المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : متابعة سياسية حول جولة أفق في بعض معالم الحياة السياسية الأميركية



Abu Taqi
31-10-2020, 11:53 PM
بسم لله الرحمن لرحيم

متابعة سياسية
جولة أفق في بعض معالم الحياة السياسية الأميركية
أولًا: الانتخابات الأميركية وأجنحة الحزب الجمهوري
لقد تمكن ترمب رغم نشره تغريدات وتصريحات "مجنونة" الإبقاء على صلابة دعم أعضاء حزبه في الكونغرس بمجلسيه الشيوخ والنواب، وذلك حتى تغريدته بنهاية تموز/يوليو ٢٠٢٠ التي أبدى فيها رغبته في "تأجيل الانتخابات الرئاسية"، فتلقى ردًا عنيفًا من أغلبية قادة الحزب (ماكونيل وغراهام وشيني وكروز ومكارثي) وكان داعمه الوحيد وزير الخارجية بومبيو. وبسبب هذه التغريدة كتب داعم ترمب ومؤسس جمعية الفدراليين ستيف كالابريزي رأيا نشرته صحيفة النيويورك تايمز، أن تأجيل موعد الانتخابات غير دستوري مطالبًا "بمحاكمته وإدانته إذا لم يتب" وإن كانت هذه الانتقادات لترمب غير متوقعة، فالمشاهد أن أكثر داعميه مثل السناتور غراهام وكولنز يواجهون خسارة متوقعة في الانتخابات القادمة؛ لقربهم ودعمهم الكامل لترمب، مما مكن منافسيهما من احتواء تحالف الرافضين لترمب.
بل وحسب تحقيق نشرته قناة سي أن أن على موقعها أن كبير الجمهوريين في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل أصبح قلقًا للغاية بشأن فقدان الجمهوريين السيطرة على مجلس الشيوخ، لدرجة أنه أشار إلى أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين الذين يواجهون منافسة صعبة "إمكانية إبعاد أنفسهم عن الرئيس إذا شعروا بضرورة ذلك".
ومن الأمثلة على ذلك قيام ماكونيل بارتداء كمامة الوجه والترويج لاستخدامها. ولقد كان من أوائل المنتقدين لترمب، السيناتور الجمهوري، ميت رومني عن ولاية يوتاه، والذي كان مرشحًا للانتخابات الرئاسية وخسرها ضد أوباما في عام ٢٠١٢، ولهذا نعته ترمب بــ "الفاشل"، وكان الجمهوري الوحيد الذي صوت لصالح محاكمة ترمب في مجلس الشيوخ. وكذلك السناتور "بين ساسي" الجمهوري عن ولاية نبراسكا، والعضو بلجنة المخابرات بمجلس الشيوخ، وهو ليس غريبًا على انتقاد ترمب، فلقد طالب الحزب الجمهوري بإجراء منافسة قبل إقرار إعادة ترشيح ترمب.
ففي بيان أدلى به لمجلة بوليتيكو قال إن "هناك حقًا أساسيًّا _ودستوريًّا_ بالتظاهر، وبالتالي أنا لا أوافق أبدًا على تفرقة أي احتجاج سلمي من أجل صورة مصطنعة".
وشجب توجه ترمب على موقعه الخاص عقب تسريب دراسة البيت الأبيض لإمكانية تخفيض قواتها في كوريا الجنوبية، بقوله: "هذا نوع من عدم الكفاءة الاستراتيجية بنفس مستوى ضعف جيمى كارتر". وبينما يصر ترمب على سياسة "حكم القانون" لقمع المحتجين وانتقاده اللاذع للمتظاهرين، ونعتهم بالهمجية واتهامهم بالعنف والنهب والتدمير للممتلكات، فقد صرح عدد من الجمهوريين في مجلس الشيوخ عن استيائهم من أداء ترمب داعين _وعينهم على مصيرهم الانتخابي في تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٠_ إلى مصالحة وطنية وقيادة شاملة للشعب الأميركي كحاجة ملحة، سيما وأنهم يواجهون انتخابات لمقاعدهم بمجلس الشيوخ في تشرين ثاني/نوفمبر.
