Abu Taqi
15-11-2020, 04:55 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
متابعة سياسية
أضواء على الانتهازية الأميركية في السياسة الخارجية
بنى الحزب الديمقراطي برنامجه السياسي على رؤية "لا نتوقف أبدًا عن محاولة بناء اتحاد أكثر تكاملاً"، وربط وليام برنز القيادي السابق في وزارة الخارجية وأحد أبرز مستشاري بايدن رفاهية الطبقة الوسطى بالسياسة الخارجية؛ أي بتسخير السياسة الخارجية في خدمة الشعب الأميركي بقوله "يجب أن تكون رفاهية الطبقة الوسطى الأميركية هي المحرك الذي يقود سياستنا الخارجية، لقد تأخرنا كثيرًا في إجراء تصحيح تاريخي للمسار". وهذا ينطوي على قدر عال من الانتهازية المركبة التي تستغل فيها الطبقة الرأسمالية الأميركية موارد الشعوب ومعاناتهم لمصالحها ومعالجة مشاكلها ورفاه شعبها، وفي نفس الوقت تبتز شعبها وتنزع منهم الإنسانية وتربط رفاهيتهم بتفويضها بالتوحش والعربدة والحروب الهستيرية التي يخوضها الجيش وراء البحار، وما يترتب عليه من إبادة للقيم والشعوب وعودة أبنائهم بالنعوش، فداء لرأس المال وطبقة فاحشة الثراء والغطرسة والأنانية.
وتتكون رؤية فريق بايدن من ضرورة بناء نظام تجارة عالمي "منصف لحقوق العمال" على شاكلة اتفاقية التجارة الأميركية-الكندية-المكسيكية، التي أصلت قواعد وقوانين لحماية حقوق العمال، وكذلك لمواجهة الصين وغيرها من الدول التي تستغل سعر الصرف لتحسين القدرة التنافسية لمنتجاتها وتقويض القطاع الصناعي الأميركي، وسن قوانين لحماية حقوق الملكية الفكرية الأميركية ضد استغلال الشركات الصينية وأعمال السرقة الرقمية من قبل ممثلي الحكومة الصينية وأذرعها. كما تتجه رؤية بايدن نحو إنهاء الاستقطاعات والمنح الضريبية التي شملها قانون الإصلاح الضريبي لترمب والتي دعمت مساعي الشركات الأميركية التي نقلت مصانعها ومراكزها الخدمية إلى الخارج. وكذلك إنهاء سياسة الاعتماد الكلي والتشديد على المخاطر الاقتصادية والمالية الكامنة في أنظمة اللوجستية العالمية، وبخاصة شبكات التموين الاستراتيجية، والتي تعتمد على الصين في تموين أسواق العالم، وتأتي رؤية فريق بايدن بشأن ذلك كله من أجل تنشيط وتفعيل الاعتماد على الصناعات المحلية الوطنية، واستعادة السيطرة على المنتجات ذات الطابع أو التأثير على الأمن القومي، وتلافي اللجوء إلى الخارج في تأمين السلع والمواد الحيوية في الأزمات نحو ما واجهته أميركا والعالم من نقص في المستلزمات الطبية في جائحة كورونا.
فهناك وللمرة الأولى تفاهم ديمقراطي جمهوري بضرورة مواجهة الصين وتحجيمها، ومن المتوقع استمرار سياسة المواجهة والتي يرى الحزب الديمقراطي أن سببها هو سياسة الرئيس شي جينبينغ التوكيدية في آسيا والباسيفيك؛ أي خروجها عن الإطار الذي رسمته أميركا لها، وإن كان الاختلاف ليس في السياسة وإنما في آليات تنفيذها، فيرى الحزب الديمقراطي الحل في احتواء الصين عبر إعادة الاستثمار في الأحلاف الأسيوية.
