المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : متابعة سياسية حول عملية نيس في فرنسا



Abu Taqi
29-10-2020, 09:41 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

متابعة سياسية
عملية "نيس" في فرنسا
صباح هذا اليوم الخميس 29 تشرين أول/أكتوبر2020
وقع صباح هذا اليوم الخميس 29تشرين أول/أكتوبر هجوم بسكين من قبل أحد المسلمين على عدد من المواطنين الفرنسيين بالقرب من كنيسة نوتردام في مدينة نيس الفرنسية، مما عدّه الإعلام استهدافًا للكنيسة، أعقبه تنديد واسع من قبل دول ومنظمات إقليمية ومؤسسات دينية، حيث أسفر الهجوم عن سقوط 3 قتلى وعدد من الجرحى.
وخلال زيارته لكنيسة نوتردام وموقع الحادث بمدينة نيس أعلن الكافر ماكرون بلهجة صليبية مشحونة بروح الحقد والانتقام أن "الأمة بأكملها تقف مع مواطنينا الكاثوليك في وجه الهجوم الإسلاموي".
وإمعانا منه في المبالغة التي تُعبّر عن أزمته، ومن أجل التغطية على فشله، أكد على نشر "سبعة آلاف جندي من أجل توفير الحماية الأمنية في البلاد، بالإضافة إلى رفع مستوى الطوارئ إزاء التهديدات وتوفير الحماية الأمنية لدور العبادة والمدارس". وقال "إذا تعرضنا لهجوم فهذا بسبب قيمنا الخاصة بالحرية ورغبتنا في عدم الرضوخ للإرهاب". وقد جاء هذا الهجوم الأخير وسط أزمة فرنسية صاخبة مع العالم الإسلامي نجمت عن حملة الرئيس الفرنسي ماكرون على الإسلام ونبيِّه بدعوى "حرية التعبير".
وغالبًا ما تترافق العمليات الموصوفة ب "الإرهابية" مع قضايا سياسية وأهداف يراد تحقيقها، وهو ما يلقي بالشك الذي يقترب من اليقين بأنها عمليات مبرمجة تخدم أغراضًا سياسية، يُستغل ويُستغفل فيها شباب مسلم متحمس سهل التوجيه والتوظيف! والدول الغربية تملك من أدوات الرصد ما يمكّنها من السيطرة على حركة المسلمين عمومًا ونشاط ما يسمونهم بالخلايا النشطة وحتى النائمة، الذين لا يَخفوْن على أجهزتها الأمنية بوجه خاص.
ورغم أن هناك قرائن تفيد بأن هذه العملية الأخيرة في مدينة نيس تخدم توجه الولايات المتحدة حيال فرنسا لردعها عن توجهاتها بشأن الناتو وأطماعها في قيادة الاتحاد الأوروبي، وهو ما يؤكده تصريح وزير الخارجية البريطاني، دومينيك راب، بشأن قضية الإساءة إلى النبي صلى الله عليه وسلم بدعوى حرية التعبير، حيث دعا الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي "الناتو" للوقوف معًا "دفاعًا عن قيم التسامح وحرية التعبير"، مما ينطوي على رسالة إلى ماكرون بشأن موقفه من الناتو، الذي وصفه في وقت سابق بالميت دماغياً، برغم ذلك فإن الأرجح هو أن هذه العملية التي وقعت في "نيس" اليوم هي عملية مخابراتية فرنسية بامتياز، إذ صُممت بنفس البشاعة المُنفّرة التي نُفذت بحق مدرس التاريخ صاموئيل باتي "قطع الرأس"؛ لتأليب الرأي العام الفرنسي والأوروبي، وتكثير سواد القطيع الغربي العلماني الحاقد، وإدخالهم في المواجهة السياسية مع تركيا والحرب العقدية المباشرة على الإسلام والمسلمين بنسختها العلمانية المقززة، وتبرير موقف ماكرون الذي خرجت الأمور عن سيطرته، وانقلبت الأجواء ضده، بفعل موقف الدول الأوروبية الرخو في مواجهة ماكرون لتركيا، واستفزازه للعالم الإسلامي، في ظل تراخي الولايات المتحدة وإدانة عملائها الإساءة الفرنسية إلى النبي. وفي ظل حياد روسي عبر عنه تعليق الكرملن: " لا يجوز قتل الناس والإساءة لمشاعر المؤمنين على حد سواء".