وفي محاولة لموازنة ولائهم لترمب، وحاجتهم لأصوات خارج قاعدته الانتخابية، فقد بذلوا ما بوسعهم للموازنة بين إدانة أعمال النهب والتخريب من جهة، والتسليم بوجود عنصرية تبرر الاحتجاجات، وهو ما أشار إليه السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام "علينا أن نعرف بالضبط كيف وصلت الأمور إلى ما هي عليه اليوم، وما الذي يمكننا أن نفعله لمعالجة المشكلة".
ومن منتقدي ترمب أيضًا السناتورة ليزا مركوسكي الجمهورية عن ولاية آلاسكا، والتي صرحت أنها لا تعلم "إذا بإمكانها دعم ترمب في انتخابات عام ٢٠٢٠".
وأما العسكرية الأميركية والتي عادة ما تتعاطف مع الرؤساء الجمهوريين، حيث صوت المحاربون القدامى بواقع ٢ إلى ١ لصالح ترمب سنة ٢٠١٦، فعقب إصدار ترمب الأمر بتفريق المتظاهرين وتوعده باستخدام الجيش لفض المظاهرات، قام عدد من القادة العسكريين العاملين والمتقاعدين بإطلاق عدة تصريحات شديدة اللهجة ضد الرئيس ومنهم وزير الدفاع الأسبق ماتيس، والذي قال بإن ترمب هو "أول رئيس أميركي لا يرغب ولا يحاول توحيد الشعب الأميركي، وحتى أنه لا يتظاهر بالمحاولة بل بالعكس فهو يقوم على تفريقنا"، مضيفًا أنه "خطر على الدستور". كما ذهب بعض العسكريين المتقاعدين لتأسيس جمعية ناخبين باسم "صوت المتقاعدين" والذين نعتوا ترمب ب"خائن أميركا الأول" في أول تصريح لهم. وهناك عدد من الأجنحة الجمهورية مثل "مشروع لينكولن"، وهو جناح محافظ يقوم بشكل مستمر بإصدار إعلانات وآراء ناقدة لترمب، منها إعلان بتاريخ ١١/٦/٢٠٢٠ ذكر فيه أن "الرئيس توج نفسه ثاني رئيس للكنفدرالية" متهمًا إياه بأنه "يمجد كل من حارب للإبقاء على الرقيق وتأييد سيادة البيض".
وأيضًا مجموعة "الجمهوريين ضد ترمب" ومجموعة "الجانب الصحيح"، بالإضافة إلى قيام عدد من موظفي إدارة بوش الابن بتأسيس مجموعة "خريجو ٤٣" للتصويت لصالح بايدن. وقد أجمع المحللون المختصون بنتائج الاستطلاعات والانتخابات الأميركية أن بإمكان بايدن الفوز بالانتخابات الرئاسية القادمة إذا تمكن من استقطاب الناخب الجمهوري الذي رفض في انتخابات ٢٠١٦ "التصويت لترمب أو صوت للمرشح المستقل أو صوت لترمب لرفضه لهيلاري كلنتون".
ويجمع أولئك المحللون على أنه لم يوجد في تاريخ الرئاسة الأميركية رئيسًا أميركيًّا يواجه معارضة منظمة من داخل حزبه. وبالتالي فإن فوز ترمب سنة 2016 بأصوات المجمع الانتخابي لولايات ميشيغان وبنسلفانيا وويسكونسون الــ٤٦ صوتًا لا يعصمه من انقلابهم عليه وتصويتهم لبايدن. سيما وأن ترمب قد فاز بالولايات الثلاثة بهامش 5،٪ (نصف في المائة) من عدد أصوات الناخبين، فإذا تمكن بايدن من إخلال التوازن فسينجح بقلب النتيجة لصالحه. وهذه الأعمال والانتقادات قد لا تغير من قرار النخبة والدولة العميقة بإعادة انتخاب ترمب لفترة رئاسية ثانية. إلا أنها قد تضر ضررًا شديدًا بالحزب الجمهوري ومحاولاته المستميتة للإبقاء على الأغلبية في البيت الأبيض والتي حصل عليها منذ ٢٠١٠.
ولذلك ومع تعرض بعض السناتورات الجمهوريين لاحتمال فقدانهم لمقاعدهم مثل مارثا ماكسالي (أريزونا)، وتوم تيليس (كارولينا الشمالية)، وكوري جاردنر (كولورادو)، وجوني آرنست (إيوا)، و ستيف داينز (مونتانا) وجه ممولو الحزب الجمهوري عنايتهم ودعمهم المالي لمرشحي مجلس الشيوخ.
