًا هاتفيًّا مع الرئيس أردوغان في إطار دعوته لقمة العشرين وترطيب العلاقات مع تركيا، تلاه تصريح لوزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود في مقابلة أجراها مع وكالة رويترز للأنباء، أن بلاده "تؤيد التطبيع الكامل مع إسرائيل لكن ينبغي أولًا إقرار اتفاق سلام دائم وكامل يضمن للفلسطينيين دولتهم بكرامة". ولفت إلى أنه "واثق من أن الإدارة الأميركية الجديدة ستنتهج سياسات تساعد على الاستقرار الإقليمي"، وبشأن العلاقة مع قطر و تركيا، اعتبر الأمير فيصل "أن المملكة لديها علاقات "طيبة ورائعة مع تركيا ولا توجد بيانات تشير إلى وجود مقاطعة غير رسمية للمنتجات التركية"، وأن "السعودية إلى جانب الإمارات العربية المتحدة ومصر والبحرين تواصل البحث عن سبيل لإنهاء الخلاف مع قطر على الرغم من أنها ما زالت تريد علاج مخاوف أمنية مشروعة".
ومن تحري مجمل هذه التحركات في ضوء تبدل الإدارة الأميركية، وما يترتب عليه من تغيير في أسلوب إدارتها لملفات المنطقة، يتضح بأن أنظمة المنطقة تسعى لتكييف سياساتها وعلاقاتها بما ينسجم مع التوجه الأميركي للإدارة المقبلة، ولا تشير إلى تحضير ترمب لضربة عسكرية لإيران حتى لو وجدت الرغبة لديه ولدى تيار اليمين الإنجيلي القيام بها خدمة لنتنياهو، الذي ما يزال تحت ضغط الملاحقة القانونية لقضايا فساده، إذ أن ثمة فرق بين رغبة الرئيس بعمل عسكري وبين سماح المؤسسات الأميركية له بتنفيذها، وبخاصة وأن المهمة العسكرية في الولايات المتحدة مقيدة بما يهدد الأمن القومي الأميركي ولا بد لها من مبرر. صحيح أن جماعة الحوثي قد هاجمت مواقع أرامكو في جدة قبل يومين مما يعتبر تهديدًا للأمن القومي الأميركي، ويمكن اتخاذها ذريعة لتبرير ضربة عسكرية، سيما وأن إيران قد أعلنت عن ضخ غاز هيكسافلوريد اليورانيوم في أجهزة الطرد المركزية من فئة ir2 في منشأة نطنز، بحسب وكالة الطاقة الذرية، كما بدأت بتركيب أجهزة طرد مركزية من فئة ir4، إلا أن ذلك قد جاء ضمن تمهيد إيران لوضع ملفها على طاولة بايدن بهدف العودة إلى المفاوضات وتخفيف العقوبات الاقتصادية وليس من أجل التصعيد، وهو ما دعا نتنياهو إلى توجيه رسالة لبايدن بالأمس، أن الاتفاق النووي لا يمكن أن يعود إلا بتغييرات كبيرة.
كما يندرج الهجوم الحوثي والاستفزاز الإيراني أيضًا في سياق زيارة بومبيو ولقائه بابن سلمان لافزاعه واستعجاله في التطبيع مع كيان يهود؛ لتسجيل نقطة إضافية في رصيد التيار الإنجيلي والحزب الجمهوري، واستثمارها في معارك الانتخابات النصفية لمجلس الشيوخ، وتسويق بومبيو للانتخابات الأميركية المقبلة.