ولا يخفى أن إثارة أميركا الفزع العالمي من الصين الشيوعية إنما تم تفعيله لخلق فزاعة جديدة، إلى جانب فزاعة "الإرهاب الإسلامي" لتغطية عوار الرأسمالية التي لا يبرر التمسك بها سوى بؤس البديل عنها.
وأما العلاقة مع روسيا، فإن السؤال الجوهري في ساحة الدبلوماسية الأميركية يتمحور حول قدرة بايدن على القيام على تطوير وسائل مغايرة لسياسة سلفه القائمة على الاحتواء المزدوج والمصالح المشتركة معها، ومواجهتها المباشرة في أوروبا ووسط آسيا. ومن الملاحظ أن النقاش في الصالونات السياسية الأميركية يدور حول الوسائل والأساليب وليس الاستراتيجية الثابتة حيال روسيا، ذلك أن كراهية الولايات المتحدة لروسيا هو الذوق السائد الذي رسخته أفلام هوليود والأحقاد الموروثة عن حقبة الحرب الباردة مع الاتحاد السوفييتي، ويغذي تلك الكراهية الاستعلاء الأميركي والطمع الرأسمالي في موارد روسيا وتركة الاتحاد السوفيتي، ومقاومة بوتين القومي للزحف الأميركي في عمق المجال الجيوسياسي الروسي. ولا يتوقع أي تغيير في الاستراتيجية الأميركية نحو روسيا، وإنما ستزداد الضغوط عليها في ظل الإدارة الجديدة، سيما وأن معالجة ملف الشرق الأوسط يستلزم الحد من التدخل الروسي، ويؤيد ذلك إصرار الولايات المتحدة على تصنيف روسيا بالعدو، ومواصلة ذكرها في تقارير المباحث الفدرالية بخصوص التدخل في الانتخابات الأميركية لتبرير العقوبات عليها، والانتقادات التي وجهت لإدارة أوباما لتراخيها مع روسيا في الملف السوري والذي اضطرت لتبريره أمام الكونجرس بأنه خيار اضطراري لحماية الأمن الإسرائيلي، ولا يخفى دور بايدن الرئيسي في حث الكونجرس لمعاقبة روسيا بعد ضمها لشبه جزيرة القرم وتدخلها في شرق أوكرانيا.
ولذا فمن المتوقع أن تواصل أميركا شيطنة روسيا وتسويق النظرة إليها بأنها جلاد المسلمين في سوريا وليبيا "وهي كذلك"، من أجل إبقاء حكام المنطقة في حاجة إليها وفي خضوع دائم لها، وقد برهنت أميركا للمنطقة من خلال السماح لروسيا بالتدخل في سوريا وليبيا أنها تقف إلى جانب القتلة، وبرهنت للحكام العملاء أيضًا أنه رغم إسناد روسيا لبشار الأسد لم تتمكن من إخراجه من القفص، وأنها ليست ملاذًا آمنًا.
كما وسوف تواصل الولايات المتحدة وبريطانيا بتسويق النظرة السلبية إلى روسيا التي لا تتورع عن اغتيال مواطنيها المعارضين على الأراضي الأوروبية بالمواد الكيماوية، وأنها العدو والخطر المحدق بقيم الحرية والديموقراطية وبالأمن الأوروبي، من أجل إدامة سيطرتها على أوروبا وتسخيرها في سياستها الدولية، في حين تعمل مع روسيا على المصالح المشتركة، مثل إتمام معاهدة الصواريخ البالستية "ستارت" العابرة للقارات والتي تهدد أمن الولايات المتحدة، مع محاولة جلب الصين وإدماجها في الاتفاقية الجديدة، وهو الأمر الذي ترفضه الصين.
