المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : متابعة سياسية حول الحراك الشعبي في مصر



Abu Taqi
28-09-2020, 01:26 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

متابعة سياسية
الحراك الشعبي في مصر
منذ 20 أيلول/سبتمبر الحالي ومصر تشهد مظاهرات واحتجاجات تطالب برحيل السيسي، ويبدو أن الدافع القريب لهذا الحراك الشعبي هو قرارات هدم بيوت الناس بدعوى أنها مخالفة لشروط البناء، أو أنها بنيت على أراضٍ زراعية أو تابعة لملكية الدولة, أما الدوافع التي تراكمت خلال حكم الطاغية وعصابته فأهمها؛ تطاوله على دين الناس باعتقال الدعاة والتنكيل الشديد بهم، وتَجَرُّؤه على هدم عشرات المساجد مؤخرًا, وحالة الاقتصاد المتردية الذي بات يعتمد اعتمادًا كليًّا على الدعم والمساعدات الخارجية، فضلًا عن الديون الفلكية التي رهنت مقدرات مصر ومستقبلها بيد صناديق الاستثمار الخارجي والشركات الأجنبية العابرة، التي استأثرت بثروة الغاز وحرمت أهل مصر منها، هذا علاوة على استعباد الشعب من قبل طغمة العلمانيين الرأسماليين المتوحشين، وقوى الجيش والأمن، الذين صادروا الحقوق الآدمية لأهل مصر واستباحوا دماءهم وأموالهم وأعراضهم.
وأمام هذا الحراك الشعبي قامت السلطات بحملة اعتقالات واسعة بين المتظاهرين، وبخاصة من الذين تصدوا لقرارات الإزالة أو خرجوا في المظاهرات. وفي مقابل ذلك سارعت قوى وشخصيات "معارضة" إلى إعلان دعمها لهذا الحراك، فقد صدر بيان مشترك وقع عليه التحالف الوطني لدعم الشرعية، وجماعة الإخوان، والبرلمانيون المصريون بالخارج، بالإضافة إلى شخصيات سياسية مثل أيمن نور والمقاول محمد علي.
وعليه فإن مبررات الاحتجاجات بعد إيصال الناس لدرجة الاحتقان متوفرة، وبصرف النظر عمن يقف وراءها إلا أن تأجيجها عن طريق المقاول الفنان محمد علي، ومنحه منصة لمخاطبة الشعب، وتسليط الضوء على نداءاته، يجعل المظاهرات تبدو مجرد تفريغ لاحتقان الجماهير، وبالونات اختبار لعزيمة النظام والمستوى الذي وصل إليه احتقان الشعب.
والذي يدعو إلى ترجيح ما سبق أنه رغم حاجة أميركا للسيسي ونظامه، إلا أنها تتعامل مع الحكام والمعارضة على قاعدة العمل للجميع والبقاء للأصلح بمقتضى مصالحها، إلا أن حاجة الإدارة الأميركية للسيسي في هذه المرحلة، ولغياب شخصيات أو تنظيمات وازنة ومؤثرة عن الحراك، وغياب الدعم الدولي والإقليمي ولو على مستوى الإعلام، باستثناء التغطية التقليدية لمحطة الجزيرة للحراكات المناهضة لنظام السيسي، يجعلنا نرجح أن هذه المظاهرات إذا ظلت بلا قيادة سياسية موحدة وواعية، ولديها برنامجًا قابلًا للتطبيق عمليًا ومفضيًّا إلى إسقاط النظام دون إبطاء، فإنها لن تعدو كونها محاولة جديدة فاشلة في الإطاحة بالنظام.
فالقضية لا تعدو عن كونها فعلًا بالون اختبار لمستوى الاستعداد لدى الشعب للإطاحة بالنظام ومواصلة الاحتجاجات، وقدرة النظام على احتواء التحركات الغاضبة للشعب، ويتوقف عليه بعد ذلك قرار التخلص من السيسي وتغيير الوجوه أو بقاء النظام واستمراره حتى يستنفد مبررات وجوده.
إن التراجع التكتيكي للحكومة عن قرار إزالة المساكن المخالفة من خلال تخفيض المبالغ المطلوبة من المواطنين لتجنب هدم منازلهم وتراجع السيسي بقوله "سننقل المشمولين بإزالة مساكنهم إلى أماكن أخرى، وهناك مَن يسعى إلى تخويفكم والاصطياد بالماء العكر"، وتوجيهه للحكومة بأن تواصل تقديم منحة قدرها 500 جنيه للعمالة غير المنتظمة لمدة ثلاثة أشهر أخرى، يدل على محاولة من قبل النظام لاحتواء الموقف وتطويق حراك الشعب وتنفيس غضبه، وذلك بجانب تخويف السيسي للشعب وتهديده بتدمير البلد إذا انتفض في وجهه، حيث قال: "ولو تحرك المصريون فسيقومون بهدم البلد والقضاء عليه". ولم يفت السيسي في معرض تهديده لاحتجاجات الناس التعريض بالشعارات الإسلامية، وعزمه على التصدي لإقامة النظام على أسس دينية؛ لتحذير الشعب والقوى المتدينة من استغلال العواطف الدينية للمحتجين، بالإضافة إلى إفزاعه للأقباط والعلمانيين، بإيحائه أن حركة الشعب المسلم تهدد وجودهم، وتهدد مصالح الغرب، وهي رسالة لطلب الدعم والوقوف معه.