ويمكن اعتبار ذلك أيضًا ضمن وسائل الابتزاز والضغط على ابن سلمان الخائف من إدارة بايدن والمرعوب من تبعات التطبيع، لا سيما وأن إيران قد نشرت قبيل زيارة بومبيو إلى السعودية عبر صحيفة طهران تايمز الناطقة ¬بالانجليزية خريطة تظهر مدى فاعلية الصواريخ البالستية الإيرانية في استهداف قواعد أميركية في عدة مناطق أهمها: الكويت والسعودية وقطر وعمان والبحرين والإمارات. وبالتالي فإن الحراك السياسي في المنطقة يدل على أن أميركا تريد تثبيت ما تم إنجازه على صعيد صفقة القرن، بما في ذلك المناورات المصرية السودانية التي تهدف إلى تأمين الحماية لحكومة التطبيع والتحالف بقيادة عبدالله حمدوك والعسكر من أي تململ شعبي يعيق العلاقة مع "إسرائيل". ويؤيد ذلك توصيات معهد الشرق الأوسط لبحوث الإعلام الذي أوصى الإدارة الأميركية إلى الإسراع بدعم النظام السوداني تلافيًّا لخطر حراك شعبي، وتوصية المعهد أيضًا بتوجيه السعودية والإمارات لمساعدة نظام البرهان وحمدوك باعتبار أن المحافظة عليه أولوية أميركية تستوجب وقف الاستقطاب للقادة السودانيين والتنافس على اجتذابهم مع قطر.
ونتبين من ذلك أن الحراك المشتعل في المنطقة لا يخرج عن إطار فرض وقائع جديدة على الأرض، وبصورة استباقية من أجل التكيف والتحضير للمرحلة المقبلة تحت إدارة بايدن، بما في ذلك انعطافة أردوغان مؤخرًا نحو التهدئة مع أوروبا التي تأمل أن يساندها بايدن في المواجهة مع تركيا، وبخاصة مع تدني أداء الاقتصاد التركي في الفترة الأخيرة، والتي أثرت بدورها في خطاب التهدئة الذي أطلقه أردوغان منذ يومين، والتي تدل على توجسه من دعم بايدن المحتمل لخصومه في الداخل والخارج.
ونتبين كذلك من حراك الدول العربية توجهها لاستكمال التحالف والتطبيع وبخاصة بين السعودية و"إسرائيل" لتصفية قضية فلسطين، وفي هذا السياق يمكن تفسير التحضيرات الأردنية من خلال التشكيلة البرلمانية ومجلس الأعيان التي يراد بها انتزاع موافقة "المكون الشرق أردني" تحديدًا على مخرجات صفقة القرن. وتفسير توجه سلطة عباس لإحياء المفاوضات وإزالة العقبات التي تعترضها نحو عودة السلطة للتنسيق الأمني الخياني الذي لا يطعن بنضال أبناء الأمة في فلسطين وحسب، بل ويبرر لباقي الدول في العالم العربي والإسلامي وبخاصة السعودية، التحالفَ والتطبيعَ مع كيان يهود، ومن ذلك أيضًا رضوخ السلطة الفلسطينية المرتقب للمطلب الإسرائيلي بوقف صرف رواتب الأسرى وأسر الشهداء وتحويل قضيتهم من قضية صمود إلى قضيةٍ خيريةٍ، وهو ما ينطوي على تحذير أبناء الأمة في فلسطين من النضال ومقاومة جنود الاحتلال، علاوة على توجه السلطة الفلسطينية والدول العربية لتجريف ثقافة "المقاومة" من مناهج التعليم، وتطهير ذاكرة الأجيال القادمة من القيم المحفزة للمقاومة والجهاد وتحويلهم إلى خدم وعبيد للكيان المحتل، وهو الأمر الذي يدعونا إلى التذكير المتواصل للمسلمين برفع الصوت عاليًّا في وجه الأنظمة الخائنة والحكام العملاء ورفض كل المخرجات الناجمة عن حراكهم التآمري.
وليس هذا وحسب، بل ونحث أبناء الأمة على محاسبة قواها وأحزابها وعلمائها ووجهائها على صمتهم الذي يصم الآذان، واستنكافهم عن أخذ زمام المبادرة ووضع حد لخيانة الأنظمة والحكام وتآمرهم على المسلمين. ونذكر من بيدهم القدرة على التغيير أنهم يرتكبون بسكوتهم على الباطل أفظع خيانة بحق دينهم وأبلغ الضرر بأمتهم، وعليهم أن يفكروا بيوم الحساب الذي إن أفلتوا منه في الدنيا لن يفلتوا منه يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم!
8/ربيع الثاني/1442هـ
23/11/2020م