وأما بشأن أوروبا وبريطانيا، فرغم أن مستشاري بايدن للشؤون الخارجية ينظرون للحكومات والمجموعات الشعبوية والوطنية الأوروبية إلى كونها تهديدًا مباشرًا للتماسك والتلاحم الغربي، ويرون في رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون أحد معالم هذا الصدع؛ إلا أن مواصلة الدعم لليمين القومي الأوروبي سيستمر في إطار الاستراتيجيات المتوازية التي تنتهجها أميركا ما دامت تؤول إلى إضعاف المنافسين، وتحقق أهداف الولايات المتحدة وتفوقها. ذلك أنها في الوقت الذي تدعم رجالها في السلطة، فإنها تدعم المعارضة لتضمن مصالحها مهما تغيرت الوجوه الحاكمة في أوروبا التي طبيعتها الديمقراطية تقتضي التعددية وتداول السلطة.
ومن المرجح أن تدعم إدارة بايدن تحول "الثقل المركزي" في العلاقات الأوروبية الأميركية إلى برلين على حساب فرنسا، وبخاصة أن بايدن لا يرى في بريطانيا، بعد انسحابها من الاتحاد الأوروبي، قناة فعالة للتأثير على الدول الأعضاء في "الاتحاد الأوروبي"، والذي تحرص الولايات المتحدة على استخدامه دعامة للنظام الرأسمالي العالمي. وفي هذا الصدد تفضل الولايات المتحدة نقل الثقل الأوروبي بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إلى ألمانيا نظرًا للقيود والمعاهدات الأميركية التي تقيد ألمانيا بالإرادة الأميركية منذ الحرب العالمية الثانية، ونظرًا لافتقار ألمانيا للنفوذ السياسي الخارجي، بخلاف فرنسا التي تحاول التحلل من الوصاية الأميركية والبقاء في مستعمراتها السابقة.
كما أن نقل الثقل الأوروبي إلى ألمانيا ذات الاهتمام الاقتصادي وإشعال التنافس بينها وبين فرنسا منسجم مع التوجه الأميركي نحو الدول الأوروبية؛ لبعثرة مواقفهم السياسية وحصر الاتحاد الأوروبي في إطار الاتحاد الاقتصادي الذي تتحكم فيه أميركا بالأدوات الرأسمالية والمنظمات الدولية.
وأما الأمن الأوروبي و"العلاقة الخاصة" مع بريطانيا فليسا سوى غلاف للأمن القومي الأميركي، وذريعة للتحكم بأوروبا وابتزازها، وما العلاقة الخاصة مع بريطانيا إلا صيغة تمسكت بها بريطانيا بعد الحرب العالمية الثانية لتلافي التصادم مع الولايات المتحدة والخروج الكامل من المشهد الدولي، فيما تمكنت أميركا عبر "العلاقة الخاصة" من اختراق الوسط السياسي البريطاني وضبط تحرك بريطانيا وتجنيدها في خدمة مصالحها كالعمليات العسكرية المشتركة والتعاون الاستخباري والتفاهمات السياسية والدبلوماسية.
وقد عبر عن ذلك التعاون، ما قاله رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون في شهر تموز/يوليو 2020 في لقاء له مع بومبيو وزير الخارجية الأميركي وهما يرتديان الكمامة: "التباعد الاجتماعي لا يعني تباعدًا سياسيًّا ودبلوماسيًّا"!!.
وهذه التوجهات السياسية جميعها من الاستراتيجيات الأميركية بعيدة المدى، والتي يخضع تحقيقها والنجاح فيها للإمكانيات والظروف. ورغم اختلاف وجهات النظر بين أميركا والدول الأوروبية في القضايا التجارية كقضية الضرائب الأوروبية على شركات التواصل الاجتماعي وشركات التجارة الإليكترونية الأميركية والتي ترفضها أميركا، إلا أن أوروبا تخضع غالبًا لابتزاز أميركا وإرادتها في العلاقات التجارية مع الصين وروسيا، ولو على حساب مصالحها نحو استجابتها للولايات المتحدة بشأن شركة هواوي الصينية، وإذعانها للعقوبات الأميركية على روسيا. وكل ذلك مما لا تغيير عليه في سياسة الولايات المتحدة الانتهازية سواء في ظل حكم الديموقراطيين أو الجمهوريين.