ثانيًا: تحصين الجمهوريين في أميركا لتوجهاتهم السياسية عبر صياغة القوانين والاستيلاء على المحاكم
من الواضح أن ترمب حكم أميركا خلال فترة إدارته الأولى عبر توجه محافظ وصفه البعض أنه أكثر تحفظًا من ريجان، وقد برز ذلك في سياساته التعليمية والنظام الضريبي وتقليص دور الحكومة الفدرالية عبر تحرير الاقتصاد والأنظمة البيئية، بالإضافة إلى سياساته التجارية والخارجية لمواجهة الصين، ودعم كيان يهود الغاصب، ومطالبة حلفاء أميركا بسداد قيمة الدعم العسكري واللوجستي للمنظومات الأمنية القارية والدولية.
وقد ساعده على فرض تلك السياسات قدرته على العناد مسنودًا بهيمنة الحزب الجمهوري على مجلس الشيوخ، وقدرته على مواجهة خصومه ومنتقديه، والذي جعل منه أقل عرضة للضغوط التي طالما أدت إلى عدول الرؤساء الجمهوريين عن مشاريعهم الأكثر محافظة. إلا أن الأهم من ذلك هو أن تعييناته القضائية والتي بلغت ٢٠٠ قاضٍ للمحاكم الفدرالية (منهم ٢ قضاة بالمحكمة الدستورية و٥١ قاض استئناف) بالإضافة إلى إقصاء عشرات من المدعين العموميين الفدراليين. ولذا فلا بد من تقييم ترمب بأفعاله لا بأقواله التي تهدف إلى تشتيت النظر عن مشاريعه السياسية الرامية لإعادة صياغة النظام القضائي، ليتماشى مع التوجه المحافظ الممول من رؤوس الأموال الأميركية ودافعي الضرائب المغفلين.
إن الحزب الجمهوري منذ عدة عقود وهو يواجه سيطرة الليبراليين من الحزب الديمقراطي والمستقلين على جامعات وكليات الحقوق وقدرتهم على صياغة التوجهات القانونية للدولة عبر تكوين شخصيات خريجي الحقوق في أميركا. ولذا ذهب داعمو الحزب الجمهوري لتأسيس جمعية الفدراليين للدراسات القانونية والسياسات العامة في العام ١٩٨٢ حتى أضحت "أقوى الجهات تأثيرًا" على الحزب الجمهوري وبخاصة على ترمب، حيث صرح قبيل انتخابات ٢٠١٦ أن اختياراته للمناصب القضائية ستكون من لائحة الجمعية، بل إن "خمسة من قضاة المحكمة الدستورية (التسعة) هم أعضاء حاليين أو سابقين في الجمعية".
ويؤكد ذلك تحليل النيويورك تايمز، والذي ذكر أن جل تعينات ترمب لقضاة المحاكم الاستئنافية لهم ارتباطات بالجمعية، فالجمعية تمكنت ليس فقط من انتزاع الدور الريادي للديمقراطيين في "صياغة التوجهات الفكرية لطلبة الحقوق بل وتمكنت من إعادة صياغة المجتمع الأميركي نفسه بنهج متعمد لنقل النظام القضائي الأميركي لليمين المحافظ" بحسب تحليل الصحيفة.
