المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : متابعة سياسية حول سطوة المال الانتخابي في الولايات المتحدة



Abu Taqi
12-11-2020, 10:32 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

متابعة سياسية
سطوة المال الانتخابي في الولايات المتحدة
من خلال تحليلها للإقرارات الفردية وتقارير الحملات الرسمية التي يجب على كل مرشح تقديمها لمجلس الانتخابات الفدرالي، بنى (مركز السياسة المتجاوبة)، وهو مجموعة غير حزبية تتعقب ما يسمى بالمال السياسي ومقرها العاصمة واشنطن، بنى توقعاته بأن يصل إنفاق حملة الانتخابات لعام ٢٠٢٠ لكافة المجالس والرئاسة إلى مبلغ ١١ مليار دولار ليحطم بذلك ما تم إنفاقه سنة ٢٠١٦، ومنه انفاق 5.2 مليار دولار على الحملة الرئاسية، محطمًّا بذلك الرقم القياسي الذي سجل في الحملة الانتخابية للرئيس أوباما سنة ٢٠٠٨.
وهذا الدعم المالي أكد تفاصيله تقرير مطول لمجلة فوربس والتي أظهرت قيام ٢٥٠ مليارديرًا أميركيّا بدعم حملات كل من ترمب وبايدن الرئاسية، شملت كبار ملاك الشركات التجارية وصناديق الاستثمار والتجمعات الصناعية. ومن هؤلاء بلومبرج الذي خدم بايدن مباشرة حين كان متخلفًا في حملة الترشيح الابتدائية عن الحزب الديمقراطي ومتأخرًا عن برني ساندرز، وذلك عندما شن بلومبيرغ حملة إعلامية قدرتها صحيفة النيويورك تايمز ومجلة فوربز بـ ٨٧٦ مليون دولار، على مدى ستة أشهر لدعم السياسات التي تعكس توجه "يمين الوسط للحزب الديمقراطي"، والتي تختلف عن توجه ساندرز المحسوب على جناح "اليسار التقدمي المتحرر". ثم انسحب بلومبرج وأيد بايدن الذي استفاد بدوره من هذا الدعم، وحاز على ضِعف أصوات ناخبي الحزب الديمقراطي في الانتخابات الترشيحية الأولية، تبعه انسحاب "بوتيجيج" و"السناتورة كلوباشر" واللذين أيدا بمعية بلومبيرغ ترشيح بايدن فيما يشبه الامتثال لقرار علوي يفرض ترشيح بايدن وتوجيه الدعم اللازم له تمهيدًا للتخلص من ترمب.
وفي هذا الصدد غمزت مجلة فوربس بثناء بلومبرج على بايدن الذي قال فيه: "أؤيد صديقي، والأميركي المجيد جو بايدن" فعلقت المجلة مؤكدة استفادة بايدن الذي كان يتقدمه ساندرز في الحملة الابتدائية الحزبية بقولها: "الذي صعد إلى قمة الحملة الابتدائية للحزب الديمقراطي"، وهي إشارة إلى أن وراء لعبة الرئاسة لهذا الموسم ما وراءها، وهو ما يعيدنا بالذاكرة إلى تشنج ترمب حيال التسريبات التي تحدثت عن التحضير لعزله إبان الأزمة التي اتهم فيها بتسخير موقعه ونفوذه بالضغط على الرئيس الأوكراني لتشويه صورة بايدن العام الماضي، حيث غرد حينها الرئيس ترمب بأنه "يتعرض للغدر"، مما يشي بأن ثمة من يحصي عليه أنفاسه من داخل معسكر الدولة العميقة التي ينتمي لها ويدفع مبكرًا بحرمانه من ولاية رئاسية ثانية، سيما وأنه تعرض لحملة انتقادات واسعة بشأن دفاعه عن ابن سلمان في قضية اغتيال خاشقجي، تبع ذلك انتقاده بشأن التعاطي مع جائحة كورونا، وقضية مقتل جورج فلويد، وهو الأمر الذي نحا بالداعمين للحزب الجمهوري إلى الانفضاض عنه وتوجيه عنايتهم لمجلس الشيوخ من أجل المحافظة على رصيدهم فيه.