28/ربيع الأول/1442هـ
14/11/2020م
متابعة سياسية
أضواء على الانتهازية الأميركية في السياسة الخارجية
بنى الحزب الديمقراطي برنامجه السياسي على رؤية "لا نتوقف أبدًا عن محاولة بناء اتحاد أكثر تكاملاً"، وربط وليام برنز القيادي السابق في وزارة الخارجية وأحد أبرز مستشاري بايدن رفاهية الطبقة الوسطى بالسياسة الخارجية؛ أي بتسخير السياسة الخارجية في خدمة الشعب الأميركي بقوله "يجب أن تكون رفاهية الطبقة الوسطى الأميركية هي المحرك الذي يقود سياستنا الخارجية، لقد تأخرنا كثيرًا في إجراء تصحيح تاريخي للمسار". وهذا ينطوي على قدر عال من الانتهازية المركبة التي تستغل فيها الطبقة الرأسمالية الأميركية موارد الشعوب ومعاناتهم لمصالحها ومعالجة مشاكلها ورفاه شعبها، وفي نفس الوقت تبتز شعبها وتنزع منهم الإنسانية وتربط رفاهيتهم بتفويضها بالتوحش والعربدة والحروب الهستيرية التي يخوضها الجيش وراء البحار، وما يترتب عليه من إبادة للقيم والشعوب وعودة أبنائهم بالنعوش، فداء لرأس المال وطبقة فاحشة الثراء والغطرسة والأنانية.
وتتكون رؤية فريق بايدن من ضرورة بناء نظام تجارة عالمي "منصف لحقوق العمال" على شاكلة اتفاقية التجارة الأميركية-الكندية-المكسيكية، التي أصلت قواعد وقوانين لحماية حقوق العمال، وكذلك لمواجهة الصين وغيرها من الدول التي تستغل سعر الصرف لتحسين القدرة التنافسية لمنتجاتها وتقويض القطاع الصناعي الأميركي، وسن قوانين لحماية حقوق الملكية الفكرية الأميركية ضد استغلال الشركات الصينية وأعمال السرقة الرقمية من قبل ممثلي الحكومة الصينية وأذرعها. كما تتجه رؤية بايدن نحو إنهاء الاستقطاعات والمنح الضريبية التي شملها قانون الإصلاح الضريبي لترمب والتي دعمت مساعي الشركات الأميركية التي نقلت مصانعها ومراكزها الخدمية إلى الخارج. وكذلك إنهاء سياسة الاعتماد الكلي والتشديد على المخاطر الاقتصادية والمالية الكامنة في أنظمة اللوجستية العالمية، وبخاصة شبكات التموين الاستراتيجية، والتي تعتمد على الصين في تموين أسواق العالم، وتأتي رؤية فريق بايدن بشأن ذلك كله من أجل تنشيط وتفعيل الاعتماد على الصناعات المحلية الوطنية، واستعادة السيطرة على المنتجات ذات الطابع أو التأثير على الأمن القومي، وتلافي اللجوء إلى الخارج في تأمين السلع والمواد الحيوية في الأزمات نحو ما واجهته أميركا والعالم من نقص في المستلزمات الطبية في جائحة كورونا.
فهناك وللمرة الأولى تفاهم ديمقراطي جمهوري بضرورة مواجهة الصين وتحجيمها، ومن المتوقع استمرار سياسة المواجهة والتي يرى الحزب الديمقراطي أن سببها هو سياسة الرئيس شي جينبينغ التوكيدية في آسيا والباسيفيك؛ أي خروجها عن الإطار الذي رسمته أميركا لها، وإن كان الاختلاف ليس في السياسة وإنما في آليات تنفيذها، فيرى الحزب الديمقراطي الحل في احتواء الصين عبر إعادة الاستثمار في الأحلاف الأسيوية.
ولا يخفى أن إثارة أميركا الفزع العالمي من الصين الشيوعية إنما تم تفعيله لخلق فزاعة جديدة، إلى جانب فزاعة "الإرهاب الإسلامي" لتغطية عوار الرأسمالية التي لا يبرر التمسك بها سوى بؤس البديل عنها.
