المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : متابعة سياسية حول مسرحية ترمب لتسويق نفسه في الانتخابات



Abu Taqi
13-10-2020, 10:54 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

متابعة سياسية
مسرحية ترمب لتسويق نفسه في الانتخابات
في تصوير منسق وإخراج هوليودي عاد ترمب من مشفى والتر ريد الطبي العسكري بواسطة المروحية الرئاسية منتشيًّا ومدعيًّا بأنه تلقى هدية من "الرب"! ثم صعد كأبطال الأفلام السينمائية إلى البلكونة المطلة على الساحة الجنوبية للبيت الأبيض، منتزعًا الكمامة الطبية الواقية موحيًا لقاعدته الانتخابية أنه انتصر! وأن على الشعب الأميركي أن "لا يخاف كورونا"، وأن "لا يترك كورونا تسيطر على مجريات حياته".
فقد جعل كورونا عدوًا شخصيًّا بعد أن أمضى شهورًا وهو ينفي أهميته ويقلل من مخاطره.
والواضح خلال الأيام القليلة الماضية، وبخاصة منذ نقله إلى المستشفى العسكري لتلقي العلاج، أن أعضاءً قياديين في الحزب الجمهوري بدأوا في الابتعاد الشخصي عن ترمب، وذلك خوفًا من تقدير الناخب لاستقلالهم السياسي عن ترمب وإدارته، وبخاصة وأن الناخب الأميركي أمامه خياران: الاقتصاد أو كورونا وتبعاتها.
فلقد تناقلت وسائل الإعلام الأكثر ليبرالية انتقاد بعض السناتورات الجمهوريين لترمب وقيادته وسياساته شخصيًّا، وتهيئة الحزب الجمهوري لـ "حمام من الدم" حسب تصريح السيناتور تيد كروز، وهو كناية عن توقع هزيمة نكراء للحزب في الانتخابات القادمة، وصحب هذا تصريح مفاجئ لقائد الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل أنه امتنع عن زيارة البيت الأبيض منذ ٦ آب/اغسطس (شهرين تقريبًا) وذلك "لعدم ثقته أن ترمب وفريقه يتبعون إجراءات وقائية جيدة" مضيفًا أن "ذلك مخالف لما أصررتُ على اتباعه في مجلس الشيوخ بارتداء الكمامات الواقية وترك المساحات بين الأفراد".
وقد يكون الأكثر إثارة هو تصريح السناتور توم تيليس الجمهوري، والذي يواجه منافسة شديدة في ولاية شمال كارولاينا، لموقع بوليتيكو، أن رسالته للناخب أن "اعيدوا انتخاب الجمهوريين لمجلس الشيوخ كأداة ضبط لإدارة بايدن".
وكذلك تصريح السناتورة مارثا ماكسالي التي رفضت الإجابة على سؤال مشرف المناظرة الانتخابية لمقعد مجلس الشيوخ عن ولاية أريزونا إذا ما كانت "فخورة بدعمها لترمب" رغم إلحاحه. بالإضافة إلى السناتور جون كرونين والذي يواجه منافسة مفاجأة في ولاية تكساس المعروفة بولائها التاريخي للحزب الجمهوري، والذي قال في مقابلة مع صحيفة هيوستن كرونيكل إن ترمب "لم يمارس أي انضباط ذاتي في محاربة كورونا" مضيفًا أن تصريحاته عن "انقضاء خطورة الفيروس أدت إلى ارتباك لدى الشعب،" بينما قام ليندسي جراهام (كارولاينا الجنوبية) وسوزان كولينز (ماين) وجون كاتكو (نيويورك) بالتنديد والتصريح برفضهم لموقف الرئيس من انسحابه من المفاوضات بشأن إقرار قانون الإفراج عن الدعم المالي الثاني للاقتصاد الأميركي، والذي كان التصريح الثاني لترمب بعد عودته للبيت الأبيض.
كل هذه التصريحات على لسان القادة الجمهوريين يمكن قراءتها في سياق محاولة السناتورات، الذين يواجهون إعادة انتخاب، للنأي بأنفسهم عن ترمب، واستمالة الناخب المحلي من أجل الحفاظ على رصيد الحزب الجمهوري في انتخابات مجلس الشيوخ، والتحوط من احتمال فشل ترمب بالفوز بالرئاسة.
