المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : متابعة سياسية حول ملامح السياسة الخارجية لإدارة بايدن الجديدة



Abu Taqi
13-11-2020, 10:35 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

متابعة سياسية
ملامح السياسة الخارجية لإدارة بايدن الجديدة
يرى فريق بايدن والذي قام بصياغة البرنامج الديمقراطي لانتخابات ظ¢ظ*ظ¢ظ* أن أميركا تواجه معضلة متمثلة بكيفية نزع مخاوف الشركاء والحلفاء من تبدل السياسات الأميركية نحوهم بتبدل الرؤساء في البيت الأبيض. وأن أميركا بحاجة لـــ "صياغة إجماع سياسي جديد".
ومن قراءة البرنامج السياسي لبايدن نجد أن الخطوط العريضة للسياسة الأميركية القائمة على "أميركا أولًا" لم تتغير في الأهداف، وإنما استبدل فريق بايدن فقط الاستراتيجية التكتيكية والوسائل والأساليب.
فالحزب الديمقراطي يدعو لإعادة تفعيل الدبلوماسية كأداة رئيسية تمكن أميركا من حشد الحلفاء والشركاء، وذلك بإعادة بناء وزارة الخارجية والسلك الدبلوماسي وإعادة هيكلتها وإعادة هيكلة التحالفات والشراكات والمؤسسات الدولية لمواجهة التحديات المشتركة؛ لتقوم بتنفيذ وتفعيل سياسة خارجية هدفها ترسيخ القيم والمصالح الأميركية. وهو ما جاء في برنامج الحزب حيث نص على أن "تعزيز أمن أميركا وازدهارها مرتبط بقيادتها وصياغتها للمنظومة الدولية وقواعد النظام العالمي".
ورغم اختلاف فريق بايدن مع رؤية ترمب حيال الانسحاب من عديد المنظمات والمؤسسات والمعاهدات؛ لكنه لا يبتعد كثيرًا عنه، إذ يجد أن معالجة العلاقة مع تلك المنظمات خير من الانسحاب منها، فيرى: "الضرورة الدبلوماسية لإعادة ترميم وتطوير المنظمات الدولية لتمكينهم من الوفاء من غرض وجودهم"، وبخاصة لمواجهة التحديات العابرة للحدود مثل الإرهاب والجائحات والبيئة وانتشار السلاح النووي. وإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على استمرار سياسة "أميركا أولًا"، ولكن بوسائل وأساليب أقل مواجهة وتشنجًا، ويغلب عليها الدبلوماسية وبناء التوافق. وهو ما يبدو تكرارًا لما تم تطبيقه في رئاسة أوباما، بعد القسوة والقوة الصلبة التي صبغت فترة رئاسة جورج بوش القائمة على الشعار المفزع الذي أعلنه بوش عقب الهجوم على برجي التجارة العالمية "من ليس معنا فهو ضدنا".
ويمكن إيجاز ملامح التوجه الأميركي لإدارة بايدن القادمة في أهم الملفات السياسية ومنها، الديمقراطية والشرق الأوسط، حيث يظهر بوضوح من قراءة البرنامج السياسي لبايدن أولوية معالجة "موقف الولايات المتحدة في العالم"، وأن ذلك سيكون عبر إعادة تعزيز فكرة "الغرب" كمجموعة دول ديمقراطية ذات مفاهيم وقيم مشتركة، وليس عبر "التحالفات" التاريخية مثل الأطلسي أو دول جنوب شرق آسيا، وذلك من خلال إنشاء "مجتمع الديمقراطيات" المبني على فكرة الديمقراطية نفسها.
وكما هو واضح فإن بايدن يوجه عنايته لإعادة إنتاج الأداء السياسي لإدارة أوباما وتدوير أساليبها ووسائلها، من خلال القوة الناعمة نحو الشراكات مع الديمقراطيات خارج أوروبا وأميركا الشمالية، فقد تعهد باستضافة "قمة من أجل الديمقراطية" عالمية النطاق كوسيلة لتعبئة الرأي العام العالمي خلف الولايات المتحدة؛ لشل أعضاء مجلس الأمن وتكميم أفواههم وسد القناة الوحيدة التي تمكنهم من اعتراض أهدافها.
ولتحقيق ذلك يدعو البرنامج لإنهاء الحروب المستدامة في أفغانستان والعراق، وإن كان قد جرت الاستدارة عن ذلك من خلال الحملة الانتخابية؛ ليشمل الإبقاء على قوة عسكرية متخصصة في العراق بحجة القضاء على داعش، وقوة مكافحة الإرهاب في سوريا، والانسحاب المسؤول من أفغانستان دون أي جدول زمني يذكر، وهو ما يشي باستمرار نهج الاستراتيجيات المزدوجة والمتوازية التي انتهجها ترمب ذاته.