وهذا العمل الدؤوب على مدى قرابة ٤ عقود إنما هو محصلة ونتاج عمل المحافظين على جعل المنظومة الفدرالية تحاكي غايات وأهداف ومصالح الشركات الكبرى وكبار الممولين الراغبين بفلسفة قانونية معادية لتنظيمات البيئة ونقابات العمال وحماية المستهلك الخ، فهذه القوى تدرك منذ عقود أن خدمة مصالحها يأتي من تأثيرها وسيطرتها الفكرية على توجهات القضاء بشكل لا يتأتى من قبل الكونغرس، ولعل أهم شاهد على سياسة ترمب القضائية يأتي من تصريح "دون مكجان" المستشار القانوني الأسبق للبيت الأبيض في خطابه للجمعية سنة ٢٠١٧ حيث قال: "إن منافسي الرئيس يدعون بأن الرئيس قد قام بإسناد خياراته القضائية لمصادر خارجية، وهذا ادعاء كاذب تمامًا فأنا عضو في الجمعية من كلية الحقوق ولا أزال كذلك ولذا وبكل صراحة يبدو أن {موضوع اختيار القضاء} قد تم إسناده داخليًّا" بمعنى أن أهداف الجمعية تم إسنادها للبيت الأبيض للتنفيذ، وقد نشط السناتور الأميركي الديمقراطي عن ولاية رود آيلاند شيلدون وايتهاوس في محاولة منه للوقوف ضد التيار المحافظ، وذلك عبر تسليط الضوء على عدم شفافية مصادر التمويل وشخصيات الدعم المادي والمعنوي للجمعية، وبخاصة حين يتم استخدام تأثيرهم في صياغة آراء قانونية تحت قانون "صديق المحكمة"، والذي من خلاله تقوم جهات مبهمة، وغير شفافة، في تقديم آرائها للمحاكم في القضايا الفدرالية الكبرى. وتكمن أهمية القضاء وتوجهات القضاة في الولايات المتحدة في أن النظام الرأسمالي يعتمد على النظام القضائي، وبخاصة القضاة؛ لترجمة المقاصد والمصالح من التشريعات التي ينتجها النظام التشريعي (الكونغرس)، ومن الآراء القانونية التي ينتجها النظام القضائي، ومن الأوامر التنفيذية الممنوحة دستوريًّا للرئيس. والسيطرة على هذا الجهاز فكريًّا يمنح رؤوس الأموال والمتنفذين وكبار الممولين القدرة على صياغة ضوابط للتأثير الفدرالي وتفسير الأنظمة الدستورية بما يتفق مع مصالحهم. وهذا ما يفسر الانقسام الحاد بين الجمهوريين والديموقراطيين في مجلس الشيوخ حول تعيين ترمب لإيمي كوني باريت، لعضوية المحكمة العليا.

Abu Taqi
31-10-2020, 11:54 PM
ثالثًا: الانفاق المالي للحملة الانتخابية الأميركية لسنة ٢٠٢٠
يتوقع مركز السياسة المتجاوبة أن يصل إنفاق حملة الانتخابات لعام ٢٠٢٠ لكافة المجالس والرئاسة لـ ١١ مليار دولار ليحطم بذلك ما تم انفاقه في ٢٠١٦، ومن هذا المبلغ الإجمالي يتوقع ان يصل الإنفاق على الحملة الرئاسية 5.2 مليار دولار محطما بذلك الرقم القياسي الذي سجل في حملة ٢٠٠٨ أولى حملات انتخاب أوباما.
وهذه الأرقام وإن كانت توقعات للإنفاق الكامل، إلا أنها مبنية أساسًا على تقارير الحملات الرسمية التي يجب على كل مرشح تقديمها لمجلس الانتخابات الفدرالي. وللعلم فإنه منذ وفاة القاضية الدستورية جينسبرج تمكن الحزب الديمقراطي من الحصول على دعم قرابة ٣٠٠ مليون دولار معظمها مما يسمى "الهبات الضئيلة" أي أقل من ٥ دولار. ومن إجمالي مبلغ الـ11 مليار أنفق الحزب الديموقراطي ٥٤٪ بينما أنفق الحزب الجمهوري ما مقداره ٣٩٪ منه. ومن الإنفاق الذي يشمله التوقع هو ما يتم إنفاقه من قبل مجموعات الدعم "السوبر باك" وهي عبارة عن مجموعات تأثير ولوبيات لقضايا محددة تقدم الدعم للمرشحين لقاء منافع تخصها، وقد وصل إنفاقها في هذه الانتخابات إلى مليار ومائة مليون دولار.
إن هذا لدعم إن دل على شيء فإنما يدل على أن الشعب الأميركي الذي ينفق من ماله الخاص لدعم الحملة الانتخابية رهين النظام الرأسمالي الذي استعبده تحت هالة الديمقراطية وسحرها، وأن النظام الديموقراطي ليس إلا ستارٌ يوهم الشعوب بأنها صاحبة السيادة وقادرة على التأثير على مجريات النظام السياسي وصناعة القرار، بينما لا تملك سوى حق انتخاب من يُنيبه الرأسماليون لتأمين مصالحهم. فالأموال تذهب لشركات الإعلام وهي من ركائز الدولة العميقة التي تهيمن على تفكير وتوجهات الناخبين وبناء عقليات الشعوب.
أما الشعوب في البلاد الرأسمالية فهم مجرد قطيع من الرقيق المستعبد لخدمة وتمويل وحماية النظام وأصحاب الأموال المتحكمين به.

14/ربيع الأول/1442هـ
31/10/2020م