كما أن هذه المواقف من الجمهوريين تُعدّ من الشواهد القوية على فشل محاولات ترمب والحزب الجمهوري صرفَ النقاش بعيدًا عن كورونا، والظلم العنصري، وتوجيه الناخبين إلى ما حققه ترمب من إنجازات اقتصادية وضريبية وسياسة خارجية.
وتدل أيضًا على أن الانتخابات قد تحولت إلى استفتاء على ترمب ونمط إدارته وقدراته القيادية في ظل احتدام مشكلتي الوباء والعنصرية، وفي ظل تبدد الثقته في قدرة ترمب على المحافظة على الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ، والسيطرة على ترشيحات النظام القضائي والأجهزة الفدرالية، ووأد مشاريع بايدن السياسية التي تهدد التشريعات البيئية والصحية، وحماية المستهلك التي نقضها ترمب خدمة للشركات الرأسمالية وأصحاب الأموال.
إلا أن ترمب ورغم الضربات التي تلقاها، والتي كانت ستودي بأي مرشح آخر لا يزال يستحوذ على ٤٠-٤٢ من أصوات الناخبين على مستوى الشعب الأميركي، ومن غير المستبعد أن يتكرر سيناريو اللحظات الأخيرة في الانتخابات السابقة التي أطاحت بهيلاري كلنتون، التي ظلت متقدمة على ترمب ثم خسرت الانتخابات بسبب ١٠٤ آلاف صوت من أصل ١٤ مليون صوت في ٣ ولايات، ورجحت كفة ترمب بأصوات المجمع الانتخابي. وبخاصة أن استراتيجية ترمب الانتخابية ترمي لتأجيج حماس الناخبين وخلق جو سياسي من خلال تغريدات وتصريحات تصرف الناخب عن منافسه، كتغريدة ترمب أن التصويت لبايدن هو التصويت لكوملا هاريس لتكون رئيسة، وتصريحاته المتكررة حول الصين وإيران؛ لتشتيت الانتباه عن القضايا المحلية المتعلقة بالاقتصاد وكورونا والعنصرية، بالإضافة إلى توظيف اتفاقيات السلام في الشرق الأوسط لكسب تأييد الناخب الإنجيلي واليهود.
والأهم من ذلك كله هو العودة للسؤال الرئيسي: هل اكتفت الدولة العميقة بإنجازات ترمب وأهمية لم الشمل في المرحلة القادمة حتى يستمر إلهاء الشعب وتعميق ثقته بالنظام الرأسمالي.
وكما يبدو أن دخول الملياردير الأميركي بلومبرج ساحة الانتخابات كان خدمة ودعمًا مباشرًا لبايدن، فقبل دخوله كان ساندرز متقدمًا في الترشيحات التمهيدية، إلا أن إنفاق بلومبرج مئات ملايين الدولارات حسب وكالات الأنباء الأميركية خلال أسابيع، والتي وصفها ترمب بالحماقة والغباء كانت محفزًا مهمًّا لفوز بايدن وتحويل مجرى المرحلة التمهيدية لصالحه، وبلومبرج هو من النخبة السياسية والمالية في الدولة العميقة الأميركية.
ومن ناحية أخرى فإن أسلوب ترمب المبني على المواجهة والعزوف عن سياسة الاحتواء لن يسمح بإيجاد حلول للمشاكل الاجتماعية الداخلية، والتي ستتطلب تدخلًا وقيادة للحزبين، وهذا ما يردده بايدن دومًا مشيرًا إلى عمله كسناتور مع كلا الحزبين لإيجاد حلول وسط.
وبالتالي فإن الدولة العميقة ذاتها منقسمة، ورغم محاولاتها لتوجيه الأحداث الداخلية العاصفة إلا أنها خاضعة لأجواء انتخابية غير مسبوقة، بسبب عوامل خارجة عن التحكم التام، كجائحة كورونا وتداعياتها الاقتصادية، وتمدد الصراع العنصري، وبسبب استثمار الحزبين المتنافسين للأحداث واتخاذها ذخيرة للنيل من بعضهما.
ويمكن القول أن الحزب الجمهوري يولي اهتمامًا أكبر للفوز بمجلس الشيوخ بينما يكافح الديموقراطيون للعودة إلى الرئاسة، والاحتفاظ بأغلبية مجلس النواب، ومحاولة القضم من رصيد الحزب الجمهوري في مجلس الشيوخ، ولهذا تبدو لهجة ترمب خارج المألوف في نزاعه مع خصومه.

26/صفر/1442هـ
13/10/2020م