وتتضح مسرحية العملية "الإرهابية" وأهدافها السياسية والعقدية في تصريحات ماكرون آنفة الذكر، وفي أول تصريح لعمدة مدينة نيس كريستيان استروزي الذي قال: "لقد طفح الكيل، وحان الوقت الآن لفرنسا لتتحلل من قوانين السلام من أجل القضاء نهائيًّا على الفاشية الإسلامية من أراضينا". والذي ذهب إلى تعبئة الرأي العام الفرنسي والتأثير فيه مشاعريًّا والمبالغة في شيطنة المسلمين، إذ وصف العملية بأنها أودت بحياة الضحايا "بطريقة مروعة"، ودعا إلى "منح حماية إضافية للكنائس في جميع أنحاء فرنسا أو إغلاقها كإجراء احترازي"، وهو ما استجاب له ماكرون على الفور، مما يدل على أن الأمر قد خُطط له مسبقًا. وكل ذلك يأتي في إطار التأكيد على صحة موقف ماكرون وتبريره، وقلب الطاولة على المسلمين، وتجريدهم من غيرتهم على الإسلام ونبيِّه، وفي إطار شيطنة الإسلام، واتخاذ العداوة له سلعة في السوق الانتخابي لاستمالة اليمين المتطرف.
والحقيقة أن هذه العملية وما سبقها يُعيد إلى الأذهان ما عُرف بعمليات "غلاديو"، وهي منظمة أمنية أنشأها حلف الناتو في القرن الماضي عقب الحرب العالمية الثانية؛ للعمل خلف خطوط الاتحاد السوفييتي في حال غزوه للدول الأوروبية. وقد قامت "غلاديو" بأعمال إرهابية في أوروبا لترويع الناس من الشيوعية لتبرير بقاء الناتو، ثم جرى تطوير المنظمة في تسعينات القرن الماضي تحت عنوان "غلاديو بي" التي استبدلت المسلمين بالفاشيين بل ومساواتهم بالفاشيين كما نشاهد اليوم، وواصلت شن هجمات زائفة في أوروبا باسم الإسلام من أجل شيطنته. بينما اعترف ابن سلمان ورئيس الوزراء القطري السابق حمد بن جاسم بأن بلادهم كانت قد وفرت ل"الجهاديين" في أفغانستان وسوريا والعراق الحاضنة الفكريّة والدعم المالي بإيعاز من الولايات المتحدة، في حين تواطأ رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي على إخراج المقاتلين من السجون، كما تواطأ قاسم سليماني على تسليم مدينة الموصل بما فيها من مال وسلاح لتنظيم الدولة، من أجل الحفاظ على النظامين العراقي والسوري، ولتبرير تدخل إيران في سوريا والعراق بحسب "الصندي تايمز" البريطانية.
وعلى هذا النحو جرى التلاعب بالعواطف الدينية للمتحمسين للجهاد من أبناء المسلمين، واستغلالهم وتجنيدهم بأعمال توصف ب"الإرهابية"؛ لإفزاع العالم من الإسلام والمسلمين، وتحويلهم إلى عدو بديل عن الشيوعية وترسيخ دعائم الرأسمالية، ولإرغام أوروبا على بقاء حلف الناتو، وثنيها عن فكرة إنشاء قوة أوروبية موازية تقلل من اعتماد أوروبا على الولايات المتحدة. ومن تلك العمليات المشبوهة عملية مانشستر بتاريخ 22 أيار/مايو 2017 بعد القمة العربية الإسلامية -الأميركية التي عقدت يوم 21 أيار/مايو 2017 في العاصمة السعودية الرياض، وقبيل انعقاد قمة بروكسل لحلف شمال الأطلسي بثلاثة أيام، حيث وقعت العملية رغم إصدار الأجهزة الأمنية تحذيرات بإمكانية وقوعها في مكان الحفل قبل 4 ساعات من وقوعه، علاوة على انتقال منفذ الهجوم من العاصمة لندن إلى مانشستر دون توقيفه، وأيضًا هجوم باريس في كانون أول/ديسمبر 2015، ونيس الفرنسية في 14 تموز/يوليو 2016، وبروكسل في آذار/مارس 2016، وهجوم استوكهولم في نيسان/أبريل 2017.
وكل تلك العمليات بظروف سياسية معينة، وكانت تخدم أهدافًا سياسية إما لصالح أميركا أو لصالح الدول الأوروبية، وذلك بحسب الجهة التي تستغل المنفذين.
وتشير القرائن في هذا الهجوم أنه قد دُبر بليل، ليس من أجل تبرير سن القوانين الجائرة بحق المسلمين في فرنسا فحسب، بل وقوننة العداء للإسلام وتجريم المسلمين وامتهان كرامتهم وانتهاك مقدساتهم في أوروبا وخارجها، وترهيب الأوروبيين من الإسلام واعتناقه أو التعاطف مع شعوبه عند ارتكاب أفظع الجرائم بحقهم. ولهذا فإن إدانة الأعمال "الإرهابية" من قبل المرجفين في بلادنا يرسل إشارات خاطئة إلى المسلمين وإلى العالم بحق الجهاد؛ أخطرها هو الإقرار بتهمة "الإرهاب" وإظهار المسلمين في منتهى البلاهة والغباء لأنهم يُجَرِّمون دينهم وأنفسهم ولا يُجَرّمون صانع "الإرهاب" و"الإرهابيين" وهم الدول الغربية وأميركا والأنظمة التابعة لها.
{وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ * فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ}
12/ربيع الأول/1442هـ
29/10/2020م