وفيما يخص قضية فلسطين فلا تغيير جذريًّا يُذكر على ما قطعه ترمب بشأنها، بل ستستفيد إدارة بايدن مما تحقق وتبني عليه، متقمصةً شخصيةَ الطرف المحايد العدل، وتجنب الظهور بمظهر المنحاز الجائر، فإذا كان ترمب قد أقام على "القضية الفلسطينية" بيتًا فإن الإدارة الديمقراطية المعروفة بتأييدها التاريخي المطلق لـ"إسرائيل" ستبني أبراجًا. إذ أن لفظ "احتلال" لا وجود له في البرنامج السياسي للحزب الديمقراطي؛ لكنه وبسبب قوة ونمو الجناح التقدمي المتحرر في الحزب والذي يدعو ويدفع بضرورة مراعاة الحقوق الفلسطينية ليس حبًّا بالفلسطينيين أو ليقظة ضمير، بل لاعتقادهم بأنها مصلحة إسرائيلية وأميركية، فإن سقف ما طرحه برنامج الحزب هوعدم إظهار تأييده بصورة علنية، وإن كان قد انتحل الحياد بعدم دعمه لسياسات ترمب حيال المستوطنات وضم الأراضي الفلسطينية أو رفضها. وسوف تواصل التترس بالحياد الكاذب، الذي دأبت عليه كافة الإدارات الأميركية، فيما تدعم تصفية القضية وفق الرؤية الرأسمالية الاستعمارية المغلفة بالمزاعم اليمينية الإنجيلية والتوراتية.
ولا شك أن إدارة بايدن ستعمل على دفع حكام السعودية المفجوعين بخسارة سيدهم المفضل ترمب، والمرعوبين من مخاطر الصلح مع "إسرائيل"، والفزعين من تهديدات بايدن وتوعده لهم بالويل والثبور وعظائم الأمور، نحو مزيد من الانفتاح على الديمقراطية والحداثة المجتمعية، واللحاق بقطار التحالف والتطبيع مع "إسرائيل"، ولذا فمن المرجح أن يقلب بايدن تهديداته التي أطلقها ضد السعودية إلى ثناء على ابن سلمان، الذي لن يفوت بدوره فرصة التكفير عن ذنب عبادته لترمب، ويُعاجل بايدن بالطاعة والولاء من بوابة التصعيد ضد الإسلام والمسلمين والهرولة نحو الحداثة، والإسراع بحجز مقعد متقدم في قطار التحالف والتطبيع مع "إسرائيل"، وهذا ما تشي به تصريحات الملك سلمان يوم الأربعاء 11 تشرين أول/نوفمبر2020، والتي استجدى من خلالها الإدارة الأميركية القادمة بقبول انضمام المملكة لقطار التحالف والتطبيع على أرضية "المبادرة العربية".
ومن جانب آخر من المتوقع أن تمضيَ إدارة بايدن في إعادة تأهيل إيران، وإعادة المياه إلى مجاريها بالتوازي مع تقدم قطار التطبيع والتحالف العربي الرسمي مع "إسرائيل". ولا يخفى أن إيران التي لعبت دورًا رئيسًا في ترويع الدول الخليجية، ودفعهم للتحالف مع إسرائيل يملأها الشوق والحنين إلى عودة "الإمام" الأميركي من غيبته والذي لم يغب ظله أبدًا. إذ لم يكن خافيًّا رجاؤها بفوز بايدن والحزب الديموقراطي الذي يوازن بينها وبين الضرة السعودية، شأنها في ذلك شأن الدول "الإماء" اللواتي استطبن العبودية واستعذبن الدلال والاهتمام.
ولذا فإن إذعان إيران لشروط الولايات المتحدة بشأن الاتفاق النووي لن يكون عائقًا أمام عودة السيد ونوال رضاه وإرخاء القيود. بل إن تبدل الإدارة الأميركية سيكون مبررًا للنظام الإيراني في المرونة التي سيبديها حيال الملف النووي والمسارات العالقة في سوريا والعراق ولبنان واليمن؛ لإنجاح مهمة الإدارة الأميركية في تسليك مجاري المنطقة، ما سيوفر قبولًا لرياح التغيير التي ستهب على المنطقة، والتي بدأ التمهيد والترويج لها وتصويرها بالانفراجة مبكرًا.
وأما بشأن تركيا فلن يتغير الموقف الأميركي الذي يسعى لاسترداد تركيا إلى بيت الطاعة بعد أن شقها أردوغان، وكما هو معروف أن لبايدن مواقف أكثر صرامة مع أردوغان؛ لكنه لن يخرج عن قاعدة "تركيا أكبر من أردوغان"؛ أي لا بد من مواصلة السعي لإخضاعه أو إسقاطه، فمن المنتظر أن ترفع إدارة بايدن مستوى الدعم للمعارضة التركية وتزداد عليها الضغوط .

27/ربيع الأول/1442هـ
13/11/2020م