وأما العلاقة مع روسيا، فإن السؤال الجوهري في ساحة الدبلوماسية الأميركية يتمحور حول قدرة بايدن على القيام على تطوير وسائل مغايرة لسياسة سلفه القائمة على الاحتواء المزدوج والمصالح المشتركة معها، ومواجهتها المباشرة في أوروبا ووسط آسيا. ومن الملاحظ أن النقاش في الصالونات السياسية الأميركية يدور حول الوسائل والأساليب وليس الاستراتيجية الثابتة حيال روسيا، ذلك أن كراهية الولايات المتحدة لروسيا هو الذوق السائد الذي رسخته أفلام هوليود والأحقاد الموروثة عن حقبة الحرب الباردة مع الاتحاد السوفييتي، ويغذي تلك الكراهية الاستعلاء الأميركي والطمع الرأسمالي في موارد روسيا وتركة الاتحاد السوفيتي، ومقاومة بوتين القومي للزحف الأميركي في عمق المجال الجيوسياسي الروسي. ولا يتوقع أي تغيير في الاستراتيجية الأميركية نحو روسيا، وإنما ستزداد الضغوط عليها في ظل الإدارة الجديدة، سيما وأن معالجة ملف الشرق الأوسط يستلزم الحد من التدخل الروسي، ويؤيد ذلك إصرار الولايات المتحدة على تصنيف روسيا بالعدو، ومواصلة ذكرها في تقارير المباحث الفدرالية بخصوص التدخل في الانتخابات الأميركية لتبرير العقوبات عليها، والانتقادات التي وجهت لإدارة أوباما لتراخيها مع روسيا في الملف السوري والذي اضطرت لتبريره أمام الكونجرس بأنه خيار اضطراري لحماية الأمن الإسرائيلي، ولا يخفى دور بايدن الرئيسي في حث الكونجرس لمعاقبة روسيا بعد ضمها لشبه جزيرة القرم وتدخلها في شرق أوكرانيا.
ولذا فمن المتوقع أن تواصل أميركا شيطنة روسيا وتسويق النظرة إليها بأنها جلاد المسلمين في سوريا وليبيا "وهي كذلك"، من أجل إبقاء حكام المنطقة في حاجة إليها وفي خضوع دائم لها، وقد برهنت أميركا للمنطقة من خلال السماح لروسيا بالتدخل في سوريا وليبيا أنها تقف إلى جانب القتلة، وبرهنت للحكام العملاء أيضًا أنه رغم إسناد روسيا لبشار الأسد لم تتمكن من إخراجه من القفص، وأنها ليست ملاذًا آمنًا.
كما وسوف تواصل الولايات المتحدة وبريطانيا بتسويق النظرة السلبية إلى روسيا التي لا تتورع عن اغتيال مواطنيها المعارضين على الأراضي الأوروبية بالمواد الكيماوية، وأنها العدو والخطر المحدق بقيم الحرية والديموقراطية وبالأمن الأوروبي، من أجل إدامة سيطرتها على أوروبا وتسخيرها في سياستها الدولية، في حين تعمل مع روسيا على المصالح المشتركة، مثل إتمام معاهدة الصواريخ البالستية "ستارت" العابرة للقارات والتي تهدد أمن الولايات المتحدة، مع محاولة جلب الصين وإدماجها في الاتفاقية الجديدة، وهو الأمر الذي ترفضه الصين.