وهذا ما يفسر حملة ترمب على الصين لتشتيت النظر عن أخطائه في معالجة وباء كورونا، وتداعيات أزمة فلويد، التي جعلت الشعب الأميركي والعالم يتندر بكيفية تعاطيه معهما. كما يفسر رفع ترمب لــ"الكتاب المقدس" على حربته أمام الكنيسة عقب مقتل جورج فلويد، ويُفسر أيضًا عُجالته في عقد اتفاقات الصلح العربية مع "إسرائيل" باعتبارها مركز تنبه الناخبين الإنجيليين واليمين المحافظ والنافذ في الدولة العميقة.
ومع اشتعال حمى الانتخابات بدأ ضخ شركات المعلوماتية والرقمية، مثل (ياهو وأسانا وتويليو وبوكس) عشرات الملايين لحملة بايدن إما مباشرة ضمن الحدود القانونية أو عبر مجموعات الدعم غير المقيد "السوبر باك" الداعمة لحملة بايدن.
ومن ذلك أيضًا الدعم الذي تلقته مجموعات الدعم الجمهورية المعارضة لترمب والتي جنت ملايين الدولارات من رؤوس الأموال، ومنها مشروع لينكولن والذي حصد ٢ مليون دولار من مايكل موريتز الشريك في صندوق سيكويا الاستثماري. وكذلك تجمع الدعم "فيوتشر فوروارد يو اس ايه" وهو التجمع السادس من حيث الإنفاق، وإن لم يسبق له دخول الانتخابات من قبل، وبلغ إنفاقه مبلغ ١٠٠ مليون دولار لدعم بايدن ومعارضة ترمب عبر القنوات المرئية والصوتية. فهذه التجمعات في مجمل إنفاقها والذي وصل إلى 2.5 مليار دولار قد خدمت حملة بايدن بشكل واضح.
وللعلم فحملة بايدن المباشرة والتي وجب عليها الالتزام بحدود الدعم المسموح به تمكنت من استقطاب ٨٠٩ مليون دولار بفائض ٣٠٠ مليون عن حملة ترمب، ومن الأهمية أيضًا أن نعلم بأن بايدن تمكن خلال بضعة أشهر من توفير ٥٠٩ مليون دولار من النخبة (١٪ من الشعب الأميركي) بينما لم يجنِ ترمب سوى ٣٠٨ مليون خلال ٤ سنوات. مما يؤكد عجز ترمب وابتعاد النخبة عن تمويله وعدم توافق القوى الرأسمالية عليه، وهو ما يؤكده تصريح دان إبرهارت أحد المانحين الرئيسيين للحزب الجمهوري، والذي قال لوكالة أسوشيتيد برس: "المانحون الأثرياء لا يمولون ترمب في الوقت الحالي، فإنهم يركزون على مساعدة الجمهوريين في الاحتفاظ بالأغلبية في مجلس الشيوخ حيث يجمع المنافسون الديمقراطيون مبالغ غير مسبوقة من الأموال".
وهذا يؤكد مجددًا أن الجناح الأقوى في الدولة العميقة قد اكتفى بما حققه ترمب ودفع بنقل الثقل لصالح بايدن والحزب الديموقراطي. ما يعني أن ترمب كان ورقة رابحة للدولة العميقة ورجالاتها ومؤسساتها على عدة صعد؛ منها الإصلاح الضريبي، وزيادة الانفاق العسكري، وترجيح كفة رؤوس الأموال في الجهاز القضائي الفدرالي، والتصعيد والضغط في السياسة الخارجية بخصوص الإنفاق العسكري من قبل الدول الأعضاء في حلف الناتو، وتفعيل سياسة الاحتواء حيال الصين. ولكنه كان رجل مرحلة ليس غير، وكان خادمًا وورقة تم كنسها مثلما تم كنس من هو أجدر وأعرق منه مثل جورج بوش الأب.
وختامًا، إن إشعال الرأسماليين لسعار الانتخابات ليس أمرًا عفويًّا وإن كان يُعبر عن انقسام مجتمعي، وإنما هي استراتيجية رأسمالية شيطانية تُعنى بالحفاظ على مصالح أرباب المال، وعلى المبدأ الرأسمالي والديمقراطية الليبرالية، وخداع الشعب وإيهامه بأنه صاحب السيادة وصانع القرار، كما تُعنى بتمكين الدولة من إدارة خيارات الشعب، وتأطير محاسبته واعتراضه بالمشاركة الانتخابية وصناديق الاقتراع لا بالتمرد على النظام، وإيهام الفئة الشعبية المهمشة تحديدًا بأنها مارست إرادتها وعبرت عن غضبها وانتزعت حقها وانتقمت من جلادها.

26/ربيع الأول/1442هـ
12/11/2020م