ويبدو أن الإدارة الأميركية ما تزال تتمسك بالنظام القائم؛ ليستكمل خططها وسياساتها الإقليمية التي ينفذها السيسي على أكمل وجه، سواء ما يتعلق بالمسألة الليبية وغاز شرق المتوسط أوغيرها, فالإدارة الأميركية تحاول تلافي مخاطر زوال نظام السيسي، وبخاصة وهي تغذ الخطى لفرض صفقة ترمب.
ولذلك فإن محاولة إدخال عنصر "المقاومة الشعبية" على الحراك باستعمال الحجارة والمولوتوف، وسكب الماء والزيت الحار على قوات الأمن، هو تمهيد لاستعمال القوة المفرطة ضد المظاهرات بحجة عنف المحتجين، ولا يستبعد هندسة عمليات إرهابية واغتيالات لخلط الأوراق وشيطنة الحراك وتبرير قمعه كما هو متبع في الأنظمة البوليسية.
وعليه فإن التصعيد مرهون بظهور مؤشرات على قدرة المعارضة على السيطرة على الموقف، وتعبئة الشعب ضد النظام، وحمل القوى السياسية والاقتصادية والإعلامية الداعمة للسيسي على التخلي عنه، مع تطمينها على مصالحها مع النظام. وبمعنى آخر فإن الأمر كما قلنا لا يعدو كونه بالون اختبار لمستوى الاستعداد لدى الشعب للإطاحة بالنظام ومواصلة الاحتجاجات، وقدرة النظام على احتواء التحركات الغاضبة للشعب، وبخاصة وأن الاحتجاجات التي نشط المقاول محمد علي بتسعيرها، قد سبقها في بداية هذا الشهر جلسة استماع من قبل اللجنة الفرعية للشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي، والمعنية بشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حول السياسات المصرية والعلاقة الثنائية بين الولايات المتحدة الأميركية ومصر، حيث استمعت اللجنة خلال الجلسة لشهادة عدد من أعضاء مراكز البحوث الأميركية "بروكينجز، كارينجي، هيدسون" بشأن الموقف الأميركي من النظام المصري، والذين وجهوا بدورهم انتقادات لاذعة لسياسة ترمب حياله، ودعوا إلى إعادة النظر فيها باعتبار أن سياسة الرئيس عبد الفتاح السيسي القمعية تهدد المصالح الأميركية.
والخلاصة أنه حتى الآن لا توجد هناك مؤشرات قوية لرحيل الطاغية السيسي على مقتضى سياسات أميركا في مصر أو في المنطقة كلها، رغم انتشار الفقر والنقمة على النظام بين عامة الناس، ورغم الخروج للشوارع.
أما إجراءات النظام الحالية لمواجهة جمعة الغضب القادمة من تراجع النظام وقتيًّا عن قرارات الهدم، وتخفيض الغرامات، وتمديد مدة التصالح حتى نهاية شهر تشرين أول/أكتوبر القادم، فإن الغرض من كل تلك الاجراءات هو امتصاص نظام الطاغية السيسي لموجة الاحتقان، وتشجيع الناس بعدم النزول للشوارع، في الوقت الذي ينبغي ملاحظة أن الاحتجاجات ما تزال محصورة في المحافظات البعيدة والأرياف أمام إغلاق الميادين في القاهرة والمدن الكبرى, التي لم تقتحمها الجماهير بعد.
إنه مما ينبغي التنبيه إليه, أنه رغم القمع الشديد الذي أصاب كثيرًا من أهل مصر بعد تولي الطاغية السيسي حكم مصر, إلا أن تماديه في ظلم الناس وإفقارهم والتطاول على دينهم والتفريط في حقوقهم جعل الناس تتحرك ضده, وأن الإجراءات التي اتخذها النظام تشير إلى تراجعه ولو مؤقتًا، تدل على أن الحكام مهما بلغوا من البطش فإن حركة الناس تخيفهم وتربكهم، وقد تجعلهم يفقدون السيطرة على زمام الأمور، فهل تعي الأمة مقدار قوتها لو تحركت بقوة أمام الطغاة؟!
على أنه لا يصح أن ينسى الناس أن أبناء القوات المسلحة وقوى الأمن هم أبناؤهم الذين يسخرهم الطاغية للفتك بهم, فلا يصح أن ينساق الناس وراء ما يقوم به النظام من زرع العداوة بينهم وبين أبنائهم, كما لا يصح أن يمكنوا النظام من أن يسرق منهم قوتهم الأساسية التي من خلالها يأخذون زمام الأمر من بين يديه, وعلى قوى المجتمع أن يعوا جيداً أن الأمة لن تغفر وستحاسب كل من ارتكب جرائم بحقها من القيادات السياسية أو العسكرية.

11/صفر/1442هـ
28/9/2020م