وأما بشأن أوروبا وبريطانيا، فرغم أن مستشاري بايدن للشؤون الخارجية ينظرون للحكومات والمجموعات الشعبوية والوطنية الأوروبية إلى كونها تهديدًا مباشرًا للتماسك والتلاحم الغربي، ويرون في رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون أحد معالم هذا الصدع؛ إلا أن مواصلة الدعم لليمين القومي الأوروبي سيستمر في إطار الاستراتيجيات المتوازية التي تنتهجها أميركا ما دامت تؤول إلى إضعاف المنافسين، وتحقق أهداف الولايات المتحدة وتفوقها. ذلك أنها في الوقت الذي تدعم رجالها في السلطة، فإنها تدعم المعارضة لتضمن مصالحها مهما تغيرت الوجوه الحاكمة في أوروبا التي طبيعتها الديمقراطية تقتضي التعددية وتداول السلطة.
ومن المرجح أن تدعم إدارة بايدن تحول "الثقل المركزي" في العلاقات الأوروبية الأميركية إلى برلين على حساب فرنسا، وبخاصة أن بايدن لا يرى في بريطانيا، بعد انسحابها من الاتحاد الأوروبي، قناة فعالة للتأثير على الدول الأعضاء في "الاتحاد الأوروبي"، والذي تحرص الولايات المتحدة على استخدامه دعامة للنظام الرأسمالي العالمي. وفي هذا الصدد تفضل الولايات المتحدة نقل الثقل الأوروبي بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إلى ألمانيا نظرًا للقيود والمعاهدات الأميركية التي تقيد ألمانيا بالإرادة الأميركية منذ الحرب العالمية الثانية، ونظرًا لافتقار ألمانيا للنفوذ السياسي الخارجي، بخلاف فرنسا التي تحاول التحلل من الوصاية الأميركية والبقاء في مستعمراتها السابقة.
كما أن نقل الثقل الأوروبي إلى ألمانيا ذات الاهتمام الاقتصادي وإشعال التنافس بينها وبين فرنسا منسجم مع التوجه الأميركي نحو الدول الأوروبية؛ لبعثرة مواقفهم السياسية وحصر الاتحاد الأوروبي في إطار الاتحاد الاقتصادي الذي تتحكم فيه أميركا بالأدوات الرأسمالية والمنظمات الدولية.
وأما الأمن الأوروبي و"العلاقة الخاصة" مع بريطانيا فليسا سوى غلاف للأمن القومي الأميركي، وذريعة للتحكم بأوروبا وابتزازها، وما العلاقة الخاصة مع بريطانيا إلا صيغة تمسكت بها بريطانيا بعد الحرب العالمية الثانية لتلافي التصادم مع الولايات المتحدة والخروج الكامل من المشهد الدولي، فيما تمكنت أميركا عبر "العلاقة الخاصة" من اختراق الوسط السياسي البريطاني وضبط تحرك بريطانيا وتجنيدها في خدمة مصالحها كالعمليات العسكرية المشتركة والتعاون الاستخباري والتفاهمات السياسية والدبلوماسية.
وقد عبر عن ذلك التعاون، ما قاله رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون في شهر تموز/يوليو 2020 في لقاء له مع بومبيو وزير الخارجية الأميركي وهما يرتديان الكمامة: "التباعد الاجتماعي لا يعني تباعدًا سياسيًّا ودبلوماسيًّا"!!.
وهذه التوجهات السياسية جميعها من الاستراتيجيات الأميركية بعيدة المدى، والتي يخضع تحقيقها والنجاح فيها للإمكانيات والظروف. ورغم اختلاف وجهات النظر بين أميركا والدول الأوروبية في القضايا التجارية كقضية الضرائب الأوروبية على شركات التواصل الاجتماعي وشركات التجارة الإليكترونية الأميركية والتي ترفضها أميركا، إلا أن أوروبا تخضع غالبًا لابتزاز أميركا وإرادتها في العلاقات التجارية مع الصين وروسيا، ولو على حساب مصالحها نحو استجابتها للولايات المتحدة بشأن شركة هواوي الصينية، وإذعانها للعقوبات الأميركية على روسيا. وكل ذلك مما لا تغيير عليه في سياسة الولايات المتحدة الانتهازية سواء في ظل حكم الديموقراطيين أو الجمهوريين.
28/ربيع الأول/1442هـ
14/11/2020م